"الأسلحة فائقة السرعة" عنوان تقرير قدّمه محللو الأبحاث في الكونغرس الأمريكي تكشف نتائجه عن تفوق روسيا والصين بشكل واضح على الولايات المتحدة، فيما يتعلق بالأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.
والأسلحة الأسرع من الصوت لا تقتصر فقط على فرع بعينه من أفرع القوات المسلحة، بل تشمل الصواريخ والطائرات والغواصات، وأيضاً المركبات العسكرية، وهي ما يشار إليها بشكل عام "بأسلحة حروب المستقبل".
لماذا الولايات المتحدة "غير جاهزة" لحروب المستقبل؟
التقرير المحدث الذي قدمه محللو الأبحاث في الكونغرس الأمريكي، بالتعاون مع قسم تطوير الأسلحة في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، يوم 25 أغسطس/آب، أشار إلى تأخر الولايات المتحدة في تطوير الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت مقارنة بمنافسيها في سوق تصنيع السلاح في العالم.
وربما يبدو للبعض أن ذلك التقييم يحمل مبالغة، كون الولايات المتحدة الأمريكية تتصدر جيوش العالم من حيث القوة النيرانية بشكل عام، سواء من حيث الأسلحة المستخدمة في الحروب التقليدية أو الترسانة النووية، لكن الحديث هنا عن الأسلحة الأسرع من الصوت بشكل محدد، وتظهر نتائج التقرير المقدم إلى الكونغرس أن روسيا والصين تتفوقان بشكل واضح على الولايات المتحدة في هذا المجال.
وخلال العام الحالي 2021، طلبت وزارة الدفاع الأمريكية تمويلاً قدره 3.2 مليار دولار لتطوير أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، ومن المقرر أن يرتفع هذا المبلغ بنسبة 18.8% العام المقبل.
لكن هذه المبالغ مخصصة للتطوير والأبحاث، فالجيش الأمريكي حالياً لا يمتلك نظام سلاح واحداً تفوق سرعته سرعة الصوت، وأظهر التقرير الجديد أن شروط تطوير الأسلحة فوق الصوتية لم تتغير، وهو ما يعني أن القوات الأمريكية لن تتسلم نموذجاً أولياً لمجمع سلاح فرط صوتي طويل المدى قبل عام 2023.
وطبقاً للخطة الحالية، من المقرر أن يكتمل برنامج تطوير الأسلحة الأسرع من الصوت بحلول عام 2024. في المقابل، ستتلقى البحرية الأمريكية، في العام 2025، العينات الأولى من سلاح المدفعية السريعة التقليدية (CPS) التي تفوق سرعتها سرعة الصوت للغواصات من فئة أوهايو. وبحلول عام 2028 ستجهز (CPS) غواصات فيرجينيا بسلاح "V-class" النووي.
وستكون القوات الجوية الأمريكية أول من يحصل على أسلحة تفوق سرعة الصوت، مع صواريخ "AGM-183" التي تطلق من الجو بسرعة الاستجابة السريعة (ARRW)، التي سيتم نشرها في عام 2022. وطلبت القوات الجوية الأمريكية بالفعل تمويلاً لشراء أول 12 صاروخاً من طراز "ARRW"، وسيتم نشر الصواريخ في الحالة التشغيلية الأولية.
ماذا عن الأسلحة الروسية إذن؟
المحللون في الكونغرس الأمريكي الذين أعدوا التقرير أشاروا في قسم كبير منه إلى التقدم الكبير في تطوير الأنظمة الروسية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، أو "أسلحة المستقبل"
إذ أدخلت روسيا نوعين من الصواريخ الأسرع من الصوت في الخدمة العسكرية بالفعل، وهما صاروخ "كينجال" الذي تتسلح به مقاتلات "ميغ-31″، وصاروخ "أفانغارد" ذو الرؤوس المدمرة السريعة جداً، التي تنطلق نحو أهداف يزمع تدميرها بسرعة تعادل أضعاف سرعة الصوت بعد أن تنفصل عن الصاروخ.
وعلى سبيل المثال، كما جاء في التقرير الأمريكي، تم نشر صاروخ "كينجال" الروسي الذي تفوق سرعته سرعة الصوت في مهمة قتالية تجريبية عام 2017.
كما ظهرت النتائج الأولية حول تجارب صاروخ "زركون" الروسي الأسرع من الصوت في عام 2019. وخلال منتدى الجيش 2021، وقعت وزارة الدفاع الروسية العقد الأول لتسلم الصواريخ من الجمعية العلمية (NPO) للهندسة الميكانيكية.
ويبدو أن السباق في مجال الأسلحة الأسرع من الصوت سيحتل مكانة بارزة في الفترة المقبلة، إذ أكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو على أن روسيا تعمل على تعزيز قدرات صواريخها "فرط الصوتية"، التي تفوق سرعتها كثيراً سرعة الصوت، وأضاف في لقاء تلفزيوني يوم 30 أغسطس/آب: "إننا بصدد زيادة مدى وسرعة ودقة السلاح فرط الصوتي".
وشدّد شويغو على ضرورة تهيئة جميع الصواريخ فرط الصوتية للانطلاق من منصة واحدة من الممكن أن تحملها الطائرات والآليات الأخرى المتسلحة بالصواريخ فرط الصوتية.
وتحدّثت تقارير كثيرة عن استغلال روسيا للساحة السورية منذ عام 2015 لتجريب أسلحتها الفتاكة الجديدة، ومنها الصواريخ الأسرع من الصوت، على الرغم من نفي روسيا والنظام السوري لتلك التقارير.
ماذا عن الرؤوس النووية؟
بالعودة إلى التقرير الأمريكي المقدم إلى الكونغرس بشأن الأسلحة الأسرع من الصوت، نجد أن هناك قسماً منه يركز على المشوار الطويل الذي قطعته كل من روسيا والصين في تطوير وإنتاج صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت بكثير وقادرة على حمل رؤوس نووية.
وبشكل عام، كما يقول التقرير الأمريكي، كانت هناك قيود صارمة مفروضة على تطوير واختبار الأسلحة فوق الصوتية (الأسرع من الصوت) في الولايات المتحدة لاعتبارات كثيرة، لكن هذا الموقف يبدو أنه قد تغير الآن بسبب روسيا والصين بالتحديد.
إذ يتفق الآن البنتاغون والكونغرس معاً على زيادة وتيرة تطوير وإنتاج تلك الأسلحة في المدى القريب، بسبب التقدم الكبير في تلك التقنيات لدى كل من موسكو وبكين، فكلا المنافسين يمتلك بالفعل عدداً من برامج الأسلحة الأسرع من الصوت، وأنتجا مدرعات تحمل صواريخ انزلاقية أسرع من الصوت وتحمل رؤوساً نووية.
وتفتقر القوات الأمريكية- بأفرعها المختلفة- حالياً لهذا النوع من الأسلحة الأسرع من الصوت والقادرة على حمل رؤوس نووية، وهو ما يستدعي- بحسب التقرير المقدم للكونغرس- الإسراع في محاولة سد تلك الفجوة مع روسيا والصين قبل فوات الأوان.
ويعتبر هذا تحولاً جذرياً في التفكير العسكري الأمريكي، فالسعي إلى تطوير أسلحة تقليدية أسرع من الصوت كان قد بدأ بالفعل منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، لكنه واجه انتقادات عنيفة بسبب التكلفة الباهظة لمثل تلك النوعية من الأسلحة وعدم الحاجة إليها من الأساس، في ظل التفوق العسكري الكاسح للجيش الأمريكي.
لكن التوسع الروسي والصيني في تطوير برامج الأسلحة فوق الصوتية بشكل عام، والصواريخ الأسرع من الصوت والقادرة على حمل رؤوس نووية، التي يمكن إطلاقها من الطائرات والغواصات والمدرعات البرية والمركبات العسكرية العادية، أدى إلى دق ناقوس الخطر لدى الجيش الأمريكي ومحاولة اللحاق بالركب قبل فوات الأوان.
ماذا يعني ذلك لسباق التسلح عالمياً؟
يظل التوسع في تطوير برامج الأسلحة الأسرع من الصوت أمراً مقلقاً لعدد من الأسباب، أولها أن تلك الأسلحة قادرة على إحداث دمار هائل وإيقاع خسائر بشرية مخيفة، خصوصاً الصواريخ بعيدة المدى، وهو ما يذكر بالجدل الذي أثاره استخدام الطائرات المسيرة (الدرونات العسكرية) في الحروب بسبب الأضرار الجانبية الهائلة بشرياً ومادياً.
وفي حالة الصواريخ المجهزة برؤوس نووية يتضاعف الخطر بالطبع، خاصة أن عملية إطلاق الصاروخ- براً أو جواً أو بحراً- قد تتم من على بعد آلاف الأميال لتسبب أضراراً هائلة، يرى منتقدو تلك الأسلحة أنه من المستحيل التحكم فيها أو التنبؤ بحجمها ودقتها.
ولهذه الأسباب وغيرها، نجد أن التقرير المقدم للكونغرس قد وضع بعض التوصيات أبرزها أن تسعى الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن إلى تضمين الأسلحة الأسرع من الصوت في المفاوضات الجارية حالياً للحد من سباق التسلح النووي، حتى لا يخرج سباق التسلح في مجال الأسلحة فوق الصوتية عن السيطرة.
والمقصود هنا هو أن التوسع في تصنيع تلك الأسلحة وتصديرها إلى جميع دول العالم القادرة على شرائها يمثل تهديداً ضخماً في حالة وقوع مثل تلك الأسلحة في أيدي "أنظمة مارقة" أو "تنظيمات إرهابية"، بحسب التوصيف الأمريكي.
لكن إذا كانت هذه وجهة النظر الأمريكية في مسألة الأسلحة الأسرع من الصوت فالسؤال هو: ماذا عن موقف روسيا والصين؟ بمعنى أنه إذا كانت موسكو وبكين تتمتعان الآن بأفضلية واضحة على واشنطن في مجال عسكري، فهل ستقبلان بتوقيع اتفاقية لوضع قيود على برامجهما التسليحية في هذا المجال؟
وفي هذا الصدد، أعلن الأربعاء 1 سبتمبر/أيلول 2021، سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، أن مواقف الولايات المتحدة وروسيا بشأن الحد من التسلح ما زالت بعيدة، مضيفاً أن الحوار بينهما سيستمر.
لافروف لم يكن يتحدث من الأساس عن الأسلحة الأسرع من الصوت، بل جاءت تصريحاته بشأن استعدادات موسكو وواشنطن لبدء اتصالات جديدة بشأن الأمن السيبراني.
وقال لافروف: "بشكل عام [ممثلو روسيا والولايات المتحدة] تحدثوا عن الحاجة إلى إقامة حوار حول الأمن السيبراني. هذا موضوع آخر لم نتمكن من التواصل بشأنه مع واشنطن منذ عدة سنوات… مثل هذه الاتصالات حول هذا الموضوع يتم التحضير لها الآن، لذلك هناك سبب للاعتقاد بأننا في بعض المناطق سنقلل بشكل طفيف التوتر على الساحة الدولية".