العراق يغري جيرانه بالاقتصاد.. فهل يحوّله مؤتمر بغداد إلى وسيط إقليمي بدلاً من كونه ساحة للصراعات؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/08/30 الساعة 16:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/30 الساعة 16:26 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لحظة وصوله للمشاركة في مؤتمر بغداد/رويترز

من النادر أن تكون بغداد محوراً للأخبار الإيجابية، لكن جاء مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، ليشكل نجاحاً أولياً على الأقل لهذا البلد العربي الذي يعاني من الصراعات منذ عقود.

إذ يهدف المؤتمر إلى إبراز العراق تحت قيادة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بوصفه مكاناً يجتمع فيه الخصوم والأصدقاء لمحاولة تسوية الخلافات وإيجاد مسارات مشتركة، بدلاً من كونه ساحة للصراعات الإقليمية.

وتحول مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة إلى تجمُّع تاريخي لجميع دول الجوار العراقي باستثناء سوريا، والفاعلين الإقليميين والدوليين مثل مصر وفرنسا وقطر والإمارات العربية المتحدة.

بحسب السلطات العراقية فإن الهدف من مؤتمر بغداد هو بناء شراكات اقتصادية وتعزيز التعاون السياسي والأمني مع الدول المشاركة.

وبالتأكيد يمثل جلب القوى الإقليمية ذات الثقل إلى الطاولة نفسها في بغداد، برغم حالة الصراع المفتوح بينها، كما هو الحال مع إيران والمملكة العربية السعودية، إنجازاً دبلوماسياً في حد ذاته لحكومة الكاظمي، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.

وقد سبق أن استضاف الكاظمي ثلاث جولات من المفاوضات بين إيران والسعودية، وشارك في مبادرات أخرى تشمل دولاً متصارعة في المنطقة.

هدفان أساسيان يسعى إليهما مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة

ويأتي مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة استمراراً لجهود حكومة الكاظمي لتخفيف حدة التوتر بالمنطقة ودعم الاستقرار في العراق.

ويتطلع العراق حسب تصريحات رئيس وزرائه إلى أن يخرج المؤتمر بنتائج تقود إلى تكامل اقتصادي واجتماعي بين شعوب المنطقة، بما ينسجم مع رؤية العراق في ضرورة إقامة أفضل العلاقات مع محيطه ومع دول العالم، وبما يجعله جسراً للتواصل والتعاون بين جميع دول المنطقة.

وتحدث وزير الثقافة، حسن ناظم، عن أجندة طموحة وواسعة النطاق. وقال إنَّ مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة يرمي إلى تحقيق هدفين؛ أحدهما سياسي والآخر اقتصادي. ويتضمن السياسي جهوداً "لتهدئة التوترات بين دول أخرى في المنطقة"؛ مما يساعد "العراق على استعادة استقراره". 

بينما يتمثل الهدف الاقتصادي في تعزيز الشراكات الاقتصادية بين المشاركين في المؤتمر بمجموعة من المجالات، منها النفط والكهرباء والزراعة والثقافة والتعليم، وضمن ذلك مشروعات بناء المدارس.

مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة
صورة تذكارية للقادة ورؤساء الوفود المشاركين في مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة/رويترز

وعلى الصعيد السياسي، يبدو أنَّ هناك إجماعاً بين المشاركين على دعم الاستقرار في العراق. إذ لا يوجد بلد في المنطقة يستفيد من دولة عراقية ممزقة وعاجزة بشدة عن فرض سلطتها على الصعيد الوطني. ويمكن أن يصبح العراق الذي يعاني من الاضطراب وزعزعة الاستقرار لدرجة فادحة، محركاً لعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة، مع انتشار جميع أنواع الأنشطة الإرهابية والإجرامية عبر الحدود.

وإلى جانب هذا الإجماع الإقليمي على دعم حرب العراق ضد الإرهاب، فإنَّ استقرار العراق يعني أشياء مختلفة للقوى الإقليمية المختلفة التي اجتمعت في المؤتمر.

هذا ما تريده دول الجوار من العراق

بالنسبة لإيران، عراقٌ مستقر يعني حكومة تتماشى سياسياً مع ما يُعرف باسم "محور المقاومة" وشريكاً تجارياً مرحَّباً به ومستعداً لقبول مزيد من الواردات الإيرانية الرخيصة، على الرغم من أنَّ هذه الواردات ساعدت في إفلاس العديد من المنتجين المحليين بالعراق.

بالنسبة للمملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى، فإنَّ استقرار العراق يعني بالأساس دولة مستقلة عن نفوذ طهران. وترى تركيا أنَّ منح الثقة للعراق يعني أن يكون قادراً على مواجهة العدو الرئيسي لأنقرة، وهو حزب العمال الكردستاني وفروعه العراقية، التي يتحالف بعضها مع الجماعات المسلحة الموالية لإيران في العراق. ويعتبر كل من العراق وتركيا حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، على الرغم من تمثيل المنظمات التابعة لحزب العمال الكردستاني في وحدات الحشد الشعبي العراقية.

وبما أنه من الصعب للغاية التوفيق بين هذه المصالح السياسية المتضاربة، فمن غير المرجح أن يحقق المؤتمر هدفه النهائي، لكن لابد من أن يسهم الحوار في الجهود المستمرة لتغيير دور العراق من ساحة معركة إلى جسر للتعاون والشراكة.

وأحد الإنجازات المحتملة التي يمكن أن تسهلها بغداد، والتي يهدف إليها الكاظمي، هو صفقة التقارب الإيرانية السعودية لإنهاء المواجهة المفتوحة، التي ساعدت تداعياتها على زعزعة استقرار العراق. ومثل هذا الوفاق سيكون انتصاراً سياسياً للكاظمي. وكثير من الأهمية السياسية لهذا المؤتمر تنبع من هذا الاحتمال.

في حين يتمثل الدافع الأساسي للمشاركين الآخرين، مثل فرنسا والأردن ومصر، في الاعتبارات الاقتصادية، وليس السياسية، حسب تقرير الموقع الأمريكي.

صفقة طاقة كبيرة لفرنسا وأخرى لمصر والأردن

وبتشجيع من صفقة الطاقة التي حصلت عليها شركة النفط العملاقة الفرنسية Total، واتفاقية تجديد مطار الموصل الدولي التي حصلت عليها شركة Aeroports de Paris Ingenierie (مما أثار انزعاج تركيا التي تنافست على العقد)، تتطلع فرنسا إلى مزيد من المشروعات المربحة بالعراق، خاصة في مجال الطاقة؛ أملاً في ملء الفراغ الذي خلّفه رحيل الشركات الأمريكية والبريطانية.

وتتطلع مصر والأردن إلى اتفاقيات التجارة والبنية التحتية. إذ سيدرُّ شراء العراق الكهرباء من الأردن إيرادات للمملكة الهاشمية التي تعاني من ضائقة مالية، ويقلل من اعتماد العراق على مشتريات الطاقة الإيرانية، ويخفف الضغط الأمريكي على بغداد لفطم نفسها عن هذه التبعية.

إضافة إلى ذلك، ستعمل خطة العراق لتصدير النفط عبر ميناء العقبة الأردني، وربما عبر الموانئ المصرية المجاورة، على تنويع منافذ التصدير في البلاد وجعلها أقل عرضة للاضطرابات الأمنية والسياسية التي يمكن أن تهدد سلامة الطرق البحرية عبر الخليج العربي. وتشمل مشروعات البنية التحتية المخطط لها مع هذين البلدين بناء الطرق والجسور والمدارس التي تشتد الحاجة إليها في العراق.

وخططت بغداد للتوقيع خلال المؤتمر على اتفاقيات الشراكة الاقتصادية التي كانت قيد الإعداد منذ أشهر، لكن العراق لديه سجل ضعيف في إنجاح المشروعات الكبيرة، لاسيما المتعلقة بالبنية التحتية، بسبب الروتين الحكومي ومشكلات الفساد المستشرية التي تحتاج إلى حل أولاً؛ حتى يتسنى للعراقيين رؤية فوائد هذه المشروعات المهمة.

نهج الكاظمي: إغراءات اقتصادية لتخفيف حدة الصراعات السياسية

ويمكن النظر إلى تفكير الكاظمي وشخصيته من جانبين فيما يتعلق بالمؤتمر، حسب موقع Al-Monitor

يتمثل الأول في جهوده لاستخدام التعاون الاقتصادي لحل أو تقليل الآثار السلبية للصراعات السياسية. والمبدأ نفسه منطقي: الفوائد الاقتصادية تجمع الناس معاً بينما تُفرقهم السياسة عن بعضهم البعض. لكن تحويل هذا المبدأ السليم إلى واقع في منطقة غير مستقرة للغاية ومُعرّضة للصراع مثل الشرق الأوسط، يمثل منذ عقود طويلة تحدياً صعباً ومحبطاً.

بينما يتعلق الجانب الثاني بنوع شخصية الوسيط التي تميز نهج الكاظمي في الصراع: بدلاً من المواجهة، حاول الكاظمي إيجاد أرضية مشتركة للأطراف المختلفة للالتقاء ومناقشة الحلول المحتملة. في بلد مثل العراق، بتاريخه الطويل والمليء بالسياسات ذات المحصلة الصفرية، خاصة خلال ديكتاتورية صدام حسين، يعد هذا خروجاً تاريخياً مرحَّباً به عن العرف الإشكالي في الماضي.

تحميل المزيد