أحدث انتصار طالبان، نتيجتين متناقضتين لدى الجهاديين في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة فلول تنظيم القاعدة في سوريا.
فبينما قوبل انتصار طالبان بالترحاب، بين الجماعات المرتبطة والمنشقة عن تنظيم القاعدة على السواء، فإنه قد يؤدي إلى خلاف بين الجماعات التي ما زلت تبايع القاعدة وتلك التي تبرأت منها.
الوجود الأمريكي في أفغانستان كان مفيداً لدول آسيا الوسطى وروسيا
وسيفرض الوضع في أفغانستان تحديات جديدة على روسيا وحلفائها في آسيا الوسطى مثل طاجيكستان وقيرغيزستان وأوزبكستان. إذ كان بإمكان الأمريكيين، أثناء وجودهم في أفغانستان، فرض تدابير لمكافحة الإرهاب أفاد منها جيران أفغانستان في آسيا الوسطى.
ولكن بعد وصول طالبان للحكم، قد ينشأ فراغ أمني، وقد تواجه طالبان صعوبات بالغة في حل هذه المشكلة، حسبما ورد في تقرير لموقع Al Monitor الأمريكي.
وكانت روسيا تأمل أن تتمكن طالبان، بعد رحيل الأمريكيين، من السيطرة على الوضع الأمني وتدمير الخلايا الإرهابية في أفغانستان، وهو ما أكد ممثلون عن طالبان للروس غير مرة قدرتهم على فعله.
ومن الاحتمالات الواردة أيضاً أن تتجه جماعات متطرفة من محافظة إدلب السورية إلى أفغانستان.
ومما يرجح هذا الاحتمال أن هيئة تحرير الشام، الجماعة التي تسيطر على إدلب، وهي انشقاق عن تنظيم القاعدة وتعتبر امتداداً لجهة النصرة، بدأت مؤخراً سياسة تهدف إلى طرد الجهاديين غير السوريين من أراضيها.
ومن المحتمل جداً أن ينتقل عدد من هذه الجماعات إلى أفغانستان تحت ضغط هيئة تحرير الشام. وقد يحدث هذا بموافقة بعض التيارات داخل طالبان أو رغماً عنها.
هيئة تحرير الشام انشقت بقيادة أبومحمد الجولاني عن القاعدة، وباتت تسيطر بشكل شبه على كامل على إدلب التي تعد آخر معقل مهم للمعارضة السورية، في شمال البلاد، وهي تركز على الأجندة السورية، ومحاولة النأي بنفسها عن ماضيها المرتبط بالقاعدة، فيما يوجد مجموعات مرتبطة بالقاعدة، في إدلب أغلبها من غير السوريين، وتريد هيئة تحرير الشام، التخلص منهم.
وسبق أن أطلقت هيئة تحرير الشام، بداية هذا العام، في إدلب حملة اعتقالات واسعة النطاق ضد قيادات وأعضاء بارزين في تنظيم حراس الدين المحسوب على تنظيم القاعدة، حسبما ورد في تقرير آخر لموقع Al-Monitor.
وسبق أن قال المبعوث الأمريكي الخاص السابق لسوريا في عهد ترامب السفير جيمس جيفري بعد خروجه من منصبه إن الفرع السوري لتنظيم القاعدة "ذُخرٌ" للاستراتيجية الأمريكية في سوريا، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
وكان السفير جيمس جيفري قد صرح في مقابلة مع قناة PBS News في مارس/آذار عام 2021 إن جماعة المعارضة الإسلامية هيئة تحرير الشام "الخيار الأقل سوءاً" من بين الخيارات المختلفة في إدلب.
واعتبر المسؤول الأمريكي السابق أن إدلب واحدة من أهم الأماكن في سوريا، التي هي أحد أهم الأماكن في الشرق الأوسط الآن".
وكان مقطع المقابلة مأخوذاً من فيلم وثائقي سيُعرض قريباً على قناة PBS عن أبومحمد الجولاني، القيادي السابق في القاعدة الذي يتزعم الآن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً).
ويعتقد أن "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) أحكمت سيطرتها بشكل كبير على منطقة إدلب في شمال سوريا، وشكّل التقدم الخاطف لها في إدلب بداية العام (2019) نكسة جليّة لعدة فصائل تدعمها تركيا.
هيئة تحرير الشام بدورها تحاول استرضاء أمريكا
وتحاول هيئة تحرير الشام تقديم نفسها على أنها جماعة معتدلة تسعى إلى إزالة اسمها من قائمة الإرهاب الدولي، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل بعد أن صنفتها الولايات المتحدة مؤخراً ضمن "الكيانات ذات الاهتمام الخاص"، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-Monitor.
وكان الجولاني، الذي تصنفه الحكومة الأمريكية إرهابياً، قد قال لقناة PBS إن علاقته بالقاعدة "انتهت" وإن تصنيفه إرهابياً "مجحف".
وزعم أن جماعته الجديدة "لا تمثل تهديداً لأمن أوروبا وأمريكا" وأنها "تعارض تنفيذ عمليات خارج سوريا" على الدوام.
وتسيطر هيئة تحرير الشام الآن على محافظة إدلب، التي يقطنها ما يقدر بثلاثة ملايين شخص، كثير منهم من اللاجئين الفارين من قمع الحكومة السورية. وقال الجولاني إن هيئة تحرير الشام والولايات المتحدة لديهما مصلحة مشتركة في حماية هؤلاء، وفقاً لقناة PBS.
السلاح أجدى من الانتخابات، ولكن طالبان لا تريد أن تربط نفسها بهم
يقول عباس شَريفة، الباحث في مركز جسور للدراسات في إسطنبول، لموقع Al Monitor: "استيلاء طالبان على أفغانستان رفع الروح المعنوية للجماعات الجهادية في سوريا ومنحهم شعوراً بنصر معنوي. وقد طمأنهم ذلك إلى أن الجماعات الجهادية التي تحمل السلاح أفضل حالاً من جماعات الإسلام السياسي المعتدل التي اتبعت المسار السياسي وفشلت، مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس. وهذا الانتصار أقنع الجماعات الجهادية التي ترفض، تماماً مثل طالبان، الديمقراطية والحياة السياسية بأن هذا النهج أفضل من نهج الإسلام السياسي".
ولكنه استدرك قائلاً: "الجماعات الجهادية في سوريا لن تجني فوائد مباشرة من الانتصار الذي حققته حركة طالبان. ولن تستغل انتصار طالبان إلا في وسائل الإعلام، خاصة أن طالبان بعثت برسائل كثيرة مفادها أنها غير مستعدة لدعم الحركات خارج حدود أفغانستان. فلا تريد طالبان في هذه المرحلة أن تسبب إزعاجاً للدول الأخرى بدعم الجماعات المتطرفة. فهي تسعى إلى تكوين دولة وليس مجرد منظمة".
ورأى أنه في الوقت نفسه، بعد أن فشلت جميع الحلول السياسية والديمقراطية، سيعزز انتصار طالبان قناعة العديد من الشباب السوري بأن الصراع المسلح هو الخيار السائد.
فلول تنظيم القاعدة في سوريا قد ينتقلون لأفغانستان دون أن ينشطوا عسكرياً
ويتوقع شريفة انتقال العديد من الجماعات الجهادية من سوريا إلى أفغانستان واستغلال الفوضى هناك. وقال: "بإمكان العديد من قادة هذه الجماعات الاستقرار في أفغانستان باعتبارهم لاجئين سياسيين دون أن ينشطوا عسكرياً ضد أي طرف. وتنظيم القاعدة لم يعد له وجود في سوريا. لكنه قد يستغل انتصار طالبان بين الشباب ويعود".
وقال زعيم جهادي يُعرف بأبوحفص الشامي ويقيم في إدلب لموقع Al Monitor: "من السابق لأوانه الحديث عن المكاسب المادية التي قد تجنيها الجماعات الجهادية في سوريا من انتصار طالبان. وقد تقوى هذه الجماعات إذا تمكنت طالبان من تشكيل دولة مستقرة ومعترف بها دولياً".
وأضاف: "لا أعرف إن كان يوجد مقاتلون أجانب يرغبون في القدوم إلى سوريا. وهذا مستبعد، باستثناء حالات فردية قليلة جداً، على الأقل في الوقت الحالي. بل فضّل العديد من المقاتلين غير السوريين مغادرة الساحة السورية. وانتصار طالبان لن يفيد تنظيم القاعدة في سوريا، إذ لم يعد هذا الفصيل كياناً متماسكاً هنا، بل تحول إلى خلايا تعمل سراً في مناطق سيطرة النظام السوري. ولا أتوقع عودة القاعدة للظهور، على الأقل في المدى القصير أو المتوسط، لأسباب كثيرة".
وقال زعيم جهادي أجنبي رفض الكشف عن اسمه وجنسيته لموقع Al Monitor: "نحن سعداء بسيطرة طالبان على السلطة. والآن، سيذهب العديد من إخواننا الذين اضطهدتهم هيئة تحرير الشام إلى أفغانستان، بعدما أصبحت آمنة لهم تحت سيطرة طالبان. وأنا أعرف قادة تعرضوا لاضطهاد هيئة تحرير الشام في إدلب، ويستعدون الآن للانتقال إلى أفغانستان".
وأضاف: "المقاتلون من أصول أوزبكية وطاجيكية هم الأكثر سعادة بانتصار طالبان. والآن، يمكنهم الذهاب إلى أفغانستان دون خوف من تسليمهم إلى حكوماتهم التي ستسجنهم، مثلما كان يحدث في عهد الرئيس الأفغاني أشرف غني. وربما يتمكن المقاتلون الأوزبك من التحرك بسهولة أكبر من ذي قبل. لكن هذا سيقتصر على حالات فردية. في المقابل، هيئة تحرير الشام لن تسمح لأحد بالقدوم إلى سوريا. وقد اعتقلت مؤخراً بعض المقاتلين غير السوريين الذين قدموا إلى إدلب".
وسيعتمد الكثير بالطبع على موقف تركيا من هذه المشكلة واستعدادها لتوفير ممر لنقل المقاتلين الأجانب من سوريا إلى أفغانستان. وبالنظر إلى المستوى الحالي للعلاقات بين أنقرة وموسكو من ناحية وجمهوريات آسيا الوسطى من ناحية أخرى، فيُستبعد أن تقدم تركيا المساعدة لهذه الجماعات. لكن وجودها في إدلب واحتمالية انتقالها إلى المناطق التي تسيطر عليها تركيا في سوريا يهدد أيضاً المصالح الأمنية لأنقرة.
المفارقة أن أمريكا وروسيا على السواء لا خيار أمامهما سوى الاعتماد على طالبان
وهكذا، يضعنا صعود طالبان إلى السلطة أمام المزيد من الأسئلة التي لا تتعلق بخطط الجماعة نفسها فحسب، وإنما بقدرتها على إتمام المهام التي أوكلتها إليها الدول التي تعمل على تطوير العلاقات والاتصالات معها.
إذ إن المفارقة أن العالم يعتمد على الحركة التي كانت حامية لتنظيم القاعدة على منع صعود داعش والقاعدة وأخواتهما، علماً بأن وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن سبق أن قال إن طالبان أوفت بتعهداتها مع الأمريكيين حتى الآن، وقال بلينكن في مناسبة لاحقة: "إنه إذا أوفت طالبان بالتزامها بالسماح بمغادرة الأشخاص الذين يريدون المغادرة؛ فهذه حكومة يمكننا العمل معها"، ملوحاً بأنها إذا لم تفعل ذلك فإنها قد تواجه عزلة دولية.