تنتهي قريباً المهلة التي منحتها حركة طالبان للقوات الأمريكية لمغادرة أفغانستان نهائياً، والسؤال الآن: كيف ستتصرف الحركة؟ وهل تقرر إغلاق مطار كابول؟
المهلة المتفق عليها تنتهي بنهاية الثلاثاء 31 أغسطس/آب، وعلى الأرجح لن يتمكن جميع الأمريكيين، وبطبيعة الحال الأفغان الذين عملوا مع القوات الأمريكية والتحالف الغربي على مدى 20 عاماً، من مغادرة أفغانستان خلال الساعات القليلة المتبقية.
وكان الهجوم الدامي الذي وقع في المطار الخميس 26 أغسطس/آب وأودى بحياة أكثر من 170 مدنياً أفغانياً و26 من مقاتلي طالبان و13 عسكرياً أمريكياً، قد تسبب أيضاً في إبطاء عمليات الإجلاء التي تجري على قدم وساق منذ استيلاء طالبان على العاصمة كابول منتصف أغسطس/آب.
طالبان لا تعلن عن خطواتها المقبلة
ولا تزال حركة طالبان، العائدة إلى حكم أفغانستان للمرة الثانية بعد 20 عاماً من الإطاحة بها على أيدي القوات الأمريكية، تحتفظ بخططها المستقبلية لكيفية حكمها البلاد هذه المرة، وتصر على ألا تفصح عن أي من ذلك قبل المغادرة التامة للقوات الأجنبية من البلاد.
وتمثل مسألة سماح طالبان للراغبين في المغادرة، بعد أن تتولى الحركة المسؤولية الكاملة عن مطار حامد كرزاي الدولي وهو المنفذ الجوي الأبرز للدولة الحبيسة، عاملاً رئيسياً بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وأيضاً للحكومات الغربية المشاركة في التحالف الدولي في أفغانستان منذ 2001.
إذ تخوض وسائل الإعلام الغربية حملة مكثفة للضغط على الحكومات الغربية من أجل ضمان التزام طالبان بالسماح للأفغان الراغبين في المغادرة بالرحيل، خصوصاً هؤلاء الذين عملوا مع وسائل الإعلام أو المنظمات الحقوقية والتنموية الغربية، وتنشر الصحف الكبرى والقنوات التليفزيونية قصصاً مكثفة حول المتعاونين معها والذين لم يتمكنوا من المغادرة حتى الآن.
وعلى الرغم من أن طالبان قد أصدرت "عفواً عاماً" عن جميع العاملين مع الحكومة الأفغانية –المدعومة من الغرب– مدنيين وعسكريين، وتكرار قادة الحركة ومتحدثيها الرسميين التأكيد على أن طالبان لن تطبق "سياسة انتقام" أو ملاحقة لأي من معارضيها أو أعدائها، إلا أن وجود بعض التقارير عن وقوع أعمال انتقامية من جانب بعض مقاتلي الحركة يزيد من حالة القلق، ومن ثم الضغوط على جميع الأطراف.
ماذا تقول الإدارة الأمريكية؟
ومع اقتراب المهلة النهائية لبداية "الحكم الفعلي لحركة طالبان" ودخول أعضاء الحركة إلى المطار وتولي مسؤولية إدارته وتشغيله، حاول وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن طمأنة الرأي العام في بلاده بشأن سيناريوهات تلك المرحلة المقبلة، بحسب تقرير لممجلة Politico الأمريكية.
وفي مقابلات تليفزيونية مساء الأحد 29 أغسطس/آب، قال بلينكن إنه "يتوقع عدم قيام حركة طالبان بإغلاق البلاد بعد 31 أغسطس/آب"، مضيفاً أن "144 دولة قد أوضحت بشكل كامل توقعاتها بأن طالبان سوف تسمح بحرية السفر من وإلى أفغانستان بعد نهاية أغسطس/آب".
وحاول بلينكن جاهداً أن يطمئن الأمريكيين القلقين من قيام طالبان بحظر السفر من وإلى أفغانستان بمجرد السيطرة على مطار كابول، فقال إن "الولايات المتحدة تسعى للتأكد من امتلاكها جميع الأدوات والوسائل الضرورية لسفر من يريدون مغادرة أفغانستان بعد 31 أغسطس/آب".
ويتركز الحديث الآن داخل الولايات المتحدة وبريطانيا على وجه الخصوص، بشأن بعض الأمريكيين والبريطانيين العاملين في منظمات حقوقية وتنموية دولية ولا يزالون داخل أفغانستان، إضافة إلى أفغان عملوا مع قوات الدولتين ولم يتمكنوا بعد من المغادرة.
وقال بلينكن إن بلاده "تضع خططاً كثيرة الآن بشأن ما قد يكون ضرورياً لضمان أن يظل مطار كابول يعمل بشكل طبيعي (بعد أن تتولى طالبان تلك المهمة)، سواء كان ذلك بشكل مباشر (أي في الدقيقة الأولى بعد منتصف ليل الثلاثاء 31 أغسطس/آب)، أو في حالة الضرورة لاتخاذ الخطوات اللازمة لإعادة تشغيله بأسرع ما يمكن، من خلال العمل مع دول في المنطقة يهمها للغاية أن تقدم المساعدة".
ماذا يعني ذلك لطالبان وللمطار؟
توقف كثير من المحللين عند تصريحات بلينكن، خصوصاً الإشارة الضمنية إلى احتمال أن يتوقف مطار كابول عن العمل بمجرد تولي طالبان المسؤولية عنه بشكل كامل، على أساس أن ذلك يحتمل أكثر من تفسير.
فالبعض يرى أن طالبان قد تعلن وقف العمل في مطار كابول بشكل مؤقت، حتى ينتشر مقاتلو الحركة في أرجاء المطار ويضمنوا وضع خطة تشغيله وتأمينه من جانبهم بصورة كاملة. وفي ظل الملابسات المحيطة بالمطار الآن، يعتبر هذا السيناريو وارداً بل ومرجحاً بحسب كثير من المراقبين.
فمسؤولية تشغيل المطار وتأمين بواباته الأربع تقع حتى هذه اللحظة تحت مسؤولية القوات الأمريكية والقوات الخاصة الأفغانية -التابعة لحكومة الرئيس الهارب أشرف غني- بينما تتولى طالبان مسؤولية التأمين خارج المطار والشوارع المؤدية إليه. وبالتالي فإن دخول أعضاء الحركة ومهندسيها ومسؤولي المراقبة الجوية والتشغيل التابعين لها إلى المطار والاستعداد لتولي تلك المهام سيحتاج حتماً إلى بعض الوقت، لن تكون حركة الطائرات فيه -إقلاعاً وهبوطاً- ممكنة بشكل تلقائي.
وفي هذه النقطة، كانت طالبان قد قالت الجمعة -في أعقاب الهجوم الدامي الذي تبناه تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان (داعش – ولاية خراسان)- إن "قوات الحركة اتخذت مواقعها في مطار كابول ومستعدة لاستلام السيطرة الكاملة عليه في وقت قريب قد يكون خلال اليومين المقبلين بمجرد رحيل القوات الأمريكية.
وذكر قيادي بارز لرويترز أن قوات طالبان سيطرت على أغلب المطار "عدا جزء صغير لا يزال به أمريكيون"، بينما قال مسؤول آخر إن "القوات مستعدة لتولي السيطرة الكاملة"، مضيفاً أن الأمر لا يتخطى مسألة وقت.
هل تمتلك طالبان الخبرات لتشغيل المطار؟
لكن النقطة الأخرى المتعلقة بهذا الملف الشائك تبدو أكثر ارتباطاً بمدى امتلاك طالبان للخبرات الفنية اللازمة لتشغيل المطار، وربما يكون ذلك ما قصده بلينكن عندما تحدث عن "إعادة تشغيل المطار بأسرع وقت ممكن" وأيضاً حديثه عن استعداد ورغبة كثير من دول الجوار "لتقديم المساعدة".
وفي هذا السياق، تحدثت كثير من التقارير في الأيام القليلة الماضية حول طلب حركة طالبان من تركيا تولّي أنقرة مهمة تشغيل المطار على أن تتولى الحركة مهام التأمين والحماية.
لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدا أمس الأحد 29 أغسطس/آب غير متحمس تجاه أن تقوم بلاده بتشغيل مطار العاصمة الأفغانية مقابل تعهد طالبان بتوفير الأمن فيه، محذراً من أن بلاده سوف تكون في موقف صعب حال تعرض المطار لأي هجوم آخر.
وقال أردوغان: "ماذا قالت حركة طالبان على صعيد مشكلات المطار؟ قالوا لنا اتركوا لنا إجراءات التأمين، لكن تولوا أنتم التشغيل'" وفقاً لتقارير نشرتها وكالة أنباء الأناضول ووسائل إعلام أخرى. وأضاف: "كيف يتأتى لنا أن نسلمهم مهام التأمين؟".
وتساءل أردوغان: "على فرض أننا سلمنا لهم مهام التأمين، كيف نبرر موقفنا للعالم إذا تكرر حمام الدماء الذي شاهدناه مرة أخرى؟ إنها ليست مهمة سهلة".
القصة هنا إذن تبدو أكثر وضوحاً، فطالبان لا تريد أن تتراجع عن مغادرة جميع القوات الأجنبية أفغانستان بنهاية أغسطس/آب، وتريد من تركيا أن تمدها بالفنيين والخبرات اللوجستية اللازمة لتشغيل مطار كابول، بينما تتردد أنقرة في تلبية طلب الحركة بسبب المخاطر الأمنية المحيطة بالمطار.
وقد أبلغ مسؤول أمريكي رويترز، الإثنين 30 أغسطس/آب، بأن ما يصل إلى خمسة صواريخ أُطلقت على مطار كابول الدولي قبل أن تعترضها منظومة دفاع صاروخي، وأضاف أن الصواريخ أُطلقت في وقت مبكر من صباح الإثنين بتوقيت العاصمة الأفغانية، غير أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت المنظومة الدفاعية أسقطتها جميعاً.
وبالتالي فإن الخطر الذي يتربص بمطار كابول مصادره متنوعة وليس فقط سيارات مفخخة أو انتحاريين يرتدون أحزمة ناسفة، كما أن العداء المستحكم بين طالبان وداعش-خراسان يرجح أن تلك الهجمات ربما لا تتوقف بانسحاب القوات الأجنبية.
هذه العوامل المعقدة والمتشابكة تجعل من الصعب توقع المسار الذي قد تتخذه طالبان فيما يخص مسألة تشغيل مطار كابول، وإن كانت رغبة الحركة في الحصول على الاعتراف الدولي هذه المرة قد تجعلها أكثر مرونة في التوصل لاتفاق ما مع الأتراك، على سبيل المثال، لضمان استمرار تشغيل المطار تفادياً لصدام مبكر مع المجتمع الدولي.