قبل أن تفرض حركة طالبان سيطرتها على العاصمة الأفغانية كابول بساعات، هرب الرئيس الأفغاني أشرف غني بطائرة قصره الرئاسي، وتساءل العالم لأيام عن المكان الذي رحل إليه الرئيس الهارب المدعوم أمريكياً، ولم تكن مفاجأة كبيرة حين ظهر في دولة الإمارات العربية المتحدة في 18 أغسطس/آب 2021.
إذ ينضم غني إلى قائمة طويلة من الزعماء السابقين الذين سعوا للحصول على ملجأ في البلد الخليجي الحليف للولايات المتحدة الأمريكية. فالرئيس الباكستاني الأسبق برويز مشرَّف، ورئيس الوزراء التايلاندي السابق تاكسين شيناواترا، والعاهل الإسباني السابق خوان كارلوس، وغيرهم، كلهم يعتبرون الإمارات دياراً لهم.
تقول مجلة The Economist البريطانية، إن كل أولئك القادة غادروا بلدانهم "مُسربَلين بالخزي"؛ إذ أُدين مشرَّف بالخيانة لتعطيل وإلغاء الدستور الباكستاني عام 2007. وأُدين شيناوترا بارتكاب فساد خلال توليه رئاسة الوزراء. ويُتَّهم خوان كارلوس بتعاملات مشبوهة مع السعودية. وانتُقِد غني لإسراعه بالفرار مُحمَّلاً بما أمكنه من أموال، ولو أنَّه ينفي أنَّه غادر مع ملايين من الدولارات النقدية كما قالت تقارير. وقال في مقطع فيديو نُشِرَ على فيسبوك إنَّه غادر بـ"طقم ملابس تقليدية، وسترة، وصندل كان يرتديه".
المسؤولون الأفغان الهاربون يتوافدون إلى الإمارات بصحبة ملايين الدولارات
تقول "ذي إيكونوميست"، إن مسؤولين أفغاناً آخرين خططوا لذلك مسبقاً، إذ يُشتَبَه بأنَّهم نقلوا مئات ملايين الدولارات من كابول إلى دبي، المركز المالي للإمارات، على مدار السنوات. فوفقاً لبرقيات دبلوماسية أمريكية، سافر نائب رئيس سابق، هو أحمد ضياء مسعود، ذات مرة إلى دبي ومعه 52 مليون دولار نقداً. (يقارب متوسط الدخل السنوي في أفغانستان 500 دولار). وذهب بعض ماله إلى العقارات.
وتفيد تقارير بأنَّ شيرخان فرنود، رئيس مجلس إدارة بنك كابول الراحل (ومُقامِر يُقبِل على المخاطرة العالية)، كان يمتلك عشرات العقارات في جزيرة نخلة الجميرة الفارهة في دبي. وقدَّم قروضاً لمساعدين للرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي، من أجل شراء فلل في الإمارة. وقال فرنود لصحيفة The Washington Post الأمريكية في 2010: "ما أفعله ليس صواباً وليس ما يجب عليّ عمله. لكن هذه هي أفغانستان".
الإمارات.. جنة غسيل الأموال على الأرض والمكان الأكثر أماناً للمسؤولين والقادة الفاسدين
تقول المجلة البريطانية إنَّ دبي تتخذ موقفاً متصالحاً تجاه الأموال القذرة. إذ تأتي الإمارات في مكانة سيئة على مؤشر مخاطر غسل الأموال الذي يصدره معهد بازل للحوكمة. وقد جعل ذلك منها بلاءً للحكومات التي تحاول كبح الفساد، لكنَّها ملاذ مُفضَّل لغاسلي الأموال ومُهرِّبي السلاح والمسؤولين المشبوهين.
وعادةً ما تستفيد دبي المستقرة والآمنة حين يهرب رأس المال من الأماكن الأكثر تقلُّباً في المنطقة. والمسؤولون الأفغان ليسوا أول مَن يظهر ومعهم حقائب ممتلئة بالنقود؛ إذ سارع مسؤولون عراقيون سابقون إلى هناك حين غزا الأمريكيون بلادهم في 2003. وكذلك فعل أقارب رئيس النظام السوري الغارق في الدماء، بشار الأسد، في 2012.
ويفترض الهاربون والمنفيون السياسيون الذين يصلون الإمارات أنَّ بإمكانهم أن يعيشوا حياة آمنة ومعزولة ومترفة. فيقول أحد السكان السابقين المترفين في الإمارات للمجلة البريطانية: "لا يوجد باباراتزي (مصورو صحافة المشاهير)، لن يطاردك أحد". والأهم أنَّ البلاد لا تشتهر بمساعدة المساعي الدولية لتحقيق العدالة. فعمليات تسليم المجرمين نادرة، والملاحقات القضائية لارتكاب مخالفات مالية في الخارج أكثر ندرة حتى من ذلك.
لا تملك الإمارات معاهدة تسليم مجرمين مع أفغانستان، لكن قد لا يُلتَزَم بذلك إذا ما تقدَّمت طالبان بطلب. وتنتظر جنوب إفريقيا منذ سنوات أن تساعدها الإمارات في تسليم الأخوين غوبتا، اللذين اتُّهِما بالفساد وقِيل إنَّهما يعيشان في دبي. وقَّع البلدان معاهدة تسليم مجرمين هذا العام. ولا تزال جنوب إفريقيا تنتظر.
كسب النفوذ.. "إنَّهم يوفرون ملجأً لنخبة الظلام في العالم"
وفي مقابل الترحيب، غالباً ما تحصل الإمارات على نفوذ؛ إذ يجد بعض المنفيين، مثل الفلسطيني محمد دحلان، مجلساً في بلاط ولي العهد والحاكم الفعلي محمد بن زايد. يقول مسؤول إماراتي سابق إنَّ الشيخ محمد بن زايد "يحتفظ ببطاقات الجوكر كي يلعبها في مناطق جغرافية رئيسية". ويساعد دحلان، الذي يستعدي كلتا الحركتين الفلسطينيتين الرئيسيتين فتح وحماس، في الجهود الدبلوماسية في صربيا وإثيوبيا وإسرائيل ومناطق مختلفة من العالم. يقول كريستوفر ديفيدسون، الخبير في شؤون دول الخليج: "إنَّهم يوفرون ملجأً لنخبة الظلام في العالم".
ويبدو في بعض الأحيان أنَّ الإمارات تؤوي هاربين سياسيين وقادة منفيين بهدف كسب النفوذ أو التودد لأمريكا، وهي حليف رئيسي لها. قد يكون ترحيب الإمارات الحار بغني أيضاً ضربة مُوجَّهة لقطر، وهي منافسة للإمارات. فبالعودة إلى التسعينيات، كانت الإمارات واحدة فقط من بين ثلاث دول تعترف بحكم طالبان لأفغانستان (وقد كُوفِئَت بتدفقات مالية من زراعة الحشيش).
لكن مؤخراً، وجدت طالبان وغيرها من المنفيين الإسلاميين موطناً لهم في قطر. ونالت قطر تقديراً دولياً العام الماضي باستضافتها المحادثات بين أمريكا وطالبان، التي تهدف لإنهاء الصراع الأفغاني.