رغم أن الولايات المتحدة تقاتل حركة طالبان منذ 20 عاماً في أفغانستان، فإن أكبر تهديد فوري لكل من الأمريكيين وطالبان فيما تصعِّد الولايات المتحدة وتيرة عمليات الإجلاء في مطار كابول الذي تعرض لهجومين داميين، الخميس 26 أغسطس/آب 2021، هو منافس مشترك أقل شهرة: إنه تنظيم الدولة الإسلامية (ولاية خراسان) أو كما يسمى اختصاراً بالإنجليزية "ISIS-K"، كما تقول صحيفة The New York Times الأمريكية.
وأُنشِئ "داعش خراسان" قبل 6 سنوات من جانب حركة "طالبان باكستان" الساخطة، ونفذ التنظيم المتطرف عشرات الهجمات في أفغانستان هذه السنة سقط فيها عشرات المدنيين وغيرهم. ويقول الجيش والاستخبارات الأمريكية إنَّ التهديدات من التنظيم تتضمَّن تسلل السيارات المفخخة والمفجرين الانتحاريين خارج مطار حامد كرزاي الدولي والضربات بقذائف الهاون ضد المطار.
ويوم الخميس قُتل ما لا يقل عن 72 مدنياً أفغانياً بالإضافة إلى 13 جندياً أمريكياً وأصيب 18 آخرون، بانفجاري مطار كابول الذي تبناهما تنظيم "داعش خراسان"؛ وذلك في إحدى أشد الهجمات دموية على الجنود الأمريكيين في العقدين الماضيين من الصراع في أفغانستان وأول قتلى عسكريين أمريكيين هناك منذ فبراير/شباط 2020.
وقبل يومين من الهجمات، تحدّث الرئيس الأمريكي جو بايدن عن وجود تقارير استخباراتية تشير إلى استعداد تنظيم الدولة في خراسان لتنفيذ هجوم إرهابي يستهدف المطار، في معرض تفسير الرئيس لالتزامه بمهلة 31 أغسطس/آب لإنهاء عمليات الإجلاء، حسبما أرادت طالبان.
ويوم الخميس 26 أغسطس/آب، حثّت الولايات المتحدة وحلفاؤها المواطنين الأفغان على الابتعاد عن مطار كابول، بسبب تهديد محتمل بأن يشن تنظيم داعش هجوماً إرهابياً، في الوقت الذي تُسابق فيه قوات الدول الغربية الزمن لإجلاء أكبر عدد ممكن من الأشخاص قبل انقضاء المهلة المحددة.
بالإضافة إلى ذلك، قالت حركة طالبان قبل ساعات من وقوع الهجمات، إن مقاتليها الذين يقومون بحراسة محيط المطار معرضون للخطر أيضاً، في ظل العداوة بينهم وبين تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان.
داعش خراسان.. عدو طالبان اللدود
تكشف التهديدات دينامية معقدة بين طالبان من ناحية، وعدوها اللدود تنظيم "داعش خراسان"، في ما يقول المحللون إنَّه ينذر بصراع دموي يضم آلاف المقاتلين الأجانب في كلا الجانبين.
إذ خلُص تقرير للأمم المتحدة في يونيو/حزيران الماضي إلى أنَّ 8 إلى 10 آلاف مقاتل من آسيا الوسطى ومنطقة شمال القوقاز الروسية وباكستان تدفقوا إلى أفغانستان في الأشهر الأخيرة. وذكر التقرير أنَّ معظم هؤلاء يرتبط بالقاعدة، لكنَّ كثيرين منهم متحالفون مع تنظيم "داعش خراسان".
ويقول المسؤولون الأمريكيون إنَّهم مستعدون لمحاربة التحديات الإرهابية الفورية والأطول أجلاً في أفغانستان. وأولاً وقبل كل شيء في مطار كابول.
قال جيك سوليفان، مستشار بايدن للأمن القومي، في 22 أغسطس/آب، إنَّ التهديد من تنظيم "داعش خراسان" هو تهديد "شديد ومستمر"، وإنَّ القادة والمسؤولين الأمريكيين الآخرين يتخذون كافة الخطوات لإحباط أي هجمات.
ويشمل هذا عقد مواءمة كانت تبدو "غير محتملة" مع طالبان، على الأقل مؤقتاً، ليس فقط للسماح بمرور آمن للمواطنين الأمريكيين والحلفاء الأفغان إلى المطار من أجل مغادرة البلاد، لكن أيضاً للدفاع عملياً في مواجهة هجمات "داعش خراسان".
وأدان زعماء تنظيم الدولة في أفغانستان سيطرة طالبان على البلاد، وانتقدوا رؤيتهم للحكم الإسلامي باعتبارها ليست صارمة بما يكفي، وتقاتلت الجماعتان في السنوات الأخيرة في أكثر من موقف.
هل يتحول تنظيم "داعش خراسان" لقوة رئيسية في أفغانستان؟
وقال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إنَّ الهجوم على المطار سيكون ضربة استراتيجية لكل من الولايات المتحدة وقيادة طالبان سوياً، التي تحاول إثبات أنَّ بإمكانها السيطرة على البلاد. ومن شأن هذا الهجوم تعزيز مكانة تنظيم "داعش – ولاية خراسان" في العالم الجهادي.
تقول صحيفة نيويورك تايمز إن تنظيم "داعش – ولاية خراسان" يُعَد واحداً من الأفرع العديدة التي أسسها تنظيم الدولة الإسلامية بعد اجتياحه شمال العراق قادماً من سوريا في عام 2014 وإنشاء خلافة بحجم بريطانيا. سحقت حملة بقيادة الولايات المتحدة تنظيم الدولة الإسلامية، لكن يظل هناك أكثر من 10 آلاف مقاتل تابعين لداعش في العراق وسوريا، ويزدهر فرعا داعش في منطقة الساحل الإفريقي وشبه جزيرة سيناء.
لكنَّ المحللين يقولون إنَّه لم يسبق أن كان تنظيم "داعش – ولاية خراسان" قوة رئيسية في أفغانستان، ناهيكم عن الساحة العالمية. وتراجعت صفوف التنظيم إلى نحو 1500 إلى 2000 مقاتل بحسب تقديرات غير دقيقة، وهو نصف ما كان عليه التنظيم في مستويات ذروته عام 2016 قبل أن تُلحِق به الغارات الجوية الأمريكية وهجمات القوات الخاصة الأفغانية خسائر فادحة.
لكن خلُص تقرير الأمم المتحدة إلى أنَّ الفرع يبقى منذ يونيو/حزيران 2020 وتحت قيادة قائد جديد طموح، الدكتور شهاب المهاجر، "نشطاً وخطيراً" ويسعى لملء صفوفه بالمقاتلين الساخطين من "طالبان باكستان" والمتشددين الآخرين.
وقال سيث جونز، المتخصص بالشأن الأفغاني بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "لم يكونوا فرعاً من الصف الأول لداعش، لكن مع رحيل القوات الخاصة الأفغانية ورحيل الجيش الأمريكي، هل سيمنحهم ذلك مُتنفَّساً؟ هذا ممكن".
خلايا نائمة تعود للنشاط
وعلى الرغم من تراجع تعداد مقاتلي التنظيم الإجمالي في السنوات الأخيرة، قال جونز إنَّ "داعش خراسان" أبقى على خلايا من المقاتلين السريين الذين شنّوا هجمات إرهابية.
وقال مسؤولو مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة في تقرير يونيو/حزيران إنَّ داعش شنَّ 77 هجوماً في أفغانستان في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، بزيادة من 21 هجوماً في الفترة نفسها من عام 2020. ويُعتَقَد أنَّ تنظيم "داعش خراسان" مسؤول عن تفجير مدرسة في العاصمة الأفغانية أسفر عن مقتل 80 طالبة مدرسية في مايو/أيار الماضي.
قال عبد السيد، وهو خبير في شؤون الجماعات الجهادية في أفغانستان وباكستان يقيم في مدينة لوند السويدية: "كانت كابول هي هدف أكثر هجمات (داعش خراسان) تطوراً وتعقيداً في الماضي".
ويقول محللون أمريكيون لنيويورك تايمز إنَّ التنافس بين طالبان من ناحية وتنظيم "داعش خراسان" من ناحية أخرى على النفوذ سيتواصل بعد مغادرة آخر القوات الأمريكية. ويتلاشى بالفعل التعاون الهش بين القادة الأمريكيين وقادة طالبان، ويمكن أن يعود الطرفان بسهولة إلى مواقفهما العدائية.
التعاون الأمريكي مع طالبان
ويتعامل الجيش الأمريكي مع الخط الأحمر لطالبان بخصوص الموعد النهائي للانسحاب في 31 أغسطس/آب بجدية. ويقول القادة إنَّ عمليات الإجلاء الأخيرة كانت ممكنة بسبب تعاون طالبان، من خلال السماح لمعظم الناس بالوصول إلى المطار سالمين، والعمل ضد تهديد هجمات داعش.
ويقول ضباط الجيش إنَّ هناك قلقاً حقيقياً من انتهاء التعاون مع طالبان بعد 31 أغسطس/آب في أحسن الأحوال. وفي أسوئها، قد يؤدي ذلك إلى هجمات على القوات الأمريكية والمواطنين الأجانب والحلفاء الأفغان أو حتى طالبان من جانب داعش خراسان.
وتعهَّد بايدن بمنع تحول أفغانستان مجدداً إلى ملاذ للقاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى التي ترغب في مهاجمة الولايات المتحدة. ويقول قادة الجيش إنَّ هذه ستكون مهمة صعبة، في ظل عدم بقاء قوات على الأرض وتراجع عدد العملاء ووجود طائرات Reaper المسلحة بدون طيار على بُعد آلاف الأميال في قواعدها بالخليج.
وتعهَّدت طالبان في اتفاقها الذي أُبرِم مع إدارة ترامب في فبراير/شباط 2020 بعدم السماح للقاعدة باستخدام الأراضي الأفغانية لمهاجمة الولايات المتحدة. لكنَّ المحللين يخشون أن تبقى القاعدة هي التهديد الإرهابي الأطول أجلاً.