كيف تعمل البحرية الأمريكية على تعديل طائرة عادية لتصبح قاذفة أسلحة فتاكة؟ هذا ما حدث مع “بي-8 بوسيدون”

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/24 الساعة 11:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/24 الساعة 11:53 بتوقيت غرينتش
طائرة "بي-8 بوسيدون" قد تكون أول قاذفة قنابل تصدرها أمريكا منذ عقود.. تعرّف على الطائرة التي ستعمل على الفتك بالسفن والغواصات بمختلف أنواع القنابل/ US Navy

تعمل "قيادة الأنظمة الجوية البحرية الأمريكية" على تعديل طائرات Poseidon P-8 لديها، لتحمل مجموعة واسعة من الصواريخ طويلة المدى والألغام والقنابل، ويحضر سلاح البحرية الأمريكية لتحويل أسطوله البالغ 122 طائرة من "الطائرات الدورية" المضادة للغواصات إلى "قاذفات"، وعلاوة على ذلك قاذفة متطورة تستند إلى نموذج الطائرة بوينغ 737، التي هي بالأساس طائرة ركاب مدنية وتعد الأكثر مبيعاً في العالم.

ما هي طائرة "بي-8 بوسيدون" التابعة للبحرية الأمريكية؟

تعتبر طائرة "بوينغ بيه-8 بوسيدون" (Boeing P-8 Poseidon)‏ طائرة عسكرية طورت للبحرية الأمريكية من قبل شركة بوينغ للدفاع والفضاء والأمن، وذلك بتعديل طائرة بوينغ 737.

وطائرة P-8 قادرة على القيام بمهام الحرب المضادة للغواصات (ASW)، والحرب المضادة للسطح (ASUW)، والحظر على الشحن، جنباً إلى جنب مع قدرة الإنذار المبكر للحماية الذاتية (EWSP)، والمعروفة باسم تدابير الدعم الإلكتروني (ESM). ويتم تطويرها لتكون قادرة على حمل الطوربيدات والقذائف، وصواريخ هاربون المضادة للسفن، وغيرها من الأسلحة. كما أنها قادرة على إسقاط ورصد عوامات صوتية، وهي مصممة للعمل جنباً إلى جنب مع الطائرة بدون طيار من نوع "نورثروب غرومان إم كيو-4سي تريتون" لمراقبة منطقة بحرية واسعة.

"بي-8 بوسيدون".. أول قاذفة أمريكية يمكن تصديرها للمرة الأولى منذ عقود

والسبب الذي يجعل من الممكن تعديل طائرة عادية لتصبح منصة أسلحة فتاكة هي أنَّ القنابل والصواريخ الانزلاقية الجديدة تسمح للطائرة بالتحليق خارج مدى أسلحة الدفاع الجوي المعادية بمسافة كبيرة، وأن تشن بالرغم من ذلك هجمات مدمرة بعيدة المدى.

كل المطلوب هو "شاحنة صواريخ" كبيرة يمكنها حمل الكثير من وقود الأسلحة إلى جانب المستشعرات ووصلات البيانات (datalinks) لمعرفة الأهداف والاشتباك معها.

وتقول مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية، إنَّه منذ وقت مبكر، كانت هناك إمكانية واضحة أن تُعدِّل البحرية الأمريكية طائرتها المضادة للغواصات لتكون بمثابة بديل بصورة ما لقاذفة B-52.

طائرة "بي-8 بوسيدون" تحلق فوق ماريلاند، البحرية الأمريكية 2010/ USNavy

لكن هناك أثر آخر مثير للاهتمام في قرار تعديل الطائرة P-8، وهو أنَّ الولايات المتحدة قد تحصل عملياً على أول قاذفة يمكن تصديرها للمرة الأولى منذ عقود.

يعود التداخل بين القاذفات وطائرات "الدوريات البحرية" مثل بوسيدون بي-8 التي تركز على تتبع ومهاجمة سفن وغواصات وقاذفات العدو إلى الحرب العالمية الأولى.

وفي الحرب العالمية الثانية، اضطلعت قاذفات Liberator الثقيلة المُسلَّحة بالصواريخ وقذائف الأعماق بدور رئيسي في مطاردة غواصات U-Boat الألمانية، في حين استُخدِمَت طائرات الدورية من طراز Catalina كثيراً في قصف أهداف برية وبحرية. كانت الصفة المشتركة المهمة بين القاذفات وطائرات الدورية هي مدى التحليق عبر مساحات كبيرة في المهمات التي تحتاج إلى قدرة تحمل لفترات طويلة.

الفتك بالسفن وتقديم دعم جوي عالي التحمل للقوات البرية

وطائرة P-8 ليست بلا أنياب في صورتها الحالية، فهي قادرة على استخدام طوربيدات Mark 54 وصواريخ Harpoon المضادة للسفن ضد كلٍّ من السفن والغواصات.

لكن من شأن ترقية سلاح البحرية لها أن تُحسِّن بشكل كبير قدرتها على الفتك بالسفن باستخدام صواريخ AGM-158C طويلة المدى المضادة للسفن، التي تملك مدى أكبر بمقدار الضعف تقريباً من صواريخ Harpoon، يُقدَّر بأكثر من 300 ميل (483 كيلومتراً تقريباً)، وبصمة رادارية أقل، ومُتتبِّع متقدم متعدد الأوضاع.

وقد تُمكِّن الترقية أيضاً طائرات P-8 من استخدام الألغام البحرية Mark 62 و63 و64 والقنابل JDAM المُوجَّهة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، زنة 500 رطل (227 كيلوغراماً تقريباً)، أو 2000 رطل (907 كيلوغرامات تقريباً)، وقنبلة GBU-53/B Stormbreaker (المعروفة أيضاً باسم "القنبلة صغيرة القطر الثانية")، وهي سلاح صغير زنة 105 أرطال (47.6 كيلوغرام تقريباً) تمزج بين التوجيه GPS أو الليزر أو الأشعة فوق الحمراء أو الرادار، ويمكن حملها بأعداد أكبر وتهدف إلى التقليل الكبير من احتمالية وقوع أضرار جانبية. ويمكن استخدام هذه القنبلة ضد الزوارق الصغيرة التي تفتقر إلى أسلحة الدفاع الجوي، التي تصل لارتفاعات عالية، مثل تلك التي تستخدمها البحرية الإيرانية.

لكنَّ قنابل JDAM وGBU-53/B ستُمكِّن أيضاً طائرات P-8 من توفير دعم جوي عالي التحمل للقوات البرية تقريباً، بنفس الطريقة التي تُطلَب من قاذفات B-1 وB-52 التابعة لسلاح الجو حالياً.

ما حاجة البحرية الأمريكية لـ"بي-8 بوسيدون"، وهي تمتلك بالأساس قاذفات أخرى؟

أحد الأسلحة الأخرى غير المعتادة التي يجب وضعها في الاعتبار هي فخ MALD الذي يُطلَق من الجو، وهو مُصمَّم لتقليد أداء وبصمة الطائرات المقاتلة بصورة مُقنِعة للغاية لتشتيت نيران صواريخ الدفاعات الجوية المعادية. ومن المرجح أن تعتزم البحرية إطلاق فخاخ MALD من طائرات P-8 لمساعدة مقاتلاتها على متن حاملات الطائرات في التغلب على أنظمة الدفاع الجوي المتكاملة للعدو.

ومما لا شك فيه أنَّ البعض في البحرية الأمريكية سيقول إنَّ توسيع مهمة P-8 سيأتي حتماً على حساب مهمتها في الحرب المضادة للغواصات، والمطلوبة بشدة في ظل توسيع الصين السريع لأسطولها من الغواصات.

لكنَّ الطلب على قاذفات يمكنها دعم القوات على الأرض والتمتع بقدرات طويلة المدى مضادة للسفن يبقى عالياً أيضاً، خصوصاً في ظل تفكير سلاح الجو في التقاعد المبكر لقاذفات B-1، التي توفر كلا القدرتين بسبب تكاليف تشغيلها واحتياجها المتكرر للصيانة.

قاذفة تصديرية للقرن الحادي والعشرين؟

صدَّرت الولايات المتحدة عدداً قليلاً جداً من القاذفات منذ الحرب العالمية الثانية، وليس هذا فقط لأنَّ القاذفات متعددة المحركات باهظة الثمن، لكن أيضاً لأنَّها مرتبطة بالحرب الهجومية العدوانية والحرب النووية.

وإلى جانب بعض قاذفات B-57 Canberra التي بيعت لأفغانستان، كانت أستراليا واحدة من الاستثناءات القليلة لتلك القاعدة، وهي التي شغَّلت بين عاميّ 1973 و2010 قاذفة F-111 Aardvark السريعة. وكان اهتمام أستراليا بالطائرة مدفوعاً بحاجتها لاستعراض قوتها عبر مسافات طويلة لمجابهة الضغوط من منافستها العسكرية، إندونيسيا.

ومنذ ذلك الحين، حلّت مقاتلتا Super Hornet وLightning محل قاذفة Aardvark الأسترالية، ورغم مميزاتهما الأخرى، فإنَّهما ببساطة لا يمكنهما قطع نفس المسافات، ولا حتى مسافات مقاربة، لكنَّ سلاح الجو الملكي الأسترالي يُشغِّل بالفعل 12 طائرة من طراز P-8، ولديه مخزونات من صواريخ AGM-158 JASSM الجوالة (التي تُعَد صواريخ AGM-158C مُشتقة منها)، فضلاً عن قاذفات JDAM. 

ومن شأن تعديل طائرات P-8 الأسترالية لتحمل صواريخ جوالة بعيدة المدى وقنابل انزلاقية طريقة بسيطة جداً لاستعادة قدرة كانبيرا على استعراض القوة أكثر في المحيط الهادي، في ظل تعرضها لضغط متزايد من جانب الصين الآخذة بالتوسع.

تُشغِّل الهند أيضاً أكثر من 12 طائرة بخصائص معينة من طراز P-8I Poseidon، تلعب دوراً حاسماً في تمكين البحرية الهندية من مراقبة تحركات السفن والغواصات في المحيط الهندي.

وأشار تقرير لـ"مركز الأمن الأمريكي الجديد" إلى أنَّ إحدى الخطوات المنطقية لتحسين قدرات البحرية الهندية للسيطرة على البحر هي عن طريق دمج صاروخ Brahmos الجوال الأسرع من الصوت على طائرات P-8I، كي يمكن إطلاقه منها، لكن لن يكون دمج سلاح ذي أصول روسية إلى حدٍّ كبير على منصة عسكرية أمريكية أمراً بهذه البساطة.

ثلاث دول أخرى مُشغِّلة لطائرات P-8 -هي النرويج وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة- قد تكون مهتمة بالقدرات التي توفرها ترقية طائرة Poseidon. 

بالطبع سيأتي تدريب وتسليح وحدات P-8 من أجل القيام بدور أكبر في الضربات السطحية بالضرورة على حساب الوقت الذي تقضيه في تمشيط البحار بحثاً عن الغواصات، والتي تُشكِّل تحديات أمنية كبيرة لكل البلدان الثلاثة، وبالتالي ليس أكيداً أنَّ هذه البلدان ستسعى للحصول على القدرة لتحويل طائراتها من طراز P-8 إلى قاذفات، كما أنَّه ليس مضموناً أنَّه سيُسمَح ببيع الترقية للخارج، ولو أنَّه ليس مستبعداً أيضاً.

يمكن أن يكون لهذا التغيير تداعيات في الوقت الذي يبدو فيه أنَّ التنافس الأمني بين الصين والولايات المتحدة في المحيط الهادي الشاسع سيشتد خلال العقد المقبل. 

تحميل المزيد