مايكل والتز واحد من أكثر أعضاء الكونغرس شراسة في انتقاده للانسحاب من أفغانستان، ودعا الرئيس جو بايدن إلى "عكس المسار" وإعادة بدء الحرب حتى "سحق طالبان"، فما قصة النائب عن فلوريدا؟
والتز، الذي ظل لأسابيع ولا يزال يروج لاستمرار الغزو الأمريكي لأفغانستان ويدافع بقوة وحماسة عن وجهة نظره في كل المنصات، يبرر موقفه بأنه مدفوع بخبراته وهويته، إذ إنه ليس عضواً في الكونغرس فحسب، بل إنه كذلك ضابط سابق لدى القوات الخاصة الأمريكية، ومساعد سابق لنائب رئيس الجمهورية السابق ديك تشيني في ولاية جورج دبليو بوش، إضافة إلى أنه "أب لا يطيق ما يحدث للنساء والفتيات الأفغانيات اللواتي يُنتهكن بلا رحمة عن طريق طالبان ويُبعن للاسترقاق الجنسي"، وذلك حسبما كتب في مقال رأي نُشر في الأسبوع الماضي في موقع Fox News.
لكنّ هناك جزءاً مهماً في خبرات والتز وتجاربه يبدو أنه يميل إلى تجاهله تماماً، وهو أن والتز قبل نجاحه في انتخابات الكونغرس عام 2018، كان يدير شركة تعاقدات دفاعية مربحة لديها مكاتب في أفغانستان، وهو الجزء الذي تناوله موقع The Intercept الأمريكي بالتفصيل.
تحذير من "القاعدة 3.0"
وعلى الرغم من أن مسؤولي إدارة بايدن الكبار والرئيس نفسه استبعدوا عودة تنظيم القاعدة في أفغانستان في ظل حكم طالبان، فإن والتز أطلق قبل أيام تحذيراً سوداوياً من بروز "القاعدة 3.0"، حسب وصفه، وذكر أنه لا يجب عقد أي مفاوضات مع طالبان "إلى أن يستقر الموقف عسكرياً".
لكن والتز، في حماسته واندفاعه للدفاع عن بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان، تجاهل الحديث عن شركة التعاقدات الدفاعية المربحة التي كان يديرها، والتي بيعت مؤخراً إلى شركة Pacific Architects and Engineers، أو PAE، التي تعد واحدةً من أكبر شركات التعاقدات الدفاعية التي انتدبتها الولايات المتحدة لتدريب قوات الأمن الأفغانية والإشراف عليها.
وتسببت تلك الصفقة في إثراء والتز شخصياً بما يصل إلى 26 مليون دولار، وهو رقم أفصح عنه عبر تقديم إقرارات الذمة المالية هذا الشهر. ففي عام 2010، ساعد والتز في تأسيس شركة Metis Solutions، وهي شركة تعاقدات دفاعية "تقدم تحليلات استراتيجية ودعماً استخباراتياً وتدريباً"، ولها مكاتب في مقاطعة أرلينغتون بولاية فيرجينيا، ومدينة تامبا بولاية فلوريدا، والعاصمة الإماراتية أبوظبي، والعاصمة الأفغانية كابول. توسعت الشركة بسرعة وصار عدد موظفيها 400 موظف.
فازت الشركة، التي يقودها والتز جزئياً، بعقود سرية لتدريب القوات الخاصة في أفغانستان، بما في ذلك برنامج مثير للجدل لتطوير عمليات التعدين الحرفي في القرى الاستراتيجية.
وقال متحدث باسم والتز في تصريح لموقع The Intercept: "عضو الكونغرس والتز هو ضابط جيش حاصل على نياشين كثيرة خدم بلاده بالزي الرسمي على مدى 25 عاماً ماضية، تضمنت جولات قتالية في أفغانستان حيث خاض القتال مباشرة ضد طالبان بجوار القوات الأفغانية. إضافة إلى أنه خدم في مناصب مدنية حيث سافر أكثر من مرة إلى أفغانستان متحملاً المخاطر بصورة شخصية للمساعدة في بناء إمكانات الحكومة وقطاعات الأعمال الأفغانية".
كم مليوناً ربحها عضو الكونغرس من أفغانستان؟
استمرت شركة Metis Solutions في النمو حتى بعد أن تركها والتز ليشغل منصبه في الكونغرس الأمريكي. في يوليو/تموز 2020، بعد مدة قصيرة من استحواذ PAE عليها، حازت Metis Solutions على عقد بقيمة 26 مليون دولار من الجيش في إطار "مكافحة تمويلات التهديدات". وذكر الإعلان أن العمل سوف يُجرى في أفغانستان والولايات المتحدة.
وتبين إقرارات الذمة التابعة للكونغرس أن والتز في عام 2019 كان لديه ما يصل إلى مليون دولار في هيئة أسهم بشركة Metis Solutions، إضافة إلى 250 ألف في هيئة خيارات أسهم. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعلنت شركة PAE أنها استحوذت على Metis Solutions في صفقة نقدية بقيمة 92 مليون دولار، وكان الهدف المعلن من جانب الشركة هو زيادة مواطئ أقدامها في مجال الاستخبارات والتحليلات والتدريب التي تقدم خدمات إلى عملاء حكوميين.
وتوضح إقرارات الذمة اللاحقة الخاصة بالمُشرّع، التي قُدمت في الأسبوع الماضي، أنه حقق بين 5 ملايين و25 مليون دولار أرباحاً رأسمالية من بيع أسهمه، إضافة إلى ما يصل إلى مليون دولار من حقوق خيارات الأسهم.
بالنسبة لوالتز، كان التوقيت مثالياً ولا تشوبه شائبة. فقد نُفذت الصفقة قبل الإعلان الرسمي من كل من الرئيس السابق دونالد ترامب والرئيس الحالي جو بايدن، عن إنهاء الحرب في أفغانستان. تراجعت قيمة أسهم PAE بحوالي 20% منذ السنة الماضية، وكان الشهر الماضي شاهداً على أكبر تراجع في قيمتها. وقد أشارت تقارير إلى أن الشركة كانت من بين الشركات الأكثر تضرراً من قرار انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.
كتب المتحدث باسم والتز في بيانه المرسل إلى The Intercept، أن عضو الكونغرس "يفخر بأنه ساعد في بناء شركة توظف المئات وتقدم دعماً استشارياً إلى الجيش الأمريكي والحكومة الأفغانية. لا يتعارض هذا بأي حال مع تهور انسحاب إدارة بايدن. يمتثل عضو الكونغرس والتز تماماً لالتزاماته على النحو الذي أقرته لجنة الأخلاقيات في مجلس النواب مع الديمقراطيين أصحاب الأغلبية".
مشاريع وهمية في أفغانستان
بالنسبة لشركة PAE، تأتي هذه الأرباح المالية الهائلة من الحرب برغم مزاعم الإهدار والإخفاق. ففي عام 2015، دفعت الشركة 1.45 مليون دولار لتسوية قضية احتيال عُرفت عن طريق أحد المبلغين عن المخالفات كان قد ادعى أن الشركة دبرت مخطط تزوير كبيراً للاحتيال على الحكومة الأمريكية في أزياء عسكرية من أجل الجيش الأفغاني.
وبعد عامين، دفعت شركة PAE مبلغاً آخر، كان هذه المرة 5 ملايين دولار، بسبب ادعاءات بأن الشركة قدمت فواتير مزورة واحتالت على الحكومة الأمريكية فيما يتعلق بعملها الإشرافي على شرطة مكافحة المخدرات في أفغانستان.
تضمنت أعمال شركة Metis Solutions في أفغانستان حملةً في المنطقة المثيرة للجدل الخاصة باستخراج المعادن. في عام 2012، نشرت الشركة بياناً يروج لعملها مع الحكومة الأفغانية في تنمية الأعمال الزراعية والبناء والتعدين. قال والتز في البيان: "نشعر بإثارة كبيرة لبدء هذا العمل المهم. مع الشركاء الأفغان ووزارة التجارة، سوف تجعل شركة METIS هذا البرنامج خطوة مفيدة تالية في تنمية الشركات الأفغانية من أجل نمو مستدام".
جاء جزء من أعمال تطوير حلول التعدين من برنامج تطوير الأعمال الأفغاني، الذي تموله الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التي تمد شركة Metis Solutions بمبلغ 1.8 مليون دولار.
كان جزء آخر من برنامج التعدين يُموَّل عن طريق مبادرة فريق الأعمال وعمليات الاستقرار التابع لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وهي جهود يُقال إنها مليئة بالاحتيال. أشار المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان (SIGAR) إلى أن شركة Metis Solutions اختيرت من فريق الأعمال وعمليات الاستقرار "لتوفير خبير تعدين حرفي كي يدرب كلاً من أفراد القوات الخاصة والشركاء المحليين على طرق التعدين الحرفي الملائمة ودعم فريق العمليات الخاصة المشتركة – عمليات تحقيق الاستقرار في قرى أفغانستان، عن طريق تحديد إمكانية تطوير المعادن على نطاق صغير في القرى الاستراتيجية".
لكن المشروع لم ينطلق. وجد تقرير آخر للمفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان أن شركة Metis Solutions كانت واحدة من شركات تعاقدات عديدة أُوكل إليها أعمال لفريق الأعمال وعمليات الاستقرار "ولم تستوف أياً من تسليمات التعاقدات، أو استوفت القليل منها".
وأشار التقرير إلى أن "تسليمات التعاقدات هذه لم تُستوف بسبب مزيج من التخطيط غير الكافي من جانب فريق الأعمال وعمليات الاستقرار، وضعف تحديد متطلبات العقد، وعدم وجود رقابة من فريق الأعمال وعمليات الاستقرار على المتعاقدين معه، وتغير الظروف في أفغانستان، وتغير أولويات الحكومة الأفغانية".
تدريب قوات الشرطة الأفغانية
وسلط المدققون ضوءاً خاصاً على أن شركة Metis Solutions أُجبرت على إنهاء عقدها في غضون أقل من 5 أسابيع بسبب مخاوف متعلقة بالإطار الزمني ونزاع على العطاءات. ولم يلُم التقرير Metis Solutions على الإخفاق وذكر أنه "بسبب العقبات غير المتوقعة، كان من الممكن تجنب إهدار 83,861 دولاراً إذا لم تستعجل متعاقدي Metis Solutions للانتشار في أفغانستان قبل حل الاحتجاج".
على مدى السنوات الأخيرة، تراجعت جودة قوات الشرطة التي دربتها شركة PAE ومتعاقدو الدفاع الآخرون، وتخلى أفرادها بسرعة عن مواقعهم مع اقتراب طالبان خلال الشهر الماضي. ولا يجب أن يشكل هذا الإخفاق أي مفاجأة.
وجد المدققون أن سكان كابول شهدوا ارتفاعاً كبيراً في الجرائم عام 2020، مع انتشار العنف في المناطق التي كانت آمنة في الماضي. وقد أشار استطلاع لشركة Gallup إلى أن الإخفاق في حماية الشعب الأفغاني من المجرمين الصغار والجرائم المنظمة كان شاغلاً رئيسياً للسكان في 2019، قبل عودة طالبان مؤخراً إلى السلطة. وفي الوقت ذاته، كانت هناك تقارير منتشرة عن فساد الشرطة، إذ تورطت الشرطة الأفغانية في عمليات ابتزاز مخططة واستيلاء على ممتلكات السكان عند نقاط التفتيش.
تعرضت صناعة استخراج المعادن هي الأخرى لنفس الصورة من الفساد والأمل الكاذب. فقد واجه رئيس أفغانستان الذي أُطيح به مؤخراً، أشرف غني، انتقادات بسبب العلاقات الشخصية لعائلته بعقود التعدين الحرفي، التي يُزعم أنها أُخفيت عن الشعب خلال الوقت الذي شغل فيه منصب الرئيس. وواجهت هذه الصناعة فساداً مستشرياً، إضافة إلى القضايا المتعلقة بالسلامة، ولم تقدم إلا قليلاً من فرص العمل للسكان الأفغان.
إنجازات وهمية في أفغانستان
تتجاهل حماسة والتز المهتمة بحماية الشعب الأفغاني سنواتٍ من التقارير الحكومية التي تبين سجلاً سيئاً للجهود الأمريكية الرامية إلى بناء الدولة. فقد أسفرت الحرب التي قادتها الولايات المتحدة عن وفاة 47,245 مدنياً وأكثر من 66 ألف شخص من الشرطة والجيش، إضافة إلى انتشار التعذيب وتمكين أمراء الحرب والعصابات الإجرامية، الذين تفككت بسببهم مقومات الحياة بالنسبة لغالبية الأفغان.
حتى أن المكاسب المختلطة لحقوق المرأة في أفغانستان تلاشت في ظل الاحتلال الأمريكي. بيّن المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان أن مشاركة الإناث في الانتخابات الأفغانية تراجعت تراجعاً كبيراً منذ عام 2014، وأن كثيراً من جهود المساواة بين الجنسين التي قادتها الولايات المتحدة لم تصمَّم تصميماً جيداً ولم تطبق بطريقة جيدة، في ظل قلة الدعم المحلي.
وفقاً لما توصلت إليه عديد من التقارير الاستقصائية المستقلة، زيفت الولايات المتحدة نسب إلحاق النساء ببرامج التعليم، فضلاً على التضليل بشأن معايير التنمية الأخرى.
لكن والتز لا يعبأ بكل هذا، وقال إن تورط الولايات المتحدة لـ20 عاماً في أفغانستان ليس إلا البداية. في تقرير نُشر في يناير/كانون الثاني عام 2017، قال والتز في حديثه مع موقع Scout Warrior ومجلة The National Interest: "إننا في حرب مستمرة لعدة عقود، وقد مرّ منها 15 عاماً فقط". وحينها قال متعاقد وزارة الدفاع الذي صار لاحقاً عضواً في الكونغرس، إنه يتوقع استمرار الحرب لـ100 عام.