بوابة إسرائيل المفضلة لاختراق العرب، ماذا يمكن للمغرب تعلمه من التجربة المصرية في التطبيع الزراعي؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/23 الساعة 17:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/23 الساعة 17:57 بتوقيت غرينتش
مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، مئير بن شبات الذي يتحدث خلال زيارة إلى المغرب في ديسمبر ، 2020/رويترز

جاء إعلان شركة إسرائيلية، الأحد 22 أغسطس/آب 2021، عن انطلاق مشروع لإنتاج فاكهة "الأفوكادو" بالمغرب، في إطار التطبيع المغربي الإسرائيلي، ليلقي الضوء على استخدام تل أبيب الزراعة كبوابة للتطبيع واختراق المجتمعات العربية فيما يمكن تسميته بـ"التطبيع الزراعي"، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات حول مخاطر ومنافع التعاون الزراعي مع إسرائيل، في ضوء تجارب الدول العربية الأقدم في التطبيع مثل مصر والأردن.

ويُنظر إلى إسرائيل على أنها دولة متقدمة بمجال الزراعة، خاصة في الزراعة بالمناطق الجافة، إلى جانب تقدمها بمجال تحلية مياه البحر، ولكن تجارب الدول العربية الأقدم في التطبيع الزراعي -وهي مصر والأردن- لا تبشر بخير كثير لدول الموجة الجديدة للتطبيع.

الإمارات قوة دافعة وراء التطبيع الزراعي وغير الزراعي

وكانت الإمارات التي تعتبر القوة الدافعة وراء موجة التطبيع العربية الأخيرة التي شملت البحرين والمغرب والسودان، قد أعلنت عن اتفاقيات عدة للتعاون الزراعي مع إسرائيل فيما يمكن تسميته التطبيع الزراعي.

ففي أكتوبر/تشرين الأول 2020، وقَّع وفد إماراتي برئاسة خديم عبدالله الدرعي، نائب رئيس مجلس الإدارة والشريك المؤسس لشركة "الظاهرة الزراعية"، 4 اتفاقيات مع شركة NETAFIM، أكبر وأهم الشركات الإسرائيلية المتخصصة في مجال حلول الري المبتكرة والزراعة، خلال زيارته لإسرائيل.

وفي يوليو/تموز 2021، زرات مريم بنت محمد سعيد حارب المهيري، وزيرة الدولة الإماراتية للأمن الغذائي والمائي، إسرائيل حيث بحثت مع عدد من المسؤولين الإسرائيليين سبل تعزيز التعاون وتبادل المعارف والخبرات في مجال التكنولوجيا الزراعية والمائية.

واستهدفت زيارة الوزيرة والوفد المرافق لإسرائيل والتي جاءت بالتزامن مع افتتاح سفارة دولة الإمارات في تل أبيب، إطلاق تعاون استراتيجي بالمجال الحيوي للأمن الغذائي والمائي، حيث قالت أبوظبي إن دولتي الإمارات وإسرائيل لديهما العديد من الفرص؛ لكونهما تتمتعان بإمكانات وبنى تحتية متطورة، وتعملان في الوقت نفسه على تحقيق الأهداف التي تتعلق بالأمن الغذائي والمائي واستدامته.

وقالت الوزيرة الإماراتية خلال الزيارة: "إنه مع توقيع الاتفاق الإبراهيمي للسلام وافتتاح سفارة الدولة في تل أبيب، أصبح لدى دولة الإمارات فرصة كبيرة لتحقيق شراكة متكاملة في مجال الأمن الغذائي والمائي لتحقيق المنفعة المتبادلة".

وأضافت: "تمتلك إسرائيل واحدة من أفضل المنظومات للشركات الناشئة في العالم، ومع اعتبار الابتكار ركيزة أساسية في قطاع تكنولوجيا الزراعة الحديثة تحرص دولة الإمارات على استكشاف كافة أوجه التعاون في هذا المجال".

ووقَّعت الوزيرة الإماراتية مذكرة تفاهم مع أوديد فورير وزير الزراعة الإسرائيلي، لتعزيز التعاون في مجالات الأمن الغذائي ومن ضمنها الإنتاج وسلاسل الإمداد الغذائي، والبحوث والابتكارات بهذا المجال الحيوي.

تجربة مصر بعد 40 عاماً من التطبيع

كانت مصر أولى الدول العربية المُطبعة قبل أكثر من 40 عاماً، فيما عرف باسم اتفاقية "كامب ديفيد" التي وُقعت بواشنطن عام 1979، في أول خرق للموقف العربي الرافض للتعامل مع الاحتلال.

في ذلك الوقت بشَّرت الحكومة المصرية بفوائد جمَّة للتطبيع مع إسرائيل، وكان التطبيع الزراعي واحداً من أكثر مجالات التطبيع بين البلدين.

وفي هذا السياق، يقول سياسيون واقتصاديون إنه ليس هناك أفضل من النظر إلى ثمار التطبيع بين مصر وإسرائيل والذي مر عليه أكثر من 4 عقود، لمعرفة فوائد التطبيع الزراعي الذي تروج له إسرائيل.

وبصفة عامة، لا يشكل الاستثمار ولا السياحة ولا التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين البلدين أرقاماً تُذكر في الاقتصاد المصري؛ مما دفع الولايات المتحدة لاحقاً إلى ابتكار اتفاقية "الكويز"؛ علَّها تنشّط التعاون التجاري، بحسب الخبير الاقتصادي ممدوح الولي.

التطبيع الزراعي
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو/رويترز

ويقول الولي لـ"الجزيرة نت"، إن حجم التجارة، رغم افتقارها إلى أرقام رسمية، محدود لا يتجاوز 0.5% من اقتصاد البلدين، وفيما يتعلق بالاستثمارات، فإن البنك المركزي المصري لا يعلنها ضمن ما يعلنه، ربما بسبب قلة حجمها.

وبحسب موقع الخارجية الإسرائيلية، بلغ حجم صادرات إسرائيل إلى مصر عام 2015 نحو 113.1 مليون دولار، مقابل 147.1 مليون دولار عام 2014. في حين كان حجم صادرات مصر إلى إسرائيل في تلك الفترة أقل بكثير، حيث بلغ في عام 2015 نحو 54.6 مليون دولار فقط، مقابل 58.3 مليون دولار في عام 2014.

وأكد الخبير الاقتصادي المصري أنه رغم تقدم إسرائيل في مجالات التكنولوجيا وتحلية مياه البحر والزراعة، فإنها تحتكرها لنفسها وتعتبر مصر سوقاً لا شريكاً.

تدهور القطاع الزراعي

يعد التطبيع الزراعي واحداً من أكثر مجالات التطبيع توسعاً بين البلدين وأكثرها تعرضاً للانتقاد في مصر، وهو انتقاد لم يأتِ فقط لأسباب سياسية أو قومية فقط، بل لأسباب عملياتية أيضاً، حيث هناك اتهامات لإسرائيل بإفساد الزراعة المصرية، وهي اتهامات يصعب إثبات الحقيقي منها مما هو مبالغة، نتيجة الغضب الشعبي من التطبيع والتخوف من تدخل إسرائيل في غذاء الشعب المصري.

وحسب خبير الاقتصاد الزراعي عبدالتواب بركات، فإن التطبيع مع إسرائيل أدى إلى أضرار كبيرة في القطاع الزراعي بمصر بعد أن كان محركَ الاقتصاد قبل 4 عقود.

وفي حديثه لـ"الجزيرة نت"، يضرب بركات لذلك مثلاً بأن كثيراً من أمراض الزراعة المصرية جاءت عبر إسرائيل، كسوسة النخيل، وحشرة فرو النحل التي دمرت المناحل المصرية، والمبيدات المسرطنة التي دخلت مصر في الثمانينيات والتسعينيات، ويؤكد الخبراء أنها دخلت عبر إسرائيل أيضاً.

وأكد أن إسرائيل هي التي استفادت من الخبرات المصرية الزراعية العريقة، حيث حصلت على أصناف القطن طويل التيلة وفائق الطول، وأجرت عليها تحسينات لتصل إنتاجية الفدان لديها إلى أكثر من 15 قنطاراً، في حين تخلفت إنتاجية الفدان في مصر إلى أقل من 6 قناطير.

وفيما يتعلق بقطاع الثروة الحيوانية، أكد عبدالتواب أن إسرائيل حصلت على أصناف متميزة من حيث إدرار اللبن من الجاموس المصري، بسبب علاقاتها المتميزة مع وزير الزراعة الأسبق يوسف والي، وقامت بتحسين هذه السلالة إلى معدلات فاقت الأصناف الموجودة في مصر.

ويوسف والي هو وزير الزراعة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، ووُجهت له اتهامات من قِبل سياسيين وإعلاميين بالمسؤولية عن قضايا سرطنة كثير من الزراعات عبر السماح باستخدام مبيدات زراعية إسرائيلية.

ويقول تقرير نُشر في موقع صحيفة "الوفد" المصرية المعارضة في عام 2012، أي بعد ثورة يناير، إن مصر هي أكثر الدول اختراقاً من قبل إسرائيل، يأتى بعدها الأردن. ويذكر أن إسرائيل استخدمت بعض الشركات الزراعية مثل شركة زراعيم الإسرائيلية في تصدير تقاوٍ معدلة وراثية سببت فيروسات للتربة وأصابتها إصابات بالغة، بما يشبه العقم الزراعي، أي لا تستطيع الأرض الإنتاج بعد زراعة تلك التقاوي لعدة سنوات؛ بل إن تلك الفيروسات تبقى في التربة وسريعة الانتشار إلى المناطق الأخرى فهي تشبه السرطان، حسب الدكتور سرحان سمير كاتب التقرير

استقطاب المهندسين الزراعيين المصريين

عبر التطبيع الزراعي قامت إسرائيل باستقطاب المهندسين الزراعيين المصريين الذين أخذوا توكيلات من شركات إسرائيلية، حيث يتم تقديم إغراءات وتسهيلات لا حدود لها، لافتتاح أفرع للشركات الإسرائيلية في مصر تغطي مجالات التنمية الزراعية دون الإفصاح عن هويتها، حسب دراسة للدكتور عادل عامر الخبير القانوني.

وقال إن إسرائيل تمكنت من خلال هذه الاتفاقية من استقطاب أكثر من 5 آلاف خبير ومهندس زراعي مصري لزيارة إسرائيل وحضور دورات تدريبية عن التقنية الحديثة في الزراعة منذ عام 1995 وحتى الآن مقابل نحو 2300 خبير زراعي إسرائيلي يأتون إلى مصر.

وتقلل الحكومة المصرية غالباً من مثل هذه التقديرات بشأن أضرار التطبيع الزراعي مع إسرائيل، ولكن يمكن ملاحظة شيء بديهي وهو أن أفضل النتائج التي حققتها الزراعة المصرية خلال العقود الماضية كانت في مجالات بعيدة عن التعاون مع إسرائيل مع التحسن الملحوظ في إنتاجية القمح والأرز للفدان، وهو أمر تحقَّق بالأساس بفضل الخبراء والعلماء والمصريين.

نتائج التطبيع الزراعي مع الأردن

في عام 2019، أكد خبراء زراعيون أردنيون أن "المبررات التي سيقت لتوقيع اتفاقية وادي عربة لم تتحقق، والتي كانت في جلها تبشيراً بعديد من المنافع التي سيلمسها المواطن الأردني"، حسب صحيفة "الغد" الأردنية.

وقال نقيب المهندسين الزراعيين، عبدالهادي الفلاحات، إن "هناك انخفاضاً في الحصة الكلية للمياه التي يحصل عليها الأردن، فبعد المعاهدة تم زيادة عدد السدود على وادي اليرموك من جانب إسرائيل، ما قلص الحصة المائية الواردة إلى الأردن، بينما الكميات التي تعهد بها الجانب الإسرائيلي جاءت غالباً من مياه ذات نوعية رديئة، وكذلك مايزال الجانب الإسرائيلي يضع العراقيل للحيلولة دون دخول مستلزمات الإنتاج والمنتجات الزراعية والأسمدة الأردنية للسوق الفلسطيني".

من جهته، قال المدير العامالعام لاتحاد المزارعين، محمود العوران: "إن من الآثار السلبية لاتفاقية وادي عربة على القطاع الزراعي، دخول المنتجات الإسرائيلية إلى الأسواق المحلية تحت شعار منتج فلسطيني، ما يؤثر سلباً على صادرات الأردن".

رئيس جمعية الاتحاد التعاونية لمُصدري الخضار والفواكه، سليمان الحياري، أوضح أن "اتفاقية وادي عربة كان أثرها على القطاع الزراعي كبيراً، حيث عملت على عرقلة الصادرات الأردنية من الخضار والفواكه إلى كثير من الدول العربية؛ لاعتقادهم أن هناك منتجات إسرائيلية تُصدَّر من خلال الأردن إلى دولهم، وهذه مشكلة كبيرة بذلنا جهداً كبيراً للتخلص منها، إلا أنه ماتزال هناك عرقلة للصادرات الأردنية لدول عربية".

تحميل المزيد