طالبان وكرزاي علاقة غريبة تجمع بين التفاوض والصراع.. فهل ينجح في الوصول معها لاتفاق؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/08/22 الساعة 14:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/22 الساعة 14:41 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي/رويترز

بينما كان الرئيس الأفغاني أشرف غني يفر من العاصمة كابول إثر تقدم طالبان نحوها، كان هناك رجل وحيد يخاطب الحركة ويحاول طمأنة الشعب الأفغاني، وهذا الرجل كان الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي. 

ظهر حامد كرزاي الذي قاد أول حكومة أفغانية بعد إطاحة طالبان في عام 2001 وظلَّ رئيساً حتى عام  2014 في مقطع فيديو من داخل المدينة يؤكِّد للناس أنه لن يذهب إلى أيِّ مكان.

وقف كرزاي، جنباً إلى جنبٍ مع بناته الصغيرات الثلاث، وهو يكافح من أجل أن يُسمَع صوته وسط ضجيج المروحيات الأمريكية التي تجلي الأمريكيين، ويطلب من المواطنين عدم الذعر. 

وقال الرئيس السابق لسكَّان العاصمة: "أنا وعائلتي وبناتي أطلب من قوات الأمن وطالبان أن يرعوا أمن الناس أينما كانوا". 

لم تكن الرسالة تهدف فقط إلى بعث الهدوء، لكنها كانت أيضاً جزءاً من حملةٍ قام بها كرزاي يقول إنها تهدف إلى تفادي القتال والتفاوض بشأن نوعٍ من اتفاق تقاسم السلطة بين طالبان والقوى السياسية الأفغانية الأخرى. 

حامد كرزاي يشكل مجلس تنسيق يضم 3 من أبرز قادة البلاد السابقين

فعلى مدار العامين الماضيين، سعى حامد كرزاي إلى وضع نفسه في قلب جهود تقاسم السلطة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية. 

ولكن الرجل له تاريخ لافت في محاولات التفاوض مع طالبان، والتي أفسدتها غطرسة إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن.

يوم الأحد الماضي، 15 أغسطس/آب، قال حامد كرزاي إنه كان يشكِّل "مجلس تنسيق" من ثلاثة أشخاص لتأمين انتقال سلمي للسلطة مع القيادي الطاجيكي عبد الله عبد الله، وأمير الحرب البشتوني المخضرم قلب الدين حكمتيار. 

وقال كرزاي على منصة تويتر إن المجلس سيعمل على "منع الفوضى وتقليل معاناة الناس". 

كما أن مسؤولاً بـ"طالبان" قال إن الرئيس السابق حامد كرزاي هو الذي دفع الحركة إلى تغيير رأيها بعدم دخول العاصمة، بعدما طلب من قادتها الدخول؛ حتى لا تحدث فوضى في العاصمة إثر هروب الرئيس أشرف غني.

لقاء مع زعيم واحد من أكثر أجنحة طالبان تطرفاً

ومنذ ذلك الحين، التقى حامد كرزاي وعبد الله بخليل حقاني، وهو شخصيةٌ قوية في شبكة حقاني المتشدِّدة التابعة لطالبان، وتصنِّفه الولايات المتحدة باعتباره إرهابياً، والتقيا أيضاً بأعضاءٍ في البرلمان الأفغاني في مجال حقوق المرأة، وفقاً لما قاله عبد الله على منصة تويتر. 

وشبكة حقاني فصيل مهم في طالبان. تتمركز على الحدود مع باكستان، وواجهت اتهامات في السنوات الماضية بتنفيذ بعض أعنف الهجمات في أفغانستان، حسب رويترز.

واللافت في لقاء كرزاي بحقاني أن الأخير هو زعيم أحد الأجنحة تطرفاً في طالبان، وبالتالي يشير ذلك إلى فكرة التفاوض مع القوى الأفغانية من النظام السابق ليست قاصرة على الجناح المعتدل من طالبان الذي يقوده الملا برادر.

كما اجتمع كرزاي، وعبدالله عبدالله، الجمعة، مع القائم بأعمال حاكم كابول المعين من حركة طالبان عبد الرحمن منصور لبحث الأمن في العاصمة.

الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي
الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي مع مفاوضي طالبان منم بينهم رئيس المكتب السياسي للحركة الملا عبد الغني بردار في مفاوضات في موسكو عام 2019/ رويترز

وقال عبد الله إن القائم بأعمال حاكم كابول المعين من قبل الحركة تعهد ببذل كل ما في وسعه من أجل أمن الشعب الأفغاني في العاصمة، وفق ما نقلته قناة "طلوع نيوز" الأفغانية.

ولم يرد حامد كرزاي على طلباتٍ للتعليق سُلِّمَت له من خلال أحد مساعديه، حسب تقرير صحيفة Wall Street Journal.

كما التقى حقاني وغيره من عناصر "طالبان" أيضاً مع زعيم حزب "الدعوة الإسلامية" والقائد الميداني السابق عبد رب الرسول سياف.

هل استجابت طالبان لهذه الجهود؟

وسوف تساعد الطريقة التي تستجيب بها طالبان، لمحاولات الفصائل السياسية الأخرى لتليين سلوكها والتأثير على تشكيل الحكومة، في تحديد مستقبل البلاد في الأشهر المقبلة. 

وحتى الآن، لم يحرز حامد كرزاي تقدُّماً يُذكَر، وفقاً لمسؤولين غربيين يعملون في أفغانستان. وبعد السيطرة شبه الكاملة على أفغانستان -باستثناء جيوب المقاومة في الشمال- قد ترى طالبان القليل من الزخم للتفاوض حول أيِّ تقاسمٍ للسلطة. 

وخلال محاولة طالبان السابقة لحكم أفغانستان، من عام 1996 حتى سقوطها في عام 2001، واجهة الجماعة معارضةً مُسلَّحة من الفصائل السياسية الأخرى. وكان يُنظَر إليهم باعتبارهم منبوذين دولياً، وكان الاقتصاد مشلولاً بسبب العقوبات الدولية. 

وأُطيحَت طالبان، التي كانت توفِّر المأوى لأسامة بن لادن والقاعدة، في نهاية المطاف على يد القوات الأمريكية، التي عملت مع الجماعات الأفغانية التي عارضت طالبان بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001. 

هل يصبح كرزاي الشخصية الانتقالية التي تحتاجها طالبان للتعامل مع الوضع الجديد؟

تُعَدُّ أفغانستان بلداً شديد الانقسام، ويقول مايك مارتن، زميل دراسات الحرب في كلية كينجز في لندن، والمسؤول السياسي السابق في الجيش البريطاني في أفغانستان، إن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها الحكم هي بناء تحالفاتٍ واسعة. 

وقال مارتن إن كرزاي، الذي يصوِّر نفسه باعتباره زعيماً قبلياً من البشون وصانع سلامٍ لديه خبرة واتصالات دولية، قد يكون شخصيةً انتقاليةً مفيدةً لطالبان. 

وأضاف مارتن: "إنه بالتأكيد يساعد في إضفاء الشرعية الدولية". 

فهي قد تواجه عزلة مالية

وسوف تعني العزلة الشبيهة بعزلة التسعينيات تحدياتٍ مالية وشيكة لطالبان. في الأسبوع الماضي، ألغت الولايات المتحدة شحناتٍ كبيرة من الدولارات إلى أفغانستان، ومنعت وصول المبالغ إلى الحسابات الحكومية التي تديرها البنوك الأمريكية. 

وقال محافظ البنك المركزي الأفغاني السابق، أجمل أحمدي، على منصة تويتر، إن طالبان لم تتمكَّن من الوصول إلى أكثر من 0.1% أو 0.2% من إجمالي الاحتياطيات الدولية لأفغانستان. 

وقبل احتلال كابول، أظهرت طالبان دلائل على أنها حريصةٌ على الحفاظ على الاعتراف الدولي بأفغانستان. وكان المسلَّحون قد وافقوا على التفاوض على اتفاقٍ يتضمَّن وقف إطلاق النار لمدة أسبوعين، مقابل استقالة أشرف غني وإجراء محادثات مع المسؤولين، بما في ذلك كرزاي، لتشكيل حكومة انتقالية. وأصدرت الجماعة بياناً يأمر مقاتليها بعدم دخول كابول. 

ولكن بمجرد فرار أشرف غني من البلاد الأسبوع الماضي، انهارت الصفقة وسيطرت طالبان على العاصمة دون قتال. 

حذَّر المبعوث الأمريكي إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، في الأيام الأخيرة، الزعيم السياسي لطالبان، الملا غاني برادر، في العاصمة القطرية الدوحة، من أنه ما لم تكن الجماعة مستعدة لتقاسم السلطة، فإنها ستواجه حرباً مستمرةً في أفغانستان، وذلك وفقاً لأشخاصٍ مُطَّلِعين على المحادثات. 

وفي أول مؤتمرٍ صحفي للجماعة في كابول الأسبوع الماضي، قال المتحدِّث باسم الجماعة، ذبيح الله مجاهد، إن الجماعة تريد تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان. ولم توضح طالبان بالتفصيل الدور الذي يمكن أن تلعبه الفصائل السياسية الأخرى، ولم تقم بعد بتشكيل حكومة. 

وسبق أن حاول التفاوض مع طالبان، ولكن رامسفيلد أفسد الصفقة

إن طموحات كرزاي في صنع السلام تعيده إلى دائرةٍ الأضواء من طريق مختلف تماماً عن دخوله إليها المرة الأولى، ولكن اللافت أنه حتى في المرة الأولى التي جاء فيها كرزاي على متن الدبابات الأمريكية كان لديه استعداد للتفاوض مع طالبان.

ففي أواخر عام 2001، بعد أسابيع من إسقاط التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة نظام طالبان، توسَّط كرزاي مع طالبان في اتفاقٍ مُقتَرَح يتنازَل فيه المُسلَّحون عن معقلهم الأخير مقابل العفو عن زعيمهم الملا عمر للعيش بسلامٍ في قندهار. ورفض وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد الاتفاق، قائلاً إن الحملة العسكرية الأمريكية ستستمر بقوة. 

وقبل الغزو الأمريكي كان كرزاي يتمتَّع بسيرةٍ مهنية طويلة في السياسة، حيث انضمَّ إلى جماعاتٍ مختلفة وتوسَّط بين الفصائل الأفغانية المتنافِسة. وكان قد قاتل في نهاية الحرب ضد الاحتلال السوفييتي، وعمل نائباً لوزير الخارجية في أوائل التسعينيات، ورفض عرضاً من طالبان للعمل كأحد سفرائها بعد عام 1996. وفي المقابل، انتقل إلى باكستان وعاش بين لاجئين أفغان، حيث أقام علاقاتٍ مع السفارات الغربية، بما في ذلك السفارة الأمريكية. 

تحميل المزيد