هل يتكرر ما حدث بأفغانستان في العراق؟ الأمريكيون يتوقعون سيناريوهات “سوداوية” للبلد الغارق بالفوضى والفساد

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/21 الساعة 20:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/21 الساعة 22:04 بتوقيت غرينتش
الاحتجاجات ضد الفساد في العراق، بغداد 2021/ رويترز

ربما لم "يصدم" ما حدث في أفغانستان أحداً مثلما صدم بعض العراقيين الذين يخشون أن تواجه بلادهم مصيراً مشابهاً ولكن بطريقة سيئة؛ إذ يشعر كثير من العراقيين، بحسب مجلة Foreign Policy الأمريكية، بقلق عميق إزاء ما قد يعنيه الانسحاب الأمريكي الكامل والوشيك من العراق. فهل ستسحب الولايات المتحدة جنودها البالغ عددهم 2500 جندي من العراق أيضاً؟ وإذا فعلت، فهل سيؤدي ذلك إلى استيلاء الميليشيات المدعومة إيرانياً على السلطة؟ أو عودة تنظيم داعش، أو حتى نشوب حرب أهلية؟

سيناريوهات "سوداوية" تنتظر العراق

من السهل أن نتعرف أوجه الشبه بين العراق وأفغانستان. فالعراق، مثل أفغانستان، لديه حكومة منقسمة تعطي الأولوية لسياسة المحسوبية على حساب سيادة قوات الأمن المختصة والخدمات الحكومية الأخرى. وإذا جاز لنا القول، فالحكومة العراقية والحكومة الأفغانية المنهارة كانتا تتنافسان على أيتهما أكثر فساداً، كما تقول المجلة الأمريكية. 

والحكومة العراقية والجيش، كما في أفغانستان، ليسا مستعدين للوقوف في وجه الميليشيات الإيرانية الجامحة التي تهدد سيادة العراق واستقراره وتهاجم العراقيين. وكما في أفغانستان، فالأمر ليس مرتبطاً بالقدرة وإنما بالإرادة السياسية. إذ يعرب المسؤولون الأمريكيون عن استيائهم إزاء نشر بغداد التي تقود جهاز مكافحة الإرهاب الأول في المنطقة لمحاربة تنظيم داعش فقط، وليس لمحاربة الميليشيات. 

وهذه الميليشيات الشيعية رغم الضغط الشعبي والدولي، على أتم الاستعداد للقتال للوصول لأهدافها- كما طالبان- والتحلي بالصبر اللازم للظفر بها. وهي تمارس هذه اللعبة التي تعتمد على النفس الطويل وإيران في ظهرها، لكن العراقيين ليسوا واثقين من أن الولايات المتحدة تتمتع بالقدر نفسه من الثبات.

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والرئيس الأمريكي جو بايدن/ رويترز

أمريكا قد تنسحب من العراق نهاية العام الجاري

ويخشى كثيرون أيضاً أن تلقى فكرة الانسحاب من العراق- الذي تشجع عليه إيران- ترحيباً في واشنطن، لأسباب ليس أقلها أن الفريق الذي انسحب من العراق عام 2011 عاد إلى البيت الأبيض. ويشعر العراقيون بالقلق من أن تتقبل إدارة بايدن حكومة عراقية تقودها الميليشيات إذا أوقفت هجماتها على المصالح الأمريكية. 

وهناك خشية من تداعيات الموعد النهائي الذي حددته الإدارة الأمريكية لسحب القوات القتالية الأمريكية من العراق والذي سيأتي بحلول عام 2021. ومن المؤكد أن أولويات واشنطن المتغيرة وإرهاقها من العراق ليسا مجرد موقف ديمقراطي، بل إن إدارة ترامب هي من هددت بإغلاق السفارة الأمريكية في بغداد بعد زيادة هجمات الميليشيات على العسكريين والموظفين الدبلوماسيين الأمريكيين. 

وفضلاً عن ذلك، فالتقلبات السياسية الحادة في واشنطن تربك أصدقاءها وشركاءها في العراق، الذين بدأ العديد منهم في البحث عن رعاة أجانب بدلاء لأمريكا- كأنقرة أو أبوظبي مثلاً- لمواجهة نفوذ طهران.

ورغم حديث بعض الساسة في الولايات المتحدة الأمريكية عن أن العراق بلد مختلف تماماً عن أفغانستان، وأنه يتمتع بتاريخ من المؤسسات الوطنية القوية، إلا أنه من غير المستبعد أن تلقى الدولة وجيشها نفس مصير دولة وجيش أشرف غني الهارب إلى الإمارات. 

ويدعم الحزبان الأمريكيان الاستمرار في العراق، وقيادة التحالف المناهض لتنظيم داعش لمنع عودة التنظيم الإرهابي من الظهور، وتعزيز العلاقات الاقتصادية. وفضلاً عن ذلك، لا تستطيع الولايات المتحدة تجاهل التهديد الذي تشكله أجندة إيران التوسعية في العراق على المنطقة. 

العراق شهد عمليات إعدام ميدانية خلال المعارك مع تنظيم
الاحتجاجات الشعبية في العراق – رويترز

هل لدى العراق فرصة للنجاة من أكثر السيناريوهات "سوءاً"؟

تقول فورين بوليسي، بعيداً عن المصالح الأمريكية، لدى العراق فرصة أفضل لكبح حكم الميليشيات في ظل توفر مضادات محلية للنفوذ الإيراني، مثل حركة الاحتجاج الشعبية؛ والقيادة الشيعية العراقية "الجريئة" في النجف التي تخشى خسارة سلطتها الدينية لصالح رجال الدين في العاصمة الدينية الإيرانية قُم؛ وزعماء كردستان الذين يخشون أن يكونوا الهدف التالي للميليشيات بعد المحافظات السنية. وعلى عكس طالبان، تفتقر الميليشيات العراقية المتنوعة إلى القيادة الموحدة والقبول بين أفراد الشعب. وفضلاً عن ذلك، فنجاح المهمة الأمريكية مع تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة في سوريا يعتمد على الوجود الأمريكي في العراق.

لكن العراق قد يسير في طريق أفغانستان ما لم يُعِد العراق والولايات المتحدة النظر في علاقتهما. وأول ما يجب عليهما مناقشته هو الحفاظ على صور الالتزامات الأمريكية لـ"مكافحة الإرهاب" في العراق وتنويعها. وطالما ظلت العلاقات الأمريكية-العراقية معتمدة على عدد الجنود الأمريكيين، فستحاول إيران ووكلاؤها إنهاء العلاقة عن طريق إجبار أولئك الجنود على الانسحاب. وقد برهنت الميليشيات على أنها تتمتع بالإمكانيات اللازمة وستواصل هجماتها على الجنود الأمريكيين، مع علمها أن الولايات المتحدة ينقصها الصبر والردع.

وكي تستمر العلاقات الأمريكية-العراقية، من الضروري أن يتحول تركيزها إلى الاستثمار في بناء القدرات العسكرية والمؤسسية لقوات الأمن العراقية لمكافحة الإرهاب ولأغراض أخرى. ولا بد أن تكون القدرات وليس الجدول الزمني هي معيار التقدم. وللحفاظ على هذه المهمة، من المهم أن يتجرد الوجود الأمريكي في العراق من الطابع السياسي. إذ يتعين على واشنطن أن توضح جلياً أن تحويل وجودها العسكري في العراق إلى مهمة لتقديم المشورة والمساعدة لا يعني التخلي عن العراق. ومن الضروري أن يشعر الشعب العراقي  بفوائد العلاقة في مجالات مثل التجارة والرعاية الصحية والتعليم. وتسعى سلسلة من الحوارات الاستراتيجية الأمريكية-العراقية إلى تحقيق هذا الهدف.

تراجع الالتزامات الأمريكية حيال العراق

وبحسب المجلة الأمريكية، يتعين على واشنطن ألا تترك الحكومة العراقية تفلت من مسؤولياتها كذلك. فقد يجد العراقيون العزاء في أن بايدن يبدو غير مستعد للمخاطرة بظهور صور من مطار بغداد الدولي مشابهة لتلك التي رأيناها في كابول. على أن أولويات الولايات المتحدة تتحول بالفعل بعيداً عن الشرق الأوسط الكبير، ويقع على عاتق الحكومة العراقية عبء تحمل المسؤولية والاستثمار في علاقة قوية مع الولايات المتحدة. ومكافحة الإرهاب وحدها لن تحافظ على هذه العلاقة. 

ورسائل الولايات المتحدة لا بد أن تكون واضحة: انتقال مهمتها من دور قتالي إلى دور استشاري لا يعني تراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها تجاه العراق أو التخلي عن حملتها على تنظيم داعش. والمستشارون العسكريون البالغ عددهم 2500 مستشار سيرسخون العلاقات الأمريكية-العراقية وسيمثلون علامة على استمرار الدعم الدولي وحلف شمال الأطلسي للعراق. لكن العلاقة لا ينبغي أن ترتكز عليهم وحدهم.

وبعد ما حدث في أفغانستان، قد يرى القادة العراقيون أن الولايات المتحدة أصبحت شريكاً غير موثوق به. لكن محاولة استبدالها بدول راعية أخرى- سواء كانت إيران أو تركيا أو دولة أخرى- لن يؤدي إلا إلى تعميق تبعية العراق لشركاء غير موثوق بهم بالنسبة للأمريكيين. وما يتعين على العراقيين فعله أن يطالبوا بغداد بتنفيذ إصلاحات في الحكومة الغارقة بالفساد. 

وأخيراً، فما حدث في أفغانستان بمثابة تذكير بأنه من الضروري أن تعترف واشنطن وبغداد وأربيل بأن بالفساد المستشري في العراق تحدٍّ حقيقي للأمن القومي، وليس مجرد عَرَض جانبي سلبي للانتقال الديمقراطي. ولا بد أن تطالب واشنطن بالمساءلة عن الأموال والمعدات التي تقدمها لقوات الأمن العراقية وقوات البيشمركة الكردية، تقول المجلة الأمريكية.

تحميل المزيد