قال خبراء أمريكيون إن التحذيرات بشأن اعتبار أفغانستان تهديداً مستقبلياً بعد سيطرة حركة طالبان عليها، ليست منطقية. وقال كل من آلان ريتشاردز، أستاذ الدراسات البيئية بجامعة كاليفورنيا، وستيفن سايمون، محلل أول بمعهد كوينسي وأستاذ العلاقات الدولية بكلية كولبي الأمريكية، إن "طالبان تحكم الآن بلداً مدمراً وفقيراً للغاية، وآفاقه المستقبلية أحلك من أي وقتٍ مضى. ومن المرجح أن يحد النمو السكاني، والمصاعب الاقتصادية، والمشكلات البيئية الشديدة من قدرة طالبان على إثارة المشكلات لأي أحدٍ آخر".
تضاعف أعداد السكان في أفغانستان
وأضاف الباحثان في تحليل منشور بموقع Responsible Statecraft الأمريكي، أنه يجب وضع التالي في الاعتبار، وهو أنه بين عاميّ 1996، حين سيطرت طالبان على الحكم، و2021 مع استعادتهم للسلطة، تضاعف سكان البلاد من نحو 19 مليون نسمة إلى 38 مليوناً.
وتباطأ معدل النمو السكاني بعض الشيء، لكنَّه لا يزال يتزايد بأكثر من 2.3% سنوياً، ما يعني أنَّ عدد السكان سيتضاعف تقريباً مرة أخرى بحلول منتصف القرن. ولا تزال المرأة الأفغانية تنجب متوسط 4 أطفال خلال حياتها، ويقل "معدل الخصوبة الكلي" الآن بقليل عن مستوى 4.5 طفل.
والعمل الرئيسي لتخفيض الخصوبة هو التعليم والأشكال الأخرى من تمكين المرأة. فقبل 12 عاماً، كانت سيدة أفغانية واحدة فقط من بين كل 20 متعلمة، أمَّا الآن، فيمكن لسيدة من بين كل ثلاث تقريباً القراءة والكتابة، في حين أنَّ أكثر من نصف الشابات في سن 15-24 متعلمات.
اقتصاد محفوف بالمخاطر وموجات جفاف شديدة
يعيش هؤلاء السكان في اقتصاد محفوف بالمخاطر. فناتج الفرد، الذي يزيد قليلاً عن 2000 دولار سنوياً، هو واحد من بين الأقل في العالم، ويحل في المرتبة 213 من بين 228 بلداً. ويقع أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر الوطني، المنخفض جداً بدوره.
ويعيش 11 مليون أفغاني في حالة "انعدام الأمن الغذائي"، ما يعني أنَّهم لا يعلمون من أين ستأتيهم وجبتهم التالية. ويصل عجز الميزان التجاري، البالغ نحو 6 مليارات دولار، إلى 30% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعتمد تمويله بالكامل تقريباً على المساعدات الخارجية، التي قد تتغير تبعاً لنوعية حكم طالبان. وتُقدَّر البطالة بأكثر من 20%، وأقل من نصف القوة العاملة الأفغانية بقليل هم مزارعون، ويعتمد نحو 60% من السكان بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الزراعة لكسب قوتهم الضئيل.
يهدد الجفاف سبل العيش الريفية هذه. وقد دمر الجفاف مساحات واسعة من البلاد مراراً في السنوات الأخيرة (على سبيل المثال في أعوام 2007 و2018 و2021). وعلى حد قول أحد المراقبين: "نزح في عام 2018 نحو 250 ألف شخص من منازلهم بعدما جفَّ الماء. وترك المزارعون وراءهم حقولاً جافة، وباع الرعاة الماشية بجزء ضئيل من ثمنها. ونزحت العائلات في غرب أفغانستان إلى مخيمات لا تضم إلا الأساسيات على أطراف أماكن مثل مدينة هرات، حيث ما يزال عشرات الآلاف موجودين حتى اليوم، غير راغبين أو غير قادرين على العودة إلى ديارهم".
ويقول نيسيفور مغيندي من الاتحاد الدولي لجمعيات الهلال والصليب الأحمر: "هذه واحدة من أشد موجات الجفاف في أفغانستان على الإطلاق". فكانت الثلوج والأمطار عند نصف مستوياتها المعتادة فقط في مناطق البلاد خلال الشتاء الماضي الدافئ بسبب ظروف ظاهرة "لا نينا". وتعتقد وزارة التنمية الدولية البريطانية أنَّه "من المُرجَّح أن يُعتَبَر الجفاف هو الوضع الطبيعي، وليس حدثاً مؤقتاً أو دورياً، بحلول عام 2030".
مشاكل وأزمات بيئية ومناخية
ويؤدي الاحترار العالمي في أفغانستان أيضاً إلى موجات جفاف أكثر شدة. فوفقاً للبنك الدولي: "تواجه أفغانستان ارتفاعاً في معدلات الحرارة أعلى من المتوسط العالمي.. ويُتوقَّع أن يكون الارتفاع في درجات الحرارة القصوى والدنيا أكبر من الزيادة في متوسط درجات الحرارة.. والزيادة في حدوث حالات الجفاف أمر مُرجَّح جداً.. وعلى المدى الطويل، يمكن أن يؤدي ذوبان الأنهار الجليدية إلى اضطرابات جوهرية في إمدادات المياه والطاقة الكهرومائية الإقليمية".
أدَّى الذوبان المبكر في التراكمات الثلجية في المناطق الجبلية الأفغانية في السنوات الأخيرة إلى تدفق المياه من السدود، فجرَّفت القرى وغمرت الحقول قبل أن تتسنى زراعتها. وأخذاً في الاعتبار كل هذه العوامل، يصنِّف مؤشر جامعة نوتردام للتكيف مع التغير المناخي العالمي والذي يُشار إليه على نطاق واسع، أو "UND-GAIN Index"، وهو مؤشر يقيس إلى أي مدى يُعَد بلدٌ ما عُرضة لخطر الاحتباس الحراري والضغوط العالمية الأخرى، أفغانستان باعتبارها ثامن أكثر البلدان عُرضة للخطر في العالم.
لذا، لا يمكن لبلد "سيئ الطالع"- كما يقول الباحثان الأمريكيان- بهذا الشكل أن يُشكِّل تهديداً جوهرياً للمصالح الأمريكية. فأفغانستان، الغارقة في الفقر المدقع، والمعتمدة على الإنتاج الزراعي الذي سيكتوي بنار التغير المناخي في المستقبل القريب، والتي قُطِعَت عنها المساعدات الدولية، بلد بالغ الضعف. لكن بطبيعة الحال، هناك احتمال أن تؤدي هذه الظروف إلى توفير فرص لظهور الجماعات المتطرفة رغم التزام طالبان بعدم وقوع ذلك.
التدخلات الخارجية
لكنَّ ضعف الدولة أيضاً، ربما يترك أفغانستان كذلك عُرضة للتدخل الخارجي مجدداً. لن تكون هذه التدخلات بنفس شكل حالات الغزو السابقة. فقد تعلمت الولايات المتحدة وروسيا دروسهما، وتفتقر إيران إلى القدرة للسيطرة على الأراضي الأفغانية.
سيكون التدخل في شكل ضربات جوية تعتمد على المعلومات الاستخباراتية أو أي شكل لهجمات أخرى تُشَن عن بُعد وغير مصحوبة بالاستعمال السخي للمساعدة الاقتصادية.
ويرى الباحثان أنَّ اليوم ليس هو العاشر من سبتمبر/أيلول 2001. فقد بات اختراق الولايات المتحدة أصعب بكثير، وهناك 1.9 مليون شخص على قائمة حظر السفر، وجمع المعلومات والمراقبة والتعاون بين الوكالات أصبح أفضل بكثير، وكما رأينا، فإنَّ المخاوف بشأن الضرر الجانبي الناجم عن الضربات الأمريكية لم تعد عميقة مثلما كانت قبل الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.
إنَّ مستقبل أفغانستان مروع، ونعم، لكنَّ التهويل الأمريكي والغربي المفرط بشأن التهديد الذي تُشكِّله على الولايات المتحدة ومصالح حلفائها ليس منطقياً وحسب.