جاء إعلان أمر الله صالح، نائب الرئيس الأفغاني الهارب، أنه "الرئيس الشرعي المؤقت للبلاد"، وتعهده بمقاومة حكم طالبان ليثير تساؤلات حول شخصية هذا الرجل الغامض، ومدى قدرته على تنظيم عمل عسكري مضاد للحركة التي سيطرت على العاصمة وباقي البلاد بسهولة لافتة للنظر.
وكان المتحدث باسم حركة "طالبان"، ذبيح الله مجاهد، قد أعلن أمس الثلاثاء، بعد دخول قوات الحركة لكابول إثر إنهيار النظام السابق وفرار الرئيس أشرف غاني، أنّ "الحرب انتهت الآن في أفغانستان"، كاشفاً أنّ "لدى طالبان علاقات بمعظم الدول"، ومتحدثاً عن ضرورة انسحاب القوات الأمريكية من البلاد بحلول 11 أيلول/سبتمبر المقبل. وأكد أن الحركة "غير مهتمة بمهاجمة القوات الأمريكية حتى ذلك الحين".
وينتمي أمر الله صالح للأقلية الطاجيكية التي تمثل نحو 27 % من سكان البلاد ، بينما أكبر قومية هي البوشتون التي تمثل نحو 42% من سكان البلاد، وينتمي لها معظم قيادات طالبان.
وحسب تقارير متعددة فإن أمر الله صالح هو أحد مساعدي قائد تحالف الشمال الراحل أحمد شاه مسعود، وهو على علاقة وثيقة بالاستخبارات الأمريكية، وتدرب لديها في برنامج شديد السرية خلال التسعينيات، حسبما ورد في كتاب "حرب وكالة الاستخبارات الأمريكية السرية في أفغانستان وباكستان Directorate S: The C.I.A. and America's Secret Wars in Afghanistan and Pakistan" .
ويشير الكاتب ستيف وول إلى دور بازر لصالح العمل الاستخباراتي مع الأمريكيين قبل سقوط طالبان؛ إذ يبدو كحلقة وصل استخباراتية بين قائد تحالف الشمال الراحل أحمد شاه مسعود وبين أجهزة الاستخبارات الأمريكية التي كانت تعمل من ألمانيا في تسعينيات القرن الفائت.
وأصبح أمر الله صالح، الذي كان جزءاً من العمل المناهض لطالبان خلال فترة حكمها الأولى، رصيداً رئيسياً لوكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية، وفقاً لما نقله تقرير لموقع "moneycontrol" عن وكالة الأنباء الفرنسية.
كما يبدو أن لديه ثأراً شخصياً مع حركة طالبان.
نجل أحمد شاه مسعود والجنرال الدموي دوستم يؤيدان أمر الله صالح
وأفادت تقارير بأن أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود، تعهد بالوقوف إلى جانب صالح، إضافة للقائم بأعمال وزير الدفاع في أفغانستان بسم الله محمدي، الذي ذكرت تقارير أمس الأول الإثنين، أنه لم يغادر كابول، وتعهد بمواصلة القتال ضد طالبان.
وذكرت تقرير لقناة "الميادين" أنّ إعلان صالح جاء بعد لقائه نجل أحمد شاه مسعود الذي قتلته "القاعدة" قبل هجمات 11 أيلول/سبتمبر.
كما أفادت تقارير بأن أمر الله صالح يحظى بتأييد الجنرال الأوزبكي عبدالرشيد دوستم، المشهور بدمويته وتقلباته حيث كان جنرالاً شيوعياً انقلب على النظام الشيوعي في أوائل التسعينيات بعد انسحاب السوفيت ليمكّن المجاهدين من دخول كابول بعد عامين من حصارها.
يحاولون التحصّن بمعقل مسعود السابق
ولم يغادر الجاسوس السابق أمر الله صالح (48 عاماً) البلاد وهو موجود حالياً في وادي بنجشير شمال شرق كابول، والذي لا يزال خالياً من سيطرة طالبان، حسب تقرير لموقع "moneycontrol" الهندي.
وبقيت ولاية "بنجشير" أو بانشير، ويعني اسمها "خمسة أسود"، الولاية الوحيدة في أفغانستان خارج سيطرة حركة طالبان.
وبانجشير هي معقل أحمد شاه مسعود، الذي حارب منه حكم طالبان السابق، وهي ولاية جبلية وعرة في شمال شرق البلاد، حيث لم تتمكن طالبان خلال حياة مسعود من غزو وادي بنجشير في فترة حكم نظامها الأخير بين عامي 1996 و2001.
وكانت قوات الحكومة الأفغانية التي شكلها المجاهدون عقب انهيار النظام الشيوعي والرئيس الصوري في ذلك الوقت برهان الدين رباني قد لجأت عقب استيلاء طالبان على كابول في سبتمبر/أيلول من عام 1996، إلى وادي بنجشير.
وأفادت تقارير بأن فلول قوات الحكومة السابقة والمليشيات المحلية تتجمع حالياً على طول حدود بنجشير، ويرى البعض أن المنطقة تصبح حصناً لمقاومة طالبان، لتصبح هذه هي المرة الثانية التي تؤدي مثل هذه المهمة.
وأفادت وكالة أنباء "سبوتنيك" بأن قادة المعارضة في بنجشير يستعدون لخوض حرب كبرى ضد طالبان.
وذكر مصدر عسكري لوكالة "نوفوستي" الروسية في كابول أن قوات عمرو الله صالح، نائب الرئيس الأفغاني، استعادت السيطرة من طالبان على منطقة شاريكار في إقليم باروان شمال العاصمة الأفغانية.
وقال المصدر: "القتال يدور الآن في منطقة بنجشير"، مشيراً إلى أن الجنرال عبدالرشيد دوستم أرسل عشرة آلاف من أفراد الجيش الأفغاني إلى المنطقة.
وكتب صالح عبر "تويتر" بعد سقوط كابول في يد طالبان وهروب الرئيس أشرف غاني: "وفقاً للدستور الأفغاني، في حالة غياب أو هروب أو استقالة أو وفاة الرئيس، يصبح نائب الرئيس هو الرئيس المؤقت"، مضيفاً: "أنا حالياً داخل بلدي وأنا الرئيس الشرعي وأتواصل مع جميع القادة لتأمين دعمهم وتوافقهم".
وقال أمر الله صالح، النائب الأول للرئيس الأفغاني الهارب، إنهم لم يفقدوا روح النضال "خلافاً للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي"، وأنهم يرون فرصاً هائلة أمامهم لمقاومة طالبان- حسب قوله.
وأفاد أمر الله صالح بأنه يوجد "حالياً داخل أفغانستان"، قائلاً: "أنا الرئيس الشرعي المؤقت. كما أنني أتواصل مع جميع القادة لتأمين دعمهم وتوافقهم".
ودعا مواطني بلاده إلى "الانضمام إلى ما وصفه بالمقاومة"، والتأكيد للعالم بأن أفغانستان ليست مثل فيتنام، وأن طالبان لا تشبه الفيتكونغ".
جاسوس سابق تحول إلى سياسي
ولد أمر الله صالح، الذي ينتمي إلى المجموعة العرقية الطاجيكية، في أكتوبر/تشرين الأول 1972 في بنجشير.
كان صالح وزيراً للداخلية في أفغانستان في عامي 2018 و2019، ولكن له تاريخ استخباراتي مثير قبل سقوط حكم طالبان إثر الغزو الأمريكي لأفغانستان.
يصف كتاب "حرب وكالة الاستخبارات الأمريكية السرية في أفغانستان وباكستان" صالح بأنه "ذو سلوك صارم وخطير، ويتحدث الإنجليزية جيداً، ولكن بشكل متعمد، بلهجة رنانة". وكان صالح يلتقي عادة بالمسؤولين عنه في C.LA في أحد الفنادق في فرانكفورت، حيث كان يناقش معهم تنظيم تسليم معدات التجسس لوكالة المخابرات المركزية لأحمد شاه مسعود.
واختاره مسعود مع ثمانية معاونين كبار وقادة آخرين للسفر للولايات المتحدة لحضور دورة تدريب شديدة السرية لدى وكالة الاستخبارات الأمريكية.
وبعد سقوط نظام طالبان، تولى قيادة وكالة المخابرات الأفغانية التي شكلها الأمريكيون.
ومع ذلك، في عام 2010 ، تمت إقالة صالح من منصب رئيس المخابرات في أفغانستان بعد هجوم مذل على مؤتمر للسلام في كابول.
وعاد عام 2018 مسؤولاً عن وزارة الداخلية، ثم استقال صالح من منصب وزير الداخلية لينضم إلى فريق انتخاب أشرف غني. وبعد إعادة انتخاب غني، تم تعيين صالح نائباً أول لرئيس أفغانستان في يناير/كانون الثاني 2019.
محاولات اغتيال
نجا صالح من محاولات اغتيال عديدة، أخطرها ما حدث في 28 يوليو/تموز 2019 حينما اقتحم ثلاثة مسلحين مكتبه في كابول بعد أن فجر انتحاري نفسه وقتل 20 شخصاً، نجا صالح، بينما فقد العديد من زملائه واثنان من أبناء أخيه أرواحهم في الهجوم، حسب تقرير لموقع "moneycontrol".
وسبق أن قال عن طالبان: "إذا قتلوني، فلقد أخبرت عائلتي وأصدقائي ألا يشكون من أي شيء، لأنني قتلت العديد منهم بكل فخر؛ لذلك فأنا هدف مشروع لهم ومشروع للغاية، كما قال في مقابلة تليفزيونية، إن "الوقوف ضد طالبان هو جزء من دمائي كأحد مساعدي أحمد شاه مسعود".
وهناك مزاعم بأن أخت صالح تعرضت للتعذيب حتى الموت على يد مقاتلي طالبان في عام 1996، حسبما ورد في تقرير لوكالة فرانس برس.
وكتب صالح في مقال افتتاحي لمجلة تايم العام الماضي: "تغيّرت وجهة نظري لطالبان إلى الأبد بسبب ما حدث في عام 1996".
محاولة استغلال إرث أحمد شاه مسعود قد لا تُفضي إلى نتيجة
إضافة إلى علاقته الوثيقة بالاستخبارات الأمريكية، من الواضح أن صالح يحاول استغلال إرث أمير الحرب الراحل أحمد شاه مسعود، وهي مسألة قد تكون لها فعالية في أوساط الأقلية الطاجيكية، بينما قد تأتي بنتيجة عكسية في أوساط البوشتون أكبر عرقيات البلاد.
يقدم التحالف الشمالي والغرب أحمد شاه مسعود باعتبارها بطلاً، ولكن بالنسبة للبوشتون هو الرجل الذي نازع حقهم الطبيعي في حكم البلاد باعتبارهم أكبر قوميات البلاد وأقواها، وكذلك باعتبارهم الزعامة التقليدية لأفغانستان منذ قرون.
كان أحمد شاه مسعود قائداً قوياً في حرب العصابات خلال المقاومة ضد الاحتلال السوفيتي بين عامي 1979 و1989، وكان يمثل القائد العسكري للتنظيم السياسي الإسلامي برهان الدين، أبرز مؤسسي الجهاد الأفغاني ضد الشيوعية.
ولكن أحمد شاه مسعود، انفرد بزعامة الفصيل وازداد قوته بفضل تركيز الدعم الغربي له، وقد يكون ذلك لأنه أقل حدة في انتمائه للإسلام السياسي.
وخلال فترة سقوط النظام الشيوعي بعد الانسحاب السوفيتي خالف مسعود اتفاقاً بين المجاهدين بعدم دخول كابول منفرداً، مسبباً الغضب في أوساطهم، خاصة لدى القائد البوشتوني القوي في ذلك الوقت، قلب الدين حكمتيار، وأدى ذلك إلى نشوب حرب أهلية بين المجاهدين أدت إلى اضطرابات وفوضى لعبت دوراً أساسياً في صعود طالبان وتقبّل الأفغان للحركة رغم تشددها الديني، لا سيما البوشتون لأنها أنهت هذه الفوضى وأعادت الحكم للبوشتون.
وفي التسعينيات، كان مسعود قائد المعارضة الرئيسي ضد نظام طالبان حتى اغتياله في عام 2001.
ولكنه لم ينجح في تحقيق انتصارات تذكر ضد طالبان، باستثناء الاحتفاظ بمعقله في بنجشير، رغم الدعم الغربي والروسي والإيراني له.
يشير ذلك على الأرجح إلى أن أفضل حظوظ صالح هو تكرار تجربة أحمد شاه مسعود من خلال خلق جيب مقاوم لطالبان في شمال البلاد لا سيما بنجشير، وبالتحالف مع الجنرال الدموي الأوزبكي عبدالرشيد دوستم، وعبر جمع فلول القوات الأفغانية خاصة تلك المنحدرة من الأقليات غير البوشتونية.
وقد يستغل الغرب صالح كورقة للضغط على طالبان عبر منح هذا الجيب شرعية الاعتراف الدولي بأنه الحكومة الرسمية لأفغانستان.
ولكن ذلك قد يؤدي إلى عرقلة محاولة التطبيع مع طالبان، والأهم قد يعرقل عملية التغيير في سلوكها المتشدد، وهو التغيير الذي بدأ يظهر في نهجها منذ دخول العاصمة، وحتى خلال المفاوضات مع الأمريكيين.
الأهم أن هذه المقاومة المحتملة قد تؤدي إلى استخدام طالبان القوة لمواجهتها، الأمر الذي ينهي حالة الاستقرار التي بدأت تشهدها البلاد ويؤدي إلى تصاعد دور العناصر المتشددة في طالبان.
الأخطر أن كل ذلك لن يؤدي في الأغلب إلى إزالة حكم طالبان التي زاد نفوذها الحالي عما كان في فترة حكمها السابقة، حيث تسيطر الآن على مناطق للأقليات الشمالية لم يسبق أن حكمتها من قبل، إضافة إلى أنها قد تكون قد عززت قوتها عبر وراثتها لأسلحة الجيش الأفغاني المنهار، وخبرتها لسنوات في الحرب داخل البلاد.
ولكن تمرد أمر الله صالح قد يكون دورة جديدة من العنف دون تغيير كبير في موازين القوى نتيجة تجاهل حقيقة أن مثل هذه المقاومة تستند إلى مصالح أمراء الحرب الشماليين من الطاجيك والأوزبك والذين لا يتفقون على شيء سوى الرغبة في العودة للحكم، والمرفوضين من قبل الأغلبية البشتونية.