تواجه حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تحدياً مصيرياً مع تمكن متمردي جبهة تحرير شعب تيغراي من استعادة السيطرة على معظم أجزاء إقليم تيغراي (شمال)، والتقدم غرباً وشرقاً وجنوباً، بالتحالف مع حركات تمرد في أقاليم أخرى.
ويقول آبي أحمد، إن الجيش الإثيوبي يخوض حرباً "على ثماني جبهات"، في محاولة لتبرير سقوط مدينة ميكلي، عاصمة "تيغراي"، في يد المتمردين، ومعها أغلب مدن الإقليم باستثناء المنطقة الغربية الحدودية مع السودان وإريتريا، والمكشوفة عسكرياً لوقوعها في سهل مفتوح.
ولم يكتفِ متمردو تيغراي بتحرير ميكلي، بل زحفوا إلى إقليمي العفر باتجاه الشرق، والأمهرة باتجاه الجنوب، واستولوا على عدة مناطق ومدن. إذ سقطت في أيديهم بأمهرة مدن كوبو، ثم لالبيلا، تلاهما سقوط مدن غاشنا ومرسا وولديا.
أما في العفر فتوغلت قوات المتمردين عشرات الكيلومترات في عمق الإقليم، مستفيدة من انقسام شعبها بين موال للحكومة وداعم للمتمردين.
6 محاور يتقدم بها "التيغراي" في إثيوبيا
يتحرك متمردو تيغراي على أكثر من محور، ويقاتلون في أكثر من جبهة بشكل يصعب معرفة نياتهم، هل يسعون للزحف مباشرة نحو العاصمة أديس أبابا لإسقاط حكم آبي أحمد، مثلما فعلوا في 1991، عندما أسقطوا حكم مينغستو هيلا مريام، أم أنهم يفضلون أسلوب "طالبان" في السيطرة على أطراف الأقاليم، ثم مراكزها قبل الهجوم على العاصمة؟
وهذا التكتيك الحربي المحترف يُربك الجيش الإثيوبي، لأنه لا يدري من أين سيبدأ هجوم المتمردين الرئيسي، وأين يجب أن يضع قواته الأساسية لصدّ أي هجوم كبير، فضلاً عن أنه يُجبره على تقسيم قواته إلى وحدات عسكرية أصغر وفي أماكن متباعدة يسهل استهدافها في حرب عصابات يجيدها مقاتلو تيغراي.
والمحاور الرئيسية التي يتحرك منها متمردو تيغراي 6 على الأقل، لكل منها أهميته الاستراتيجية أو التكتيكية:
1ـ محور الطريق نحو جيبوتي
تحاول قوات تيغراي التقدم شرقاً نحو الطريق الدولي (A1)، الرابط بين أديس أبابا وجيبوتي، الذي تمر منه جميع الصادرات والواردات الإثيوبية عبر ميناء جيبوتي، كما تأتي عبره المساعدات الإنسانية الدولية إلى الإقليم.
وبالنظر إلى أن إثيوبيا دولة حبيسة، ولا تطل على أي بحر أو محيط، فيمثل هذا الطريق أهمية استراتيجية سواء للحكومة أو المتمردين المحاصرين بين القوات الحكومية في الجنوب والجيش الإريتري في الشمال.
وفي هذا الصدد، قال "تصادقيان جبرامسكل"، أحد قادة تيغراي، لوكالة الأناضول: "نريد السيطرة على طريق جيبوتي- أديس أبابا، ليس لخنق العاصمة، ولنضمن وصول الإغاثة إلى إقليمنا".
لكن من المستبعد أن يسمح الجيش الإثيوبي للمتمردين بقطع هذا الطريق الحيوي، لأنه سيؤدي إلى إضعاف موقعه على الأرض، وأيضاً على أي طاولة حوار يمكن أن يجلس إليها الطرفان مستقبلاً.
2ـ محور الطريق نحو أديس أبابا
أكثر محور يشهد تقدماً للمتمردين يتجه جنوباً نحو أديس أبابا، عبر الطريق (A2)، وإن كان بعيداً عنها بمئات الكيلومترات. وتمكن متمردو تيغراي عبر هذا المحور من إسقاط كوبو، ثم تقدموا نحو مدينة ولديا الاستراتيجية، لكنهم تعثروا في إسقاطها بسرعة، فالتفوا حولها ودخلوا مدينة مرسا، وبعد أيام من الحصار انهارت دفاعات ولديا وسقطت في أيدي المتمردين.
وتقترب المعركة من ديسي، التي تعد ثاني أكبر مدينة في أمهرة بعد "بحر دار" مركز الإقليم، حيث يقطنها حوالي 350 ألف نسمة، وتبعد نحو 400 كلم شمال أديس أبابا. وإذا سقطت ديسي، فلن يكون أمام المتمردين للوصول إلى العاصمة سوى مدينة بيبري ببرهان، كمدينة كبيرة وبعض البلدات.
وأي تقدم جديد في هذه الجبهة يعني أن المتمردين يرغبون في إسقاط حكم آبي أحمد وحلفائه من الأمهرة بأقرب وقت ممكن، خاصة أنهم يملكون آلاف الرجال المتمرسين على حرب العصابات وحتى على حروب الجيوش النظامية، وهذا ما يفسر هزيمتهم لميليشيات الأمهرة والمتطوعين محدودي التدريب والتسليح.
3ـ محور شرق غوندر
وفي هذه الجبهة سيطر المتمردون على لالبيلا، المدينة التاريخية والمقدسة لدى المسيحيين، والتي توجد بها كنائس منحوتة على الصخر، وتقدموا نحو مدينة غاشنا، ثم استولوا على مدينة نافاس.
وإذا تمكن متمردو تيغراي من دخول مدينة دبري تابور، عندها يمكنهم السيطرة على مفترق الطرق الرئيسي الذي يربط عاصمة الإقليم (بحر دار) بمدينة غوندر، مركز قيادة المنطقة الغربية في الجيش الحكومي.
وهدف المتمردين في هذا المحور هو إسقاط غوندر بالدرجة الأولى، لمحاصرة القوات الإثيوبية والإريترية في غرب تيغراي من الجنوب والشرق.
لكن لديهم خيار آخر، وهو التوجه جنوباً نحو "بحر دار"، المطلة على بحيرة تانا، منبع النيل الأزرق، والحليف الرئيسي لآبي أحمد، واقتحامها من شأنه إضعاف سلطة الأخير على الدولة.
إلا أن متمردي تيغراي يغامرون بالتوغل في منطقة معادية لهم بالكامل، وقد تستنزفهم عسكرياً، خصوصاً أن خلافاتهم الحدودية مع الأمهرة قديمة، وهناك تعبئة شعبية في الإقليم.
4ـ محور شمال غوندر
أكثر المحاور التي واجه فيها متمردو تيغراي مقاومة شديدة من الميليشيات المحلية في إقليم أمهرة، لذلك كان تقدمهم فيه بطيئاً ومحدوداً، رغم تقدمهم السريع في بداية الهجوم نحو غوندر، مركز القيادة العسكرية للجيش الإثيوبي في المنطقة الغربية التي تضم بالخصول إقليمي تيغراي والأمهرة.
وانطلق هجوم المتمردين من جنوب تيغراي، في 24 يوليو/تموز، ودخلوا عدة مدن وبلدات على غرار: أدّي أركاي، وشاوبر، وزريما، لكنهم على ما يبدو منيوا بهزيمة في منطقة شِشهو، على أيدي ميليشيات الأمهرة، وفق حساب "إثيوبيا ماب" على تويتر، نقلاً عن تلفزيون تيغراي، التابع للمتمردين.
ونادراً ما يقر متمردو تيغراي بوجود مقاومة شديدة من ميليشيات الأمهرة، الذين يعتبرونهم مجموعات من الفلاحين المتطوعين غير المدربين على القتال.
لكن مجرد وصول القتال إلى "شيشهو"، فهذا يعني أن المتمردين قطعوا نصف المسافة نحو غوندر، التي يعني سقوطها تطويق القوات الحكومية في غرب تيغراي، ومنع وصول المؤن والإمدادات إليها إلا عبر الطيران أو إريتريا.
5ـ محور غرب تيغراي
ويحاول المتمردون استعادة الجزء الغربي من تيغراي، بعدما أسقطوا أغلب مدن الإقليم في المنطقة الشرقية وعلى رأسها ميكلي، ولكن أمام المتمردين عقبتان؛ الأولى تتمثل في التضاريس، والثانية في الجيش الإريتري.
فغرب تيغراي منطقة سهلية منبسطة لا تناسب حرب العصابات التي يتبعها إلى حد ما مقاتلو جبهة تيغراي، كما يمكن للطيران الحربي استهداف كتائبهم بسهولة في أرض مفتوحة.
وتتمركز في المنطقة قوات إريترية إلى جانب وحدات من الجيش الإثيوبي، وهذا التحالف يصعب على المتمردين عملية اقتحامها، وقد يكلفهم خسائر كبيرة، بل إن القوات المتحالفة قد تقوم بهجوم مضاد على عاصمة الإقليم من هذه المنطقة، كما فعلت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وأهمية غرب تيغراي وقوعه على الحدود مع السودان، الذي توترت علاقاته مع إثيوبيا في الفترة الأخيرة، ويسعى المتمردون للحصول على دعم خارجي بالسلاح والمؤن سواء من السودان أو عبره.
بينما تحاول أديس أبابا قطع أي خط تواصل بين المتمردين والعالم الخارجي، لذلك كان أول ما سيطرت عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، المنطقة الحدودية بين تيغراي والسودان، كما تحالفت مع أسمرة لحصار الحكومة المحلية في الإقليم من الشمال.
6ـ محور العفر
يهدف فتح جبهة تيغراي محوراً في الشمال الغربي لإقليم العفر، إلى حماية ظهر وحداتها المتقدمة نحو الطريق الدولي المؤدي إلى ميناء جيبوتي.
وإقليم العفر يقع شرق تيغراي، ويحده شمالاً إرتيريا، ومن الغرب جيبوتي، ومن الجنوب الشرقي إقليم الصومال الإثيوبي (أوغادين)، ومن الجنوب الغربي الأمهرة.
ويسعى المتمردون لمنع ميليشيات العفر من تقديم الدعم العسكري للقوات الحكومية، أو استخدام أراضيهم للهجوم على ميكلي مثلما حدث في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث تقدم متمردو تيغراي نحو 40 كلم داخل الإقليم، ووجدوا مؤيدين لهم في ظل انقسام شعبي بين العفر.
وفتح هذه الجبهة يهدف أيضاً إلى محاصرة إريتريا من الجنوب الشرقي، بينما تحشد قواتها في الجنوب الغربي المحاذي لإقليم تيغراي، بهدف مهاجمتها والسيطرة على أجزاء من أراضيها لإجبارها على الانسحاب من المنطقة الغربية من تيغراي، أو على الأقل تشتيت قواتها، بما يساعدها على استعادة كامل الإقليم.
وتمثل هذه المحاور الستة الجبهات التي يقاتل فيها الجيش الإثيوبي قوات تيغراي المتمردة، والتي قد تتفرع أكثر أو تتوحد حسب تطور المواجهات، حيث يحاول المتمردون إسقاط إقليمي العفر والأمهرة وتحرير ما تبقى من إقليمهم، بهدف فك الحصار عنهم سواء من الجهة الغربية مع حدود السودان أو من الشرقية مع حدود جيبوتي.