يبدو أن رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي يخطط للعودة إلى المنصب من خلال الانتخابات المقبلة، وإعلان مقتدى الصدر مقاطعة تلك الانتخابات يزيد من فرص نجاح مخطط المالكي.
إذ على الرغم من مغادرة المالكي منصبه عام 2014 بطريقة من الصعب نسيانها، عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على ثلث الأراضي العراقية، فإن رئيس الوزراء الأسبق لا يزال يمثل قوة رئيسية في أروقة السياسة الشيعية في البلاد، حسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، بعنوان "الانتخابات العراقية: نوري المالكي يخطط عودته".
ومن المقرر أن تجري حكومة رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، الذي دخل في معركة تكسير عظام مع الحشد الشعبي المدعوم من إيران، الانتخابات البرلمانية في العراق، في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، فلماذا تعتبر الظروف الآن مواتية لعودة المالكي بعد مرور سبع سنوات من تركه رئاسة الوزراء.
انقسام القوى السياسية الشيعية
تعاني القوى السياسية الشيعية اليوم من الانقسام، وأعلن مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، أنَّ حركته لن تشارك في الانتخابات العراقية المقبلة، وحث أتباعه على عدم التصويت. وفي هذا السياق صرّح سياسيون ومراقبون لموقع Middle East Eye بأنَّ هذا أحيا آمال المالكي في الوصول للمنصب.
ومن شأن انسحاب التيار الصدري، الأكبر والأكثر تنظيماً من بين العديد من القوى الشيعية، إعادة رسم خريطة النفوذ السياسي في العراق، وخلق فرص جديدة.
وفي تصريح لموقع Middle East Eye، قال سياسي شيعي بارز مقرب من المالكي، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "يخطط المالكي للفوز بولاية جديدة، ويتطلع إلى أن يكون له صوت وتأثير أكبر على البيت الشيعي [القوات الشيعية الرئيسية]، وهو مقتنع بأنَّ لديه حالياً فرصة أكبر، وأنه أقرب إلى رئاسة الوزراء من أي وقت مضى".
وأضاف المصدر: "سيكون هو المستفيد الأكبر من انسحاب الصدريين من الانتخابات، إذا لم يغير الصدر قراره بالطبع، إضافة إلى أنه سيحصل على أصوات الناخبين المستاءين من الفصائل المسلحة. سيكون أداؤه هذه المرة أفضل مقارنة بالانتخابات الماضية".
وكان تباطؤ السياسيين والأحزاب في العراق تباطؤاً غير عادي في إطلاق حملاتهم الانتخابية هذا العام، وكان أمراً لافتاً، لكن المالكي كان الوحيد الذي أطلق حملته الانتخابية مبكراً.
شعار المالكي.. "سنعيد الدولة"
وتحت شعار "سنعيد الدولة"، أطلق ائتلاف "دولة القانون"، برئاسة المالكي، حملةً انتخابيةً مبكرة تسعى إلى تلميع صورته. وأعيد الترويج له باعتباره مرشحاً لرئاسة الوزراء وقائداً قوياً قادراً على تهدئة التوترات بين الفصائل، وتوفير الأمن وخدمات الحياة الأساسية، ومكافحة التسليح غير المنضبطة.
وقال هشام الركابي، السكرتير الصحفي للمالكي، لموقع Middle East Eye: "وجدنا من خلال تواصلنا مع الناس أنهم لا يشعرون بأنَّ هناك دولة، والوضع [تدهور] من سيئ إلى أسوأ، لذلك قررنا أن يكون شعارنا منسجماً مع متطلبات الناس".
لكن العراق الذي تركه المالكي قبل سبع سنوات لم يكن في وضع جيد بالمرة، على أقل تقدير. فقد انهارت المؤسسة الأمنية في وجه زحف داعش، تحت وطأة الفساد المالي والإداري الهائلين.
كما اتسمت ولاية المالكي الثانية بالمحسوبية وتهميش الطائفة السنية، وعندما استولى تنظيم "داعش" على عدة مدن رئيسية وذبح الآلاف اعترض آية الله العظمى علي السيستاني، زعيم الطائفة الشيعية، على عودته إلى رئاسة الوزراء، على الرغم من حصوله على أكبر عدد من الأصوات في ذلك الوقت.
لذا وافق المالكي على تولي منصب نائب الرئيس بدلاً من ذلك، لكن خسارة رئاسة الوزراء كلفته الأصوات والنفوذ، وحصل على 26 مقعداً فقط في انتخابات 2018، أي أقل بمقعدين من مقتدى الصدر.
كيف تغيّرت الأوضاع في العراق؟
بيد أنَّ الوضع تغير منذ ذلك الحين، فقد فقدت القوى السياسية الشيعية والفصائل المسلحة المرتبطة بإيران العديد من المؤيدين والأصوات، بعد تورط بعضها في القمع الدموي لمظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، المناهضة للحكومة، فضلاً عن استهدافها اللاحق للنشطاء والصحفيين.
إضافة إلى ذلك، ظهرت صراعات ومنافسة داخل ائتلاف "الفتح"، الكتلة البرلمانية الأكبر المدعومة من إيران. وقررت كتائب حزب الله، وهي من أعنف وأكبر الجماعات المسلحة المقربة من إيران، المشاركة في الانتخابات بمعزل عن ائتلاف الفتح، في حين أنَّ أكبر فصيلين متبقيين في الفتح؛ منظمة بدر وعصائب أهل الحق، على خلاف.
ويواجه المالكي منافسان شيعيان آخران من الوزن الثقيل؛ هما: عمار الحكيم وحيدر العبادي. ومع ذلك فإنَّ مؤيدي الصدر والمتشددين الشيعة لا يثقون بهما، ويشتبهون في أنهما ينتميان إلى العلمانية؛ لذا فمن المرجح أنَّ تلك الأصوات المترددة ستتوجه إلى المالكي.
وفي هذا السياق قال علي طاهر الحمود، المحلل في مركز البيان للدراسات والتخطيط، لموقع Middle East Eye، إنَّ "ائتلاف الفتح سيكون من أكبر الخاسرين في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول. وسيستفيد المالكي من الأصوات التي سيخسرها، كما سيحصد ثمار تحالفاته مع عدد من القبائل الجنوبية الكبرى".
وأضاف الحمود: "عملياً، ارتفعت فرصه في الفوز في الانتخابات بعدد أكبر من المقاعد، لكن ليس إلى المستوى الذي يؤهله للتنافس على رئاسة الوزراء".
لكن المالكي يظل بحاجة لمزيد من الدعم
إذ كي يصبح المرشح الأبرز لرئاسة الوزراء، وهو منصب لا يمكن أن يشغله إلا الشيعة، وفقاً لاتفاقية تقاسم السلطة في العراق، يحتاج المالكي إلى الانخراط أكثر سياسياً.
هناك سبع قوى رئيسية على الساحة السياسية الشيعية: تحالف "سائرون" التابع للتيار الصدري، وائتلاف الفتح الذي يتكون من الأجنحة السياسية لمعظم الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، ودولة القانون بزعامة المالكي، وتيار الحكمة بقيادة عمار الحكيم، وائتلاف النصر برئاسة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وحركة عطاء بقيادة فالح الفياض، رئيس جماعة الحشد الشعبي شبه العسكرية، وحزب الفضيلة الإسلامي.
ويستأثر سائرون وفتح وحدهما بثلثي الناخبين الشيعة في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية. وفي ظل الوضع الحالي لن يخوض مرشحو الصدر السباق الانتخابي، فيما انضم الحكيم والعبادي إلى تحالف "قوى الدولة الوطنية". واختار فياض وزعماء حزب الفضيلة الترشح للانتخابات فردياً.
ومن خلال الانسحاب وتشجيع أنصارهم على مقاطعة الانتخابات، سوف يخفض الصدريون إقبال الناخبين، لكن سيفتح ذلك الباب أيضاً أمام مرشحي "دولة القانون" و"الفتح" لتوسيع حملاتهم، واستهداف مناطق وجماعات وقبائل لم يجرؤوا على الاقتراب منها سابقاً، خوفاً من الاصطدام بالصدريين.
ومع ذلك، لن يتمكن ائتلاف المالكي والفتح بمفردهما من الحصول على مقاعد كافية لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، التي لها الحق في ترشيح رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة المقبلة. وصرّح سياسيون ومحللون سياسيون، لموقع Middle East Eye، بأنه بدون دعم الفتح، لن يتمكن المالكي من الوصول إلى هدفه.
وقال قائد بارز في الحشد الشعبي مقرّب من إيران لموقع Middle East Eye: "يراهن المالكي على دعم فصائل المقاومة [المسلحة] والقوات الشيعية المقرّبة منها". وأضاف: "فصائل المقاومة [المسلحة] ليس لديها مشكلة مع المالكي، بل على العكس، هي تعتبره فاعل خير وأحد أكبر رعاتها، خاصة خلال فترة ولايته الثانية في رئاسة الوزراء".
وبحسب هذا القائد، فإنَّ الفصائل المسلحة لا تصف المالكي بوضوح بأنه الرجل الذي تريده رئيساً للوزراء، لكنها تعتبره حليفاً مهماً بعد الانتخابات، أياً كانت نتيجتها. وأوضح أنَّ "قادة الفصائل ليس لديهم مشكلة في ترشيحه لرئاسة الوزراء مرة أخرى؛ لأنهم يعتبرونه معادياً للصدر والوحيد القادر على كبح جماح الصدريين"، متابعاً: "بجانب أنه مقبول من الأمريكيين والإيرانيين ويمكنه خلق توازن بين الاثنين".