إلى جانب أمريكا وكندا وبريطانيا وألمانيا ودول غربية أخرى، أعلنت الرئاسة الفرنسية، الجمعة 13 آب/أغسطس 2021، عدم مشاركة فرنسا في مؤتمر ديربان لمناهضة العنصرية، والذي تعقده الأمم المتحدة في 22 سبتمبر/أيلول المقبل، مشيرة إلى ما سمتها "مخاوف تتعلق بمعاداة السامية" والخطابات "المعادية لإسرائيل". فما قصة هذا المؤتمر الذي يثار الجدل حوله في كل دورة مرة؟ ولماذا تكرر معظم الدول الغربية مقاطعتها له؟
ما هو مؤتمر ديربان لمناهضة العنصرية؟
قبل 20 عاماً، عقد المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية في ديربان بجنوب إفريقيا، والذي تنظمه الأمم المتحدة، حيث يتيح المؤتمر الذي أطلق عليه اسم "مؤتمر ديربان" دراسة التدابير الدولية لمكافحة العنصرية، وتقييم الأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري والخوف من الأجانب والتعصب المتصل بذلك.
وتقول اللجنة التحضيرية للمؤتمر الذي انطلقت فكرته عام 2001، إنه كان "حدثاً بارزاً في النضال لتحسين حياة ملايين البشر في مختلف أنحاء العالم من ضحايا التمييز والتعصب".
ويقول المؤتمر إن من ضمن أهدافه اتخاذ تدابير بعيدة المدى لمكافحة العنصرية بجميع مظاهرها، بما في ذلك تعزيز التعليم ومكافحة الفقر وتحقيق التنمية وتحسين سبل العلاج والموارد لضحايا العنصرية، ودعم احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان.
لماذا تقاطع معظم الدول الغربية مؤتمر ديربان في كل دورة؟
منذ المؤتمر الأول الذي عقد عام 2001 في ديربان بجنوب إفريقيا، والثاني الذي عقد عام 2009 بجنيف السويسرية، والثالث الذي عقد عام 2011 في نيويورك الأمريكية، تقاطع إسرائيل وأكبر الدول الداعمة لها مؤتمر ديربان لتعرضها لانتقادات شديدة فيه، ولتبني المؤتمر ودعم القضايا الإنسانية الخاصة بالفلسطينيين والدول العربية الأخرى.
حيث اتسم المؤتمر الأول الذي عقد قبل أيام قليلة من هجمات 11 سبتمبر عام 2001، بجدل واسع وانقسامات عميقة حول قضايا معاداة السامية والاستعمار والعبودية، حيث غادرت الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى المؤتمر احتجاجاً على "نبرة الاجتماع المعادية لإسرائيل" في ذلك الحين.
ففي ذلك الوقت، هاجم الفلسطينيون والسوريون إسرائيل بشدة خلال المؤتمر الأول لمناهضة العنصرية في عام 2001، ووصفوها بأنها دولة عنصرية تنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني، فيما قرر المؤتمر دعم قضية الفلسطينيين والعرب الداعمين لها.
وفي عام 2009، خلال مؤتمر ديبران الثاني الذي عقد في جنيف، شن الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد هجوماً كبيراً على إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية الداعمة لها، ووصف نجاد إسرائيل بأنها "دولة عنصرية"، ما دفع ممثلي الدول الأوروبية إلى الانسحاب.
وقال أحمدي نجاد: "بعد الحرب العالمية الثانية لجأ (الحلفاء) إلى العدوان العسكري لحرمان أمة بأسرها من أراضيها بذريعة المعاناة اليهودية". وأضاف: "أرسلوا مهاجرين من أوروبا والولايات المتحدة ومن عالم المحرقة لإقامة حكومة عنصرية في فلسطين المحتلة".
وتابع الرئيس الايراني متسبباً في انسحاب 23 ممثلاً للاتحاد الأوروبي الحاضرين في القاعة وسط صخب الحضور: "لا بد من بذل جهود لوضع حد لتجاوزات الصهاينة وداعميهم".
الدول الغربية تكرر مقاطعتها للمؤتمر الرابع خشية "تشويه صورة إسرائيل"
بعد حادثة خطاب نجاد عام 2009 التي أثارت جدلاً واسعاً في الغرب، أصبحت الدول الغربية تخشى تحول المؤتمر الأممي إلى منصة لمهاجمة إسرائيل، لذا أصبحت تفضل تكرار المقاطعة على الحضور.
فبعد خطاب نجاد الشهير، قال سفير فرنسا الأممي السابق، جان باتيست ماتيي: "يجب أن نكون يقظين حيال أي تجاوز، ويجب أن لا يتحول هذا المؤتمر إلى منصة مناهضة لإسرائيل".
وفي المؤتمر الرابع الذي تنظمه الأمم المتحدة بمناسبة مرور 20 عاماً على انعقاد المؤتمر الأول، أعلنت دول غربية عديدة عدم مشاركتها فيه، مبررةً ذلك ذلك بمخاوف من "تجديد تشويه صورة إسرائيل". ومن أبرز الدول التي أعلنت إلغاء حضورها حتى اللحظة: الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وأستراليا وبريطانيا وكندا وهولندا والنمسا.
وكانت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، قد صوتتا في يناير/كانون الثاني الماضي، ضد قرار بشأن الميزانية العادية للأمم المتحدة لعام 2021 الذي يحظى سنوياً على الإجماع، والبالغة 3.231 مليار دولار.
وقالت المندوبة الأمريكية حينها، كيلي كرافت، إن "الولايات المتحدة وهي أكبر ممول للأمم المتحدة، أرادت بهذا التصويت أن توضح تمسكها بمبادئها ودفاعها عن الصواب، ولا نقبل أبداً التصويت بالإجماع من أجل الإجماع فحسب". موضحة أن واشنطن "اعترضت على قرار الميزانية بسبب تخصيص جزء منها لتمويل مؤتمر ديربان لمناهضة العنصرية بمناسبة الذكرى الـ20 لانعقاده".
فيما وصف مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان تصويت واشنطن "جاء ردا على تحيز الأمم المتحدة المستمر ضد إسرائيل، وعزمها على تخصيص الأموال لحدث يحتفي بمناسبة الذكرى الـ20 لمؤتمر ديربان لمكافحة العنصرية". وأضاف: "نعلم جميعاً أن هذه الأموال لن تستخدم لدعم حقوق الإنسان ولكن لنشر المزيد من معاداة السامية والكراهية تجاه إسرائيل".
وتعتبر إسرائيل أن مؤتمر ديربان يدينها، ويصنفها كدولة تمارس نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين في أرضهم المحتلة منذ عام 1967.