يتجه العديد من الشباب التونسيين العاطلين عن العمل واليائسين للبحث عن طرق جديدة للهجرة نحو أوروبا، حيث يقول تقرير حديث لموقع "دويتشه فيله" الألماني، إن ظاهرة "التهريب الذاتي" باتت تنتشر بين المهاجرين بدلاً من الدفع للمهربين الذين يكدسون العشرات في قوارب صغيرة، ما قد يؤدي إلى تعريض حياتهم للخطر والغرق، وقد تكرّر هذا الأمر مرات عديدة خلال الأعوام الأخيرة.
ويقول أحد الشبان الذين بدوا وكأنهم في رحلة بحرية، في مقطع فيديو بث بشكل مباشر على فيسبوك: "كل ما أريد فعله الآن هو الوصول إلى هناك". فيما قال آخر على متن نفس القارب: "وداعاً للجميع في تونس، وداعاً للمقاطعات الأربع والعشرين، من كل قلبي".
ويقول الموقع الألماني إن الفيديو الذي بُث على فيسبوك ليس الأول من نوعه، هناك الكثير من الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي لشباب تونسيين يركبون قوارب، حيث يطلق السكان المحليون اسم "الحراقة" على المهاجرين المتوجهين نحو إيطاليا.
لكن ما يُميز هذا الفيديو هو أن الشباب الذين ظهروا في الفيديو يعرفون بعضهم البعض، وينحدرون من الحي نفسه، ويبدو أنهم يهربون أنفسهم بأنفسهم، وهو اتجاه متزايد في تونس بحسب الموقع الألماني.
التهريب الذاتي خيار المهاجرين التونسيين الجديد للوصول إلى شواطئ أوروبا
يرى هؤلاء الشبان أنه بدلاً من الدفع لمهربي البشر لكي يوصلوك إلى أوروبا عليك أن تنظم رحلتك بنفسك، وعادة ما يكون للمهربين الذاتيين خلفية اجتماعية مشتركة، أي قادمون من الحي نفسه أو ربما من عائلة واحدة ممتدة، وبالتالي فإنهم يجمعون أموالهم لشراء قارب ومحرك وديزل، وحتى جهاز GPS إذا كان بإمكانهم تحمل تكلفة ذلك.
وظهر مواطن تونسي يدعى رؤوف الحويج وعائلته على متن قارب، في مقطع فيديو على فيسبوك، يحيطون بابن الحويج المريض، وبعد ادخار المال وجمع التبرعات اشترت العائلة قارباً صغيراً ومحركاً، وسافروا جميعاً معاً، وغادروا مدينة "الشابة" التونسية الساحلية لمحاولة الوصول إلى إيطاليا.
ووفقاً لبحث أجرته منظمات حقوقية تونسية وجماعات أخرى، فإن عدد المهربين أنفسهم بأنفسهم الذين يغادرون تونس نحو أوروبا آخذ في الازدياد.
يقول مات هربرت، الباحث المتخصص في شمال إفريقيا والهجرة غير النظامية ومدير الأبحاث في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، إن "التهريب الذاتي شائع على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط".
وأوضح هربرت لموقع DW، أنه نادر في ليبيا، حيث تهيمن شبكات تهريب البشر، لكنها ظاهرة موجودة على سواحل المغرب والجزائر.
لكن حتى خلال العامين الماضيين لم تكن هذه الظاهرة ملحوظة بشكل كبير في تونس، لكنها أصبحت تتسع بشكل أكبر مع الارتفاع الواضح في الهجرة غير النظامية خلال عام 2020.
سريّة التهريب الذاتي
ونظراً لأن معظم التونسيين الذين هرّبوا أنفسهم ذاتياً قد وصلوا إلى أوروبا دون أن يتم اكتشافهم، وتخطيط البعض الآخر لرحلاتهم سراً، لا يتحدث هؤلاء المهاجرون إلى الصحفيين أو الباحثين، وبالتالي لا يعرف أحد بالضبط كم عدد التونسيين الذين يختارون التهريب الذاتي، ومع ذلك من الواضح أن الهجرة غير النظامية من شمال إفريقيا نحو أوروبا قد زادت بشكل كبير خلال العام الماضي.
بين يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب 2020، أنزلت إيطاليا ما يقرب من 15000 مهاجر غير نظامي قادم من شمال إفريقيا. وخلال نفس الفترة من هذا العام تقول الحكومة الإيطالية إنها اعترضت أكثر من 31000 شخص حتى 9 أغسطس/آب.
وأفادت المنظمة الدولية للهجرة، وهي جزء من الأمم المتحدة، أنه من بين جميع المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى إيطاليا، كان التونسيون هم أكبر مجموعة في عام 2021 حتى الآن. وبين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار، شكل التونسيون 15% من إجمالي الوافدين، وبين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران 14%. ومعظم المهاجرين الذين يغادرون تونس عن طريق البحر هم من السكان المحليين وليسوا من الأجانب.
المزيد من التونسيين يغادرون بلادهم على وقع الأزمات الاقتصادية والسياسية
يقول مات هربرت إنه في الآونة الأخيرة ارتفعت عمليات المغادرة من تونس وعادت إلى الانتعاش مجدداً، موضحاً أن هذا يرجع إلى انخفاض قيمة الدينار التونسي في عام 2017، وارتفاع معدلات البطالة، والمشاكل السياسية في البلاد، ثم في النهاية التأثير المدمر لجائحة كورونا.
وقال هربرت إن الأزمة الصحية أغلقت سبل الهجرة القانونية، ومنعت السياح من القدوم إلى تونس، البلد الصغير قليل الموارد. وقد يكون الافتقار إلى السياحة في حد ذاته أحد الأسباب وراء وجود المزيد من التهريب الذاتي، يوضح هربرت قائلاً إن قطاع السياحة يتركز على طول السواحل، التي كانت إلى حد ما معزولة عن الفوضى الاقتصادية في البلاد.
وتابع هربرت أن الوباء غير كل ذلك، غالباً ما ينحدر المهربون الذاتيون من المجتمعات الساحلية، لأن لديهم بالفعل بعض الخبرة البحرية -على سبيل المثال من صيد الأسماك أو العمل في القوارب أو الإبحار- وبالتالي يشعرون بمزيد من الثقة بشأن العبور نحو أوروبا بأنفسهم وليس عن طريق مهربين آخرين.
"التهريب الذاتي خيار أكثر أماناً"
هناك عوامل أخرى تلعب دوراً أيضاً في زيادة التهريب الذاتي بين التونسيين، رغم حقيقة أنه عادة ما يكون أغلى قليلاً من التهريب عبر الدفع لأرباب شبكات التهريب.
ويفيد الباحثون أن الذهاب مع مهرب بشر محترف يكلف ما بين 1200 يورو إلى 2200 يورو على متن قارب عادي، بينما يقسم المهربون الذاتيون تكاليف أي معدات يجب عليهم شراؤها.
أوضح رمضان بن عمر، المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، أن المهاجرين ذاتياً على استعداد لدفع المزيد لأنهم ينظرون إلى هذه الوسيلة على أنها الخيار الأكثر أماناً.
يقول بن عمر: "كثير من الشباب هنا لا يثقون في شبكات التهريب. يعمل العديد من المهرّبين مع الشرطة، سيأخذون أموال المهاجرين، ويجمعونهم معاً، ثم يسلمونهم على الشرطة، لكن بهذه الطريقة يمكن للمهربين ذاتياً الاستعداد للرحلة دون أن يتم اكتشافهم بسهولة".
ويدرك المهربون الذاتيون جيداً أيضاً أن المتاجرين بالبشر المحترفين يهتمون بالربح أكثر منهم. وأضاف بن عمر، على سبيل المثال، لخفض التكاليف، قد لا يضع المهربون ما يكفي من الديزل في قارب للوصول إلى وجهته، أو أنهم سيحمّلون القارب بعدد كبير جداً من الأشخاص، وبالتالي سيرفع ذلك من احتمال انقلاب المركب بالناس وغرقهم كما حصل ذلك مرات عديدة.
ويقول بن عمر إن المهربين الذاتيين يحاولون في كثير من الأحيان إنزال قواربهم في مناطق أخرى غير تلك التي يستخدمها المهربون المحترفون، لذا لديهم فرصة أفضل لعدم القبض عليهم من قبل السلطات وترحيلهم.
البحث عن وجهة أكثر أماناً
في السياق، يشق الكثير من المهاجرين غير الشرعيين طريقهم إلى جزيرة صقلية الإيطالية، حيث يسهل الهبوط دون أن يتم اكتشافهم، بينما ينتهي الأمر بعدد من المهاجرين في جزيرة لامبيدوزا الأصغر والأقرب.
وأشار هربرت إلى أن "ما يفعله المهربون الذاتيون هو قانوني تقنياً عند مغادرتهم مياههم الإقليمية، إذ إن شراء أشياء مثل قارب أو محرك أو وحدات GPS أمر طبيعي وقانوني".
وبحسب خبراء، فإن انتشار ظاهرة التهريب الذاتي سيرهق الأوروبيين بشكل كبير، وسيمثل تحدياً جديداً لهم، فيما لا تزال تنفق العواصم الأوروبية أموالاً طائلة لمكافحة تهريب البشر.
يقول هربرت إنه سيكون أكثر أهمية للدول التي تسعى إلى معالجة قضية الهجرة غير النظامية أن تنظر إلى الدوافع الكامنة وراءها، لاسيما بالنظر إلى انعدام الأمن السياسي وغياب العدالة في الفرص واستمرار الأزمات الاقتصادية.