في مطلع يوليو/تموز 2021، تناقل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب مقطع فيديو لمهندسين مغاربة عمتهم الفرحة بعد إجرائهم تجارب ناجحة لواحدة من أكبر محطات تحلية مياه البحر في إفريقيا، وذلك في محاولة لمواجهة أزمة المياه في المغرب.
ووفق تصريحات صحفية سابقة لعبدالرحيم الحافظي، المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، فإن المحطة التي أقيمت في محافظة شتوكة أيت باها (وسط) تعد إحدى أكبر محطات تحلية مياه البحر في منطقة المتوسط وإفريقيا.
ويحظى ملف الموارد المائية في المغرب باهتمام خاص من عاهل البلاد الملك محمد السادس، الذي اجتمع أكثر من مرة خلال السنوات الثلاث الماضية بمسؤولين كبار لبحث الأمر، كان آخرها في 7 يناير/كانون الثاني 2020، بالقصر الملكي بمراكش (جنوب).
وأقرت الحكومة في وقت سابق برنامجاً وطنياً للتزود بالمياه لأغراض الشرب والري للفترة 2020-2027، باستثمارات تبلغ 115 مليار درهم (حوالي 12 مليار دولار) لمواجهة أزمة المياه في المغرب.
الحرص الرسمي على تحقيق "الأمن المائي" لم يأتِ من فراغ ومنع تفاقم أزمة المياه في المغرب، إذ تشير معطيات رسمية إلى تراجع مقلق في حصة الفرد السنوية من المياه.
ولفت تقرير سابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في المغرب (حكومي) إلى تراجع حصة الفرد إلى أقل من 650 متراً مكعباً سنوياً، مقابل 2500 متر مكعب سنة 1960، ومن المتوقع أن تقل هذه الكمية عن 500 متر مكعب بحلول سنة 2030.
ويزيد القلق من احتمالات تفاقم أزمة المياه في المغرب جراء التغييرات المناخية التي تضرب العالم والتي ظهرت واضحة في منطقة البحر المتوسط، وكذلك في أزمة المياه التي تواجه الجزائر المجاورة.
هل لم تعد السدود تكفي لمواجهة العطش؟
منذ سبعينيات القرن الماضي، اعتمد المغرب في سياسته المائية على إنشاء السدود، لضمان تزويد السكان وتلبية الحاجات الزراعية.
وفي فبراير/شباط الماضي، أفاد وزير التجهيز والنقل والماء عبدالقادر أعمارة، في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، بأنه يتوافر في المغرب حالياً 149 سداً كبيراً بسعة إجمالية تقدر بـ19 مليار متر مكعب، وينفذ 5 سدود كبيرة جديدة، بسعة 525 مليون متر مكعب.
وبموازاة سياسة السدود، توجه المغرب في السنوات الأخيرة بقوة إلى البحر لتعزيز إمداداته المائية، خاصة بعد اندلاع احتجاجات في مناطق تشهد نقصاً حاداً في المياه.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، شهدت مدينة زاكورة (جنوب شرق) احتجاجات للمطالبة بتزويد السكان بماء الشرب، عرفت إعلامياً بـ"احتجاجات العطش".
ويقول محمد مصباح، رئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات (غير حكومي)، في تصريح إلى "الأناضول"، إن الماء هو أحد العناصر الأساسية في الاستقرار السياسي، وهو ما دفع العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، إلى نهج سياسة السدود.
ويضيف: "الماء عنصر مهم في تحديد الهجرة القروية وبروز بعض الاحتجاجات في مناطق تعيش الندرة".
محطات تحلية ضخمة لمواجهة أزمة المياه في المغرب
وتبلغ سعة المحطة التي أقيمت في محافظة شتوكة أيت باها (وسط) في مرحلة أولى 275 ألف متر مكعب في اليوم، منها 150 ألف متر مكعب موجهة للمياه الصالحة للشرب، وتمكن ما يناهز مليوناً و600 ألف نسمة من الحصول على هذه المياه في جهة أكادير، وتطوير الاقتصاد الفلاحي.
والواقع أن التوجه نحو تحلية مياه البحر لم يكن وليد الأزمة التي يعيش على وقعها المغرب، إذ أطلق أول محطة لتحلية المياه عام 1973 بمدينة طرفاية (جنوب)، لتتوالى بعدها المحطات في المحافظات الجنوبية، المتسم مناخها بالجفاف، لكن بقدرات لا تتعدى بضعة آلاف الأمتار المكعبة في اليوم.
وفي السنوات الثلاث الماضية، سرّع المغرب الخطى في هذا الاتجاه، وكان من نتائج ذلك محطة شتوكة ايت باهة، التي ستعقبها أكبر محطة في القارة بمدينة الدار البيضاء تشير معطيات رسمية إلى أن سعتها ستبلغ 300 مليون متر مكعب، بكلفة إجمالية بلغت 10 مليارات درهم (1,1 مليار دولار).
هل التحلية ناجحة؟
يرى مصباح أن تحلية المياه هي إجابة عن الأزمة التي استشعرها المغرب، وهو من حيث المبدأ توجه في غاية الأهمية.
ويلفت إلى أنه "حالياً لا توجد مؤشرات كافية، ونحتاج إلى معطيات أكبر لتتبع وتقييم هذا العمل".
ويستدرك قائلاً: "دول أخرى كالسعودية، التي عاشت حالة شبيهة بالمغرب لجأت إلى هذا الحل لتجاوز الأزمة".
ويضيف الباحث المغربي أن الأمر يستدعي حسم المغرب في بعض خياراته الزراعية التي تستهلك كميات كبيرة من المياه.
والتوجه الذي سار عليه المغرب في إطار "مخطط المغرب الأخضر" (مخطط لتطوير القطاع الزراعي أطلقته وزارة الفلاحة في أبريل/نيسان 2008)، استنزف الموارد المائية، خصوصاً في بعض المناطق التي سمح فيها بقيام زراعات مستهلكة للماء بكثرة، كزراعة البطيخ الأحمر في مناطق الجنوب الشرقي الجافة.
ويشير مصباح إلى أن هذه الزراعات تدرّ العملة الصعبة على خزينة الدولة، عن طريق تعزيز الصادرات الزراعية، غير أنها تقوم في الواقع بتصدير أهم مادة وهي الماء.
التكلفة ومشكلة المحروقات
من جهة أخرى، يلفت المهندس الزراعي محمد بنعطا، رئيس جمعية فضاء التضامن والتنمية بالشرق (غير حكومية)، في تصريح لوكالة الأناضول"، إلى ضرورة الوضع في الاعتبار الكلفة التي سيدفعها المغرب مقابل هذا التوجه الجديد.
ويقول: "عملياً، هذا التوجه سيخفف الضغط على الموارد المائية، لكن من المهم أن نتبين الكلفة المالية، ونوع الطاقة المستخدمة في الإنتاج".
ويردف: "إذا كان الإنتاج سيعتمد على الطاقات النظيفة، وبخاصة طاقة الرياح، كما جاء على لسان المسؤولين على المشروع بالنسبة إلى محطة شتوكة ايت باهة، فإن هذا سيجنبنا تبعات بيئية أخرى مرتبطة باستخدام مصادر الطاقة التقليدية".
تجدر الإشارة إلى أن مكتب الصرف المغربي أعلن أن العجز التجاري اتسع بنسبة 13% إلى 97.4 مليار درهم (11 مليار دولار) في النصف الأول من 2021، حيث بلغت واردات الطاقة 31.7 مليار درهم، مرتفعة بنسبة 21.1% عن الفترة ذاتها من العام الماضي، والمغرب يعتبر مستورداً للمحروقات، الأمر الذي قد يجعل محطات تحلية مياه البحر عبئاً عليه في حال عدم استخدام الطاقة الجديدة.