أعلنت وزارة العدل الأمريكية قرارها بمراجعة الوثائق السرية المتعلقة بهجمات 11 سبتمبر 2001، على الولايات المتحدة، التي كانت تفرض الحكومة عليها غطاء السرية طوال 20 عاماً، وذلك في أعقاب تحذيرات عائلات ضحايا تلك الهجمات من انحياز إدارة بايدن إلى المملكة العربية السعودية، فما الذي ستكشفه هذه الوثائق؟ وهل تؤدي إلى تفاقم الأزمة بين الرياض وواشنطن؟
أهالي ضحايا 11 سبتمبر يضغطون على بايدن
تسعى عائلات الضحايا في الفترة التي تسبق الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر، للضغط على بايدن لرفع السرية عن الوثائق الحكومية التي يزعمون أنها ستظهر أن قادة المملكة العربية السعودية كانوا داعمين أو مؤيدين للهجمات.
وأصدر أفراد أسر الضحايا (ما يقرب من 3000 ضحية)، الذين انضم إليهم أول المستجيبين والناجين من الهجوم، رسالة يوم الجمعة الماضي دعت بايدن إلى تخطي الأحداث التذكارية لهذا العام ما لم ينشر الوثائق. وجاء في الرسالة: "منذ اختتام لجنة الحادي عشر من سبتمبر عام 2004، تم الكشف عن الكثير من أدلة التحقيق التي تورط مسؤولين حكوميين سعوديين في دعم الهجمات".
وجاء في الرسالة: "من خلال إدارات متعددة، سعت وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي بنشاط للحفاظ على سرية هذه المعلومات ومنع الشعب الأمريكي من معرفة الحقيقة الكاملة حول هجمات الحادي عشر من سبتمبر".
وبعد بيان الأهالي، رحب بايدن في بيان للبيت الأبيض، نُشر يوم الإثنين، بقرار وزارة العدل الأمريكية بمراجعة الوثائق وكشف الحقائق للجمهور، وقال الرئيس الأمريكي: "كما وعدتُ خلال حملتي، فإن إدارتي ملتزمة بضمان أقصى درجة من الشفافية بموجب القانون، والالتزام بالإرشادات الصارمة الصادرة خلال إدارة أوباما وبايدن بشأن التذرع بامتياز أسرار الدولة".
وأضاف بايدن: "في هذا السياق أرحب بإيداع وزارة العدل اليوم، والذي يلتزم بإجراء مراجعة جديدة للوثائق، حيث سبق للحكومة أن أكدت الامتيازات، والقيام بذلك في أسرع وقت ممكن".
أهالي الضحايا يسعون لمحاسبة السعودية والأخيرة تنفي تورطها في الهجمات
في المجموع، وقع حوالي 1700 شخص تأثروا بشكل مباشر بهجمات 11 سبتمبر على الرسالة الأسبوع الماضي. وأصرت السعودية على أنها ليس لها دور في الهجمات.
لطالما سعى أفراد عائلات ضحايا 11 سبتمبر إلى الحصول على وثائق حكومية أمريكية تتعلق بما إذا كانت المملكة العربية السعودية قد ساعدت أو مولت أياً من 19 شخصاً مرتبطين بالقاعدة الذين نفذوا الهجوم المدمر.
وقال بريت إيجلسون، الذي قُتل والده بروس إيجلسون، في بيان لوكالة رويترز للأنباء: "إننا نقدر اعتراف الرئيس بايدن بأسرنا اليوم، ونحن نسعى لتحقيق العدالة والمساءلة ضد المملكة العربية السعودية، لكن للأسف سمعنا العديد من الوعود الفارغة من قبل".
وفي 11 سبتمبر/أيلول 2001، قام عملاء القاعدة (مثّل السعوديون 15 من أصل 19 من خاطفي الطائرات) بتحطيم ثلاث طائرات نفاثة تجارية في برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك والبنتاغون خارج واشنطن العاصمة. تحطمت طائرة رابعة مختطفة يعتقد أنها كانت تستهدف مبنى الكابيتول الأمريكي في أحد حقول بنسلفانيا، وفي المحصلة فإن ما يقرب من 3000 شخص لقوا حتفهم.
وخلال السنوات الماضية، رفعت أسر ما يقرب من 2500 قتيل، وأكثر من 20 ألف جريح وشركة ومؤسسة تأمين، قضايا تطالب السعودية بمليارات الدولارات.
ما المعلومات التي يرتكن إليها أهالي الضحايا الأمريكيين في زعمهم بتورط السعودية؟
في السياق، قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين بساكي، في 6 أغسطس/آب، إن مسؤولي البيت الأبيض عقدوا في الأسابيع الأخيرة عدة اجتماعات مع مجموعات تمثل عائلات 11 سبتمبر، بشأن طلبات الوثائق الخاصة بهم.
وفي يونيو/حزيران الماضي، قالت صحيفة The Guardian البريطانية إن مسؤولين سعوديين سابقين سيخضعون للاستجواب بشأن صلتهم المزعومة بهجمات 11 سبتمبر/أيلول، وذلك خلال إفادات المحكمة بواسطة محامين يمثلون أسر الضحايا.
الصحيفة البريطانية أوضحت، في 24 يونيو/حزيران 2021، أن الأسر تسعى لإثبات أن مواطنين سعوديين قد ساعدوا في دعم خاطفي طائرات 11 سبتمبر/أيلول، وهما خالد المحضار ونواف الحازمي، بجنوبي كاليفورنيا خلال الأشهر التي سبقت تنفيذ الهجمات، وأن ذلك الدعم كان بتنسيقٍ من مسؤولٍ داخل السفارة السعودية في واشنطن. وأنكرت الحكومة السعودية أي دورٍ لها في الهجمات مراراً.
والسعوديون الثلاثة المرتبطون بالمزاعم هم عمر البيومي وفهد الثميري ومسعد الجراح. والبيومي هو موظفٌ حكومي سابق في الطيران المدني، وكان طالباً يدرس في كاليفورنيا رسمياً.
وتزعم الدعوى القضائية أنّه كان عميلاً سعودياً بين عامي 2000 و2001، وتلقى مبالغ مالية كبيرة من الحكومة السعودية مقابل "وظائف وهمية" لم يقُم بها. وسرعان ما انتقل إلى المملكة المتحدة بعد الهجمات، حيث خضع للتحقيق بواسطة الشرطة البريطانية، نيابةً عن مكتب التحقيقات الفيدرالي.
زعم البيومي أن علاقته بالمحضار والحازمي كانت سطحية، لكن القضية التي تنظرها محكمة جنوب نيويورك الفيدرالية تزعم أنه كان يقضي أوقاتاً طويلة معهم، وقد ألغت السلطات الأمريكية تأشيرته بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول على أساس الاشتباه بمشاركته في "أنشطةٍ شبه إرهابية".
بينما كان الثميري يعمل في القنصلية السعودية بلوس أنجلوس حينها، وإمام مسجد الملك فهد هناك. ويُقال إن البيومي زاره قبل اللقاء بالمحضار والحازمي.
وزعم الثميري أنه لم يلتقِ بالخاطفين مطلقاً، لكن الشهود قالوا لعملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي إنهم شاهدوه في صحبتهم. وبعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول، سُحِبَت تأشيرته الدبلوماسية للاشتباه في ارتباطه بأنشطةٍ إرهابية.
أما الجراح، فلم تُفصح عن هويته حتى مايو/أيار عام 2020 حين كشف نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيل سانبورن عن الاسم بطريق الخطأ في وثائق المحكمة. وجرى حذف الاسم من النص في جميع الفقرات باستثناء واحدة، وقد لاحظ محقق موقع Yahoo الأمريكي مايكل إيزيكوف تلك الفقرة.
وكان الجراح دبلوماسياً متوسط الدرجة في سفارة واشنطن بين عامي 1999 و2000، وأشرف على موظفي وزارة الشؤون الإسلامية في المساجد والمراكز الثقافية حول الولايات المتحدة.
فيما لم تتضح بعد مدى قوة الأدلة التي تربط الجراح بالبيومي والثميري، لكن إعلان سانبورن كان أشبه بتأكيدٍ على أن الرجل يقع تحت طائلة تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي.
إذ خضع البيومي للاستجواب بين يوم التاسع والـ11 من يونيو/حزيران. بينما جاءت إفادة الجراح والثميري في يونيو/حزيران الماضي. ويجري تقديم جميع الإفادات عبر تطبيق Zoom، بواسطة الفريق القانوني للأسر، وليس من المسموح لأعضاء هذا الفريق مشاركة تفاصيل الإفادة مع موكليهم.
كيف يمكن أن يؤثر ذلك على العلاقات السعودية الأمريكية؟
وتأثرت العلاقات الأمريكية السعودية بشكل كبير خصيصاً بعد قضية مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018، فيما قد تكون العلاقة بين جو بايدن والسعودية واحدة من أكثر المسائل الإشكالية في عهد الرئيس الأمريكي الديمقراطي، على عكس سلفه الجمهوري دونالد ترامب.
حيث أصدرت إدارة بايدن، في فبراير/شباط الماضي، تقريراً وجد أنّ ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مسؤولٌ بشكلٍ مباشر عن الموافقة على قتل خاشقجي، فيما فرضت واشنطن عقوبات على عشرات السعوديين المرتبطين بانتهاكات حقوق الإنسان، وقررت إنهاء الدعم الأمريكي للحرب السعودية في اليمن.
وفي ذلك الحين، أكّد بايدن ومسؤولون آخرون أنّهم سيُنهون حالة الدفء التي اتسمت بها علاقة إدارة ترامب مع السعودية، ومشيرين بذلك إلى رغبتهم في انتهاء غض الطرف الأمريكي عن انتهاكات حقوق الإنسان داخل السعودية، لكنهم أوضحوا أيضاً أنّ الولايات المتحدة ستواصل دعم، وحماية، والعمل مع المملكة، بسبب المصالح المشتركة.
والآن، قد يعيد الكشف عن الوثائق السرية لهجمات 11 سبتمبر إذا ثبت تورط مسؤولين سعوديين فيها، العلاقات بين الرياض وواشنطن إلى أسوأ أحوالها، خاصة إذا قررت المحاكم الأمريكية فرض دفع تعويضات ضخمة لعائلات الضحايا، على الحكومة السعودية.
فيما لا يستطيع الرئيس الأمريكي إلا الاستجابة للضغوطات المستمرة من العائلات التي أوصلت له رسالة واضحة بـ"عدم الانحياز للمملكة العربية السعودية في هذه القضية"، في إشارة إلى الانحياز الواضح لسلفه ترامب تجاه ولي العهد السعودي إبان قضية اغتيال خاشقجي وما تلاها.