بعد تبني تبون المبادرة.. ما الذي يمكن أن تفعله الجزائر في أزمة سد النهضة وأوراق الضغط التي لديها؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/10 الساعة 18:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/10 الساعة 22:52 بتوقيت غرينتش
وزير الخارجية المصري سامح شكري، ونظيره الجزائري رمطان لعمامرة/ مواقع التواصل

جاء إعلان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عن أن مبادرة الجزائر للوساطة في أزمة سد النهضة قد لاقت تجاوباً من قبل أطراف أزمة، ليشير إلى اكتساب المبادرة جدية وتجاوباً في ظل تبني رئيس البلاد نفسه لها.

وقال رئيس الجزائر، عبدالمجيد تبون، إنه توجد مبادرة جزائرية 100% بخصوص "سد النهضة"، موضحاً أن هناك تجاوباً كبيراً من مصر والسودان وإثيوبيا.

وأضاف الرئيس الجزائري، خلال لقائه الدوري مع الصحافة الجزائرية، أمس الأول الأحد: "وزير خارجيتنا لمس تقبلاً كبيراً من الدول الثلاث بشأن المبادرة الجزائرية، ومتأكد أننا سننجح في وساطتنا بشأن سد النهضة"، وتابع: "طالبنا بعدم وصول الأشقاء بسبب نزاع سد النهضة إلى أمور ساخنة".

وجاء تبني الرئيس الجزائري للمبادرة ليعطي ليس فقط صبغة رسمية، بل يرفع من مستواها، بعدما بدا أن الطرح مرتبط بوزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة المخضرم، وهو ما يشير إلى ثقة رئاسية في قدرة الدبلوماسية الجزائرية على تنفيذ هذه المهمة الصعبة والتي فشل فيها رئيس أكبر دولة في العالم، حينما انسحبت أديس أبابا من التوقيع على الاتفاق عليه بوساطة أمريكية أشرف عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شخصياً.

وكان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة أكد قبل أيام ضرورة توصل مصر والسودان وإثيوبيا إلى حلول مرضية في ملف سد النهضة الإثيوبي.

وزار الوزير الجزائري أديس أبابا حيث تلقى طلباً إثيوبيا بتصحيح الصورة لدى الجامعة العربية بشأن موقف أديس أبابا في أزمة السد، تلته زيارة إلى الخرطوم التقى خلالها برئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، ووزيرة الخارجية مريم المهدي، ثم القاهرة حيث التقى بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ووزير الخارجية سامح شكري.

وعلى مدار الجولات السابقة للمفاوضات التي بدأت قبل عشر سنوات، أصرت القاهرة والخرطوم على التوصل إلى اتفاق ملزم قبل التعبئة الثانية لسد النهضة، فيما طمأنت إثيوبيا أن مشروعها الوطني لن يسبب لهم أي ضرر، ولم يبت مجلس الأمن في الأمر عندما عرض عليه هذا الصيف؛ مما مثل نكسة لجهود مصر والسودان الدبلوماسية.

أساس مبادرة الجزائر إعلان المبادئ

وتتماشى المبادرة الجزائرية مع المادة 10 من اتفاق إعلان المبادئ الذي وقعته الدول المعنية بالخرطوم في 23 مارس/آذار 2015.

وأوضح بيان لمجلس السيادة الانتقالي السوداني صدر في 31 يوليو/تموز أن المبادرة تتطلب من "الدول الثلاث عقد اجتماع مباشر لحل الخلافات حول سد النهضة".

وينص إعلان المبادئ على أن أي وساطة أو تحكيم دولي يجب أن يتم بموافقة الأطراف الثلاثة وهو ما كان ينظر له باعتباره نقطة ضعف كبيرة في إعلان المبادئ.

وبالنظر لاستناد المبادرة الجزائرية لإعلان المبادئ، ونشاط الجزائر الإفريقي فستكون هذه المبادرة الجزائرية على الأغلب بمثابة بديل غير مباشر أو شبه ممثِّلة للاتحاد الإفريقي الذي فشلت رئاسته الدورية ممثلةً بالكونغو الديمقراطية في إنهاء هذه الأزمة، ولقيت انتقاداً خاصة من قبل دولتَي مصبّ نهر النيل.

فهي أشبه بوساطة عربية-إفريقية ستكون مقبولة من حيث الشكل من  الاتحاد الإفريقي.

ولكن اللافت أن إثيوبيا طلبت من الجزائر تصحيح الصورة الخاطئة لدى الجامعة العربية عن موقفها من أزمة سد النهضة، وهو ما اعتبر طلباً أو موافقة إثيوبية على الوساطة الجزائرية حتى لو كانت موافقة حمالة أوجه.

وفي هذا السياق، قال طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لموقع al-monitor  "المونيتور" عبر الهاتف، إن "زيارة العمامرة للدول الثلاث المتنازع عليها هي جزء من جهود الجزائر لكسر الجمود في مفاوضات سد النهضة في غياب رؤية واضحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية خلال جولة المفاوضات الأخيرة".

خبرات سابقة وعلاقات وثيقة مع الاتحاد الإفريقي

وأشار فهمي إلى أن الجزائر دولة مهمة في المنطقة لها وجود ومصداقية في الاتحاد الإفريقي ولها تأثير مباشر على جميع الأطراف لعلاقاتها الطيبة مع الدول الثلاث المتصارعة. وأضاف أن لديها الكثير لتقدمه في هذا الصدد، خاصة أن جميع الأطراف اتفقت على الوساطة.

ومنذ استقلالها، أعطت الجزائر اهتماماً كبيراً لإفريقيا أكبر من معظم الدول العربية، وهو دور ظل مستمراً، ولم يحدث له انقطاع مثلما حدث مع مصر بعد رحيل رئيسها جمال عبدالناصر الذي دعم استقلال أغلب الدول الإفريقية.

وقال فهمي إن الجزائر لديها علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبي أيضاً. وأضاف أن مصر أوضحت بالفعل رؤيتها الخاصة بأزمة سد النهضة أمام الهيئة الأوروبية.

ويعتقد فهمي أن الاتحاد الإفريقي سيلعب دوراً متزايداً في الأزمة في المستقبل من خلال دفع بعض البلدان، بما في ذلك الجزائر، لتولي دور. كما يتوقع أن تقدم مصر مرة أخرى ملف سد النهضة إلى مجلس الأمن الدولي لتذكير الرأي العام بأن الملف لم يتم حله بعد.

وقالت رخا حسن، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، لـ "al-monitor" إن الجزائر دولة إفريقية رئيسية لها وجود قوي في الاتحاد الإفريقي.

وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة/رويترز

وأضاف أن لعمامرة يتمتع بخبرة كبيرة في عمليات الوساطة والتفاوض أيضاً، الأمر الذي جعله يبني مبادرته على المادة 10 من اتفاقية إعلان المبادئ. وينص الأخير على أنه في حالة تصاعد الخلاف بين الدول الثلاث، يمكن عقد قمة رئاسية بين الدول الثلاث على الفور.

ويرى كثيرون أنه من العوامل التي قد تعزز من فرص الوساطة الجزائرية، أن المهمة يقودها دبلوماسي بحجم رمطان لعمامرة الذي عمل سابقاً سفيراً بأديس أبابا، أي أن له علاقات مع مختلف المسؤولين الإثيوبيين.

 وقال النائب الجزائري فؤاد سبوتة لوكالة أنباء "الأناضول"، إن لعمامرة ساهم في عودة السلم إلى أكثر من 40 منطقة في العالم خاصة في إفريقيا، ولعلّ أبرزها ليبيريا ومدغشقر ومالي.

 ويعدّ لعمامرة اسماً بارزاً في أروقة الاتحاد الإفريقي ومنظمة الأمم المتحدة، فقد سبق له أن شغلَ منصب الممثل السامي للاتحاد الإفريقي من أجل إسكات البنادق في إفريقيا، وهو عضو حتى الآن بالمجلس الاستشاري رفيع المستوى للأمين العام للأمم المتحدة المعني بالوساطة.

كما أنه اسم يُعتَدّ به في مراكز الدراسات ذات المرجعية العالمية، مثل مجموعة الأزمات الدولية، ومعهد ستوكهولم للسلام، وهي كلها مؤهِّلات تجعل تحرُّكه لإنجاح المبادرة الجزائرية بشأن أزمة سد النهضة ممكناً بالنظر إلى علاقاته الأممية والإفريقية.

تجربة ناجحة مع إثيوبيا

وقالت هبة البشبيشي، الباحثة في جامعة القاهرة، لـ "al-monitor" عبر الهاتف، إن الجزائر لديها القدرة على إيصال المصطلحات والأفكار العربية بشكل صحيح إلى الدول الإفريقية بالنظر إلى علاقاتها الجيدة والمتوازنة مع العرب والأفارقة على حد سواء.

وأضافت أن تجربة الجزائر، التي اكتسبت بعضها من وساطتها في الأزمة الإريترية الإثيوبية، ستساعد في نقل المخاوف المصرية من السد ومخاوف إثيوبيا من اتفاق ملزم، والذي تعتبره أداة ضغط.

والجدير بالذكر أن واحدة من أنجح تجارب الوساطة الجزائرية كانت إثيوبيا طرفاً فيها، حيث يتمثّل العامل الثاني في نجاح الجزائر سابقاً في مفاوضات كانت طرفها إثيوبياً، فقد استطاعت الوساطة الجزائرية في ديسمبر/كانون الأول 2000 أن تجمع إثيوبيا وإريتريا على طاولة المفاوضات للتوقيع على اتفاقية الجزائر، التي وضعت حدّاً للحرب التي اندلعت بين الجانبَين عام 1998 بسبب الخلاف المتعلّقة خصوصاً بالحدود المشتركة بينهما.

موقف مصر

وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري سامح شكري، قال لعمامرة إن "علاقات مصر وإثيوبيا والسودان تمر بمرحلة دقيقة ومن المهم التوصل لاتفاق بينها في ملف المياه".

وأعرب عن أمله في أن "تكون الجزائر جزءاً من الحل في المشكلات التي تتعرض لها الدول العربية والإفريقية، وعلى رأسها مشكلة سد النهضة".

وقال  هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، لموقع "مصراوي"، إن المبادرة تتمثل في اجتماع الرؤساء الثلاث لدول مصر والسودان وإثيوبيا، إلا أن الخرطوم والقاهرة ترفضان العودة للمفاوضات بنفس الآليات السابقة، لافتاً إلى أن إثيوبيا لم تعلن أو تبدِ مرونة كبيرة، بل على العكس تماماً طلبت من الجزائر توضيح موقفها من سد النهضة لدى الجامعة العربية.

قد يمكن استنتاج أن مصر غير متحمسة للمبادرة من خلال بيان الرئاسة المصرية الصادر عقب لقاء رمطان لعمامرة بعبدالفتاح السيسي الذي ورد فيه  موضوع سد النهضة في آخر فقرة، رغم أهميتها للقاهرة اقتصاديّاً ولأمنها القومي، ولم يحمل البيان أي إشارة للوساطة الجزائرية سواء بالسلب والإيجاب.

وتضمّن بيان الرئاسة المصرية الفقرة التالية: "كما تم استعراض آخر تطورات ملف سد النهضة، حيث أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي موقف مصر الثابت بالتمسُّك بحقوقها التاريخية من مياه النيل وبالحفاظ على الأمن المائي لمصر، مع التشديد في هذا الإطار على أهمية قيام كافة الأطراف المعنية بالانخراط في عملية التفاوض بجدّية وبإرادة سياسية حقيقية للوصول لاتفاق شامل وملزم قانوناً حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة".

ولكن في الأغلب لا يمثل هذا تحفظاً على المبادرة الجزائرية التي جاءت في وقت تحتاج فيه القاهرة لتحريك الملف بعد فشل التهديد العسكري واللجوء لمجلس الأمن، بل على الأرجح سبب التحفظ المصري في التعليق على المبادرة هو القلق من نوايا إثيوبيا التي سبق أن قبلت بالوساطة الأمريكية ثم رفضت نتائجها، وبالتالي تريد القاهرة ألا تبدو في موقف المتهافت على طلب الوساطة حتى لا تظهر في موقف ضعف.

كما قد تكون القاهرة قد تخشى أن مجيء هذه المبادرة بعد فشل كل محاولات الحلول السابقة قد يعني تقديمها مزيداً من التنازلات في قضية حساسة مثل حصتها من مياه النيل.

ويعلق تقرير لموقع "نون بوست" قائلاً: "بالنسبة إلى القاهرة، فإنها من جهة تجدُ نفسها محرَجة في رفض المبادرة الجزائرية بالنظر إلى العلاقات التي تربط البلدَين، وكذا بالنظر إلى حاجتها لإنهاء هذا الملف الذي توجّهَ بشأنه انتقادات لعبدالفتاح السيسي، لكنها في الوقت ذاته لا تحبّذ كثيراً أن تكون الوساطة من الجزائر التي توجد معها خلافات بشأن الأزمة الليبية وإصلاح الجامعة العربية، إضافة إلى التنافس بين البلدَين حول من هو الأحقّ بالزعامة العربية في الاتحاد الإفريقي".

رغم هذا، أكدت مصادر مصرية لصحيفة "العربي الجديد" أن السودان ومصر وافقا مبدئيّاً على المقترح الجزائري، "باعتبارهما يقبلان أي جهد إقليمي أو دولي لحل الأزمة، وتعهّدا بإبداء المرونة تجاه الأفكار المختلفة التي قد تساهم في التوصل إلى اتفاق".

مماطلة إثيوبية أم رغبة في الحل؟

خاضت البلدان الثلاثة مفاوضات لمدة عشرة أعوام دون نتيجة في ظل حقيقة أن أديس أبابا هي المالكة لكل أوراق اللعبة.

ويبدو أن إثيوبيا دوماً ليس لديها مانع ولكن ترفض تعليق أي أعمال في السد انتظاراً لنتائج المفاوضات، كما يبدو أنها تميل للتهرب من التوقيع كما حدث في المفاوضات التي أجريت برعاية أمريكية.

فما الجديد الذي يمكن أن تقدمه المبادرة الجزائرية؟

إضافة إلى خبرات وزير الخارجية الجزائري والدبلوماسية الجزائرية وكذلك وضع البلاد باعتبارها الدول العربية الأنشط إفريقياً، فإن نجاح الوساطة يعتمد على استعداد الأطراف الثلاثة.

بالنسبة لمصر والسودان، فالأمور واضحة؛ هما يريدان الحفاظ على حصتهما مع إمكانية التنازل عن جزء  منها خلال فترة ملء السد.

ويبدو أن إثيوبيا في حقيقة الأمر تريد تغيير هذا الأمر، حتى لو لم تقلها صراحة، تريد أديس أبابا على الأغلب التفاوض على حصص مياه النيل، وخاصة أنها أنهت جزءاً كبيراً من عملية ملء خزان السد، مما يجعل المفاوضات بدون موضوع.

ولكن هذا لا يمنع من دخول متغير جديد يمثل عامل ضغط على إثيوبيا هو أزمة تيغراي، التي وصلت إلى مرحلة دعوة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد كافة المواطنين القادرين على حمل السلاح إلى الحرب ضد التيغراي.

وكانت إثيوبيا قد رفضت اقتراحاً سودانياً بالتوسط في أزمة تيغراي، بسبب ما قالت إنه عدم حياد السودان في حرب تيغراي واحتلالها أراضي إثيوبية.

 ويرى السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أنه من الواضح أن هناك تغيراً نسبياً في الموقف الإثيوبي من الترحيب بوجود وساطة أو مبادرة لحل الأزمة، لكنها ما زالت متمسكة بأن تكون إفريقية، حيث تعاني أديس أبابا من صراعات داخلية وأزمات دولية.

وأوضح حليمة لـ"مصراوي"، أن تصريحات وزير الخارجية الجزائري حول أن نهر النيل نهر دولي، وسبق أن أيدت موقف مصر والسودان لدى الجامعة العربية؛ ما يعني أن دولة الجزائر تتفهم أحقية القاهرة والخرطوم في تأمين حقوقهما المائية ويمكنها تقديم دعم فني لإثيوبيا وتحسين صورتها لدى الدول العربية.

وقد يكون مصير الوساطة الجزائرية مرتبطاً بشكل كبير بما يحدث في تيغراي أكثر من نهر النيل.

فإذا خرجت إثيوبيا منتصرة من حرب تيغراي أو على الأقل لم تعرض الحرب سلامة النظام للخطر، فلقد يؤدي ذلك إلى استمرار المواقف الإثيوبية السابقة، ولكن إذا مثلت الحرب ضغطاً على آبي أحمد خاصة إذا دعمت مصر والسودان التيغراي، فإن هذا قد يمثل أداة ضغط على أديس أبابا في أزمة سد النهضة.

تحميل المزيد