كان مشهد الحرائق الهائلة في منطقة البحر المتوسط، مهد الحضارات البشرية، نذير شؤم للعالم كله، وتحذيراً بأن العالم قد وصل أو اقترب من الوصول إلى مرحلة لا يستطيع وقف التغيرات المناخية وما يصاحبها من كوارث.
وأصدرت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي هيئة علمية تابعة للأمم المتحدة، تقريراً شاملاً جديداً خلصت فيه إلى أن العالم لا يمكنه تجنب بعض الآثار المدمرة لتغير المناخ، ولكن ثمة فرصة ضئيلة لوقف تعاظم هذه الآثار.
منطقة البحر المتوسط مركز التغيرات المناخية
وكشف هذا التقرير أن منطقة المتوسط تعد "مركز التغيّر المناخي"، إذ ستشهد تلك البلدان موجات حر غير مسبوقة، وجفافاً وحرائق ناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة.
ولكن ما يقوله هذا التقرير عن بقية الأرض لا يقل خطورة عما يحدث في منطقة البحر المتوسط، التي يبدو أنها قد تكون من أوائل المناطق التي تدفع ثمن التغيرات المناخية، ولكنها لن تكون آخرها.
ويعد هذا التقرير، الذي يستند إلى تحليل أكثر من 14 ألف دراسة، أوضح وأشمل ملخص حتى الآن لفيزياء تغير المناخ، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
وهو يوضح كيف كان المناخ في الماضي، وكيف أصبح الآن، وما سيكون عليه في العقود المقبلة. ويوضح أيضاً كيف يمكن أن يؤثر البشر على المناخ في المستقبل بالإجراءات التي يتخذونها -أو التي لا يتخذونها- الآن لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
وفيما يلي خمس ملاحظات من هذا التقرير، رصدتها الصحيفة الأمريكية.
البشر هم المسؤولون بلا شك عن ارتفاع درجة حرارة الأرض
عكس نسخ التقارير الأممية الست السابقة، يمحو هذا التقرير أي شك حول من أو ما المسؤول عن ظاهرة الاحتباس الحراري.
يقول التقرير في أول نتيجة له: "من الواضح بشكل لا لبس فيه أن التأثير البشري أدى إلى رفع درجة حرارة الغلاف الجوي والمحيطات والأرض".
والزيادات الملحوظة في ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي منذ عام 1750 ترتبط ارتباطاً مباشراً بالنشاط البشري، وخصوصاً بحرق الفحم والنفط وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى، بعد تحول العالم إلى الصناعة، وقد ازداد حجم هذه الانبعاثات زيادة كبيرة بمرور الوقت، وهي مستمرة إلى اليوم، وتأثيرات هذه الانبعاثات ملموسة في كل مناطق العالم.
علم المناخ تطور وازداد دقة، والبيانات أصبحت أكثر وفرة
أحد أسباب النتيجة التي توصل إليها التقرير بأن البشر مسؤولون دون شك عن ظاهرة الاحتباس الحراري، هو أن أبحاث المناخ قد تحسنت بشكل كبير، حتى في السنوات الثماني التي انقضت منذ صدور تقرير الأمم المتحدة السابق.
إذ ازداد حجم بيانات الرصد المتوفرة -قياسات درجة الحرارة والبيانات الأخرى التي تسجلها الأدوات الموجودة على الأرض وفي المحيطات والفضاء- التي تقلل من الضبابية المحيطة بما يحدث. وهذا التحسن ملحوظ بصفة خاصة في بعض الأجزاء الفقيرة من العالم، التي لم تكن تتمتع في الماضي بالقدرة الكافية على جمع بيانات المناخ.
وقد تحسنت أيضاً نماذج الحاسوب التي تحاكي المناخ بشكل كبير، وأصبح بإمكان الحاسوب تشغيل هذه المحاكاة بشكل أسرع، بحيث يمكن تكرارها أكثر من مرة. وهذه التحسينات، بالإضافة إلى القدرة على إدخال كم أكبر وأدق من البيانات في هذه النماذج، تمنح العلماء ثقة أكبر في صحة ما تتنبأ به نماذجهم بخصوص ما سيصبح عليه المناخ في المستقبل
وخلال العقد الماضي، شهدت الأبحاث التي تدرس الروابط المحتملة بين تغير المناخ وبعض الظواهر المتطرفة مثل موجات الحرارة والأمطار الغزيرة تقدماً كبيراً. وأصبح بإمكان الباحثين تحليل أي ظاهرة بسرعة وتحديد إن كان الاحترار قد زاد أو قلل من احتمال حدوثها، وهو ما يرفع درجة الثقة في طبيعة تغير المناخ.
التغيرات المناخية ستستمر 30 عاماً على الأقل حتى لو تم تقليل الانبعاثات
ارتفعت درجة حرارة كوكب الأرض بنحو 1.1 درجة مئوية (حوالي درجتين فهرنهايت) منذ القرن التاسع عشر.
وخلص التقرير إلى أن البشر قد أرسلوا كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى إلى الغلاف الجوي، لدرجة أن هذا الاحترار سيستمر على الأقل حتى منتصف القرن، حتى لو اتخذت دول العالم خطوات فورية في يومنا الحاضر لخفض الانبعاثات بدرجة كبيرة.
وهذا يعني أن وقف التغيرات المناخية أمر قد لا يكون قريباً
أبرز الكوارث المتوقعة: موجات حرارة وفيضانات وارتفاع للبحار
وهذا يعني أن بعض التأثيرات الملحوظة التي يشهدها العالم الآن، مثل:
1- موجات الجفاف الشديدة.
2- موجات الحرارة الشديدة.
3- الأمطار الغزيرة والفيضانات الكارثية
ستستمر في التفاقم خلال الثلاثين عاماً القادمة على الأقل.
ولكن هناك بعض الكوارث التي قد تستمر لفترات أطول حتى لو حقق العالم تقدماً في محال مكافحة التغيرات المناخية.
4- سستستمر الصفائح الجليدية الهائلة في غرينلاند وغرب القارة القطبية الجنوبية في الذوبان حتى نهاية القرن على الأقل.
5- وسيستمر مستوى سطح البحار في الارتفاع لمدة 2000 عام على الأقل.
نحو نصف مليار من البشر سيفقدون أوطانهم
كانت المجلة الأكاديمية الأمريكية المختصة بمراقبة المناخ "Nature Climate Change"، التي تملك سلسلة من مراصد التتبع والمراقبة في الكثير من أنحاء العالم قد نشرت دراسة، أشرف عليها العالم البيئي إيريك فيشر، خلصت إلى أنه حسب أفضل التوقعات لو التزمت مختلف بلدان العالم بالتحذيرات التي يصدرها العلماء، بالذات في مجال الانبعاثات الكربونية والاهتمام بالبيئة الطبيعية وترشيد الاستخدام المفرط للموارد، فإن طقس العالم سيكون بعد 8 عقود من الآن، أي خلال العام 2100، أحر من الآن بثلاثة درجات مئوية على الأقل، حسبما نقل تقرير لموقع سكاي نيوز عربية عن المجلة.
وهذا سيؤدي إلى ذوبان نصف الثلوج التي تغطي القطبين الجنوبي والشمالي من الأرض، ما يعني ارتفاع مستويات البحر وغرق المزيد من المدن البحرية حول العالم.
كما أشار البحث بما يمكن أن يكون عليه وضع الكرة الأرضية من هذه الناحية خلال عام 2100، حيث ذكر أن جميع مناطق الأرض التي لا يزيد ارتفاعها عن 2 متر فوق متوسط مستوى سطح البحر ستكون بحكم الأرض الغارقة في البحر، وأن تلك المساحة تُقدر بحدود 650 ألف كيلومتر مربع، أي ضعف مساحة دولة ألمانيا، وأنها ستختفي من المساحة المسكونة من العالم في ذلك التاريخ. الدراسة التفصيلية قالت إن سكان هذه المناطق يقدرون راهناً بحوالي 267 مليون نسمة، يسكن 72% منهم في المناطق الإفريقية والآسيوية الأكثر فقراً على مستوى العالم.
وأضافت أن أخذ الزيادات السكانية بالحسبان إلى ذلك الوقت، سيعني أن التغير المناخي سيتبب في تشرد 410 ملايين نسمة من سكان تلك المناطق التي ستختفي خلال ذلك الوقت، مشيرة إلى أن مجمل الشريط الساحلي القريب من تلك المناطق، سيكون عرضة لفيضانات ساحلية مدمرة خلال ذلك التاريخ.
التغيرات المناخية تتسارع
توصل التقرير إلى أن بعض التغيرات المناخية أكبر مما كانت عليه في أي وقت مضى، مقارنة بفترات زمنية سابقة تتراوح بين قرون وعدة آلاف من السنين.
فتركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، على سبيل المثال، أكبر مما كان عليه في أي وقت في المليوني سنة الماضية.
وحجم الجليد البحري في القطب الشمالي أواخر الصيف أقل مما كان عليه في أي وقت خلال الألف عام الماضية.
لكن التقرير وجد أيضاً أن التغيرات المناخية تحدث الآن بسرعة أكبر مما كانت عليه في الماضي القريب. إذ تضاعف معدل ارتفاع مستوى سطح البحر منذ عام 2006. وكل عقد من العقود الأربعة الماضية كان أكثر دفئاً من سابقه على التوالي. وأصبحت موجات الحرارة على اليابسة أكثر سخونة بشكل ملحوظ منذ عام 1950، وتضاعفت وتيرة موجات الحرارة البحرية -وهي عبارة عن موجات عالية الحرارة تكتسح المحيط وقد تؤدي لنفوق الكائنات البحرية- في العقود الأربعة الماضية.
هل فات الأوان لوقف التغيرات المناخية؟
وضع التقرير خمسة سيناريوهات لمستقبل المناخ، يتخذ فيها البشر خطوات مختلفة لتقليل الانبعاثات التي تُسبب الاحترار. وفي جميع هذه السيناريوهات ستصل الزيادة في درجة حرارة الكوكب إلى 1.5 درجة -وهو الهدف الأكثر طموحاً من بين الأهداف التي حددتها اتفاقية باريس لتغير المناخ عام 2015- بحلول عام 2040 أو قبل ذلك.
وفي معظم السيناريوهات التي نوقشت في التقرير، سيستمر الاحترار إلى ما بعد عام 2040، أي خلال الفترة المتبقية من القرن. وفي أسوأ الحالات، أي حين لا يفعل العالم الكثير لخفض الانبعاثات، قد تزداد درجات الحرارة بحلول عام 2100 من 3 إلى 6 درجات مئوية (5.5 إلى 11 درجة فهرنهايت) فوق مستويات ما قبل الصناعة. وسيكون لهذا عواقب كارثية.
لكن التقرير يوضح أن التخفيضات الشديدة والسريعة والواسعة النطاق للانبعاثات، بدءاً من الآن، يمكن أن تحد من الاحترار إلى ما بعد عام 2050.
وفي السيناريو الأكثر تفاؤلاً، قد يؤدي الوصول إلى "صافي صفر" انبعاثات إلى عودة الاحترار إلى ما يقل قليلاً عن 1.5 درجة مئوية في النصف الثاني من القرن الحالي.
وهذا السيناريو سيكون مهمة ضخمة ومكلفة على العالم. وسيتطلب أيضاً مستوى من الإرادة السياسية لم تستطع معظم الحكومات جمعه حتى الآن.