“التوتر سيد الموقف”.. هل هذا ما تعنيه رئاسة رئيسي في إيران للشرق الأوسط ككل؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/08 الساعة 13:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/08 الساعة 13:29 بتوقيت غرينتش
إبراهيم رئيسي الرئيس الجديد في إيران - رويترز

منذ فاز إبراهيم رئيسي بالانتخابات الرئاسية في إيران، اتخذت الأمور منحى تصاعدياً بين طهران والغرب وإسرائيل، ومع تنصيبه رسمياً بدأت مناوشات بين تل أبيب وحزب الله، فهل هي مجرد صدفة؟

وكان رئيسي -المحسوب على التيار المتشدد في إيران- قد فاز بالانتخابات الرئاسية خلال النصف الثاني من يونيو/حزيران الماضي، وأدى اليمين الدستورية الخميس 5 أغسطس/آب الجاري ليخلف رسمياً الرئيس حسن روحاني المحسوب على التيار الإصلاحي.

وفي اليوم الذي تم فيه إعلان فوز رئيسي، تم تعليق مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي التي كانت جارية في فيينا بين إيران والقوى الكبرى -الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا- ولم يتم استئناف المفاوضات حتى الآن، على الرغم من أن العودة للاتفاق، الذي كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد انسحب منه عام 2018، تمثل خياراً استراتيجياً لطهران والإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن.

اشتعال الحرب البحرية التي كانت "سرية"

وعلى الرغم من أن الحرب البحرية السرية بين إسرائيل وإيران تمتد إلى سنوات، حيث تتعرض من وقت لآخر سفن تابعة إما لإيران أو لإسرائيل لهجمات أو عمليات تخريب، لكن كان لافتاً أن تلك الحرب بدأت تتسع بصورة لافتة مؤخراً وقال خبراء إنها قد تتسبب في خروج الأمور عن نطاق السرية والمحدودية إلى ما هو أوسع وأخطر، بحسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.

وعلى الرغم من تعرض سفينة حربية إيرانية كانت راسية في البحر الأحمر إلى هجوم ضخم في أبريل/نيسان الماضي، وتوجيه إيران أصابع الاتهام لإسرائيل والتوعد بالرد، فإن تعرض سفينة تشغلها شركة إسرائيلية لهجوم قيل إنه بطائرة مسيرة الخميس 29 يوليو/تموز الماضي أدى لزيادة حدة التصعيد بصورة خطيرة.

والسبب هنا يرجع بالأساس إلى أن سقوط قتيلين من طاقم السفينة أحدهما بريطاني والآخر روماني قد تسبب في تشديد الغرب بقيادة الإدارة الأمريكية من لهجة التصعيد ضد طهران، على الرغم من إصرار إيران على نفي تورّطها في الهجوم.

إسرائيل إيران سفينة اسفالت محاولة اختطاف عمان
صحيفة بريطانية تنشر كواليس محاولة اختطاف سفينة اسفالت ببحر عمان/رويترز

وبعد أقل من أسبوع على استهداف السفينة، تعرضت سفينة أخرى لما وصف بأنها محاولة اختطاف قبالة سواحل الإمارات، تزامناً مع إبلاغ 5 سفن أخرى لتعرضها لمشاكل "فقدان السيطرة"، ما أشعل الموقف أكثر وأوصل الأمور بين إيران والغرب إلى حافة الهاوية.

وليس بعيداً عن ذلك التصعيد البحري بين إسرائيل وإيران في المنطقة، يربط أغلب المراقبين أيضاً جولة المناوشات الحالية التي بدأت الأربعاء 4 أغسطس/آب بين إسرائيل وحزب الله على الحدود اللبنانية، في إطار التغييرات التي يبدو أن المنطقة مقبلة عليها تزامناً مع تولي رئيسي منصبه في إيران.

وبدأت "المناوشات" من خلال ضربة صاروخية من لبنان نحو إسرائيل لم تسفر عن سقوط ضحايا أو أضرار مادية، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ. وردت إسرائيل بقصف مدفعي عنيف استهدف أيضاً أراضي فضاء في جنوب لبنان لم يسقط ضحايا أو يتسبب في أضرار أيضاً.

ومساء الخميس نفذ الطيران الإسرائيلي ضربات جوية ضد جنوب لبنان، ورد حزب الله بإطلاق عشرات الصواريخ على أرض فضاء بالقرب من مواقع إسرائيلية في منطقة مزارع شبعا المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل.

التوتر بين إسرائيل وحزب الله

وجاءت افتتاحية صحيفة The Guardian البريطانية عن "ما يعنيه الرئيس الإيراني الجديد للشرق الأوسط"، تناولت ما وصفته بتولي "رجل متشدد منصب الرئيس في إيران، مع وجود حكومة إسرائيلية عديمة الخبرة تهدد بعمل عسكري ضد طهران، وحرب شعواء خفية تدور رحاها في الخليج، وحزب الله، حليف إيران، يطلق صواريخ على إسرائيل من لبنان الذي تعمّه الفوضى، وفي الأثناء، تتنامى مخاوف الولايات المتحدة من فشل محادثات فيينا بشأن البرنامج النووي"، وما يعنيه كل ذلك للمنطقة بشكل عام.

فتلك الأحداث لا تبشر بالخير في الشرق الأوسط، خاصة فيما يخص الصراع متعدد الأوجه بين إيران والغرب. ولم يبدِ إبراهيم رئيسي، الذي أدى اليمين الدستورية يوم الخميس 5 أغسطس/آب بعد انتخابات قاطعها غالبية الإيرانيين، ما يبعث على التفاؤل.

فعلى الرغم من قول رئيسي إنه من الضروري رفع العقوبات "الاستبدادية" التي فرضها دونالد ترامب، والتي عصفت بالبلاد منذ عام 2018، إلا أنه لم يقدم خطة لتحقيق ذلك ولا شيء في طريق التنازلات.

وصعود رئيسي يمثل انتصاراً حاسماً للفصائل المحافظة المتشددة المعادية للغرب والمرتبطة بالمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي. وقد خاض سلف رئيسي، حسن روحاني، مثل محمد خاتمي من قبله، معركة داخلية طويلة في سبيل التقارب مع الولايات المتحدة وأوروبا أتت أكلها في النهاية بالتوصل للاتفاق النووي. لكن انسحاب ترامب من ذلك الاتفاق جعل المتشددون يسيطرون على جميع مؤسسات الجمهورية الإسلامية الرئيسية، مثل الجيش والقضاء والبرلمان.

إسرائيل لبنان حماس حزب الله
قصف حزب الله على شمال إسرائيل/رويترز

والآثار المترتبة على هذا النصر الكاسح تنذر بالسوء. ومن المفارقات أن رئيسي، بدعم من الحرس الثوري الإسلامي الذي يتنامى نفوذه، أصبح يتمتع بالسلطة اللازمة التي كان روحاني يفتقر إليها لإبرام اتفاق في فيينا.

وقد يُبرم هذا الاتفاق بالفعل، إذ إن الاقتصاد الإيراني في حالة يرثى لها. والتضخم والعجز في المواد الأساسية يعيثان الفوضى. والأرقام الرسمية تشير إلى تضاعف معدل الفقر على مدى عامين، ليصل إلى 30% عام 2019. وربما يكون الوضع قد ازداد سوءاً الآن. وإبرام اتفاق محدود لتخفيف العقوبات له أن يخفف آلام الشعب.

لكن رئيسي وخامنئي المتشددين لا يزالان قوميين متحمسين يؤمنان بقوة، على أسس أيديولوجية ودينية، بفضائل الاعتماد على الذات. فهما يؤمنان بأنه لا ينبغي أن يعتمد الاقتصاد الإيراني الموجه مركزياً، الذي تتنامى هيمنة مصالح الحرس الثوري الإيراني عليه، على تجارة القطاع الخاص والأعمال التجارية مع الغرب التي تهيمن عليها الولايات المتحدة. ويتطلعان إلى القضاء على النفوذ السياسي الذي منحته العقوبات لواشنطن للأبد. ولا يريدان الصداقة مع أمريكا.

سعي رئيسي لزيادة "هيمنة إيران" إقليمياً

وإصرار رئيسي، بعد تحرره من قيود المعارضة "المعتدلة"، على زيادة الاعتماد على الذات ينذر أيضاً بتوسيع نفوذ إيران في المنطقة، ليس أقله من خلال تعزيز "محور المقاومة" الذي يضم حلفاء ووكلاء في سوريا والعراق واليمن ولبنان. وبالمثل، ثمة احتمال لتشكيل تحالفات استراتيجية أوثق مع الصين وروسيا. وقد وقعت طهران مؤخراً على شراكة تجارية وعسكرية مدتها 25 عاماً مع بكين. ولأن فلاديمير بوتين بارع في اقتناص الفرص، فقد هنأ رئيسي بحرارة على فوزه.

وهجوم الطائرة المسيرة الذي نُفذ في الخليج على الناقلة الإسرائيلية MV Mercer Street، الذي أسفر عن مقتل بريطاني وروماني الأسبوع الماضي، لا يبشر بالخير لعصر رئيسي. وكما جرت العادة، نفت إيران مسؤوليتها، بينما تقول بريطانيا والولايات المتحدة إن بإمكانهما إثبات مسؤوليتها.

وكان تعليق طهران للمحادثات حول صفقة تبادل دولية للأسرى صفعة أخرى، وكذلك الحكم الصادم بالسجن 10 سنوات الذي صدر بحق البريطاني الإيراني مهران رؤوف. وريتشارد راتكليف، زوج نازانين زاغاري راتكليف المسجونة ظلماً، محق في دق ناقوس الخطر. ويتعين على وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، أن يتخذ المزيد من الإجراءات.

عدد من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية من الجيل الجديد معروضة خلال يوم الطاقة النووية الوطني الإيراني في طهران/ رويترز

وما يثير القلق أيضاً اندلاع اشتباكات مفاجئة عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية، فحزب الله، على غير العادة، اعترف بإطلاق صواريخ، ويبدو هذا الإعلان وكأنه رسالة إلى نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي غير المجرب، "أرسلت بموافقة إيران"، بحسب افتتاحية الغارديان. وبعد هجوم الناقلة، هددت إسرائيل بعمل عسكري مباشر بحق إيران، وهذه الخصومة بين زعيمين جديدين، رئيسي وبينيت، أمر لا يستطيع الشرق الأوسط تحمله.

وفي الأثناء، يتزايد القلق في واشنطن من اشتعال الصراعات الكامنة بين طهران والجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة، التي تغذيها التغييرات في القيادة في إيران وإسرائيل. ومطلع هذا العام، ثار حديث عن تخفيف التوترات بين إيران وخصمتها اللدود، السعودية، والتقى مسؤولون من الجانبين في بغداد. لكن هذا كله اختفى. إذ تجاهل السعوديون دعوة لتنصيب رئيسي. وعادت الأمور إلى نقطة الصفر.

ولإدارة بايدن مخاوفها أيضاً. إذ علقت آمالها في نزع فتيل التوترات مع إيران على إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 الذي انسحب منه ترامب، وهذا القرار الأحمق لم يفعل شيئاً سوى أنه ضمن صعود رئيسي والمتشددين وشوّه سُمعة الإصلاحيين في إيران. والآن، يشير المحللون الأمريكيون إلى أنه حتى لو تم التوصل إلى اتفاق، فقد فات الأوان بالفعل. وهم يعتقدون أن إيران قد اكتسبت الكثير من الخبرة في صنع القنابل في الوقت الذي انكشفت فيه الحقائق عن برنامجها النووي.

وهذه الفكرة تجلب الكوابيس على القادة الإسرائيليين، ويُفترض أن تثير قلق المنطقة والدول الأوروبية القريبة. لكن المزيد من أعمال إظهار القوة، والتهديدات، والحروب بالوكالة، ليست السبيل للرد. وقد أرسل الاتحاد الأوروبي ممثلاً لحضور حفل تنصيب رئيسي، وفي هذا المنعطف المحفوف بالمخاطر، يتعين على الولايات المتحدة وبريطانيا أيضاً أن تبذلا قصارى جهدهما ليظل الباب مفتوحاً لإجراء حوار مع طهران. أما رئيسي فيتعين عليه التوقف عن المواقف الاستعراضية والتحلي بالقليل من الحنكة السياسية بالإفراج الفوري عن جميع الرهائن الغربيين، بحسب الغارديان.

تحميل المزيد