الوجه الآخر للحرب في اليمن.. لماذا يقبل القرويون في تعز تأجير منازلهم للمقاتلين؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/08/08 الساعة 10:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/08 الساعة 10:15 بتوقيت غرينتش
اليمن تعيش أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث /رويترز

ألقت سنوات من الحرب في اليمن بظلالها القاتمة على سكان البلاد من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، ولم ينجُ منها حتى القرويون البسطاء الذين أجبرتهم ظروف المعيشة على تأجير منازلهم للمقاتلين.

ومنذ انقلاب الحوثيين على الحكومة والاستيلاء على العاصمة صنعاء وأغلب مديريات ومناطق البلاد عام 2014 ودخول السعودية والإمارات الحرب منذ مارس/آذار 2015 لإعادة حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي إلى الحكم، لا تزال الحرب الكارثية مستمرة متسببة في أسوأ كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب تقارير أممية.

وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن قد اتخذت قرارات كثيرة تهدف إلى إنهاء الحرب في اليمن، فإن رفض الحوثيين التفاوض من جهة وإصرار المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات على انفصال الجنوب جعل الأمور تزداد تعقيداً بينما يدفع اليمنيون ثمناً باهظاً للحرب.

ونشر موقع Middle East Eye البريطاني تقريراً بعنوان "القرويون في تعز يواجهون خيارات صعبة مع انتقال المقاتلين للعيش في قراهم"، تناول الوجه الآخر لتلك الحرب من ناحية تأثيرها على سكان القرى النائية في إحدى مديريات محافظة تعز.

ظروف الحياة تجبر القرويين على قبول ما كان مستحيلاً!

يعمل أحمد عبد الرحيم، البالغ من العمر 51 عاماً، في طلاء المنازل منذ عقود بمديرية الشمايتين، وهي إحدى مديريات محافظة تعز الواقعة جنوب غرب اليمن، لكن كسب الرزق لم يكن أمراً سهلاً، لاسيما بعد سنوات من الحرب في اليمن.

قال عبد الرحيم لموقع "Middle East Eye" البريطاني: "حتى لو كان هناك عمل، فإن الأجور لا تكفي لتلبية ضروريات الحياة الأساسية لعائلتي. لقد أصبح كل شيء باهظ الثمن في الوقت الراهن".

لكن تغيّر الوضع بالنسبة لهذا الأب، الذي لديه 3 أطفال، عندما جاء سكان جدد إلى قريته قبل 7 أشهر. ويتذكّر عبد الرحيم قائلاً: "أخبرنا سمسار عقارات من قريتنا أن هناك مقاتلين يحاربون على الساحل الغربي للبلاد ويرغبون في استئجار منازلنا وسيدفعون إيجاراً جيداً. شعرنا بالقلق في البداية، لكننا وافقنا من أجل المال".

الحرب في اليمن تسببت في أسوأ كارثة إنسانية في العالم/رويترز

انضم عدد متزايد من المقاتلين بقيادة طارق صالح، ابن شقيق الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، إلى المعارك ضد المقاتلين الحوثيين على الساحل الغربي للبلاد. يواجه هؤلاء المقاتلون أزمة سكن في ظل عدم توافر ثكنات عسكرية، لذا يبحثون عن منازل في جميع أنحاء المنطقة.

استقبل عبد الرحيم في منزله مقاتلين من محافظات يمنية بعيدة، مثلما فعل قرويون آخرون في ريف تعز. بينما يختلف السكان المحليون المقيمون في المنطقة منذ فترة طويلة حول التداعيات السياسية والأخلاقية لاستضافة هذه المجموعة السكانية الجديدة من المستأجرين، ثمة شيء واحد مؤكد هو أنَّ هذه المجموعة المتنامية من المقاتلين ساهمت في تغيير الأوضاع في قرى مديرية الشمايتين. 

الضرورات تبيح المحظورات في قرى اليمن

قسّم عبد الرحيم منزله إلى ثلاث وحدات أصغر، حيث قام بتأجير اثنتين منها بمبلغ 70 ألف ريال يمني (70 دولاراً) شهرياً ويعيش هو وزوجته وأطفاله في غرفة واحدة.

كان المقاتلون في السابق يدفعون الإيجار بالريال اليمني، لكن مؤخراً بدأ القرويون يطلبون الدفع بالريال السعودي أو بالدولار الأمريكي مع انهيار العملة المحلية على مدار أكثر من 6 سنوات من الحرب.

أصبح مقاتلو طارق صالح -المدعومون من دولة الإمارات العربية المتحدة- يتقاضون رواتبهم بالريال السعودي بعد عام 2017، الأمر الذي حقَّق منفعة لأصحاب المنازل اليمنيين المحليين.

قال عبد الرحيم إنَّ "تقاضي المقاتلين رواتبهم بالريال السعودي جعلهم بالنسبة لنا من الأثرياء، لذا لا يترددون في دفع إيجارات عالية للمنازل الصغيرة".

الحوثي السعودية التحالف اليمن
مقاتلون من جماعة الحوثي في اليمن – رويترز

يتزايد الطلب على المنازل مع تدفق المزيد من المقاتلين كل يوم لقتال الحوثيين في ​​محافظة تعز. يبحث المقاتلون عن وحدات سكنية في المناطق الريفية على وجه التحديد، على اعتقاد أنَّ القرى أكثر أماناً من المدن.

نتيجة لذلك، تُؤجَّر بعض المنازل في ريف تعز بسعر أعلى من نظيراتها في المدن مثل صنعاء وعدن. قال أحمد عبد الرحيم: "كانت بعض المنازل مهجورة لأنَّ أصحابها ذهبوا للعيش في المدن منذ عقود، لكنهم عادوا الآن لتجديدها وتأجيرها للمقاتلين". وأضاف أنَّ "بعض المقاتلين يستأجرون منازل قديمة على حالها نظراً لعدم وجود عدد كافٍ من المنازل في القرية لتلبية الطلب المتزايد".

أحدث هذا التطور تغييراً إيجابياً بالنسبة لعبد الرحيم، إذ قال: "كان العديد من العائلات في قريتنا تكافح من أجل لقمة العيش، لكن الحياة الآن أصبحت أسهل بالنسبة لهم بعد تأجيرهم نصف مساحة منازلهم وتحقيق دخل جيد".

وأضاف: "لا توجد مشكلة إذا قسّمت منزلي مع عائلة مقاتل، لكن ثمة مشكلة كبيرة عندما أعجز عن توفير احتياجات عائلتي".

تحوّل التركيبة السكانية للريف اليمني

انتقل آلاف المقاتلين من محافظات ذمار وصنعاء والحديدة مع عائلاتهم إلى العديد من قرى مديرية الشمايتين. غادر ياسين، أحد المقاتلين من محافظة ذمار ويبلغ من العمر 40 عاماً، منزله العام الماضي مع عائلته وانضم إلى قوات طارق صالح في المعركة ضد الحوثيين على الساحل الغربي لليمن.

قال ياسين، الذي طلب عدم ذكر اسمه كاملاً، لموقع "Middle East Eye": "هناك عشرات الآلاف من المقاتلين يبحثون عن وحدات سكنية في قرى تعز، لكن لا يوجد عدد كافٍ لتلبية احتياجاتهم جميعاً". 

وأضاف: "لسنا سعداء بدفع إيجارات عالية، لكن أصحاب المنازل فرضوا علينا هذا الوضع لأنَّنا لا نملك خياراً آخر. نحن بالكاد نستطيع العثور على منزل للعيش فيه، لذا سنوافق على أي سعر مطلوب". 

بيع الطفلة ليمون اليمن
أطفال في اليمن (صورة تعبيرية)/ رويترز

وأوضح ياسين أنَّ العودة إلى ذمار، التي تخضع حالياً لسيطرة الحوثيين، أصبحت خياراً مستحيلاً لأنَّه سيواجه خطر الاعتقال.

كان يتعيَّن على كلٍّ من المقاتلين والسكان المحليين التأقلم مع التغييرات التي أحدثها تدفق هذه المجموعة السكانية الجديدة.

أشار محمد عبد الله، الذي يعمل مُعلّماً في إحدى مدارس مديرية الشمايتين، إلى أنَّ قريته لم يقطنها سوى سكانها المحليين على مدار فترة طويلة، لكنه بات الآن يسمع لكنات ولهجات مختلفة في شوارع القرية.

قال عبد الله لموقع "Middle East Eye": "لا يستطيع كبار السن أحياناً فهم المقاتلين الذين يتحدثون لهجات مختلفة، حتى لو كانوا يتشاركون نفس المنزل".

وعلى الرغم من صعوبات التأقلم، بدأ المقاتلون يدمجون أنفسهم في المجتمعات المحلية، حيث تزوج بعضهم من نساء من قرى الشمايتين.

رفض لوجود المقاتلين، ولكن!

ومع ذلك، ليس كل القرويين سعداء بهذا التدفق للمقاتلين إلى مجتمعاتهم. قال عاطف، الذي كان يعمل بأحد مصانع مدينة تعز حتى فقد وظيفته عام 2015 وعاد إلى قريته منذ ذلك الحين في الشمايتين، لموقع Middle East Eye: "لا أدعم أي طرف في هذه الحرب العبثية التي دمرت بلدنا".

وأضاف: "على الرغم من أنَّني ضد تأجير منازل لمقاتلين وإحضارهم للعيش في قريتنا، لكن ليس لدي مصدر دخل سوى ذلك. الحاجة الماسة أرغمتنا على فعل ذلك". من جانبه، يعتقد المُعلّم، محمد عبد الله، أنَّ القرويين قبلوا استقبال مقاتلين في منازلهم من أجل المال وليس لأي شيء آخر.

السعودية الحوثي التحالف
قوات سعودية في اليمن/مواقع التواصل

قال عبد الله: "ثمة قبول مجتمعي للمقاتلين الموالين لطارق صالح، لكن هذا لا يعني أنَّ القرويين يدعمونه. أستطيع رؤية أنَّه حتى المعارضين لصالح من حزب "التجمع اليمني للإصلاح" قاموا بتأجير منازلهم لمقاتلين موالين له. من هنا، يتّضح أن الناس في حاجة ماسة لتأمين قوت يومهم وأنَّ المال هو ما غيَّر رأيهم".

لا يلوم عاطف أيضاً القرويين الفقراء المحتاجين ويرى أنه يتعيَّن عليهم توفير احتياجاتهم المعيشية بأنفسهم بدون مساعدة من أحد، لكنه يلقى باللوم الشديد على مَن ينتفعون من الصراع.

قال عاطف: "أنا ضد الأثرياء الذين يعملون مع طرفي الحرب، الذين يؤجرون منازلهم في القرية لمقاتلي صالح بالدولار الأمريكي ويعملون في نفس الوقت مع الحوثيين في صنعاء. أنا ألعن هؤلاء الأشخاص ليلاً ونهاراً لأنَّهم لا يهتمون بقراهم".

وأكَّد عاطف أنَّه ليس لديه مشكلة مع المواطنين اليمنيين النازحين من محافظات أخرى، لكنه يعارض بشدة دعم أي طرف في حرب غير مؤمن بها.

وقال: "لقد فتح القرويون منازلهم للأشخاص النازحين والمشردين بالمجان لأنَّهم ضحايا حرب وكان ذلك سلوكاً حميداً. أما أن تؤجر منزلاً لمقاتل يقتل مواطنين يمنيين، فهذا كارثة".

تحميل المزيد