كانت إحدى مهام جو بايدن الأكثر إلحاحاً عند توليه منصبه هي إنقاذ الحدِّ من الأسلحة النووية. وبعد أسبوعين من تنصيبه، مدَّدَ الرئيس الأمريكي معاهدة "البداية الجديدة" مع روسيا، وهي حجر الزاوية في الحدِّ من التسلُّح الذي عرَّضته العلاقة المتصدِّعة لخطر انتهاء صلاحيته.
لكن إدارة بايدن اضطرت الآن لمواجهة تحدٍّ نووي آخر، وهو الصين. منذ يونيو/حزيران الماضي، اكتشف الخبراء أكثر من 200 صومعة صواريخ قيد الإنشاء في الصحاري الغربية النائية في الصين، بحسب تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.
وقال ديفيد سانتورو، رئيس منتدى المحيط الهادئ للأبحاث، ومقره هاواي، والمنظِّم المشارك للحوار النووي شبه الرسمي بين الولايات المتحدة والصين لمدة 15 عاماً حتى عام 2019: "تحدَّثنا لفترةٍ طويلةٍ جداً عن الصين كمشكلةٍ مستقبلية. والآن، من الواضح أن الصين تمثِّل مشكلةً نووية".
وأضاف: "لقد عرفنا منذ فترةٍ طويلة أن الصين في وضعٍ يسمح لها بتحقيق تراكمٍ نووي. ما يحدث الآن هو زيادةٌ سريعة في هذا التراكم".
وقال مات كوردا وهانس كريستنسن، الخبيران في الأسلحة النووية اللذان كشفا الأسبوع الماضي عن حقل بناء صوامع صواريخ بمساحة 800 كيلومتر مربع في شينجيانغ، إنه كان "أكبر توسُّع للترسانة النووية الصينية على الإطلاق".
ويعتقد الخبيران أن الصين تبني 10 أضعاف عدد الصوامع للصواريخ الباليستية العابرة للقارات. ووفقاً لحساباتهم، فإن التوسُّع يتجاوز عدد الصواريخ الروسية العابرة للقارات القائمة على الصوامع، ويساوي على الأقل نصف إجمالي القوة الصاروخية العابرة للقارات في الولايات المتحدة.
متى بدأت فكرة السلاح النووي؟
ومنذ أول تجربة ذرية لها في عام 1964، التزمت الصين بسياسة "الحدِّ الأدنى من الردع"، وتعهَّدَت بعدم امتلاك قدرات نووية أكثر مِمَّا هو مطلوب للردِّ على أيِّ هجوم، وزعمت أنها لن تستخدم الأسلحة النووية مطلقاً.
ونتيجة لذلك، يُعتَقَد أن الصين تمتلك نحو 350 رأساً نووياً، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وهذا جزءٌ بسيط من أصل 5550 رأساً حربياً أمريكياً.
وعلى عكس الولايات المتحدة وروسيا، احتفظت بكين تقليدياً بجزءٍ كبيرٍ من أسلحتها الذرية في حالة تأهُّبٍ قصوى واحتفظت بالعديد من الرؤوس الحربية في مخزنٍ مركزي منفصل عن القاذفات. وكان هذا بسبب سياساتها في الضرب فقط بعد أن يُطلَق صاروخٌ معادٍ على الأراضي الصينية.
لكن تلك الأركان الأساسية للعقيدة النووية الصينية آخذة في التراجع.
من ماذا تقلق الصين؟
تنظر بكين إلى تطوير واشنطن لأنظمة الدفاع الصاروخي باعتباره تهديداً؛ لأنه قد يجعل الحدَّ الأدنى من قدرة الضربة الثانية عديم الفائدة. وتشعر الصين بالقلق أيضاً بشأن الأنشطة الاستطلاعية الأمريكية على طول ساحلها، حيث تمتلك أصولاً استراتيجياً، فضلاً عن أصولٍ عسكرية أمريكية في الفضاء.
وفي اجتماعاتٍ ثنائية رسمية، أوضح المشاركون الصينيون أن بكين قد تواجه نقاط القوة الأمريكية بعد أن تبني قوةً نووية أكبر وأكثر تطوُّراً.
ويعتقد الخبراء أن بكين تتجه نحو موقف "الإطلاق عند التحذير". وبدلاً من الاستعداد لامتصاص الضربة النووية الأولى من الخصم قبل الرد، ستشن الصين هجوماً مضاداً بمجرد أن تدرك أن هجوماً جارياً قد أُطلِقَ عليها.
في الوقت نفسه، حصل جيش التحرير الشعبي على المزيد من الصواريخ العابرة للقارات، ما يجعل من الصعب على الخصم اكتشاف الأسلحة النووية. وقاموا بتركيب المزيد من الرؤوس الحربية على الغواصات والصواريخ الباليستية، المناسبة لكلٍّ من الذخائر التقليدية والنووية.
ويحذِّر مُحلِّلون أمريكيون من أن هذه التغييرات تزعزع الاستقرار. ويبدو أن بكين تخطو خطواتٍ أكبر.
قال تشاو تونغ، خبير السياسة النووية في مركز كارنيغي-تسينغهوا للسياسة العالمية في بكين، عن برنامج صوامع الصواريخ: "اعتبارات المستوى التقني حفَّزَت تحديث القوات النووية الصينية في السنوات الأخيرة، لكن هذا أكبر".
لماذا لجأت الصين لهذه الاستراتيجية؟
وقال إن "التوسُّع في الترسانة النووية الصينية مدفوعٌ بشكلٍ متزايد بتغييرٍ في المنظور الجيوسياسي".
وأضاف: "هناك تفكيرٌ شائع في السياسة الصينية بأن ترسانةً نوويةً أكبر يمكن أن تساعد الصين في مواجهة العداء الاستراتيجي للولايات المتحدة". وتابع قائلاً: "إنهم يجادلون بأن روسيا كانت حازمةً للغاية في تعزيز مصالحها، وأن روسيا تحظى بالاحترام، لذلك يعتقدون أن وجود ترسانة صينية أكبر سيجعل الغرب يحترمنا أيضاً".
ومثل هذا التفكير مدعومٌ من القمة. بعد فترةٍ وجيزةٍ من تولي شي جين بينغ قيادة الحزب الشيوعي، وصف القوات الصاروخية لجيش التحرير الشعبي بأنها "الدعم الاستراتيجي لترسيخ البلاد كقوةٍ عظمى"، ما مَنَحَ الأسلحة النووية الصينية دوراً جيوسياسياً بارزاً لم تلعبه من قبل.
وفي مارس/آذار، حثَّ شي الجيش على "تسريع إنشاء قوة ردع استراتيجية مُعزَّزَة، وأنظمة قتال مشتركة". وفسَّرَ المحلِّلون الصينيون التصريحات على أنها الإشارة الأوضح حتى الآن لدعمٍ رفيع المستوى لتكثيف تطوير القوات النووية للبلاد.