تمحوّرت عناوين الأخبار الخاصة باجتماع الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الأسبوع الماضي حول القرار الرمزي -في مُجمله- بإنهاء "المهمة القتالية" الأمريكية داخل البلاد أواخر عام 2021.
ورغم معاناة البلاد مع محاولة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) العودة من جديد، ورغم الانفلات الأمني وعمليات "الخطف والاغتيال" التي تتهم بها الميليشيات الشيعية الموالية لإيران؛ يقول العديد من المحللين إنّ سقوط الحكومة العراقية في النهاية قد يحدث نتيجة انهيار الاقتصاد والفشل في توفير أبسط الخدمات الأساسية، وأهمها الكهرباء.
الدولة العراقية نحو الانهيار؟
إذ يقول باتريك أوزجود، المحلل البارز في معهد Control Risks Middle East، إن "هناك أزمة وجودية شديدة على المدى المتوسط داخل العراق. وربما تضُر هذه الأزمة بالنخبة العراقية أسرع مما قد يتخيل أفرادها. ولن تكون موجة عدم الاستقرار السياسي التي ضربت البلاد خلال احتجاجات 2019 هي الأخيرة من نوعها، حيث يجب على النظام تقديم حلولٍ أفضل قبل أن يبدأ في الانهيار".
حيث نزل العراقيون إلى الشوارع في أكتوبر/تشرين الأول عام 2019 غضباً على الفساد المشتري، ومعدلات البطالة المرتفعة، ونقص الخدمات العامة. ولقي المئات من المحتجين مصرعهم ليستقيل رئيس الوزراء حينها عادل عبدالمهدي بعد شهرٍ واحد، لكن قادة الاحتجاجات تعرّضوا للقتل أو الاعتقال لاحقاً. بينما أسفرت حالات انقطاع الكهرباء الشهر الماضي عن موجة أخرى من الاحتجاجات.
وليس العراق هو البلد الشرق أوسطي الوحيد العالق بين ارتفاع درجات الحرارة القياسي في الصيف الجاري وبين شبكات الطاقة الكهربائية المتهالكة -نتيجة سنوات من ضعف الاستثمار والإهمال الحكومي والفساد. لكن العراق قد يكون أكثر عرضةً للتداعيات السياسية.
البلد الذي يعوم على النفط يعاني من أزمة في الطاقة
ولدى العراق نظرياً العديد من مصادر الطاقة الوفيرة؛ حيث يمتلك خامس أكبر احتياطيات النفط في العالم. وقد أبرمت الحكومة اتفاقيات لشراء الطاقة من إيران ودول أخرى، فضلاً عن وفرة الشمس ورياح الصحراء الوفيرة -مما يجعل العراق مكاناً مثالياً لإنتاج الطاقة المتجددة. كما كان يُفترض بعائدات النفط، التي تصل لعشرات المليارات من الدولارات سنوياً، أن تمنحها الموارد المالية اللازمة لتوفير الطاقة للجميع.
لكن كافة تلك الأصول يتم إهدارها بسبب مزيجٍ من المشكلات الأمنية المُزمنة والخلل الوظيفي الحكومي. ونتيجةً لذلك، وصل العراق اليوم إلى توليد 18 جيجاواط من الطاقة، بينما تتراوح معدلات الطلب بين 26 و28 جيجاواط طوال الوقت، وفقاً لأوزجود.
"مافيا" مولدات الكهرباء
حين تنقطع الأنوار، تُعوّض مولدات الكهرباء المنزلية ذلك النقص إلى جانب مقدمي الخدمات في القطاع الخاص باستخدام أنظمة مؤقتة. ونجد بالطبع أنّ مقدمي تلك الخدمات في القطاع الخاص -ممن يعرفون بـ"مافيا مولدات الكهرباء"- لهم مصلحةٌ في فشل شبكة الكهرباء الوطنية، من أجل زيادة أعمالهم التجارية. ويُعتقد أنّهم المسؤولون عن العديد من الهجمات على أبراج الكهرباء وبنيتها التحتية. وفي الواقع، ربما نجدهم يتشاركون نفس القضية مع داعش والجماعات الأخرى التي لها مصالحها في زرع الفوضى.
لكن أوزجود قال إنّ أكبر عقبة في هذا الصدد هي أنّ العراقيين لا يدفعون عادةً مقابل الكهرباء، مما يعني أنّ تكاليف وأعباء تشغيل شبكة الكهرباء وبنيته التحتية يجب أن تدفعها الحكومة وحدها، وهي تكاليف ضخمة تصل إلى 12 مليار دولار سنوياً.
وليست مافيا المولدات مهتمة بالمنافسة من أي نوع، كما أنّ شبكة الكهرباء العراقية المتهالكة والتخريب المزمن قد زادا شكوك المستثمرين بشأن جدوى مزارع الطاقة الشمسية.
وناقشت إحدى الحكومات مؤخراً خيار توفير طاقةٍ نووية لسد عجز الكهرباء، لكن أوزجود وصف هذا الاقتراح بأنّه "سخيفٌ للغاية" بالنظر إلى وضع البلاد.
نموٌّ مُتعثّر
ليس هناك ما يكفي من الأموال لحل مشكلات الطاقة العراقية الآن؛ إذ كانت البلاد تُعاني اقتصادياً قبل أن تزيد جائحة فيروس كورونا الأوضاع سوءاً. وانخفض الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 10% بعد أن جف الطلب العالمي على النفط وهبطت الأسعار. وقد عانت الحكومة أيضاً من أجل سداد الأجور، لذا لم يتبقّ الكثير من الأموال لإصلاح شبكة الطاقة.
وقد استردت أسعار النفط عافيتها العام الجاري، كما زادت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) حصة الإنتاج المخصصة للعراق. لكن العراق لم يخرج من مأزقه بعد؛ حيث قدّر البنك الدولي أنّ الناتج المحلي الإجمالي سينمو نمواً متعثّراً بنسبة 1.9%.
إذ تقول الخبيرة الأمريكية في استراتيجيات المخاطر السياسية راشيل زييمبا، في تقرير لها بمعهد الأمن الأمريكي الجديد: "لن تكون ميزانية الدولة العراقية وحدها كافيةً لحل المشكلة؛ حيث يُواجه العراق تحدياً يكمن في أنّ عبء الديون العراقية ثقيلٌ للغاية -رغم ارتفاع أسعار النفط". فضلاً عن أنّ الثروة النفطية العراقية لم تعُد كما كانت في الماضي، بالنظر إلى وصول تعداد سكان البلاد إلى نحو 41 مليون نسمة. وأضافت راشيل: "تُعتبر العائدات النفطية للفرد منخفضةً للغاية عند مقارنة العراق بجيرانه".
ولم يعُد بإمكان العراق الاعتماد على أرباح النفط مثل الماضي، حتى وإن عادت الأسعار إلى طبيعتها قبل كوفيد-19؛ حيث يُحاول العالم الابتعاد عن الوقود الأحفوري، وتسعى شركات النفط متعددة الجنسيات لتقليل انبعاثات الكربون الخاصة بمصانعها. وفي الوقت ذاته تُعتبر تكاليف استخراج النفط منخفضة نسبياً عند مقارنتها بتكاليف تأمين وتشغيل المنشآت النفطية، مما يتسبّب في سحب الاستثمارات النفطية بنهاية المطاف.
وتتضاعف مشكلات العراق نتيجة النمو السكاني السريع وتغيّر المناخ؛ حيث يزيد تعداد العراقيين بنسبة 2.3% سنوياً، ويُهاجر الناس إلى المدن ليستخدموا المزيد من الكهرباء، بالتزامن مع موجات الحر الصيفية التي تزيد استهلاك أجهزة التكييف. ونتيجة ذلك هي أنّ الطلب على الطاقة يتزايد سريعاً بنسبةٍ تتراوح بين 7% و10% سنوياً، وفقاً لمحلل الطاقة في الوكالة الدولية للطاقة علي الصفار.