حقيقة ما يحدث بين إسرائيل ولبنان، وهل يشعل بينيت الحرب التي تجنبها نتنياهو؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/05 الساعة 20:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/05 الساعة 22:20 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت/رويترز

جاء التصعيد الأخير بين إسرائيل ولبنان لينذر بتدهور خطير لهذه الجبهة في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، الذي أبدى بداية توليه السلطة اهتماماً خاصة بهذه الجبهة، كما لوّح بالتصعيد ضد إيران.

وقصفت طائرات إسرائيلية، ليلة الخميس 5 أغسطس/آب 2021، مواقع في جنوبي لبنان، في وقت شهدت الحدود اللبنانية مع إسرائيل توتراً خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه لأول مرة منذ سنوات في التوتر بين إسرائيل ولبنان، تقصف طائرات حربية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي مواقع لحزب الله قرب السياج الحدودي جنوب لبنان، في منطقة مرجعيون، رداً على إطلاق صواريخ أطلقت الأربعاء على مستوطنة كريات شمونة.

وقبل ذلك وفور إعلان الجيش الإسرائيلي أن ثلاثة صواريخ أطلقت من لبنان على الأراضي الإسرائيلية، أمس الأول الأربعاء، رد الجيش بنيران المدفعية المتواصلة.

وقال الجيش الإسرائيلي إن صاروخين سقطا داخل الأراضي الإسرائيلية، مضيفاً أنه رد بإطلاق نيران المدفعية على لبنان. 

وأعلن الجيش اللبناني اليوم أن المدفعية الإسرائيلية قصفت ست مناطق بجنوب لبنان بــ92 قذيفة بعد إطلاق صواريخ على شمال إسرائيل.

وبعد القصف المدفعي الإسرائيلي، كان لافتاً تطور الأمر إلى قصف بالطائرات، حيث قال الجيش الإسرائيلي في بيان الخميس: "شنت طائرات حربية الليلة غارات على المناطق التي أطلقت منها اليوم القذائف الصاروخية من لبنان نحو الأراضي الإسرائيلية، بالإضافة إلى بنية تحتية تستخدم لأهداف وصفها بـ"الإرهابية".

وحمّل الجيش الإسرائيلي "دولة لبنان مسؤولية ما يجري داخل أراضيها"، محذراً في الوقت نفسه من "مواصلة محاولات الاعتداء على مواطني إسرائيل وسيادتها"، حسب تعبيره.

مناشدات لبنانية للمجتمع الدولي

في المقابل ناشد لبنان، الخميس 5 أغسطس/آب 2021، المجتمع الدوليَّ الضغط على إسرائيل لـ"كبح ممارساتها العدائية"، مُحمِّلاً تل أبيب تبعات تغيير "قواعد الاشتباك". 

جاء ذلك خلال اجتماع بموقع الأمم المتحدة في رأس الناقورة (جنوب لبنان)، جمع بين ضباط لبنانيين وآخرين إسرائيليين، بوساطة أممية، وفق بيان للجيش اللبناني.

حيث ذكر البيان، أن الاجتماع ترأَّسه قائد قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل"، ستيفانو ديل كول، وحضره وفد من ضباط الجيش اللبناني، برئاسة العميد الركن حسيب عبدو. 

أضاف: "الجانب اللبناني حمّل العدو (إسرائيل) تبعات تغيير قواعد الاشتباك، وناشد المجتمع الدولي والأمم المتحدة ممارسة أقصى الضغوط على العدو الإسرائيلي، من أجل كبح ممارساته العدائية".

أردف: "شدد الوفد اللبناني على ضرورة انسحاب العدو الإسرائيلي من كل الأراضي المحتلة وهي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من منطقة الغجر، ومواقع حدودية أخرى اعتُبرت خرقاً دائماً".

من نفذ الهجوم الصاروخي؟

ودفع دويّ صفارات الإنذار سكان شمال إسرائيل إلى الفرار إلى الملاجئ يوم الأربعاء بعد إطلاق الصواريخ الثلاثة من جنوب لبنان.

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن "مجموعات فلسطينية" نفذت "العملية ضيقة النطاق نسبياً" التي سقط جرائها صاروخان بالقرب من مستوطنة كريات شمونة وصاروخ آخر داخل الأراضي اللبنانية.

وتنشط هذه المجموعات الفلسطينية في منطقة قريبة من إسرائيل ولبنان خاضعة لسيطرة "حزب الله" الشديدة، حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست.

حرب لبنان الثالثة مسألة وقت لأن بينيت يريد إثبات نفسه أمام نتنياهو

وسبق أن قال مسؤول أمني إسرائيلي رفيع إن "حرب لبنان الثالثة مسألة وقت فحسب"، كما أعلن رئيس الوزراء نفتالي بنيت قبل بضعة أسابيع، أن الجيش الإسرائيلي يقف على أهبة الاستعداد لمواجهة التطورات في هذا البلد المنهار.

وأضاف: الدولة اللبنانية توجد على حافة الانهيار، مثلها مثل جميع الدول التي تستولي عليها إيران، وهذه المرة المواطنون اللبنانيون يدفعون الثمن. نتابع الأوضاع هناك عن كثب؛ أنا ووزير الدفاع ووزير الخارجية، وسنبقى على أهبة الاستعداد"، لافتاً إلى "ضبط قوات الجيش والشرطة بإسرائيل مسدسات بقيمة ملايين الشواكل جرى تهريبها إلى إسرائيل، وهذا مجرد مثال واحد من بين أمثلة عديدة، وأردف قائلاً: "سنواصل المتابعة".

ومن الواضح أن بينيت يحاول أن يثبت أنه زعيم قوي في الملف الذي قلل فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو من قدراته، أي الملف الإيراني بما في ذلك الجبهة بين إسرائيل ولبنان.

فقد اعتبر نتنياهو مراراً أن بينيت "أضعف من أن يتعامل مع ما وصفه بالتهديد الوجودي الذي تشكله إيران"، حيث يضم ائتلاف بينيت 8 أحزاب متباينة أيديولوجياً.

إسرائيل ولبنان
حزب الله يسيطر على المنطقة التي أطلقت منها الصواريخ في جنوب لبنان/رويترز

وبينما نفذ نتنياهو عمليات استخباراتية إسرائيلية مؤثرة ضد البرنامج النووي الإيراني، وهجمات جوية واغتيالات ضد أهداف لحزب الله وإيران واتباعها في سوريا وبصورة أقل لبنان، فإن كل ذلك بقدر قليل من الصخب، وباستراتيجية لا تعمد إلى تفجير الأوضاع مع إيران وحزب الله لاسيما في لبنان بعد تجربة حرب 2006 القاسية للطرفين.

ولكن مع تزايد وتيرة الحرب الاستخباراتية الإسرائيلية ضد إيران، وردود الأخيرة التصعيدية، (حيث يعتقد أنها وراء الهجمات على ناقلة النفط المملوكة لملياردير إسرائيلي) فإن الأمور تخرج لمزيد من التوتر بين الجانبين.

ويزيد الأمر اشتعالاً أن بينيت يحاول يظهر نفسه باعتباره أقوى من نتنياهو.

وفي هذا الإطار، عقب الهجوم على ناقلة النفط المملوكة لملياردير إسرائيلي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، في رسالة لإيران، إن "زمن الجلوس بكل راحة في طهران وإشعال الشرق الأوسط بأسره من هناك انتهى".

واستطرد: "الزيادة الملموسة في ميزانية الدفاع وفي ميزانية الجيش التي مررناها هذا الأسبوع تعكس ذلك، والخطابات لا تكفي في مواجهة إيران.. نحن نحتاج لجيش قوي ومن أجل ذلك يجب استثمار موارد كثيرة ونحن نفعل ذلك".

هل تغير إسرائيل قواعد المعادلة مع حزب الله؟

وليست هذه أول مرة تطلق صواريخ من لبنان على إسرائيل، فقبل نحو أسبوعين أُطلق صاروخان من لبنان تجاه إسرائيل ولكن اكتفت تل أبيب بالرد المدفعي، ولكن هذه المرة رد بالإضافة إلى القصف المدفعي باستخدام الطائرات.

وبصرف النظر عن إن كان حزب الله على صلة بهذه الصواريخ أم لا فإنه يلاحظ أن هناك تغييراً تدريجياً في المعادلة بين إيران وحزب الله من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.

فمع انتخاب إبراهيم رئيسي للرئاسة في إيران، واستمرار العقوبات الأمريكية على طهران، والضرر الذي ألحقه الإسرائيليون بالبرنامج النووي الإيراني، إضافة إلى تأثير الضربات العسكرية الإسرائيلية في سوريا واستهداف السفن الإيرانية المتجهة لسوريا، بدا واضحاً أن إسرائيل قررت التصعيد، وقد يشجعها على ذلك على الأرجح ذهاب ترامب من البيت الأبيض الذي لا يمكن حساب ردود أفعاله ومجيء إدارة ديمقراطية يفترض أنها  تنفر من الحرب.

كل ذلك يبدو أنه دفع إيران للتصعيد في حربها البحرية مع إسرائيل كإحدى جبهات التصعيد الرئيسية، ولا يعرف هل إطلاق الصواريخ ضدها من لبنان جزء من هذه الحرب أم صدفة.

في المقابل، فزعيم إسرائيل الجديد الذي يترأس حزباً يمينياً صغيراً، وكان مساعداً لنتنياهو في يوم ما، يريد أن يثبت أنه جدير بهذا المنصب، خاصة أنه سيأتي وقت يفترض فيه أن يتبادل فيه المواقع مع وزير الخارجية يائير لابيد، وفقاً لاتفاق تشكيل الحكومة الإسرائيلية.

وإشعال جبهة غزة لن يكون مفيداً له كثيراً، فحزب غزة الأخيرة لم تحقق نجاحاً يذكر لنتنياهو بل كانت مصدر إحراج له، كما أنه رغم أن حزب الله أقوى من حركات المقاومة الفلسطينية فإن استعداد الغزاويين المحاصرين النفسي لتحمل الحرب أكبر من استعداد اللبنانيين المنقسمين أصلاً، والذي يرى شطرٌ كبير منهم أن حزب الله هو سبب مصائبهم.

ويجعل هذا حزب الله أكثر حذراً في الرد على إسرائيل وما هو ما قد يسمح للأخيرة بتغيير قواعد المعادلة بين الجانبين على الحدود بين إسرائيل ولبنان.

إسرائيل قلقة مما يفعله حزب الله في لبنان حالياً

كان مسؤول أمنى إسرائيلي وُصف بأنه رفيع جداً، قد قال في حديث مع موقع "واللا" الإسرائيلي: "إن حزب الله بدأ بدعم المنتجات الغذائية والوقود، وفتح شبكات صرافة آلية للمواطنين الشيعة فقط، وذلك في الوقت الذي ينهار فيه الجهاز المصرفي في لبنان عموماً، ومحطات الوقود ترفع الأسعار بشكل كبير بسبب النقص الشديد في السوق".

وأضاف: "نلاحظ أن لبنان يشهد تحولات خطيرة في السنة الأخيرة؛ أبرزها استمرار تطوير وتقدم مشروع (حزب الله) بتحسين دقة الصواريخ، الذي يهدد الجبهة الداخلية الإسرائيلية عموماً، ومنشآت استراتيجية مثل محطات توليد الكهرباء والبنية التحتية المائية ورموز الحكم خصوصاً. وهو يواصل التسلح بمنظومات دفاع جوي تهدد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في المجال اللبناني والمنطقة. وهذه قضية مقلقة جداً"، بالنسبة للإسرائيليين.

وقال المسؤول الإسرائيلي إن "وضع الجيش اللبناني يثير قلقاً كبيراً؛ فهو يتفكك وتنخفض هيبته. ومعروف أن ضعف الجيش يقوي (حزب الله) ويساعده في السيطرة على منظومات أسلحة؛ مثل دبابات وطائرات وأسلحة أخرى".

وتابع المسؤول الرفيع أن "حزب الله" يمنع "حتى التقدم في المفاوضات حول الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، ويمنع السلطات اللبنانية من التوصل لتسوية في موضوع إلقاء كميات كبيرة من النفايات اللبنانية مقابل بلدة المطلة الإسرائيلية، رغم تدخل قوات (يونيفيل)، حسبما نقلت صحيفة الشرق الأوسط السعودية عن الموقع الإسرائيلي.

جدار بين إسرائيل ولبنان

كشف مصدر سياسي في تل أبيب عن أن وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس، ووزير المالية أفيغدور ليبرمان، يتداولان في دفع خطة لإنهاء إنجاز الجدار الأمني المتطور على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان، بتكلفة مليار شيكل (الدولار يساوي 3.34 شيكل)، وذلك لمواجهة خطط "حزب الله" في التسلل إلى بلدات إسرائيلية.

ويؤشر كل ذلك إلى أن تقليم أظافر حزب الله وإيران أصبح أولوية بالنسبة لإسرائيل لأسباب استراتيجية وأخرى شخصية، فهل تقوم بذلك عبر عمليات نوعية محدودة أم تصعيد واسع النطاق، وهل يعمد الحزب إلى التغاضي عن الرد أم أنه في إطار حرصه على الحفاظ على قواعد فك الاشتباك بين الجانبين فإنه سوف يعمد إلى رد مكافئ، ما يزيد احتمالات المواجهة المفتوحة.

تحميل المزيد