تشن حركة طالبان مؤخراً معركة عنيفة ضد الحكومة المركزية، عنوانها السيطرة على المدن، حيث تكافح القوات الحكومية في أفغانستان لصد هجمات طالبان على مدن رئيسية عدة، أبرزها هلمند، التي تدور فيها رحى قتال عنيف، وسط مؤشرات على أنها قد تكون أول عاصمة إقليمية تسقط في أيدي مقاتلي حركة طالبان، فلماذا هلمند، وما أهميتها لدى طالبان؟
ما الذي يحدث في إقليم هلمند الأفغاني؟
تتعرض مدينة "لشكر كاه"، عاصمة إقليم هلمند جنوبي أفغانستان لهجوم عنيف من مقاتلي طالبان رغم استمرار الضربات الجوية الأمريكية والأفغانية. وذكرت تقارير الإثنين، أن طالبان قد استولت على محطة تلفزيونية محلية، فيما لجأ آلاف الأشخاص الذين فروا من المناطق الريفية إلى المدينة.
ويقول شهود عيان من عاصمة إقليم هلمند إن هناك قتالاً عنيفاً في كل مكان. كما تم نشر التعزيزات العسكرية لمواجهة تقدم طالبان، التي حققت تقدماً سريعاً في الأشهر الأخيرة، مع انسحاب القوات الأمريكية بعد 20 عاماً من العمليات العسكرية في البلاد.
وبعد سيطرة طالبان على مساحات شاسعة من الأراضي الريفية والاستيلاء على المعابر الحدودية الرئيسية، بدأت الحركة في مهاجمة عواصم المقاطعات الكبرى بهجمات عنيفة، ومنها هلمند.
وبعد نهاية أسبوع حافلة، شهدت عاصمة الولاية مواجهات عنيفة نزح على إثرها آلاف المدنيين، في ظل تقدّم مقاتلي الحركة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية، حيث شنّ مسلحو طالبان هجماتٍ منسقة استهدفت وسط مدينة لشكر كاه وسجنها، قبل ساعات فقط من إعلان الحكومة نشر مئات من عناصر الوحدات الخاصة في المنطقة.
ومن شأن خسارة لشكر كاه أن تمثّل ضربة استراتيجية ومعنوية كبيرة للحكومة، التي تعهّدت "بالدفاع عن عواصم الولايات مهما كان الثمن"، بعد خسارتها معظم المناطق الريفية لصالح طالبان خلال الصيف.
لماذا تسعى طالبان بقوة للسيطرة على هلمند؟
تعتبر ولاية هلمند الأكبر مساحة في أفغانستان، كما أنها كانت محور الحملة العسكرية الأمريكية والبريطانية لسنوات طويلة، وتقول تقارير إنه إذا نجحت طالبان في السيطرة على عاصمة هذا الإقليم فستكون حققت مكاسب كبيرة، تُمثل ضربةً قاسية للحكومة الأفغانية.
وإذا سقطت المدينة فستكون أول عاصمة إقليمية تسيطر عليها الحركة منذ عام 2016، وهي واحدة من ثلاث عواصم إقليمية في أفغانستان تتعرض للهجوم العنيف خلال هذه الأيام.
وحذر قائد عسكري أفغاني في مدينة "لشكر كاه" من أن انتصار طالبان في هذه المعركة سيكون له "أثر مدمر على الأمن العالمي". وقال اللواء سامي سادات لـBBC: "هذه ليست حرب أفغانستان، إنها معركة بين الحرية والاستبداد". وأعلنت وزارة الإعلام الأفغانية الإثنين أن 11 شبكة إذاعية وأربع شبكات تلفزيونية في ولاية هلمند توقفت عن البث، بسبب ما وصفته بـ"هجمات وتهديدات" طالبان.
وتقع ولاية هلمند في جنوبي أفغانستان، وتحظى بموقع استراتيجي وحدود طويلة مع باكستان، حيث تحدّ هلمند جنوباً مع ولاية بلوشستان الباکستانية. وتشير الإحصاءات إلى أن تعداد سكان الولاية حوالي 1,442000 نسمة، ومساحتها 58,584 کيلومتراً مربعاً. فيما يشكل البشتون الأکثرية فيها، بالإضافة إلی أقلية بلوشية.
وكانت هلمند جزءاً من منطقة قندهار الكبرى، حتى حوّلتها الحكومة الأفغانية إلى ولاية منفصلة في القرن 20. ويوجد بالولاية مطار محلي يسمى (مطار بوست)، وكانت عاصمة هلمند تُستخدم كقاعدة لقوات الناتو، حيث كان يقع بها معسكر باسشن البريطاني السابق ومعسكر لشكر كاه الأمريكي، خلال سنوات الحرب الـ20.
وتشير تقارير أجنبية إلى أن طالبان ظلت تستخدم ولاية هلمند كساحة قتالية لإثبات وجودها العسكري بأفغانستان لسنوات طويلة، وقد وقعت فيها أعنف المعارك التي خاضها التحالف ضد طالبان خلال سنوات الاحتلال.
معركة السيطرة على مراكز المدن الأفغانية
في السياق، تزداد محاولات طالبان للسيطرة على قندهار، ثاني أكبر مدينة في أفغانستان، بعد ضربات صاروخية استهدفت مطارها يوم الأحد. وسيكون الاستيلاء على قندهار انتصاراً رمزياً كبيراً لطالبان، ما يمنحهم السيطرة على جنوب البلاد.
وفي هيرات، المدينة الثالثة التي تتعرض للهجوم، تحاول قوات الكوماندوز الحكومية التصدي لمقاتلي طالبان بعد أيام من القتال العنيف. واستعادت القوات الحكومية بعض المناطق بعد هجوم على مجمع للأمم المتحدة يوم الجمعة.
وبينما تكافح القوات الحكومية لاحتواء تقدم طالبان، ألقى الرئيس الأفغاني أشرف غني باللوم على الانسحاب المفاجئ للقوات الأمريكية في تصاعد القتال. وقال أمام البرلمان: "سبب وضعنا الحالي هو أن القرار اتّخذ بشكل مفاجئ". وقال غني إنه حذر واشنطن من أن الانسحاب ستكون له "عواقب".
وتخشى السلطات الأفغانية من سيطرة طالبان على أي مدن كبرى، لأنها يمكن أن تفتح فصلاً جديداً في المواجهة، وتثير مخاوف حيال إمكانيات الجيش الأفغاني.
في هذا الصدد، قال الخبير في الشأن الأفغاني نيشانك موتواني، في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية: "إذا سقطت مراكز المدن الأفغانية الكبرى سيُنظر إلى قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من أفغانستان على أنه من بين الأخطاء الاستراتيجية الأبرز في السياسة الخارجية الأمريكية".