ترك أحد الدبلوماسيين الأمريكيين ملابسه في فيينا في نهاية جولة مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني، لأنه توقع أنه سيعود سريعاً للجولة النهائية التي ستحسم الاتفاق، ولكن ملابس الرجل مازالت معلقة في غرفته، والدبلوماسيون المعنيون حائرون في السبب وراء توقف المفاوضات.
وجاء هذا التغير في مسار مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني، قبل أيامٍ من تعيين الرئيس المتشدِّد الجديد في إيران.
فلقد تحوَّل مسؤولو إدارة بايدن إلى التشاؤم الحاد بشأن فرصهم في استعادة الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ خوفاً من انطلاق الحكومة الإيرانية بسرعةٍ كبيرة في طريق البحث والإنتاج النوويَّين وإعداد مطالب جديدة من الولايات المتحدة، حسب تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.
هذه المخاوف هي العكس من تلك التي كانت تساور المسؤولين الأمريكيين قبل شهرٍ فقط، عندما اعتقد المفاوضون الأمريكيون، استناداً بصورةٍ جزئية إلى تأكيداتٍ من الحكومة الإيرانية الراحلة، أنهم كانوا على وشك التوصُّل إلى اتفاقٍ قبل وصول إبراهيم رئيسي، 60 عاماً، وهو الرئيس السابق والمحافظ بشدة للسلطة القضائية الإيرانية، إلى السلطة يوم الخميس 5 أغسطس/آب الجاري. في يونيو/حزيران، كانوا واثقين تماماً من أن جولةً أخرى من المحادثات كانت وشيكةً إلى درجة أن مفاوضاً أمريكياً بارزاً ترك ملابسه في فندقٍ في فيينا، حيث جرت المحادثات من خلال وسطاءٍ أوروبيين خلال الأشهر الأربعة الماضية.
لم تُجرَ تلك الجولة قط. والمفتشون الدوليون يجهلون الكثير من الأمور عملياً، حسب تقرير New York Times.
والآن إلى جانب تعطل مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني، تصاعد التوتر بين الجانبين بسبب أزمة السفينة الإسرائيلية، حيث تعهدت أمريكا، الأحد 1 أغسطس/آب 2021، بالعمل مع شركائها للتوصل إلى ما وصفته بـ"رد مناسب"، بشأن هجوم إيران على ناقلة النفط الإسرائيلية، في الوقت الذي نفت فيه طهران رسمياً مسؤوليتها عن الهجوم.
إيران تبدأ في استخدام تكنولوجيا يمكن استغلالها لصنع أسلحة نووية
في موقع التخصيب الإيراني الرئيسي في نطنز، تدور أجهزة الطرد المركزي بسرعةٍ تفوق سرعة الصوت، وتبدأ في تخصيب كمياتٍ صغيرة من الوقود النووي. وفي أماكن أخرى، يُحوَّل بعض اليورانيوم إلى شكلٍ معدني؛ لأغراضٍ طبية، كما يصرُّ الإيرانيون، رغم أن التكنولوجيا نفسها تُستخدَم أيضاً في صنع الرؤوس الحربية.
ومن غير الواضح ما إذا كان رئيسي سيحتفظ بفريق التفاوض الإيراني الحالي، أم سيحل محله أنصاره، الذي من المُفتَرَض أن يصمِّموا على إظهار قدرتهم على قيادة صفقةٍ أصعب، والوصول إلى مزيدٍ من تخفيف العقوبات مقابل قيود مؤقَّتة على الأنشطة النووية.
قال روبرت مالي، كبير المفاوضين الأمريكيين، في مقابلةٍ أُجرِيَت معه: "هناك خطرٌ حقيقي من أنهم يعودون بمطالب غير واقعية بشأن ما يمكنهم تحقيقه من هذه المحادثات".
سيخسر كلا الجانبين الكثير إذا فشلت السبل الدبلوماسية. بالنسبة للرئيس الأمريكي جو بايدن، فإن استعادة الاتفاق النووي لعام 2015 هو الهدف الأسمى، على أمل احتواء البرنامج النووي مرةً أخرى بعد ثلاث سنواتٍ من انسحاب ترامب منه. وهذا الهدف مهمٌ أيضاً لجهود بايدن لاستعادة العلاقات المتضرِّرة مع الحلفاء الأوروبيين، الذين تفاوضوا على الصفقة الأصلية، إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا والصين.
لو استمروا بهذه الطريقة لا يمكن العودة للاتفاق القديم
ولا يخفي مساعدو بايدن مخاوفهم من أن الإيرانيين يتعلَّمون الكثير من العمل الجاري الآن، إلى درجة أنه في المستقبل القريب، وربما في وقتٍ مبكِّرٍ من الخريف المقبل، ربما يكون من المستحيل العودة إلى الاتفاق القديم. قال مالي: "نأمل ألا يحدث ذلك".
لسنواتٍ من الزمن، كان رئيسي من المدافعين عمَّا يسميه الإيرانيون "اقتصاد المقاومة"، بناءً على الحجة القائلة بأن إيران ليست بحاجةٍ إلى التجارة مع العالم وليست بحاجةٍ إلى الانفتاح. لكن خلال الحملة الانتخابية، بدا أنه يؤيِّد العودة إلى الصفقة النووية، ربما لأنه كان يتعرَّض لضغوطٍ من أجل إظهار أنه- على عكس أسلافه- لديه المهارة التي تمكِّنه من التخلُّص من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والتي دمَّرَت اقتصاد بلاده.
والآن، أدَّت الأعباء الاقتصادية، التي تفاقمت بسبب الموجة الخامسة من جائحة كوفيد-19، ونقص المياه الذي نتج جزئياً عن سوء الإدارة الحكومية، إلى اندلاع احتجاجاتٍ عنيفة.
لن يكون للرئيس الجديد الكلمة الأخيرة بشأن استعادة الصفقة. ولا يزال هذا الأمر يخص المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، الذي يعتقد أنه حشد الدعم لانتخاب رئيسي.
أسباب توقف مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني
طهران تريد ضمانات بألا تنسحب أمريكا من الاتفاق مجدداً
في يوم الأربعاء 28 يوليو/تموز، كرَّرَ آية الله مطلباً رئيسياً، ألا وهو أن تقدِّم الولايات المتحدة ضماناً بأنها لن تنسحب مرةً أخرى من الاتفاقية مثلما فعل ترامب.
وقال خامنئي: "لقد انتهكوا من قبل الاتفاق النووي دون أن يتكبَّدوا تكلفةً من الخروج منه. والآن يقولون صراحةً إنهم لا يستطيعون تقديم ضماناتٍ بعدم حدوث ذلك مرةً أخرى".
في الواقع، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وروبرت مالي، إنه في دولةٍ ديمقراطية لا يمكن تقييد يد الرئيس المستقبلي، وإن الطريقة الفضلى للحفاظ على الاتفاق هي أن يُظهِر أنه ناجحٌ بالنسبة للجانبين. وقال مالي: "لا يوجد شيءٌ اسمه ضمان. هذا ليس من طبيعة الدبلوماسية". وأضاف: "لكن ليست لدينا أيُّ نية- الرئيس ليست لديه أيُّ نية- لقضاء كلِّ هذه الأشهر في التفاوض على العودة إلى الصفقة من أجل الانسحاب منها بعد ذلك".
الأوروبيون متفهمون للمطلب الإيراني
لكن الإيرانيين حصدوا بعض التعاطف لحججهم، حتى بين حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، خاصةً بين أولئك الذين يخشون أنه إذا لم يترشَّح بايدن لولايةٍ ثانية، أو انتُخِبَ شخصٌ شبيه بترامب، فقد يفسد الاتفاق مرةً أخرى، حسب New York Times.
قال دبلوماسي أوروبي كبير مشارك في المفاوضات: "إذا حدث ذلك مرةً، فقد يحدث مرةً أخرى".
يمثِّل هذا التشاؤم الجديد تغييراً حاداً عمَّا كان عليه الأمر قبل شهرٍ فقط. علمت الحكومة المنتهية ولايتها، بقيادة الرئيس حسن روحاني، ووزير الخارجية جواد ظريف، أن إرثها مرتبطٌ بالاتفاق النووي الذي تفاوضوا عليه لأكثر من عامين مع الرئيس باراك أوباما ووزير الخارجية آنذاك جون كيري. وفي فيينا، قال الإيرانيون إنهم يعتقدون أن لديهم سلطة إنهاء المحادثات قبل تنصيب رئيسي، حتى يتمكَّن من البدء من جديد، وإلقاء اللوم في أيِّ خطأٍ في تطبيق الاتفاق على عدم كفاءة الحكومة القديمة.
كانوا مخطئين في ذلك. كانت الجولة السادسة من المفاوضات، التي انتهت بما أسماه مسؤولٌ أمريكي "اتفاقية شبه كاملة"، قد أعقبها صمتٌ ورفضٌ من جانب الإيرانيين للعودة إلى فيينا. ومن غير الواضح متى يمكن استئناف المحادثات.
إيران تراكم النووي منذ انسحاب أمريكا من الاتفاق حتى إن ترامب فكر في قصفها
في غضون ذلك، ما حدث على الأرض في نطنز، وفي مختبرات الأبحاث الصغيرة في جميع أنحاء إيران، أثار قلق الولايات المتحدة. والمشكلة الأوضح، رغم أنها أسهل في المعالجة من بعض النواحي، هي أن إيران صعَّدَت من إنتاجها من الوقود النووي على مدار العامين الماضيين، وهي تمتلك الآن وقوداً نووياً أكثر بكثير مِمَّا حازته قبل انسحاب ترامب من الاتفاقية. وفي غضون ذلك، كان ترامب قد أعلن أن إيران ستعود إلى الطاولة وتتوسَّل من أجل صفقةٍ جديدة.
لم يحدث ذلك قط حين كان ترامب في منصبه، وبحلول أواخر العام الماضي، وفقاً لتقارير عديدة، كان ترامب يبحث عن خياراتٍ من جانب البنتاغون لقصف المنشآت النووية في إيران.
قاوم البنتاغون هذا الخيار، وحتى وزير الخارجية مايك بومبيو، أكبر الصقور المعادية لإيران في الإدارة السابقة، عارض العمل العسكري.
إذا استُعيدَت الصفقة، يمكن شحن معظم هذا اليورانيوم المُخصَّب حديثاً إلى خارج البلاد، وهو ما حدث عندما تم التوصُّل إلى الاتفاق الأول. وقال المسؤولون إن الأمر الأكثر إثارةً للقلق هو المعرفة العلمية التي تكتسبها إيران بشكلٍ مُطرَد من خلال بناء أجهزة طرد مركزي أكثر تقدُّماً، وتجربة تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، والتي توشك على النسبة المطلوبة لبناء سلاح نووي.
وقال مسؤولٌ إيراني رفيع المستوى: "كلما طال وقت التنفيذ، زادت المعرفة التي نحصل عليها. إذا كانت الولايات المتحدة معنيةً بالأمر، فكلَّما عادت مبكِّراً كان ذلك أفضل لها".
قنبلة نووية خلال بضعة أشهر
في عام 2015، كانت إدارة أوباما تدَّعي أنه إذا تسابقت إيران لإنتاج وقود نووي لصنع قنبلة- ما يسمَّى بـ"الاختراق النووي"- فسوف يستغرق الأمر عاماً على الأقل. وكما يقر المسؤولون الآن، فقد انخفض هذا الإطار الزمني إلى بضعة أشهر.
وبحسب ما ورد، وافقت الولايات المتحدة من جانبها على أنه إذا استمرَّت إيران في الالتزام باتفاق 2015، فيمكن رفع أكثر من ألف عقوبة- بما في ذك العقوبات على البنك المركزي في البلاد. وقال علي واعظ، الذي يدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، إن الولايات المتحدة لديها بعض المساحة لتقديم المزيد من التخفيف في العقوبات، بما في ذلك العقوبات المفروضة على بعض المقرَّبين من آية الله خامنئي، وبعض أعضاء الحرس الثوري الإسلامي، الذي أعلنته إدارة ترامب منظمةً إرهابية أجنبية في عام 2019.
الشركات الدولية لن تعود إلى إيران ما دام خطر العقوبات ماثلاً
وقال مسؤولون إن العمل على التسلسل الزمني للحدِّ من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، والعقوبات الأمريكية، لا يزالان يمثِّلان نقطة شائكة. وكذلك الأمر بالنسبة لمطالبة إيران بعدم استئناف الولايات المتحدة العقوبات طوال فترة ولاية الرئيس بايدن- وهي ضمانةٌ لن يقدِّمها الجانب الأمريكي.
وقال واعظ إن إصرار إيران على وعدٍ من إدارة بايدن بعدم إعادة فرض العقوبات أمرٌ مفهومٌ إلى حدٍّ ما. وقال إنه بدون ذلك لن تخاطر البنوك الأجنبية والشركات الأخرى بالاستثمار في إيران، وبالتالي لن تحصل طهران أبداً على المنافع الاقتصادية التي تعتقد أنها وُعِدَت بها.
لكن إدارة بايدن تعلم أن أيَّ صفقةٍ ستبرمها ستكون مشكلةً سياسية في واشنطن. في العام 2015، انتقد جميع الجمهوريين، وعددٌ كبيرٌ من الديمقراطيين ذوي النفوذ، الاتفاق الأصلي، ووصفوه بأنه غير قاسٍ بما فيه الكفاية؛ لذا- كما يقول المسؤولون الأمريكيون- لا توجد طريقة يمكن أن يتخلوا بها عن تهديد العودة إلى العقوبات إذا لم تمتثل إيران لجانبها الخاص من الصفقة.
وقال واعظ: "المشكلة في الواقع هي أن الولايات المتحدة لا تستطيع نزع إحدى أقوى الأدوات التي بحوزتها".
المفتشون الدوليون لا يعرفون شيئاً عما يجرى في البرنامج النووي الإيراني
وبينما تستمر المحادثات، تواجه الإدارة واقعاً آخر، وهو أنه لأول مرة منذ سنوات ليس لدى المتفشين الدوليين فكرةٌ عمَّا يجري سراً في نطنز.
مُنِعَت فِرَق التفتيش من دخول العديد من المنشآت التي زاروها بانتظامٍ من قبل، ومُنِعوا كذلك من قياس مستويات التخصيب وحساب كلِّ غرامٍ من المواد المُنتَجة. وفي يونيو/حزيران، انتهى الاتفاق الخاص بإبقاء الكاميرات وأجهزة الاستشعار قيد التشغيل.
ويطرح الإيرانيون استعادة الوصول إلى المعدات عند التوصُّل إلى اتفاق، لكن ليس هناك ما يضمن أن المفتشين سيحصلون على معلوماتٍ تخص ما يجري وراء المشهد.
وقبل شهر، قال بلينكن إن فسخ الاتفاق كان "مصدر قلقٍ خطير"، و"يحتاج إلى حل". لكن الإيرانيون تجاهلوا تصريحه.