هل تتم ملاحقة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي المنتخب حديثاً قضائياً في الدول الغربية بينما يستعد لتولي السلطة في البلاد؟ بات هذا السؤال مطروحاً بعد بدء محكمة سويدية محاكمة مسؤول إيراني سابق متهم بالتورط في عملية إعدام جماعية لنحو 5 آلاف سجين سياسي، وهي القضية التي يعتقد أن رئيسي طرف أساسي بها.
بيجان بازركان كان طالباً يبلغ من العمر 28 عاماً وعضواً بإحدى المنظمات الشيوعية في إيران يقضي عقوبة بالسجن لمدة 10 سنوات عندما استُدعي، وفقاً لعائلته، في عام 1988 للمثول أمام لجنة قضائية حكمت عليه بالإعدام دون محاكمة أو دفاع.
وقال أفراد الأسرة إنهم لم يُصرَّح لهم بمعرفة مكان الجثة أو الوصية أو حتى مكان الدفن، واقتصر الأمر على تسلمهم حقيبة قماشية بها ساعة يد وقميص يعودان للقتيل وشهادة لم تحدد ما إذا كان الإعدام هو سبب الوفاة أم أن السبب غير ذلك.
بيجان بازركان واحدٌ من بين ما يُقدر بنحو 5 آلاف سجين كانوا ينتمون إلى جماعات معارضة مسلحة ومجموعات يسارية في إيران، تقول منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوقية أخرى إنهم أُعدِموا في صيف عام 1988.
الآن، تعقد محكمة سويدية محاكمةً لمسؤول قضائي إيراني سابق بتهم ارتكاب جرائم حرب وتهمة القتل فيما يتعلق بوفاة بازركان، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
ما علاقة إبراهيم رئيسي بقضية الإعدامات الجماعية؟
يزيد من تسليط الضوء على هذه القضية أنها تحمل على وجه الخصوص بعض التداعيات العامة والأضرار الفعلية على الرئيس الإيراني المنتخب، إبراهيم رئيسي، الذي شارك في الحكم على السجناء الذين عاشوا أو أُعدموا خلال عمليات الإعدام الجماعية هذه.
يوم الثلاثاء الماضي 27 يوليو/تموز، وجَّه الادعاء العام السويدي إلى المدَّعى عليه، حميد نوري، ويبلغ من العمر 59 عاماً، اتهاماً رسمياً يقتضي محاكمته، بموجب ما يُعرف بمبدأ الولاية القضائية العالمية، وهو أحد مبادئ القانون الدولي التي تسمح نظرياً لأي محكمة وطنية بمحاكمة المتهمين في جرائم ذات تداعيات جسيمة بغضِّ النظر عن مكان ارتكابها.
تبدأ المحاكمة في 10 أغسطس/آب، أي بعد أقل من أسبوع من تولي رئيسي منصبه في رئاسة إيران. وتنطوي المحاكمة، التي يُتوقع أن تستمر حتى أبريل/نيسان المقبل، على مخاطر بالكشف عن تفاصيل جديدة حول دور رئيسي في تلك المرحلة من تاريخ إيران، وهي حقبة لطالما سعى للتهوين من شأنها أو تجاهلها.
عمل نوري مساعداً لنائبِ المدعي العام في سجن جوهاردشت الذي أُرسل منه بازركان ومئات من المعتقلين إلى المشنقة.
تقول منظمات حقوقية دولية إن عمليات الإعدام الجماعية تمثل ذروة حملات القمع التي تشنها الجمهورية الإيرانية ضد خصموها وحشيةً وغموضاً، وتصنِّفها تلك المنظمات بمرتبة الجرائم ضد الإنسانية.
بالعودة إلى القضية، تقول لاله بازركان، شقيقة بيجان بازركان، وهي صيدلانية تبلغ من العمر 51 عاماً هاجرت إلى السويد وتعيش في مدينة ستوكهولم: "بعض الناس يطلبون منا أن نعفو وننسى، لكننا لا نستطيع فعل ذلك. يجب أن تظهر الحقيقة، لحسم الوقائع ومحاسبة" المسؤولين.
فعلت ذلك بأمر المرشد
يُذكر أن رئيسي، الذي يبلغ من العمر الآن 60 عاماً، كان عضواً في اللجنة المكونة من أربعة أشخاص والتي استجوبت السجناء وأصدرت أحكام الإعدام.
وسبق أن قال رئيسي إنه كان يتصرف بتوجيه من الأب المؤسس للثورة الإيرانية، آية الله الخميني، الذي أمر بتشكيل لجنة لإنجاز عمليات الإعدام.
لطالما ألقت المزاعم حول دور رئيسي في تلك الجنة بظلالها على مسيرته خلال رحلة صعوده على سلم المناصب الهرمي في إيران، فقد كان رئيساً للسلطة القضائية قبل انتخابات يونيو/حزيران التي حملته إلى منصب الرئاسة. وقد دعت منظمة العفو الدولية إلى إجراء تحقيق رسمي في ماضي إبراهيم رئيسي.
هل يمكن أن تؤدي إلى ملاحقة الرئيس الإيراني أو منع حضوره للأمم المتحدة؟
يصعب تصور أنه ستتم ملاحقة الرئيس الإيراني في الدول الغربية لأنه سيحظى بالحصانة الدبلوماسية إذا سافر إلى الخارج بصفته الرسمية، ولكن القضية الجارية في السويد يمكنها، بدرجة ما، أن تلطخ صورته فيما هو يباشر خططه للتواصل مع العالم.
ومن جهة أخرى، فإن الولايات المتحدة، التي وضعت رئيسي على قائمة العقوبات منذ عامين لمشاركته في انتهاكات لحقوق الإنسان، ملزمةٌ على الرغم من ذلك بمنحه تأشيرة رسمية بوصفها البلد المستضيف للأمم المتحدة، إذا رغب في حضور اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك في سبتمبر/أيلول المقبل.
ومع ذلك، طلب ستة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين من الرئيس الأمريكي جو بايدن رفضَ منح رئيسي ومسؤولين إيرانيين بارزين آخرين تأشيرات لحضور هذا الاجتماع، الذي يعد أكبر فعالية دبلوماسية في العالم.
من جانبها، قالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة عبر متحدثٍ باسمها إنه لا تعليق لديها على المحاكمة التي تجري في السويد، وإن خطط سفر رئيسي لحضور اجتماعات الجمعية العامة لا تزال محل نظر بسبب جائحة كورونا، لكن من المقرر أن يتحدث رئيسي في هذه الفعالية، إما شخصياً أو عبر الوسائل الافتراضية.
على ما يبدو، فإن القضية المرفوعة ضد نوري تجعله أول متهم إيراني في محاكمة جنائية تستند إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية. وقال خبراء قانونيون إن مسؤولين وعاملين إيرانيين أُدينوا في ألمانيا وفرنسا، ومؤخراً بلجيكا، بتهم اغتيالات ومؤامرات متعلقة بالإرهاب داخل تلك البلدان، لكن أياً منهم لم يُدَنْ قط بجرائم ارتكبت داخل إيران.
في إعلانها عن التهم الموجهة إلى نوري، قالت المدعية العامة السويدية، كريستينا ليندهوف كارلسون، إن "التحقيق المكثف الذي تمخضت عنه لائحة الاتهام هذه يبيِّن أنه، وإن كانت هذه الأعمال ارتُكبت خارج أراضي السويد وقبل أكثر من ثلاثة عقود، فإنه لا مانع من أن تكون قضية مطروحة للتقاضي في السويد".
وجاء في بيان الادعاء العام أن المتهم يشتبه في مشاركته في عمليات إعدام جماعي وتعمُّد قتل سجناء وتعذيبهم ومعاملتهم بطريقة غير إنسانية. وقالت السلطات السويدية إن التصرفات من هذا النوع تنتهك اتفاقيات جنيف.
كيف تم القبض على المتهم؟
ألقت السلطات السويدية القبضَ على نوري في مطار ستوكهولم عندما وصل لزيارة عائلته في عام 2019. وكان نشطاء قد علموا خطط سفره وأبلغوا السلطات التي رفضت إطلاق سراحه بكفالة. بدأت السلطات بعدها تحقيقاً بشأنه، وأجروا مقابلات مع عشرات من أفراد عائلات الضحايا وناجين ونشطاء حقوقين إيرانيين سجلوا لسنوات شهادات وتفاصيل عمليات الإعدام الجماعية التي تعود إلى تلك الحقبة.
في المقابل، قال المحامي الموكل عن نوري لوسائل إعلام سويدية إن موكله ينفي هذه الاتهامات وإن السلطات اعتقلت الرجل الخطأ.
على صعيد آخر، كانت مؤسسة "عبد الرحمن بورومَند"، وهي منظمة حقوقية معنية بالشأن الإيراني ومقرها واشنطن وسُميت على اسم محامٍ إيراني مؤيد للديمقراطية اُغتيل في عام 1991، نشرت تقريراً في عام 2010 عن عمليات الإعدام الجماعية التي جرت في عام 1988.
وقالت رويا بورومَند، المدير التنفيذي للمؤسسة، إن تحقيقها اللاحق كشف أن نوري، المعروف بالاسم المستعار حميد عباسي، كان اليد اليمنى لنائبِ المدعي العام لسجن جوهاردشت.
وقال رويا بورومَند إن نوري وأمثاله كان لهم دور مباشر في استجواب السجناء، وإعداد قائمة بأسماء الأشخاص المعروضين على ما يُعرف بـ"لجنة الموت"، ثم مرافقة السجناء الذين كان يدرجون من زنازينهم معصوبي الأعين في ممرات مظلمة إلى غرفة اللجنة، ليستجوبهم نواب قضائيون، منهم إبراهيم رئيسي.
وتعتقد رويا بورومَند "أن أهمية المحاكمة الجارية حالياً في السويد لا تتعلق بشخص معين، بل تتعلق بمحاكمة الجمهورية الإيرانية. [هي طريقة ليعرفوا] أن هذه الجرائم ستعود وتطاردهم، ونأمل في أن تمنع هذه المحاكمات تكرار هذا النوع من الجرائم".
يُتوقع أن يُدلي نحو 30 مدعياً، منهم شقيقة بيجان بارزكان، بشهاداتهم ضد نوري في المحاكمة المعقودة في السويد. وقد حُدِّد يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول المقبل لمواجهة المتهم بالمدعين في قاعة المحكمة بمدينة ستوكهولم السويدية.