يبدو أن احتمال اندلاع حرب جديدة في غزة غير مستبعد بالنظر إلى قيام إسرائيل بتضييق الخناق على القطاع بشكل يفوق الوضع قبل الحرب.
فبعد شهرين من توصل إسرائيل وحماس إلى وقف لإطلاق النار بعد حربٍ استمرت 11 يوماً وأسفرت عن مقتل 248 فلسطينياً في قطاع غزة و13 شخصاً في إسرائيل، ظلت حياة كثيرين في القطاع الفلسطيني المحاصر متوقفة، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
إذ لا يزال المليوني فلسطيني الذين يعيشون في غزة يواجهون قيوداً إسرائيلية صارمة على دخول البضائع إلى القطاع الصغير؛ وهو ما يتسبب في ركود اقتصادي كبير يجعل إعادة الإعمار مستحيلة.
لماذا تضيِّق إسرائيل الخناق على غزة؟
رغم نجاح الوساطة المصرية في وضع حد للقتل والدمار، لم تفلح جهود القاهرة بعد في إعادة الوضع في غزة إلى ما كان عليه قبل الحرب، الذي كان صعباً في الأصل على سكانها، الذين يعيشون بالفعل منذ 14 عاماً تحت الحصار الإسرائيلي.
ووسط إصرار إسرائيل على ربط مشكلة الواردات وإعادة الإعمار بالإفراج عن أربعة إسرائيليين يُعتقد أن حماس تحتجزهم، تختلف آراء المحللين حول إن كان استمرار هذا الشلل في غزة قد يؤدي إلى مواجهات جديدة في المستقبل.
لفت مسؤولون في غزة إلى أن القيود الإسرائيلية الصارمة كانت لها آثار سلبية على جميع مناحي الحياة في القطاع الفلسطيني المحاصر، وأدت إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات الفقر والبطالة.
30% فقط من البضائع مسموح بدخولها
يقول رامي أبوالريش، مدير عام التجارة والمعابر في وزارة الاقتصاد الوطني بقطاع غزة، لموقع Middle East Eye: "لا تسمح إسرائيل بدخول أكثر من 30% من كمية البضائع والسلع التي كانت تدخل غزة قبل اندلاع الحرب؛ الأمر الذي تسبب في ارتفاع الأسعار ارتفاعاً جنونياً".
فقد منعت إسرائيل استيراد المواد الخام ومواد البناء والأجهزة والمعدات الكهربائية، وكذلك المعدات الخشبية والمعدنية والبلاستيكية إلى غزة، وفرضت قيوداً صارمة على الصادرات، ولم تسمح إلا بخروج كميات محدودة من المحاصيل الزراعية والأسماك من القطاع الفلسطيني.
وأضاف أبوالريش أن هذه القيود أدت إلى حالة من "الشلل" في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية في غزة؛ ما أدى بدوره إلى تبعات سلبية على عموم السكان، حيث ارتفعت نسبة البطالة إلى 75%.
وبحسب وزارة الاقتصاد في غزة، فقد آلاف العاملين مصادر رزقهم في الأشهر الأخيرة، سواء بسبب تدمير المنشآت التجارية والصناعية أو توقف الإنتاج بسبب الحصار والقيود، فضلاً عن تأثير قيود النقل البحري على حياة الآلاف الذين يعتمدون على العمل في الصيد.
الطاقة الشمسية ممنوعة
وتواجه الشركات الفلسطينية صعوبات بالغة في ظل بقاء البضائع التي طلبتها عالقة على الجانب الإسرائيلي من المعابر. يقول عادل حسين، مدير شركة تعمل في مجال الطاقة الشمسية، لموقع Middle East Eye: "توجد شحنات بضائع كبيرة قادمة لشركتنا وشركات أخرى لا يسمح لها بالدخول، رغم معاناة قطاع غزة بسبب انقطاع التيار الكهربائي وحاجته إلى أنظمة الطاقة الشمسية".
ووفقاً لتقديرات اللجنة الحكومية العليا لإعادة الإعمار في غزة، تقدر قيمة الخسائر والأضرار الناجمة عن الحرب التي استمرت 11 يوماً بحوالي 479 مليون دولار. لكن حسين يقول إنه من الصعب تحديد تكلفة هذه الحرب على المدى الطويل.
وقال: "الخسائر المباشرة لهذه الحرب باتت واضحة، ولكن توجد الخسائر المترتبة على هذا الإغلاق، ولا أحد يتحدث عنها أو يناقشها. ثمة ركود اقتصادي كبير نتيجة قلة البضائع وضعف القوة الشرائية للمواطنين".
إسرائيل منعت المساعدات القطرية منذ عام 2018
وفي الأثناء، تمنع إسرائيل دخول المساعدات القطرية، التي تصل إلى حوالي 30 مليون دولار شهرياً منذ مسيرة العودة الكبرى عام 2018، وهو ما لا يتمكن محمد العمادي، مسؤول اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة، معه من جلب الأموال في حقيبة سفر عبر معبر بيت حانون إيرز.
من جانبها، تقول إسرائيل إنه من الضروري تغيير آليات دخول المساعدات إلى غزة حتى لا تصل إلى حركة حماس، وهي التغييرات التي ترفضها حتى الآن الحركة الفلسطينية، التي هي الحزب الحاكم الفعلي لقطاع غزة منذ الصراع المسلح الذي خاضته مع خصمتها السياسية حركة فتح عام 2007.
وقد تضررت بلدية مدينة غزة، وهي الأكبر في قطاع غزة، على وجه الخصوص من القيود المفروضة على الواردات.
لا أمر أنجز في عملية إعادة الإعمار
فوفقاً لوزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة، دُمرت حوالي 1.800 وحدة سكنية، فيما لحقت أضرار جزئية بحوالي 16.800 وحدة سكنية. ومن بين المباني التي طالها التدمير خمسة أبراج و74 منشأة عامة وحكومية و66 مدرسة وثلاثة مساجد.
وقال عضو المجلس البلدي هشام سكيك لموقع Middle East Eye إن 13 مشروعاً للبنية التحتية توقفت بعد اندلاع الحرب.
وقال سكيك إن "تشديد القيود على معبر كرم أبوسالم، المعبر التجاري الوحيد إلى غزة، تسبب أيضاً في تعطيل إطلاق حوالي 16 مشروعاً للبنية التحتية مُولت ووُقعت عقودها منذ عامين".
وأضاف أن البلدية لم تتلقَّ بعد الكثير من المساعدات الدولية لإصلاح الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية جراء الغارات الجوية الإسرائيلية في مايو/أيار، والتي تقدر تكلفتها بـ20 مليون دولار.
أما ابوالريش فيرى أن "الأفق مسدود". وفي ظل تدهور الوضع في غزة يوماً بعد يوم، لا يرى أي مؤشر على حدوث انفراجة قريباً.
حماس ترفض الضغوط لإطلاق سراح السجناء.. فهل تندلع حرب جديدة في غزة؟
يسود الاعتقاد بأن القيود الصارمة التي تفرضها إسرائيل على الواردات إنما هي ضغط متعمد على حماس لإطلاق سراح أربعة إسرائيليين، اثنان منهم لقيا حتفهما، يُعتقد أن الحركة الفلسطينية في غزة تحتجزهما أو تحتجز جثتيهما.
ونبّه المتحدث باسم حماس عبداللطيف القانوع إلى أن "فرض قيود جديدة على غزة لن يؤدي إلا إلى انفجار في وجه الاحتلال".
على أن المحلل السياسي الفلسطيني حسن عبده يستبعد تجدد المواجهات العسكرية واسعة النطاق مع إسرائيل في المدى القريب.
وقال: "الواقع على الأرض في غزة بعد الحرب الأخيرة لا يصلح لجولة جديدة من المواجهة المسلحة، والحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نفتالي بينيت حكومة (هشة) تخشى أن تؤدي أي مواجهة مع غزة لانهيارها".
على أن عبده لم يستبعد احتمال أن تؤدي القيود الإسرائيلية المستمرة على غزة إلى عودة ظهور "أنشطة مسيرة العودة الكبرى، وظهور أشكال جديدة من مقاومة الاحتلال".