في 6 نقاط.. لماذا تعاني تونس في جني ثمار ديمقراطيتها الاستثنائية التي مر عليها 10 سنوات؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/30 الساعة 10:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/30 الساعة 10:19 بتوقيت غرينتش
أرشيفية/ الأناضول

على مدى السنوات العشر التي انقضت منذ اندلاع الثورة التونسية ضمن الربيع العربي، كثيراً ما مُدحت تونس باعتبارها قصة النجاح الوحيدة التي خرجت سالمة من تلك الحقبة من الاضطرابات. لقد نبذت التطرف والحرب الأهلية المفتوحة، وتجنبت الانهزام للثورة المضادة، حتى إن قادتها المدنيين فازوا بجائزة نوبل للسلام لنجاحهم في بناء إجماعٍ يكفل الاستقرار للبلاد.

لكن مع ذلك، وعلى كل الثناء الذي حظيت به، فإن تونس، الدولة الصغيرة ذات التعداد السكاني الذي لا يزيد على 11 مليون نسمة، لم تنجح قط في حل المشكلات الاقتصادية الخطيرة التي أدَّت إلى الثورة في المقام الأول.

الدعم الغربي للديمقراطية التونسية كان فقيراً

وفي هذا السياق، يقول مراقبون ونشطاء لصحيفة The New York Times الأمريكية، إن تونس لم تتلق قط الدعم الكامل من الداعمين الغربيين، وهو الشيء الذي لو تحقق لربما ساعدها في إتمام انتقال حقيقي من حالة انعدام المساواة التي هيمنت عليها في عصر الديكتاتورية إلى ديمقراطية مزدهرة تفي بوعودها. بدلاً من ذلك، وفي المراحل الحاسمة التي مرَّت بها جهود تونس لإعادة تشكيل نفسها، تجاهلَ الغرب عديداً من احتياجاتها، والدافع الأبرز إلى ذلك هو طغيان محاربة الإرهاب على جميع الأولويات الأخرى للبلاد.

الآن، وبينما يحاول التونسيون استيعاب ما يحدث في ظل الاضطرابات الأخيرة، التي بدأت مع إقالة الرئيس التونسي قيس سعيد لرئيس الوزراء وتجميده لعمل البرلمان، يبدو أن أكثر الناس منقسمون بين إدانة قراراته وتأييدها.

افترقت الأحزاب السياسية حول شرعية استئثار سعيد بالسلطة التنفيذية للبلاد، في حين دعا ناشطون ومنظمات حقوق إنسان، بدافعٍ من تصميمهم على الحفاظ على سيادة تونس والحفاظ على أهداف ثورة 2011، العالمَ الخارجي إلى مواصلة المتابعة والمراقبة لخطوات الرئيس التونسي.

استياء داخلي كبير يُنذر بوقوع انفجار

مع ذلك، تبرز حقيقةٌ تشير إلى مدى سوء الأمور، وهي واقع أن التونسيين في غاية الاستياء من قادتهم في ظل الأزمة الاقتصادية العميقة والموجة الكارثية من اجتياح فيروس كورونا التي يرفعها البعض ذريعةً لتبرير قبضة أقوى على السلطة في البلاد.

في إشارة إلى هذا التناقض، يقول فاضل كعبوب، وهو أستاذ مشارك بقسم الاقتصاد في جامعة دينيسون بولاية أوهايو الأمريكية: "لقد أحرز التونسيون تقدماً هائلاً على جبهة الحريات والجبهة السياسية على الرغم من كل الأزمات. لكن ما بقي على حاله تقريباً هو نموذج التنمية الاقتصادية نفسه الذي أنتج عدم المساواة، والذي أنتج أزمة الديون، التي أفضت إلى التفاوت الاقتصادي الاجتماعي، الذي انتفض ضده الشعب".

ينتمي كعبوب إلى عدد متزايد من التونسيين الذين ما انفكوا يتساءلون عن قواعد اللعبة الغربية التي خضع لها كثير من البلدان التي انتقلت من الاستبداد إلى الديمقراطية. ويقول هؤلاء إن هذا النهج تمخَّض عنه في كثير من الأحيان حكم أقلية تهيمن فيه فئة صغيرة على السلطات، أو ثورات مضادة تطيح بمكتسبات الثورة. وفي الدول ذات الأسواق الناشئة، أدى هذا المسار إلى ازدهار اقتصادي مؤقت أعقبته عودة إلى حالة التردي التي كانت عليها اقتصادات تلك البلدان.

يقول كعبوب إن الواقع في تونس كان "أزمة كاملة على مستوى الجبهة الاقتصادية"، وهي أزمة تتفاقم نُذرها منذ فترة طويلة.

الديون الخارجية 

أكبر مشكلة تواجهها البلاد هي ديونها الخارجية الموروثة عن عقد الديكتاتورية السابق؛ إذ لخدمة هذه الديون وسداد أقساطها، اضطرت الحكومات المتعاقبة إلى التركيز على جمع أكبر قدر ممكن من العملة الأجنبية.

ومنذ سبعينيات القرن الماضي، وقعت تونس في فخ تنموي شائع بين النموذج الاقتصادي الشمالي والنموذج الاقتصادي الجنوبي في العالم: البلدان الفقيرة تصدِّر المنتجات الزراعية أو المواد الخام بأثمان رخيصة، فيما تضطر إلى استيراد الطاقة والسلع الصناعية الأغلى ثمناً من البلدان الثرية. وكانت النتيجة حفرةً وقعت فيها تونس، وبات عصيَّاً عليها الخروج منها.

على الرغم من الدعوات التي أعقبت الثورة التونسية من الحكومة الجديدة بشطب "الديون البغيضة"، وهو مصطلح يُستخدم للإشارة إلى الالتزامات المالية التي تُثقل بها الأنظمة الاستبدادية كاهل بلدانها، ويرى كثيرون أنها لا ينبغي أن تكون ملزمة، فإن المشرعين في تونس اختاروا عدم الاصطدام بالدائنين الأوروبيين بالدرجة الأولى، خشية تعكير العلاقات.

كما لم يُبذل سوى القليل من الجهود لتغيير هيكل الاقتصاد التونسي، الذي يعتمد على الاستيراد أكثر من التصدير، وغالباً ما كان ذلك مدفوعاً بمصالح خاصة لأشخاص وجهات تحتكر استيراد سلع معينة.

البرامج الاقتصادية المختلة

وهكذا، بدلاً من زراعة القمح لإطعام سكانها، تستخدم تونس مياهها وأخصب أراضيها لزراعة الفراولة من أجل التصدير. ويقول كعبوب إن البلاد تستورد الوقود والغذاء لدعم صناعة السياحة فيها، حتى بعد أن أوصلها الإرهاب والجائحة إلى حالة من الشلل.

وقال محمد ضياء الهمامي، أستاذ العلوم السياسية الذي عُني بدراسة التحول التونسي دراسة وثيقة، إن البرامج الاقتصادية التي قُدِّمت كانت مماثلة لتلك التي اسُتخدمت في دول أوروبا الشرقية بعد التخلّي عن الشيوعية، وكان بها العديد من العيوب نفسها.

يشير الهمامي إلى أن تلك البرامج "لم تضع ما يمنع صعود حكم الأقلية. ومن ثم لا غرابة في أن نرى مشكلات مماثلة؛ لأن السياسات هي نفسها" التي استخدمت من قبل.

الإدراك الغربي الهشّ لتونس

فيما يتعلق بالأسباب، قالت مونيكا ماركس، وهي أستاذة بقسم سياسات الشرق الأوسط في جامعة نيويورك أبوظبي، ولديها خبرة طويلة في الشؤون التونسية، إن المسؤولين الغربيين ندرت بينهم المعرفة بالبلاد وظروفها، ما أعاق تقديم مساعدة ذات مغزى.

وأشارت مونيكا إلى أنها "لاحظت فوراً في عام 2011، أن الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية الأخرى لا تعرف شيئاً تقريباً عن السياسة التونسية".

وأوضحت مونيكا أن القضايا الهيكلية، مثل إصلاح قطاع الأمن والإصلاح القضائي وإصلاح وسائل الإعلام ومواجهة عوامل انتشار البطالة بين الشباب، كان ينبغي أن تكون محور التركيز الرئيس لعملية الانتقال، بعد أن أطاحت الانتفاضة الشعبية بحكم بن علي الذي استمر 23 عاماً.

على خلاف ذلك، كان المسؤولون الغربيون مهووسين بالقلق من الإسلاميين- أي حزب النهضة الذي اكتسح الانتخابات الأولى- وإلى أين يتجهون بالبلاد وما يمثله حكمهم لها.

لاحقاً، ركز المسؤولون الغربيون على بناء إجماعٍ بين القادة السياسيين في تونس، وحصلت أربع منظمات تونسية ("رباعي الحوار التونسي": الاتحاد التونسي العام للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للمحامين في تونس) على جائزة نوبل للسلام في عام 2015 لإسهامها في بناء المناخ الديمقراطي في تونس بعد الثورة.

الحرب على الإرهاب

مع ذلك، شهدت البلاد سلسلة من الاغتيالات السياسية والهجمات الانتحارية التي حطمت تفاؤل التونسيين، وكادت تُخرج البلاد عن مسار التحول الديمقراطي. ووجهت الخسائر البشرية في حوادث إطلاق نار على سياح أجانب ضربةً قوية لاقتصاد البلاد المتعثر بالفعل، لا سيما بعد عصفها بصناعة السياحة المربحة وبالاستثمارات الأجنبية التي كانت البلاد في أمسِّ الحاجة إليها.

تدخلت الولايات المتحدة بدعم أمني، ومشاركة بارزة على مستوى مكافحة الإرهاب؛ حيث قامت بتدريب قوات الأمن التونسية ومساعدتها وتزويدها بالمعدات العسكرية. وبحلول عام 2019، كان نحو 150 أمريكياً يُدربون ويُقدمون المشورة لنظرائهم التونسيين، وتظهر بيانات حكومية أن قيمة الإمدادات العسكرية التي سلمتها الولايات المتحدة إلى البلاد ارتفعت من 12 مليون دولار في عام 2012 إلى نحو 119 مليون دولار في عام 2017.

عاونت المساعدات تونس في هزيمة التهديدات الإرهابية، لكن وزراء في حكوماتها أشاروا إلى أن تكلفة مكافحة الإرهاب أحدثت عجزاً أكبر في الميزانية الوطنية.

ويقول كعبوب، أستاذ الاقتصاد، إن هيكل الاقتصاد التونسي يظل أصل المشكلة. بالإضافة إلى أن جميع الأحزاب التونسية ترفع خططاً اقتصادية متطابقة، وهي خططٌ قائمة على إرشادات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فيما يشير كعبوب إلى أنها الهيئات الدولية نفسها التي اعتمد عليها بن علي لتطوير اقتصاد البلاد، ومع ذلك فقد أنتجت المشكلات التي أطاحت به في النهاية.

ولفت كعبوب، منتقداً، إلى أن "الجميع الآن في تونس يتوسَّلون من أجل الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، ويتطلع الجميع إليه على أنه الحل للأزمة. لكن حقيقة الأمر أنه فخ. إنه ليس إلا ضمادة أولية، فيما لا تزال الإصابة الملتهبة نفسها موجودة" دون علاج.

تحميل المزيد