يمثل الانتعاش المأمول في التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران واحداً من أهم العوامل المحفزة لطهران لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، الذي قد يعني تخفيف العقوبات الأمريكية على إيران.
ومن المُتوقَّع استئناف المفاوضات لاستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) في أغسطس/آب المقبل، بعد تنصيب الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي. ومن المُرجَّح أن تضم الإدارة المقبلة شخصياتٍ انتقدت جهود الرئيس الحالي حسن روحاني لتطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية مع الغرب.
ومع ذلك، فإن القيمة الاستراتيجية للاتفاق النووي، والحاجة إلى تخفيف الضغط على اقتصاد إيران الراكد، يجب أن تجبرا الإدارة الجديدة على أن تكون براغماتية، وأن تعقد صفقةً تمكِّن الولايات المتحدة من العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
ستشهد هذه الخطوة إزالة واشنطن للعقوبات الثانوية التي فرضها دونالد ترامب، الذي دفع الاقتصاد الإيراني إلى ما يقرب من ثلاث سنواتٍ من الركود الاقتصادي. وبالتوازي مع ذلك، ستعود إيران إلى الامتثال للضوابط المفروضة على برنامجها النووي بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة.
ومع استمرار المفاوضين في فيينا في الضغط من أجل تحقيق تقدُّمٍ دبلوماسي، يبحث المسؤولون في جميع العواصم الأوروبية كيفية إحياء التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران بعد رفع العقوبات الأمريكية الثانوية، حسبما ورد في تقرير Responsible Statecraft.
الشركات الأوروبية حذرة من التجارة مع إيران
هناك خطواتٌ واضحة يمكن للحكومات اتِّخاذها بالفعل لتشجيع هذه التجارة والتعامل مع حذر قادة الأعمال الأوروبيين بشأن استئناف التجارة مع إيران.
ولكن، على عكس الفترة التي سبقت تخفيف العقوبات في يناير/كانون الثاني 2016، فإن تجربة حملة "الضغط الأقصى" لإدارة ترامب جعلت الشركات تشعر بالقلق من استمرارية الصفقة النووية وموثوقية تخفيف العقوبات. أصبح لدى الشركات الآن فهمٌ أوضح بأن تخفيف العقوبات لا يعني رفع الحواجز أمام ممارسة الأعمال التجارية في إيران، إذ ستستمر التحديات المصرفية على وجه الخصوص حتى إذا أُزيلَت العقوبات.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد أعلن الإثنين 22 أبريل/نيسان 2019، وقف إعفاءات شراء النفط الإيراني، وتوعَّد بفرض عقوبات على الدول الحليفة، في حال واصلت شراء النفط الإيراني.
وهذا قد يكون نكسة للاتفاق النووي الإيراني
وإذا ثبت أن الانتعاش في التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران مخيِّبٌ للآمال، فسوف يكون الاتفاق النووي المُعاد إحياؤه ضعيفاً. ويمكن لطهران، ربما بشكلٍ مُبرَّر، أن تستشهد بالفشل في تنفيذ الالتزامات الاقتصادية من جانب الغرب.
وفي الواقع، حذَّرَ كبار المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم المرشد الأعلى، علي خامنئي، بالفعل من أنه يجب "التحقُّق" من تخفيف العقوبات، بما يعني التحقُّق من أن الفوائد واضحة في "الممارسة العملية" وليس "على الورق فقط".
وتشير بيانات التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران إلى أن مثل هذه السيناريوهات منخفضة التوقُّعات مؤكَّدة.
كيف تطورت التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران بعد الاتفاق النووي؟
كانت التجربة الأخيرة، التي بدأت في يناير/كانون الثاني 2016 بعد توقيع الاتفاق النووي الإيرامني، تمثِّل انتعاشاً كبيراً في التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران.
وبالنظر إلى البيانات التي جمعتها يوروستات، المديرية العامة التابعة للاتحاد الأوروبي والمعنية بتزويده بالإحصاءات على المستوى الأوروبي، لفترة 24 شهراً بعد تخفيف العقوبات، ارتفعت صادرات الاتحاد الأوروبي الشهرية إلى إيران بنسبة 47%، بينما ارتفعت واردات الاتحاد الأوروبي من إيران بنسبة 560%، مدفوعةً بشراء الزيوت المعدنية الإيرانية، بما في ذلك النفط الخام. في ذلك الوقت، كانت الشركات الأوروبية على درايةٍ تامة بالفرص التي يوفرها تخفيف العقوبات بالنظر إلى حجم السوق الإيرانية، وتوقَّعوا أن يكون تأمين الخدمات القانونية والمصرفية اللازمة لإجراء الأعمال التجارية مع إيران أمراً سهلاً.
منذ ذلك الحين، أدَّت حملة الضغط الأقصى إلى تدهورٍ كبيرٍ في التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران.
وتُظهِر فترة الـ24 شهراً حتى أبريل/نيسان 2021 أن الصادرات الشهرية من الاتحاد الأوروبي إلى إيران بلغت في المتوسط 63% فقط من المستوى الذي شُهِدَته في العامين حتى يناير/كانون الثاني 2016. وبلغت الواردات 61% فقط من المستوى في نفس الفترة.
ولكن ماذا عن الوضع حالياً إذا خففت أمريكا العقوبات؟ الأمر سيكون مجزياً للإيرانيين
توفِّر الزيادات السابقة البالغة 47% و560% خط الأساس لفهم تأثير تخفيف العقوبات الثانوية. لحساب كلا الاحتمالين، يمكن أن يؤخَذ بعين الاعتبار السيناريوهات المتشائمة والمتفائلة التي سيكون فيها ارتفاع التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران 80% و120% على التوالي من خط الأساس هذا. بالنظر إلى هذه السيناريوهات، يتضح أن التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران من غير المُرجَّح أن تتعافى إلى المستويات التي شُهِدَت في الفترة الأوَّلية لتخفيف العقوبات.
في السيناريو المتشائم، بعد 24 شهراً من رفع العقوبات، سيبلغ متوسط صادرات الاتحاد الأوروبي الشهرية إلى إيران 457 مليون يورو.
وفي السيناريو المتفائل، يرتفع هذا إلى 520 مليون يورو -وهو رقمٌ لا يزال أقل بكثير من متوسط 648 مليون يورو الذي حُقِّقَ في الفترة الأوَّلية لتخفيف العقوبات المتعلِّقة بخطة العمل الشاملة المشتركة.
وتشير الواردات إلى قصةٍ مماثلة: بعد 24 شهراً من تخفيف العقوبات، سيتراوح متوسط واردات الاتحاد الأوروبي الشهرية من إيران 329 مليون يورو، و463 مليون يورو، اعتماداً على السيناريو الذي سيُطبَّق. لكن هذا يظلُّ منخفضاً بشكلٍ كبير عن متوسط واردات الاتحاد الأوروبي البالغة 648 مليون يورو في العامين التاليين لتخفيف العقوبات في 2016.
ستعتمد الكثير من الأمور على ما إذا كان الأوروبيون سيستأنفون شراء النفط الإيراني، لأن هذا من شأنه أن يمنح إيران الوسائل المالية لشراء البضائع الأوروبية. في العامين اللذين سبقا يناير/كانون الثاني 2016، عانت إيران من متوسط عجز تجاري شهري كبير بلغ 128 مليون يورو، وهو ما عَكَسَ جزئياً الطلب القوي على السلع الصناعية الأوروبية بعد سنواتٍ من نقص الاستثمار المرتبط بالعقوبات.
في السيناريو المتفائل المُوضَّح أعلاه، سيتقلَّص العجر التجاري الإيراني إلى 57 مليون يورو، وهو ما يُعَدُّ انخفاضاً يعتمد على زيادةٍ حادة في الواردات الأوروبية من النفط. وبدون ذلك، لا تمتلك إيران تسهيلاتٍ كبيرة لتمويل تجارتها مع أوروبا. وهذا فقط واحدٌ من عدة حواجز هيكلية مُحتَمَلة أمام نمو التجارة بين الطرفين.
ستتطلَّب استعادة التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران إلى المستويات التي شُهِدَت في الفترة الأوَّلية لتخفيف العقوبات ذات الصلة بالاتفاق النووي، تدخُّلاتٍ سياسية قوية.
مكانة مخيبة
في غضون ذلك، ستكون للتجارة مع إيران أهميةٌ اقتصادية أقل مِمَّا قد يوحي به الحجم الكبير للاقتصاد الإيراني وقرب البلاد من أوروبا. في ظلِّ السيناريو المتفائل، ستبلغ الصادرات الأوروبية السنوية إلى إيران حوالي 6.2 مليار يورو، في حين أن الواردات من إيران ستبلغ 5.6 مليار يورو، وبذلك سوف تحتل إيران مرتبةً مخيَّبةً للآمال في مكانٍ ما بين الفلبين وباكستان بين شركاء أوروبا التجاريين، حسب الموقع الأمريكي.
ومع ذلك، من وجهة نظرٍ سياسية وأمنية، لا توجد علاقةٌ ثنائية مع الاتحاد الأوروبي يمكن أن يثبت فيها انخفاض حجم التجارة أهميةً غير متناسبةٍ في تعزيز العلاقات الدبلوماسية وتوطيد إنجازات عدم انتشار الأسلحة النووية.
يبدو من المُحتَمَل أن تظل الإمكانات الاقتصادية الهائلة لإيران غير مُستغلَّة من جانب معظم الشركات الأوروبية على المدى القصير. ومع ذلك، يجب على الأوروبيين تكثيف دبلوماسيتهم الاقتصادية.
يقول موقع Responsible Statecraft تستحق الشركات الأوروبية التي تستأنف التجارة مع إيران الدعم الكامل من حكوماتها، إذ أن مليارات اليوروهات من السلع والخدمات التي تتبادلها ستخلق الأساس لعلاقاتٍ بنَّاءة بين الاتحاد الأوروبي وإيران. بدون هذا الأساس، ستجد الشخصيات المؤيِّدة للصفقة داخل إيران، بما في ذلك الإدارة الجديدة، صعوبةً أكبر في الدفاع عن مسألة الحفاظ على الاتفاقية على المدى الطويل.