يبدو أن دراما فترة رئاسة دونالد ترامب المليئة بالفضائح داخلياً وخارجياً لن تشهد نهايةً وشيكة، رغم أن الرجل أصبح رئيساً سابقاً، حيث أثار اتهام حليفه توم باراك بالعمل كوكيل للإمارات مخاوف من أن ما خفي أعظم.
وتوماس -توم- باراك هو ملياردير وصديق للرئيس السابق ترامب، وكان قد ألقي القبض عليه بتهمة "التخابر" مع قادة الإمارات والعمل لتوظيف السياسة الخارجية الأمريكية لخدمة أغراض أبوظبي، لكن القضية فجّرت تساؤلات أكثر عمقاً بشأن كواليس السنوات الأربع التي قضاها ترامب ودائرته المقربة في البيت الأبيض.
ونشرت صحيفة New York Times الأمريكية تقريراً بعنوان "هل كان هناك وكيلٌ أجنبي داخل دائرة ترامب الداخلية؟"، تناول علاقات ترامب مع روسيا والسعودية، بخلاف الإمارات، وسط مطالبات بالكشف عن المزيد من كواليس رئاسته المليئة بالفضائح.
القبض على باراك ليس مفاجأة
تمتد صداقة باراك مع ترامب لما يقرب من أربعة عقود، وكان رئيساً لحفل تنصيب الرئيس السابق، وتم إلقاء القبض عليه الثلاثاء 20 يوليو/تموز بموجب لائحة اتهام شملت سبع مواد.
وجاء في لائحة الاتهام التي قدمها المدعون الاتحاديون في بروكلين بنيويورك أن باراك، وموظفاً سابقاً، ورجل أعمال إماراتياً لم يسجلوا أنفسهم لدى السلطات الأمريكية باعتبارهم من أفراد جماعات الضغط، واستغلوا نفوذهم لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للإمارات في الولايات المتحدة.
ويواجه باراك، الذي ألقي القبض عليه في لوس أنجلوس، أيضاً تهم الكذب مراراً على مكتب التحقيقات الاتحادي خلال مقابلة حول تعاملاته مع الإمارات. وفي وقتٍ من الأوقات، كانت فكرة اتّهام رئيس لجنة تنصيب الرئيس السابق بأنه وكيلٌ لقوةٍ أجنبية ستثير ضجةً هائلة في الأخبار.
لكن فترة رئاسة ترامب المليئة بالفضائح قد جعلت من القبض على مستثمر العقارات الملياردير توم باراك -أحد أكثر من جمعوا الأموال لصالح ترامب- بتهمة التصرف كوكيل غير مسجل للإمارات وغيرها من الجنح، تبدو أشبه بقصةٍ اعتيادية.
إذ كان باراك يُوصف بأنه الصديق المقرب للرئيس السابق. وإن لم تكُن تعرف شيئاً عن باراك سوى هذه المعلومة، فربما ستكون قد خمّنت أنّ المطاف سينتهي به إلى السجن قريباً.
ورغم ذلك، ما يزال القبض على باراك خبراً مهماً. لأنّ تعاملات ترامب مع الإمارات والسعودية تستحق التحقيق الدقيق، كما كان الحال في تعاملات إدارته مع روسيا. لكن ذلك لم يحدث حتى الآن.
الحقائق الغائبة عن رئاسة ترامب
فحين أدلى المستشار الخاص السابق روبرت مولر بشهادته أمام الكونغرس، قال له رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب آدم شيف: "لم نهتم بالسؤال عما إذا كانت الإغراءات المالية من أي دولة خليجية تُؤثّر على السياسة الأمريكية، لأنه تساؤلٌ بعيدٌ عن الزوايا الأربع لتقريرك. لذا علينا أن نكتشف بأنفسنا". لكننا لم نفعل بعد.
ولنتذكر أن روسيا لم تكن الدولة الوحيدة التي أرسلت مبعوثين إلى برج ترامب أثناء حملته الانتخابية، حتى يعرضوا تقديم المساعدة الانتخابية. ويتطرّق تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ من الحزبين -حول التدخل الروسي في الانتخابات- إلى اجتماعٍ جرى في أغسطس/آب عام 2016 داخل برج ترامب.
وتضمّنت قائمة المدعوين حينها دونالد ترامب الابن، ومستشار ولي العهد محمد بن زايد آنذاك جورج نادر، ومالك شركة الاستخبارات الإسرائيلية الخاصة Psy-Group جويل زامل.
وذكر تقرير مجلس الشيوخ التالي: "وجّه زامل سؤاله إلى ترامب الابن حول ما إذا كانت حملة الشبكات الاجتماعية المدفوعة من نادر لصالح شركة Psy-Group ستُمثّل تداخل مصالح بالنسبة لحملة ترامب. ووفقاً للزامل، أوضح ترامب الابن أنّ هذا الأمر لن يُمثّل تداخل مصالح".
وقد أخبر زامل اللجنة بأنّ شركته لم يسبق لها ممارسة أعمالٍ كهذه فعلياً، بحسب التقرير الذي ذكر: "ومع ذلك، وكما سيُوصفَ أدناه، فقد نفّذ زامل بعض الأعمال نيابةً عن نادر -وتقاضى عنها زهاء المليون دولارٍ أمريكي" بحسب التقرير. وقد زعم زامل أنّ المبلغ المدفوع كان مخصصاً لتحليل الشبكات الاجتماعية، لكن التقرير قد اختفى تماماً بعد المظاهرات.
كيف أدارت الإمارات السياسة الخارجية الأمريكية؟
وفي حال ثبتت صحة المزاعم الواردة في لائحة اتهام باراك، فهذا سيعني أنّ مستشاراً إماراتياً كان يُقدم المساعدات الانتخابية لحملة ترامب، بينما كان هناك وكيلٌ إماراتي يُساعد أيضاً في صياغة سياسة ترامب الخارجية، لدرجة أنه أدخل لهجة بلاده المفضلة في أحد خطابات المرشح الرئاسي.
ويقول المدعون إنّ باراك قال لشخصٍ رفيع المستوى (سمّوه "المسؤول الإماراتي الثاني") إنه قد عيّن رجاله داخل حملة ترامب. وحين سأل مسؤولٌ إماراتي باراك إن كانت لديه معلومات حول كبار المعينين لدى ترامب، زعم باراك أنه أجاب قائلاً: "نعم"، ثم أردف أنهم يجب أن يتحدثوا عبر الهاتف. ويُقال إنه سافر إلى الإمارات لوضع استراتيجية مع قياداتها حول ما يريدونه من الإدارة الأمريكية خلال المئة يوم الأولى، والشهور الستة الأولى، والعام الأول، والفترة الرئاسية الأولى.
وخلال الأشهر الأولى من إدارة ترامب، يقول المدعون إنّ وكيلاً إماراتياً آخر يُدعى راشد سلطان راشد المالك الشحي -المدان أيضاً- قد راسل باراك نصياً ليقول: "رجالنا بحاجةٍ لمساعدتك. وكانوا يأملون أن تُدير جداول أعمالنا بشكلٍ رسمي". ونقلت لائحة الاتهام أن باراك أجاب قائلاً: "سوف أفعل". وقد وصف باراك في وقتٍ لاحق الشحي بأنه "السلاح السري لتدشين خطة أبوظبي" على يد ترامب، وفقاً للتقرير.
وطوال فترة رئاسته، كان ترامب أكثر الحلفاء توافقاً مع الإمارات والسعودية، التي كان ولي عهدها محمد بن سلمان ممن تتلمذوا على يد الشيخ محمد بن زايد، بحسب وصف تقرير نيويورك تايمز. وجاءت أولى زيارات ترامب الخارجية إلى السعودية. ثم انسحب من الاتفاق النووي الإيراني، المكروه من جانب قادة دول الخليج.
كيف وظف ترامب الفيتو الرئاسي؟
كما كانت القضايا المتعلقة بالإمارات والسعودية هي المسؤولة عن خمس من أصل 10 مرات شهدت استخدام ترامب لحق الفيتو. والأبرز أنه تجاوز محاولة الكونغرس لإنهاء التورط العسكري الأمريكي في اليمن، حيث كانت السعودية والإمارات تُحاربان على جانبٍ واحد في الحرب الأهلية الوحشية.
ووفقاً لكتاب "الغضب Rage" الذي كتبه بوب ودورد، فقد تفاخر ترامب ذات مرة بأنه "أنقذ حياة" ولي العهد السعودي بعد مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي الذي أثار جدلاً واسعاً.
وليس هناك سببٌ لنعزو كل اهتمام ترامب إلى باراك. حيث إنّ ترامب يحب ويحترم الطغاة اللامعين، ولديه مصالحه المالية الخاصة في الإمارات. إذ قدّم باراك جاريد كوشنر إلى بعضٍ من شركائه الخليجيين، لكن كوشنر كانت لديه أسبابه الخاصة للسعي وراء التحالف معهم، ومنها خاصةً الضغط من أجل إقناع المزيد من الدول الإسلامية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ومع ذلك، إذا تبيّن أن فرداً في دائرة ترامب الداخلية كان وكيلاً إماراتياً؛ فهذا أمرٌ جلل. لأنّه سيكون تذكيراً بكل الأشياء التي لا نزال لا نعلمها حول ما أثّر على السياسة الخارجية لأكثر فترة رئاسة فاسدة في التاريخ الأمريكي.
وفي يونيو/حزيران عام 2018، نقلت صحيفة The Times البريطانية أنّ شركة باراك قد "جمعت استثمارات بأكثر من سبعة مليارات دولار منذ فوز ترامب بالترشّح"، وربعها تقريباً من الإمارات أو السعودية.
وقد تنحّى باراك عن دوره التنفيذي في تلك الشركة في مارس/آذار الماضي، ولكنه قال في الأسبوع الماضي لقناة Bloomberg Television الأمريكية إنّ الإماراتيين سيكونون من بين مستثمريه في مشروعٍ جديد يتضمن "منتجعات عملاقة، وصناعة الضيافة المتعلقة بالرفاهية والصحة على حدٍ سواء".
وتقول صحيفة نيويورك تايمز إن الأمريكيين يستحقون معرفة ما إذا كان باراك قد باع لمستثمريه نفوذاً فعلياً على السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وربما يكون سوق فضائح ترامب مكتظاً بالبضائع، ولكن حين يتعلّق الأمر بدور الأموال الأجنبية في الإدارة السابقة؛ فما تزال هناك الكثير من الألغاز.