هل تؤثر حرارة الصيف على معدلات الإصابة بالوباء؟ نعم، ولكن ليس كما توقع ترامب

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/23 الساعة 10:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/23 الساعة 10:37 بتوقيت غرينتش
الهند تسجل أرقاماً قياسية في أعداد ضحايا كورونا - رويترز

كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد توقع أن تقضي درجات الحرارة العالية على وباء كورونا، لكن ذلك لم يحدث. فما مدى تأثير المناخ الصيفي على انتشار العدوى؟

ترجع قصة الربط بين ارتفاع درجات الحرارة "واختفاء فيروس كورونا" إلى الأول من فبراير/شباط 2020، عندما أعلن الرئيس السابق دونالد ترامب للمرة الأولى أن "الفيروس سوف يختفي مع انتهاء فصل الشتاء وارتفاع درجات الحرارة"، متوقعاً أن ذلك سيكون في شهر أبريل/نيسان من العام الماضي.

وكرر ترامب نبوءته نحو 40 مرة، لكنها بالطبع لم تتحقق حتى اليوم؛ إذ تستمر الجائحة في الانتشار وحصد الأرواح، على الرغم من مرور أكثر من 19 شهراً منذ ظهورها في مدينة ووهان الصينية أواخر عام 2019، ولا تزال المعلومات المؤكدة بشأن الفيروس شحيحة في ظل دخول السياسة على خط الأزمة الصحية.

هل يؤثر الطقس على انتشار الفيروس؟

وفي ظل الارتفاعات القياسية في درجات الحرارة التي تشهدها الكرة الأرضية، وتسببت بدورها في مئات الوفيات في كندا والولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، عادت التساؤلات بشأن تأثير الطقس الحار على معدلات انتشار الوباء.

ونشرت صحيفة The Guardian البريطانية تقريراً حول القصة بعنوان "هل الطقس الدافئ يعني احتماليةً أقل للإصابة بكوفيد؟"، ألقى الضوء على آراء خبراء الأوبئة والصحة العامة وأحدث ما توصلت إليه الدراسات في تلك القضية.

ومع ارتفاع درجات الحرارة مؤخَّراً وازدياد عدد الأشخاص الذين يختلطون الآن في الهواء الطلق؛ حيث تم رفع قيود الجائحة في بعض الدول مثل بريطانيا، وهو القرار الذي أثار جدلاً بين رئيس الوزراء بوريس جونسون من جهة وبين عدد كبير من علماء الأوبئة من جهة أخرى، شرح الخبراء للصحيفة مدى تأثير الطقس على انتشار فيروس كورونا.

وتشير الدراسات إلى أن الموسم ودرجة الحرارة، لهما تأثير على انتشار فيروس كوفيد-19، لكن هذا التأثير ليس كبيراً. قال البروفيسور جون إدموندز، عضو المجموعة الاستشارية العلمية لحالات الطوارئ، إن الأدلة أظهرت أن درجات الحرارة الأدفأ أثَّرَت على انتقال العدوى، لكن التأثير كان ضئيلاً.

مناعة جماعية ضد كورونا
أوروبا تسعى للوصول إلى مناعة جماعية ضد كورونا هذا الصيف – رويترز

وقال إدموندز للغارديان، وهو أيضاً عالم أوبئة في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي: "انتقال العدوى في الخارج ضئيلٌ للغاية. يحدث معظم الانتقال في أماكن مغلقة. إذا كان الجو مشمساً في الخارج فسوف تموت الفيروسات بشكلٍ أسرع".

وتوصَّلَت دراسةٌ حديثة قادتها الكلية الإمبراطورية، أُجرِيَت على بياناتٍ أمريكية، إلى أن درجات الحرارة المرتفعة مرتبطة بمعدَّلات انتقال أقل للعدوى، إذا لم تكن هناك تدابير أخرى مُطبَّقة مثل الإغلاق وارتداء الأقنعة الواقية. ووجدت الدراسة أن اختلافاً بمقدار 20 درجة- بين الصيف والشتاء- من المحتمل أن يشهد تغيُّراً في رقم تكاثر الفيروس بمقدار 0.8.

وقالت الدكتورة إيلاريا دوريغاتي، المشارِكة في الدراسة: "من منظور علم الأوبئة، قد يكون هذا التغيير مهماً. لكن في ظلِّ وجود تدخُّلات، تضطلع العوامل المناخية بدورٍ ضئيل". 

لماذا تنتشر الفيروسات في الشتاء؟

لأنه حتى الزيادة الصغيرة في رقم التكاثر الأساسي للفيروس يمكن أن تُحدِث فرقاً، وفقاً لإدموندز، الذي أضاف: "التطعيم أو المناعة الطبيعية ستخفض رقم التكاثر الأساسي لدى السكان. لذا فإن تغييراً طفيفاً يمكن أن يسمح لرقم التكاثر بأن يزيد قليلاً عن 1، أو أقل قليلاً. وفي الشتاء، إذا كان الرقم أعلى بقليلٍ من 1، فإنك تُصاب بأوبئة الشتاء، وإذا كان في الصيف أقل بقليلٍ من 1، فيصبح الانتشار أقل". 

هل تقتل الأشعة فوق البنفسجية فيروس كوفيد-19؟ نعم، ولكن نظراً لأن معظم انتقال الفيروس يكون في أماكن مغلقة، يكون الاختلاف طفيفاً، بحسب إدموندز، الذي أضاف: "الأشعة فوق البنفسجية تقتل الفيروسات. لذا فإن ارتفاع الأشعة فوق البنفسجية ضارٌ بالفيروس، لكن هذا مهم حقاً في الخارج فقط. ونظراً إلى عدم حدوث أيِّ انتقالٍ تقريباً في الخارج على أيِّ حال، فإن هذا لا يحدث فرقاً كبيراً".

كورونا
مخاوف من عودة قوية لفيروس كورونا خلال فصل الشتاء/ رويترز

وقالت الدكتورة دوريغاتي إن دراسة الكلية الإمبراطورية ركَّزَت على درجة الحرارة ولم تنظر على وجه التحديد في الأشعة فوق البنفسجية، لكن دراساتٍ أخرى أجراها البروفيسور ييكون ما، وآخرون بجامعة ييل، وجدت أن معدَّلات الأشعة فوق البنفسجية المرتفعة قد تضطلع بدورٍ في تقليل معدَّلات انتقال العدوى.

هل يؤثِّر نوع الحرارة على قابلية الانتقال؟

أشارت دراسةٌ أجراها علماء في الصين، لم تخضع لمراجعة الأقران بعد، إلى أن معدَّلات الوفيات كانت أقل في الأيام التي كانت فيها مستويات الرطوبة ودرجات الحرارة أعلى. وقالت دوريغاتي إن دراساتٍ أخرى أجراها محمد سجادي وييكون ما، وجدت أن هناك دوراً تقوم به الرطوبة؛ إذ تتزايد قابلية الانتقال مع معدَّلات الرطوبة الأقل؛ مِمَّا يعني أن الحرارة الرطبة قد تقلِّل انتقال العدوى أكثر من الحرارة الجافة.

هل يعني ذلك ألا نقلق بشأن كورونا خلال الصيف؟ باختصار، لا. قال الدكتور ويل بيرس، الباحث الآخر في دراسة الكلية الإمبراطورية، إن الأمر الحاسم هو أن الطقس يمثِّل عاملاً طفيف التأثير في انتشار الفيروس.

وقال: "أودُّ أن أشجِّع الناس بشدة على عدم التفكير في أن الطقس الدافئ بالخارج يعني أنه لا داعي للقلق بشأن كوفيد. لقد رأينا كيف يبدو الوضع في أماكن أدفأ من المملكة المتحدة وفي أماكن أبرد منها. الطقس الدافئ ليس بديلاً عن تخفيف الاحتياطات".

هل اتسفادت أفريقيا من ارتفاع الحرارة رغم النقص الحاد في متطلبات مواجهة جائحة كورونا؟

وقالت كاثلين أورايلي، عالمة الأوبئة في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي: "نأمل أن يكون معظم الناس عاقلين وعمليين. إن الالتقاء في الهواء الطلق سيقلِّل من مخاطر الإصابة بكوفيد-19، لكن البقاء بعيداً عن أشعة الشمس المباشرة، خاصةً في منتصف النهار، لا يزال مهماً. الالتقاء بالناس في أماكن مغلقة مع ضمان التهوية الجيدة سيكون مفيداً للتقليل من مخاطر انتقال العدوى وأيضاً الحفاظ على البرودة".

اللقاحات والإجراءات الاحترازية

وربما تكون السمة الأبرز التي صاحبت ظهور وباء كورونا هي ندرة الإجماع بشأن ما يتعلق به بسبب دخول السياسة والمصالح القومية والزعماء الشعبويين على خط الأزمة الصحية الأخطر عالمياً منذ أكثر من قرن كامل، فحتى الآن لا يزال أصل الفيروس نفسه محل جدال وتبادل للاتهامات بين الدول الكبرى.

وعلى الأرجح لن نعرف أصل القصة ولا كيفية انتقال الفيروس للبشر وما إذا كان فيروساً حيوانياً انتقل للبشر عبر وسيط كالخفافيش أم أنه تسرب من معمل للفيروسات في ووهان، في ظل رفض الصين التحقيق مجدداً في الأمر بناء على طلب دول غربية على رأسها الولايات المتحدة.

وحتى اللقاحات المتعددة التي تم التوصل إليها لم تخلُ من دخول السياسة على الخط، فالدول الغربية تشكك في فاعلية لقاحات الصين وروسيا، بينما تعرض اللقاح البريطاني أسترازينيكا لكثير من حملات التشكيك أيضاً، ومؤخراً طالت تلك الحملات لقاح فايزر الأمريكي أيضاً ومدى قدرته على الوقاية من العدوى من سلالة دلتا الهندية الأكثر خطورة والأسرع انتشاراً.

ترامب يعاقب نائب جمهوري
الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب – رويترز

لكن بشكل عام تظهر التجارب على الأرض أن اللقاحات جميعاً هي خط الدفاع الأكثر نجاحاً ضد الفيروس وتحوراته، وهذا ما عبر عنه الدكتور أشيش جا، عميد كلية الصحة العامة في جامعة براون الأمريكية لشبكة  CNN بقوله: "أفضل البيانات المتاحة حالياً تظهر بوضوح أن جميع اللقاحات توفر درجة عالية من الحماية ضد العدوى، وحماية ممتازة جداً ضد الأعراض الحادة للمرض، فدعونا ننتظر مزيداً من البيانات (قبل القفز إلى أي نتائج). لكن حالياً الشخص الذي يتلقى اللقاح ليس عليه أن يقلق".

ويتفق أغلب المسؤولين عن الصحة حول العالم مع الدكتور أشيش جا في أن التطعيم- بغض النظر عن نوع اللقاح أو جنسيته- هو السلاح الوحيد المتاح حالياً للوقاية من العدوى بالوباء، بغض النظر عن السلالة، سواء كانت "ألفا" أو "دلتا"، كما أن تجارب الدول التي قطعت شوطاً كبيراً في توفير اللقاحات لمواطنيها تشير إلى نفس النتيجة، رغم عودة الإصابات المسجلة للارتفاع أحياناً، لكن تلك الارتفاعات لا تقارن بما كانت عليه الأرقام قبل التطعيم.

الخلاصة هنا هي أن درجات الحرارة العالية خلال فصل الصيف تقلل نسبياً من احتمالات انتقالات العدوى، لكن ذلك لا يعني عدم اتخاذ الإجراءات الاحترازية المعتادة من ارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي، حتى وإن كان الشخص قد تلقى جرعات اللقاح.

تحميل المزيد