أمريكا تريد إنهاء حروبها الأبدية.. لكن ماذا عن العقوبات الاقتصادية التي يعاني منها الملايين؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/23 الساعة 15:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/23 الساعة 17:33 بتوقيت غرينتش
جنود أمريكيون في أفغانستان، رويترز

أصبح مصطلح "إنهاء الحروب الأبدية" هو الأكثر ترديداً على ألسنة السياسيين في أمريكا، جمهوريين وديمقراطيين، لكن لا أحد منهم يتحدث عن العقوبات أو الحرب الاقتصادية، رغم أنها أكثر تدميراً.

والمقصود بالحروب الأبدية بشكل أساسي هي الغزو الأمريكي لأفغانستان الذي دخل عامه العشرين وأوشك الانسحاب -بالطريقة التي أرادها الرئيس جو بايدن- أن يكتمل بالفعل مع نهاية أغسطس/آب المقبل. لكن وجود القوات الأمريكية في الشرق الأوسط يقع أيضاً ضمن مصطلح الحروب الأبدية، وتسعى إدارة بايدن الآن لإنهاء مهامها القتالية في العراق.

وكان إنهاء حروب الولايات المتحدة الأمريكية الأبدية حول العالم وإعادة الجنود إلى البلاد هو حجر الزاوية في البرنامج الانتخابي للرئيس السابق دونالد ترامب، الذي رفع شعار "أمريكا أولا"، بينما رفع بايدن شعار "عودة أمريكا لقيادة العالم"، لكن الأمر المشترك بينهما هو التركيز على الشق العسكري في تلك الحروب، بينما يبدو الشق الاقتصادي غائباً تماماً عن ذلك الجدل.

وفي هذا السياق، نشر موقع Responsible Statecraft الأمريكي تقريراً بعنوان "إنهاء الحروب الأبدية لابد أن يشمل الحرب الاقتصادية"، أعدته عسل راد، خبيرة في تاريخ الشرق الأوسط ومتخصصة بالشأن الإيراني، تناول حروب أمريكا الاقتصادية وتأثيرها المدمر على شعوب الدول المستهدفة؟

العقوبات الاقتصادية على كوبا

يوظف الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء شعار إنهاء الحروب الأبدية بغرض استمالة غالبية الأمريكيين الذين يتمنون أن يروا نهاية للحروب والمغامرات الأمريكية عديمة الجدوى في مختلف أنحاء العالم، واستخدام أموال ضرائبهم التي كدّوا في جنيها على نحوٍ أفضل.

لكن في حين يبدو التفكير البديهي في الحرب باعتبارها تعني التوغلات العسكرية والقنابل والقتال، كثيراً جداً ما يغيب أحد مجالات الحرب الأمريكية عن النقاشات وهو الحرب الاقتصادية.

وربما تكون إحدى أبرز عواقب تجاهل تلك الحرب هي ما تشهده كوبا مؤخراً؛ إذ تواجه كوبا، التي تضربها العقوبات الأمريكية والتأثير الاقتصادي لجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، أسوأ أزمات نقص الغذاء بها منذ 25 عاماً.

يعاني الكوبيون من أزمة غذاء لم تشهدها البلاد من ربع قرن/ رويترز

وكأي شعب في العالم، خرج الكوبيون إلى الشوارع للتعبير عن إحباطاتهم من محنتهم الاقتصادية والاحتجاج ضد حكومتهم، التي أخفقت في معالجة شكاياتهم.

وهنا تبرز مدى سخافة فكرة كون العقوبات الاقتصادية أداة رؤوفة أو بديلاً للحرب، إذ يتنافى ذلك الطرح مع الدلائل التي تُظهِر بوضوح التأثير المدمر للعقوبات الاقتصادية على الناس العاديين الذين يعانون من جرَّاء الدمار الاقتصادي.

ومع أنَّ مسؤولي الحكومة الأمريكية يتحدثون بصورة روتينية عن حقوق الإنسان و"النظام الدولي المُستنِد إلى القواعد"، تواجه سياسة العقوبات والتحركات الأحادية الأمريكية إدانة دولية تقوض تلك المبادئ ذاتها.

وفي حقيقة الأمر، يرى خبراء الأمم المتحدة أنَّ العقوبات الأمريكية ذاتها تنتهك "حقوق الإنسان وقواعد السلوك الدولي". كما تفشل تلك السياسات في تحقيق أهداف سياستها المعلنة، وتخلق معاناة لا حدود لها لملايين الأبرياء، وتتسبب في زعزعة استقرار البلدان المستهدَفة بها.

وفي تغريدة نادرة عن السياسة الخارجية، أعلن الرئيس بايدن "أنَّنا نقف مع الشعب الكوبي"، ونوَّه بـ"معاناته الاقتصادية". لم تفُت المفارقة على الكثير من المعلقين، الذين شهدوا أنَّ الولايات المتحدة رفضت قبل أسابيع –وللسنة الـ29 توالياً- قراراً من الأمم المتحدة لإنهاء الحصار الأمريكي القائم منذ عقود على كوبا، والذي كلَّف الدولة الصغيرة ما يُقدَّر بـ144 مليار دولار وأعاق قدرتها على مكافحة الجائحة.

وعلى الرغم من تصويت المجتمع الدولي بصورة ساحقة لصالح إنهاء الحصار الأمريكي على كوبا، والمستمر منذ ستة عقود كاملة، إذ صوَّتت 148 دولة مقابل دولتين فقط هما إسرائيل والولايات المتحدة، فإن واشنطن لم تغيِّر من موقفها وأبقت على العقوبات.

ماذا حققت العقوبات الأمريكية على إيران؟

ومن الطبيعي أن يشكك الكثيرون في قرار الإبقاء على نفس الموقف السياسي لمدة ستة عقود على الرغم من عدم رؤية أي تغير. وبما أنَّ العقوبات والحرب تسيران كتفاً بكتف، فإنَّ فشل هذه السياسات يمكن أن يؤدي إلى دعوات للتدخل العسكري، مثلما رأينا في حالة غزو العراق عام 2003.

واللافت هنا أنه في حالة كوبا الآن، يوجد بعض الساسة الأمريكيين الصقور الذين يقترحون توجيه ضربات جوية للبلاد.

وكما هو الحال مع كوبا، تخضع إيران للعقوبات الأمريكية منذ عقود، وهي العقوبات التي لم تترك أي أثر يذكر على الحكومة والطبقة السياسية الحاكمة بينما يعاني ملايين الناس العاديين من نتائجها. وتستمر سياسة العقوبات الأمريكية في التعارض مع قيم حقوق الإنسان والتعاون الدولي التي يُفتَرَض أنَّها تؤيدها.

ومع أنَّ إيران جلست على طاولة التفاوض مع الولايات المتحدة في الاتفاق النووي لعام 2015، سرعان ما عادت الولايات المتحدة في عهد ترامب إلى استراتيجية الضغط فقط المألوفة أكثر بالنسبة لها. فقد انسحب ترامب بصورة أحادية من الاتفاق النووي الذي كان سلفه باراك أوباما قد تتوصل إليه مع إيران والقوى الكبرى كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين.

الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي – رويترز

ومجدداً، أدَّت هذه السياسة إلى زيادة التوترات ودفعت الولايات المتحدة إلى حافة الحرب مع إيران. وفي حين كان الرئيس بايدن منتقداً شرساً لسياسة ترامب تجاه إيران وتعهَّد باستعادة الاتفاق النووي حين كان مرشحاً، لم تتخذ إدارته بعد خطوات ملموسة للعودة إلى الاتفاق أو ترفع العقوبات التي اعترف بايدن نفسه أنَّها تعيق قدرة إيران عن مكافحة الجائحة.

وعلى الرغم من عودة الإيرانيين والأمريكيين إلى طاولة المفاوضات، وإن بطريقة غير مباشرة، في فيينا منذ أبريل/نيسان الماضي، وبمشاركة باقي أطراف الاتفاق النووي، إلا أن إعادة إحياء ذلك الاتفاق لا تبدو وشيكة، بسبب رغبة الإيرانيين في تأجيلها لحين تولي إبراهيم رئيسي – الرئيس المنتخب – مهامه رسمياً مع انتهاء ولاية الرئيس الحالي حسن روحاني رسمياً يوم 5 أغسطس/آب المقبل.

لماذا الحرب الاقتصادية أكثر تدميراً؟

ويرى كثير من المراقبين أن السياسات الأمريكية قد عززت التوجهات الإيرانية وأذنت بمجيء إدارة في طهران أقل رغبة في الانخراط مع الولايات المتحدة، بدلاً من تسهيل التعاون.

ومجدداً، دعم المجتمع الدولي الاتفاق النووي وحاول إنقاذه، في حين استعرضت الولايات المتحدة قوتها التي لا تُضاهى كي تمنع بصورة أحادية رفع أي عقوبات عن إيران وتدمير اقتصادها، وهو ما دفع ملايين الإيرانيين إلى الفقر. وكون الولايات المتحدة زادت العقوبات خلال جائحة، وكون إدارة بايدن لم ترفع العقوبات بعد ستة أشهر من توليها الحكم، هو نقطة اختلاف أخرى مع المجتمع الدولي.

العقوبات الأميركية تزيد من تعميق أزمة الإيرانيين

لقد نشأت فكرة إقامة مجتمع الدولي عقب الحرب العالمية الثانية وكان هدفها الأساسي هو حل الصراعات ومنع ويلات الحرب. وهكذا، فإنَّ إنهاء الحروب الأبدية هو مشروع عالمي تلعب الولايات المتحدة فيه دوراً بالغ الأهمية.

ومع ذلك، يمكن رؤية الرفض المتعنت لتعديل السياسة الأمريكية في إصرار الولايات المتحدة على استخدام القوة العسكرية والاقتصادية لإجبار الدول الأخرى على الخضوع بدلاً التعاون.

لكن يتعين على الولايات المتحدة إدراك أنَّه من المستحيل التمسك بفكرة النظام الدولي المُستنِد إلى القواعد وفي نفس الوقت انتهاك توصياته بصورة أحادية، وأنَّه من المستحيل إنهاء الحروب الأبدية طالما لم نعترف بأنَّ الخنق الاقتصادي هو في الواقع حرب.

تحميل المزيد