تأشيرة أمريكا الذهبية للأغنياء فقط.. هل تستطيع واشنطن وقف سيل الأثرياء المريبين الذين يهاجرون إليها؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/07/22 الساعة 10:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/22 الساعة 10:45 بتوقيت غرينتش
سياسات الهجرة الأمريكية تحابي الأثرياء/رويترز

أصبح برنامج التأشيرة الذهبية الأمريكي باباً خلفياً لهجرة أعداد كبيرة من الأثرياء الأجانب الذين يعتقد أن بعضهم مصدر أموالهم مشتبه فيه، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى انتقاد البرنامج والمطالبة بمراجعته.

يأتي ذلك في ظل تصاعد الانتقاد في العالم لمثل هذه البرامج.

فلقد كان لجائحة كورونا دورٌ كبير في تزايد الإقبال على "التأشيرات الذهبية" أو "جوازات السفر الذهبية" -وهي التأشيرات وجوازات السفر التي تمنحها بعض البلدان للمواطنين الأجانب الأثرياء مقابل استثمارات كبيرة لهم في البلاد بصرف النظر عن مصادر ثرواتهم- على مدى السنة الماضية.

ازدهر سوق التأشيرات الذهبية بفضل الأعداد غير المسبوقة للمتقدمين من أجل الحصول عليها، والتنامي الكبير في الاستفسارات بشأنها، والاعتدال المتزايد في أسعارها (حالياً تبيع بعض الدول مثل لاتفيا هذه الأنواع من التأشيرات الذهبية مقابل مبلغ أقل من 60 ألف يورو، أي ما يزيد قليلاً عن 70 ألف دولار).

غير أنه مع تنامي شهرة هذه التأشيرات تزايد الوعي أيضاً بما تفتحه هذه البرامج من أبواب لتدفق الأموال القذرة والتمويلات غير المشروعة، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.

لندن قبلة المليارديرات الروس

كان تقريرٌ صدر العام الماضي تحت اسم "تقرير الشأن الروسي في المملكة المتحدة" أشار على وجه التحديد إلى رغبة لندن في بيع التأشيرات وتصريحات الإقامة الذهبية لأثرياء الأوليغاركية الروسية، حتى إن تضمن ذلك تجاهل صلاتهم بالكرملين. واكتشف المحققون في مالطا أن الدولة التي باتت ملاذاً خارجياً سيئ السمعة استمرت في بيع جنسية الاتحاد الأوروبي لمجموعة من المواطنين الصينيين والسعوديين الأثرياء، رغم التحقيقات الجارية بخصوص البرنامج في بروكسل.

وفي قبرص، احتشد مواطنون للاحتجاج علناً على رغبة سلطات الجزيرة في بيع الجنسية لشخصيات معروف مشاركتها في عمليات غسل الأموال ومجرمين عابرين للحدود وأثرياء مرتبطين بديكتاتوريات ما بعد الاتحاد السوفييتي، وكانت هذه المعلومات كُشف عنها في التسريبات الحكومية المعروفة بـ"أوراق قبرص"، التي كشفت الستار عن محتالين ومجرمين أثرياء تدفقوا على البلاد للحصول على جنسية الاتحاد الأوروبي.

شروط برنامج التأشيرة الذهبية الأمريكي

لكن وسط كل هذا التدقيق والتسريبات، أفلتت إلى حد كبير إحدى أبرز الدول الرائدة المشاركة في بيع تصريحات الإقامة والجنسية: الولايات المتحدة.

لعقود من الزمان، تهافتت واشنطن على الأموال التي كسبتها عبر برنامج التأشيرة الذهبية الخاص بها. 

ويعود مخطط البرنامج المعروف رسمياً باسم "برنامج تأشيرة الاستثمار EB-5 إلى عام 1990. وفقاً للبرنامج، يستطيع المواطن الأجنبي، مقابل مبلغ 500 ألف دولار والتعهد بتوفير حفنة من الوظائف في الولايات المتحدة، أن يحصل على إقامة مشروطة، يتبعها بعد ذلك بوقت قصير التقدم للحصول على الجنسية الأمريكية. ورغم مرور ثلاثين عاماً على إقراره، ظل البرنامج على حاله إلى حد كبير وأُوقفت المساعي الأخيرة لزيادة شروطه ورفع تكلفة الحصول على الجنسية.

يرى المؤيدون للبرنامج أنه قد حقق نجاحاً من نوع ما، فالمفترض أن عشرات الآلاف من الرعايا الأجانب خلقوا آلاف الوظائف وضخُّوا مليارات الدولارات من الاستثمارات الأجنبية. وبناء على ذلك حظي البرنامج بمؤيدين بارزين، منهم السيناتور ليندسي غراهام وجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي سافرت عائلته إلى الصين خصيصاً للتوقيع على اتفاقية تدعم التأشيرات من هذا النوع.

إنه أقل تكلفة من العديد من الدول المتقدمة

تكشف النظرة المتعمقة إلى البرنامج الذي تقدمه الولايات المتحدة أنه يختلف قليلاً عن البرامج المماثلة، ويطرح ميزات تجعله صفقة رائعة للراغبين في الحصول على الجنسية الأمريكية بهذه الطريقة: فالتكلفة في الولايات المتحدة بعيدة كل البعد عن التكلفة الخاصة بالبرامج المماثلة في المملكة المتحدة (التي تبلغ تكلفة الجنسية فيها نحو 2.6 مليون دولار) أو أستراليا (نحو 3.7 مليون دولار). كما أن قلة من جوازات السفر، إن وجدت، يمكن أن تُضاهي ثقل ووجاهة جواز السفر الأمريكي، علاوة على أنه يبعد عنك احتمالات الوقوع في أي قائمة عقوبات، ويحميك من مواجهة الأسئلة حول مصادر تمويلك، بالإضافة إلى أن الحصول على تصريح الإقامة الأمريكية يقدم سبيلاً ناجعاً لأولئك الذين يفضلون عدم التعامل مع قيود الهجرة الأكثر صرامة في أي مكان آخر.

لا يتحرى عن خلفيات المهاجرين

لكن التكلفة المتدنية ليست الميزة الوحيدة للمتقدمين في برنامج التأشيرة الذهبية الأمريكية، إذ تشير الخبيرة بليندا لي، إلى أنه على الرغم من مرور عقود على إنشائه "لا يزال البرنامج لا يتحرى معرفة أي شيء تقريباً عن خلفيات المتقدمين لبرنامج EB-5. والمصدر الوحيد للمعلومات المتاحة [للسلطات الأمريكية] يوفرها المتقدمون أنفسهم في نماذج الطلبات الخاصة بهم"، ويعني ذلك أن المتقدمين لا يقدمون أي تفاصيل لا يرغبون فيها حول مصادر كسبهم للأموال.

على هذا النحو، لا غرابة في أن برنامج التأشيرة الذهبية للولايات المتحدة قد استقطب بالفعل عديداً من المحتالين وغاسلي الأموال العابرين للحدود الذين ترفضهم البرامج من هذا النوع في أماكن أخرى. 

التأشيرة الذهبية الأمريكي
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حارب الهجرة، ولكن صهره شجع هجرة الأثرياء/رويترز

وقد حصل أحد الأشخاص المتهمين بالفساد في الصين، هو غيانغون قياو، على الإقامة الأمريكية بفضل برنامج EB-5 رغم مزاعم غسل الأموال عن طريق البنوك والمصارف الأمريكية في سوق العقارات.

وكشفت دراسة حديثة صادرة عن "منظمة الشفافية الدولية" في روسيا عن مدى سهولة حصول الرعايا الأجانب الغارقين في أموال قذرة على إحدى هذه التأشيرات الذهبية الأمريكية، عن طريق التنكر في هيئة مستثمرين محتملين، وكشف أعضاء منظمة الشفافية عن محامين أمريكيين ووسطاء روس على أتم الاستعداد للمساعدة في عملية تقديم الطلبات، رغم الدلائل الواضحة على أن ثروات المتقدمين جاءت من "مصادر غير مشروعة".

أخيراً، قد يتم مراجعة البرنامج

يقول تقرير مجلة Foreign Policy "لحسن الحظ، أدى التركيز المتصاعد مؤخراً في واشنطن على هذا النوع من المخالفات إلى خلق فرصة لإصلاح برنامج التأشيرة الذهبية لأمريكا، وربما إيقافه بالكامل". 

ففي نهاية شهر يونيو/حزيران، انتهت صلاحية برنامج المركز الإقليمي EB-5، وهو المركز الذي يضم المتحدثين الإقليميين باسم برنامج EB-5، وفيه تُجمع وتُستثمر 95% من إجمالي رؤوس أموال البرنامج. ومع ذلك لا يُرجح أن يستمر هذا إلى الأبد، فالواقع أن البرنامج أوشك على الانتهاء من قبل، لكن أُعيدت المصادقة عليه والتمديد له مراراً وتكراراً بلا تغيير يُذكر.

بيد أن هذه المرة قد تكون مختلفة، إذ يواجه البرنامج ضغوطاً مكثفة ومستمرة منذ فترة طويلة من جانب السيناتور تشاك غراسلي والسيناتور باتريك ليهي، اللذين ينظران إلى البرنامج على أنه وسيلة منهجية للاحتيال. واقترح عضوا مجلس الشيوخ مؤخراً مشروعَ قانون من الحزبين يُطلق عليه "قانون الإصلاح والنزاهة لبرنامج EB-5 لعام 2021"، والذي من شأنه أن يضع متطلبات جديدة فيما يتعلق بالإفصاح عن مصادر الكسب ومكافحة الاحتيال في المراكز الإقليمية للبرنامج، كما يطلب من وزارة الأمن الداخلي إجراء عمليات تدقيق منتظمة للبرنامج أخيراً. ورغم معارضة زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، لمشروع القانون، فإن هذا المشروع يمثل أقوى ضربة يوجهها مجلس الشيوخ ضد البرنامج حتى الآن.

تمثل مشروعات القوانين الجديدة جهوداً محمودة وغير مسبوقة لمعالجة برنامج التأشيرة الذهبية، لكن واشنطن المتعلقة بهذه البرامج يجب ألا تتوقف عند هذا الحد، فالتدقيق الإضافي وزيادة الموارد والشفافية والالتزام برقمنة جميع الوثائق المتعلقة بالبرنامج من شأنها توجيه ضربة كبيرة للسُّبل السهلة التي يحصل بها الفاسدون على هذه التأشيرات، حسب مجلة Foreign Policy الأمريكية.

وفي حين أن هذه الإصلاحات قد تبدو أضخم من تطبيقها فعلياً، فإن هناك أسباباً تدفع للثقة بإمكانية المضي قدماً في تنفيذها، خاصةً أنها لا تأتي فقط في وقت بدأت فيه البرامج المماثلة في أماكن أخرى تظهر علامات إصلاح محتمل، بل إنها تأتي أيضاً على خلفية دفعة غير مسبوقة في واشنطن للتعامل مع مشكلة الأموال القذرة، ومنافذ الفساد الحكومي التي تغرق الولايات المتحدة. 

وعلى سبيل المثال، أقر الكونغرس أقوى إصلاحات لمكافحة غسل الأموال في البلاد منذ جيل في وقت سابق من هذا العام، ولم تتراجع تلك الدفعة منذ ذلك الحين.

رفعت إدارة بايدن مؤخراً ملف مكافحة الفساد إلى مرتبة "مصلحة الأمن القومي الأساسية للولايات المتحدة"، كما أعلن الكونغرس شهر يونيو/حزيران شهراً لمكافحة الفساد الحكومي وإطلاق مشروعات القوانين الداعمة لحملة الإدارة الأمريكية ضد منظومة الفساد الحكومي. وقد تكون تلك الدفعة كافيةً أخيراً للمضي قدماً إلى إتمام الإصلاحات الضرورية، ووضع حدٍّ لبرنامج التأشيرة الذهبية لأمريكيا قبل أن يُستخدم في غسل المزيد من الأموال القذرة ووصول المزيد من الفاسدين إلى الأراضي الأمريكية.

تحميل المزيد