شهدت العلاقات بين الأردن وإسرائيل بعض التحسن بعد فقدان بنيامين نتنياهو منصبه، والآن يسعى الرئيس الأمريكي جو بايدن لضمان عودة تلك العلاقات إلى مسار التعاون، فهل يمكنه ذلك؟
وعلى الرغم من توقيع الأردن وإسرائيل اتفاقية وادي عربة للسلام بينهما عام 1994، فإن تولِّي نتنياهو رئاسة الحكومة في إسرائيل لأول مرة عام 1996، تعمد رئيس الوزراء السابق إلى التقليل من شأن العلاقات مع الأردن، الذي تشترك معه الأراضي المحتلة في حدود بطول 360 كيلومتراً. كما لم يكن هناك توافق شخصي بين الملك ونتنياهو، غير أن الأردن وإسرائيل استمرا في العمل الوثيق على المستويات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية وفي مجال مكافحة الإرهاب.
جاءت سياسات نتنياهو نقمة على الأردن؛ لأنه وقف ضد كل ما يؤمن به الملك، لا سيما فيما يتعلق بإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. وعارض نتنياهو معارضة قطعية حلَّ الدولتين، وتجميد أو تفكيك المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، وحتى مبادرة السلام العربية لعام 2002 والتي عرضت على إسرائيل التطبيع مع الدول العربية لكن فقط في إطار صيغة "الأرض مقابل السلام".
وكان نتنياهو، الذي قاد موجة حركة الاستيطان اليهودية المتنامية، يؤمن بصيغة أخرى ترتكز على ما يُسميه "السلام مقابل اتفاق سلام". كما أبدى اعتقاده بإمكانية استمالة دول الخليج إلى الدخول في تحالف معه لمواجهة عدو مشترك: هو إيران النووية. وفي عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، لم يكن من الممكن أن تتحقق هذه الرؤية، غير أن الأمور تغيرت بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة.
علاقات الأردن وإسرائيل بعد نتنياهو
وتناول موقع Al-Monitor الأمريكي سعي الرئيس جو بايدن إلى إعادة العلاقات بين عَمان وتل أبيب إلى مسار توافقي، رصد أسباب تلك المحاولات من وجهة النظر الأمريكية، التي باتت مختلفة تماماً بعد رحيل ترامب.
وحالياً يتطلع الأردن وإسرائيل، بدعمٍ من الولايات المتحدة، إلى إعادة العلاقات الثنائية إلى مسار التوافق بعد أكثر من عقدٍ من دبلوماسية متوترة شهدت وصول العلاقات، في عهد نتنياهو، إلى مستويات متردية.
ولكن حتى مع تولّي حكومة ائتلافية جديدة زمام الأمور في إسرائيل في 13 يونيو/حزيران، استغرق الأمر من رئيس الوزراء الجديد، نفتالي بينيت، قرابة الشهر للوصول إلى توافق مع العاهل الأردني الملك عبدالله.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، زار بينيت عمان في زيارة سرية خلال الأسبوع الأول من يوليو/تموز -ولم يُذكر تاريخ محدد- وهو اللقاء الأول بين الملك ورئيس وزراء إسرائيلي منذ ثلاث سنوات.
لم يؤكد الجانب الأردني النبأ ولم ينفِه. لكن بحسب موقع Walla! العبري، الذي أعلن عن الاجتماع لأول مرة، اتفق بينيت والملك عبدالله على فتح صفحةٍ جديدة في العلاقات والعودة إلى مسارات الحوار الطبيعي بين الطرفين.
ومهَّد ذلك الاجتماع الطريقَ للقاء آخر في 8 يوليو/تموز بين وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، ونظيره الإسرائيلي، يائير لابيد، على الجانب الأردني من الحدود. وأبرم الرجلان اتفاقية تبيع إسرائيل بموجبها للأردن 50 مليون متر مكعب إضافية من المياه هذا الصيف. ويذكر أن إسرائيل تسمح للأردن بالحصول على 30 مليون متر مكعب من حقوقه في مياه بحيرة طبرية بموجب اتفاقية وادي عربة 1994.
اتفق الجانبان كذلك على زيادة صادرات الأردن إلى الضفة الغربية من 160 مليون دولار إلى 700 مليون دولار سنوياً. وكانت إدارة نتنياهو هي التي وافقت في البداية على بيع الكمية الإضافية من المياه، لكن فقط بعد تدخلٍ من الإدارة الأمريكية الجديدة.
ويشهد الأردن أزمةَ مياهٍ حادة هذا العام بسبب قلة الأمطار. وفي وقت سابق من هذا العام، اضطر الأردن إلى إلغاء مشروع ثنائي مع إسرائيل لبناء نظام لنقل المياه يربط البحر الأحمر بالبحر الميت. ويزعم المؤيدون للمشروع أنه كان سيوفر الكهرباء والمياه المحلاة لكلا الجانبين.
تم الاتفاق على الصفقة بعهد نتنياهو في عام 2013، لكن العلاقات المتوترة بين البلدين أوقفته في النهاية. ويبحث الأردن الآن عن حلول أخرى، منها بناء محطة لتحلية المياه في ميناء عقبة المطل على البحر الأحمر.
في 10 يوليو/ تموز، أعلن الديوان الملكي الأردني أن الملك تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس الإسرائيلي المنتخب حديثاً إسحاق هرتسوغ، والذي شدد فيه على أهمية العمل على إقامة سلام عادل وشامل على أساس حل الدولتين.
سياسات ترامب الخاصة بفلسطين
شهدت رئاسة ترامب تبنياً أمريكياً كاملاً لرؤية نتنياهو، وضاعف ذلك من تهميش السلطة الفلسطينية والأردن. ووعد ترامب بتقديم "صفقة القرن" أو كما زعم الرئيس السابق اتفاق سلام نهائي من شأنه إقرار التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، وهو ما شجع نتنياهو على تحدي ملك الأردن، الذي كان يرى بلاده بوابة وقناة للتطبيع بين إسرائيل ودول الخليج.
عارض الملك عبدالله اعترافَ ترامب أحادي الجانب بالقدس عاصمةً لإسرائيل. وفي غضون ذلك، تنازع الأردن وإسرائيل أكثر من مرة حول الاقتحامات اليهودية شبه اليومية للمسجد الأقصى الذي يحظى الملك بدور خاص في الوصاية عليه كجزء من المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشرقية.
نكث نتنياهو بكل وعد قطعه للملك عبدالله بشأن الحفاظ على الوضع القائم للمسجد الأقصى، ما دفع العلاقات إلى حافة الهاوية في وقت سابق من هذا العام عندما رفض الأردن السماحَ لطائرة نتنياهو بالتحليق فوق البلاد في طريقها إلى الإمارات رداً على تراجع إسرائيل عن موافقتها السابقة على السماح لولي العهد الأردني، الأمير حسين، بالصلاة في المسجد الأقصى في ليلة المعراج.
وبينما تجنَّب السياسيون الأردنيون التعليقَ على دخول العلاقات الأردنية الإسرائيلية في مرحلة جديدة في عهد بينيت، حثَّت الصحافة الإسرائيلية رئيسَ الوزراء الجديد على إعادة بناء العلاقات مع الجانب الأردني. ويُعتقد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن حثَّ بينيت على تعزيز العلاقات مع عَمان، التي تواجه أزمات اقتصادية وصحية حادة.
لماذا يريد بايدن تحسين تلك العلاقات؟
من جهة، يرى المعنيون من الجانب الأردني أن العلاقات ستشهد بعض التحسن في الوقت القريب، لكن لا تزال هناك عقبات رئيسية في الطريق: أبرزها تشدد بينيت نفسه، فهو أيضاً يعارض حل الدولتين ويدعم إقامة المستوطنات اليهودية وحتى ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، كما يُستبعد أن يمنع اقتحامات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى.
هي إذن مسألة وقت قبل أن يقع حادث في القدس الشرقية يعيد تكدير العلاقات بين الأردن وإسرائيل. كما أن ما تراه إسرائيل عودةً للعلاقات إلى طبيعتها مع عمان، يجعل الأردنيون، الذين لا ينفك يتصاعد غضبهم من اعتماد المملكة المتزايد على الغاز الطبيعي الإسرائيلي والآن المياه بالإضافة إلى الهجمات على الأماكن المقدسة، يرون العلاقات على نقيض النظرة الإسرائيلية تماماً.
ومع ذلك، يذهب آخرون إلى أن أحد أبرز الأطراف التي قد تنجح في إعادة العلاقات بين الأردن وإسرائيل إلى مسار التوافق هو الرئيس الأمريكي بايدن، الذي يعمل على دفع الجانبين إلى الاقتراب أكثر في وقت يسعى فيه إلى التراجع عن معظم سياسات ترامب الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بحسب الموقع الأمريكي.
ويمكن القول إن الإدارة الأمريكية الجديدة ترسم دوراً إقليمياً جديداً للأردن، ليس فقط فيما يتعلق بالفلسطينيين، لكن أيضاً فيما يتعلق بمحاولة العراق الابتعاد عن إيران في عهد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
كما يقدم الأردن دعماً لوجيستياً رئيسياً للجيش الأمريكي في غضون انسحابه من أفغانستان وإغلاق قواعده في قطر. وفي مارس/آذار، أعلن الأردن عن اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة تسمح بحرية دخول القوات والطائرات والمركبات الأمريكية إلى أراضي المملكة.
ويُتوقع أن تزداد الأمور وضوحاً عندما يزور الملك عبدالله، كأول زيارة لزعيم عربي، البيت الأبيض في 19 يوليو/تموز، ويتبعه ببضعة أيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت.