"طائرة روسية شبحية تنافس الـ(إف-35) الأمريكية"، هكذا حاولت موسكو أن توحي للعالم عبر إعلان مثير وغامض أطلقته مؤخراً، أثار الاهتمام في عالم الطيران والتسليح، كما زاد الاهتمام بالمشروع توقعاتٌ لا تستبعد احتمال مشاركة دولة عربية في إنتاج هذه الطائرة.
ومن المقرر أن تكشف روسيا النقاب عن طائرة تنافس الـ"إف-35″ الأمريكية، حسبما تلمح المصادر الروسية في اليوم الأول من المعرض الجوي MAKS-2021 المقرر افتتاحه بموسكو في 20 يوليو/تموز 2021.
وافتتحت شركة روستيك الروسية، الموقع الإلكتروني للمشروع، حيث بدأ العد التنازلي لعرض الطائرة لأول مرة، الثلاثاء 20 يوليو/تموز، حسبما جاء في بيان.
طائرة روسية شبحية تنافس الـ"إف-35″ الأمريكية
وستتنافس "الطائرة المقاتلة الواعدة" مع مقاتلة الجيل الخامس الأمريكية من طراز F-35، حسبما قال خبير صناعة طيران روسي.
وفي 14 يوليو/تموز 2021، أصدرت شركة روستيك الروسية الحكومية إعلاناً تشويقياً مشفراً يقول: "المنتَج الجديد الذي طوَّره المهندسون الروس يجب أن يثير اهتماماً حقيقياً ليس فقط في بلدنا ولكن أيضاً بمناطق أخرى من العالم، وضمن ذلك منافسونا في الخارج".
وقال أوليج بانتيليف، المدير التنفيذي لفرع وكالة Aviaport، للصحفيين، إن الفيديو الأخير الذي نشرته روستيك، يشير إلى أن المقاتلة الخفيفة المحلية تدخل في منافسة مع F-35 الأمريكية بالأسواق الخارجية، حسبما ورد في تقرير لموقع EurAsian Times.
وأضاف: "أنا متأكد من أنَّ عرض الطائرة في MAKS-2021 سيكون له تأثير إيجابي"، مشيراً إلى أن "شركة Rosoboronexport قامت بدعوة أكثر من 120 وفداً من 65 دولة إلى المعرض".
وبحسب كلام الخبير الذي نقلته وكالة الأنباء الروسية "تاس"، لا يُعرف الكثير عن الخصائص التقنية للطائرة، ولكن يُعتقد أن المقاتلة الجديدة لديها قدرات شبحية في نطاقات مختلفة، ونسبة دفع إلى وزن عالية، وحمولة قتالية مرتفعة، ومجموعة متقدمة من أسلحة الطيران.
وأضاف بانتيليف: "ليس هناك شك في أنه خلال هذا العقد ستكون روسيا قادرة على استعادة الجمع بين طائرتين؛ إحداهما ثقيلة وهي سوخوي 57 وطائرة خفيفة جديدة مصممة لتنفيذ المهام التكتيكية".
لماذا تحتاج روسيا طائرتين شبحيتين؟
المقاتلات الثقيلة تكون لديها القدرة على حمل ردارات وحمولات وقود كبيرة، وتعمل عادة كطائرات تفوُّق جوي، وأيضاً يمكن أن تتحول إلى قاذفاتٍ مقاتلةٍ ذات مدى متوسط أو كبير نسبياً لاختراق دفاعات العدو، ولكن هذه الفئة من المقاتلات تكون باهظة الثمن ومكلفة في التشغيل والصيانة، مما يجعل هناك حاجة لمقاتلات صغيرة أقل تكلفة ولتولي عمليات القصف والدفاع الجوي التكتيكية، وغالباً ما تكون الأخيرة أحادية المحرك، وهناك جدل دائم في عالم الطيران حول أيهما أكثر جدوى: إنتاج عدد قليل من المقاتلات الثقيلة أم عدد أكبر من المقاتلات الخفيفة؟
وفي الجيل الرابع للطائرات والرابع ونصف، أنتجت الولايات المتحدة ثلاثة أنواع من الطائرات هي: الـ"إف-16″ الخفيفة للقوات الجوية، والـ"إف-18″ هورنيت المتوسطة للبحرية، والـ"إف-15″ الثقيلة للقوات الجوية، وقبلهما الـ"إف-14″ الثقيلة أيضاً للبحرية أيضاً.
بمرور الوقت ازداد وزن الـ"إف-16″ لتقترب من الفئة المتوسطة، وتم تطوير الـ"إف-18″ هورنيت للسوبر هورنيت الأكبر حجماً والتي أصبحت تنتمي إلى الفئة الثقيلة.
وفي الجيل الخامس لدى الولايات المتحدة الـ"إف-22″ كطائرة تفوُّق جوي ثقيلة، والـ"إف- 35″ ذات المحرك الواحد والتي تعدُّ أقرب في الوزن والحجم للطائرات المتوسطة، ولكنها جاءت لتحلَّ محل المقاتلة الخفيف الـ"إف-16″، ولكن القوات الجوية الأمريكية اكتشفت أن إمكانات الـ"إف-35″ الأمريكية جعلت تكلفتها باهظة، مما يصعب الحفاظ على أعداد كبيرة منها، في ظل قيود الميزانية، وبدأت تبحث عن رديف يعمل إلى جانبها.
ولدى الصين طائرتان؛ إحداهما ثقيلة والثانية خفيفة في طائرات الجيل الرابع والرابع والنصف، كما أن لديها طائرة ثقيلة في الجيل الخامس الشبحي دخلت الإنتاج هي J 20، وطائرة متوسطية شبحية لم تدخل الإنتاج، علماً بأنه يُعتقد أنه مشروع لشركة صناعة طيران صينية وليس للقوات الجوية الصينية، فيما تشير تقارير إلى أنها قد تُخصَّص لطيران البحرية الصينية.
أما روسيا فليست لديها حتى الآن طائرة خفيفة في الجيل الخامس إلى جانب طائرتها الثقيلة سوخوي 57، وقد تكون الطائرة التي ستنافس الـ"إف-35″ هي المرشحة لذلك.
وفي الجيل الرابع والرابع ونصف، لدى روسيا طائرة ثقيلة هي سوخوي 27 وسوخوي 30، ونسختها الأكثرتقدماً سوخوي 35.
كما لديها طائرة خفيفة هي الميغ 29 ونسختها المتقدمة ميغ 35، رغم أن الميغ 29 لا تعتبر بالمعايير السائدة في العالم طائرة خفيفة، بل هي أقرب إلى الطائرة المتوسطة بطولها الذي يفوق 17 متراً، والمحركين اللذين يدفعانها، مما يجعلها مشابهة في الحجم لطائرة "إف-18" الأمريكية المتوسطة، وأكبر من الرافال واليورو فايتر الأوروبيتين المتوسطتين.
ولكن الميغ 29 يمكن إدراجها ضمن الفئة الصغيرة أو التكتيكية بسبب رخص سعرها، وصغر مداها وحمولتها، ولكنها تتميز بقدرات مناورة عالية رغم الشكوى من جودتها.
مواصفات الطائرة الروسية الجديدة
تكهنت تقارير وسائل الإعلام، بأن الظل الغامض لطائرة فوق الماء في الفيديو الترويجي لـRostec كان مشابهاً للطائرة المقاتلة ميغ 35 متعددة المهام.
ولكن شركة روستيك قالت إن شركة الطائرات المتحدة "UAC"، وهي جزء من روستيك، ستكشف النقاب عن طائرة عسكرية جديدة في 20 يوليو/تموز الجاري.
تشتهر UAC بمقاتلات سوخوي الشهيرة النفاثة متعددة المهام والقاذفة الاستراتيجية Tupolev Tu-160 Blackjack، وليس الميغ.
وخلال العقود الماضية ومنذ نهاية العهد السوفييتي، بدأت سوخوي تكسب المنافسة الضارية ضد الميغ والتي بدأت منذ ما يقرب من 70 عاماً، وفي الوقت الحالي تعمل الشركتان تحت مظلة واحدة.
واستخدمت UAC نهجاً مليئاً بالغموض لإكساب حملة تسويق المشروع قدراً لافتاً من الإثارة.
وفقاً لمصادر في صناعة الطائرات الروسية، يجرى تطوير أول مقاتلة تكتيكية خفيفة ذات محرك واحد في روسيا بسرعة تفوق سرعة الصوت وببصمة رادار منخفضة بواسطة سوخوي.
في وقت سابق، ذكر موقع EurAsian Times أن شركة سوخوي الروسية بدأت العمل على إنشاء طائرة مقاتلة تكتيكية ذات محرك واحد من الجيل الخامس والتي سيتم بناؤها باستخدام تقنيات التخفي بالاستفادة من تكنولوجيا سوخوي 57 ثنائية المحركات.
وقالت "سبوتنيك نيوز" نقلاً عن بعض المصادر: "يقوم مكتب تصميم سوخوي، بمبادرة منه، بإجراء أعمال بحثية لإنشاء طائرة مقاتلة خفيفة متعددة الأغراض ذات محرك واحد من الجيل الخامس".
"في أثناء تطوير الطائرة، من المخطط استخدام الأساس الذي تم تطويره في إطار إنشاء Su-57 على نطاق واسع، وضمن ذلك أحدث المحركات، ولكن يرجَّح استخدام واحد منها فقط بدلاً من اثنين في السوخوي 57، وطلاءات امتصاص الراديو، وراديو على متن الطائرة والمعدات الإلكترونية ونظام الأسلحة".
ويبدو إنتاج نسخة مصغرة من السوخوي 57 الشبحية أفضل من إنتاج نسخ مطورة من الميغ من الجيل الرابع غير الشبحية، وكانت الميغ قد فشلت أمام سوخوي في مشروع إنتاج أول طائرة شبحية روسية وهي سوخوي 57.
حالياً، تُستخدم المقاتلات ذات المحرك الواحد على نطاق واسع في العالم. المقاتلات الأمريكية من طراز F-16 وF-35، والطائرة السويدية JAS-39 Gripen، وJ-10 الصينية هي بعض الطائرات المقاتلة الرائدة ذات المحرك الواحد.
ويقلل وجود محرك واحد فقط، بشكل كبير، من تكلفة إنتاج وتشغيل وصيانة الطائرة.
هل تكون الإمارات شريكاً في المشروع؟
أثار الإعلان عن خطط روسيا لإنتاج طائرة منافسة للـ"إف-35″ تساؤلات، منها: هل تكون الإمارات شريكاً في المشروع، وذلك بالنظر إلى الاهتمام الإماراتي السابق بالتعاون مع روسيا في إنتاج طائرة مقاتلة حديثة؟
ففي معرض "آيدكس-2017"، أظهرت الإمارات مجرد اهتمام متردِّد بالمقاتلة الجوية الثقيلة المتفوقة من طراز سوخوي "سو-35" الروسية الصنع. لكن قبل معرض دبي للطيران، بدا أن موسكو تروّج لبعض العقود. وعلى وجه الخصوص، ذكرت موسكو أن الإدارة العسكرية في الإمارات تنوي شراء 12 طائرة "سو-35". وقد قام روغوزين شخصياً بمرافقة ولي العهد الإماراتي، الذي هو أيضاً نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في جولة على الجناح الخاص بمقاتلة "سو-35". وقدَّم فريق روسي متخصص عرضاً في الجو لإظهار مزايا مقاتلة "سو-35″، بهدف توليد انطباع إيجابي مضاعَف عن هذه المقاتلات الروسية. في حال كان قد تم تنفيذ هذا الاتفاق، كانت الإمارات ستصبح أول دولة عربية بين بلدان الخليج تُقدِم على شراء طائرة قتالية روسية.
كما سبق أن قال الرئيس التنفيذي لشركة روستيك، سيرجي تشيميزوف، في معرض آيدكس بأبوظبي عام 2017 ، إن الشركة الدفاعية الروسية ستشترك مع وزارة الدفاع الإماراتية في تطوير طائرة مقاتلة خفيفة من الجيل الخامس.
وقال تشيميزوف خلال إفادة إعلامية مع الصحفيين، إن التطوير الذي يعتمد على طائراتها المقاتلة من طراز MiG-29 ذات المحركين، سيبدأ في عام 2018، وسيستغرق ما يقدر بسبع إلى ثماني سنوات.
وأضاف: "نتوقع الإنتاج المحلي للطائرة هنا في الإمارات العربية المتحدة، لتلبية احتياجات الإمارات. وبالطبع نتوقع تلبية احتياجات الدول المجاورة".
ولم يتم ذكر تفاصيل عن كيفية هيكلة الشراكة، على الرغم من أن تشيميزوف قال إنها يمكن أن تعمل كمشروع مشترك بين الشركة والموردين المحليين في الإمارات.
وتعتبر الإمارات أكثر الدول العربية اهتماماً بمجال الصناعات العسكرية، وهي أيضاً إحدى دول الخليج القليلة التي أبرمت صفقات مهمة مع روسيا، ولكن لا يُتصور أن القدرات العسكرية الإماراتية رغم تقدمها النسبي مقارنة بمعظم الدول العربية، قادرة على المشاركة بفعالية في تطوير طائرة شبحية من الجيل الخامس.
وعلى الأرجح كانت الإمارات ستلعب دوراً في تمويل الطائرة مثلما فعلت مع نسختها من الـ"إف-16″ الأمريكية التي اشترتها قبل سنوات والتي كانت أكثر تطوراً من الطائرات المملوكة للجيش الأمريكي مع تعهد شركة لوكهيد مارتن المُصنِّعة للطائرة بعدم نقل تكنولوجيا الطائرة التي مُوِّلت بأموال أبوظبي إلى دولة ثالثة إلا بعد تقديم تعويض، ولكن فعلياً عرضت الشركة الأمريكية نسخة مشتقة من النسخة الإماراتية على الهند دون أن تشير إلى أي تعويض.
وفي كل الأحوال، منذ عام 2017، لم يُثَر الكثير حول مشروع التعاون بين روسيا والإمارات لإنتاج الطائرة المشار إليها، علماً بأن المشروع المقترح كان بين أبوظبي وشركة ميغ الروسية وليس سوخوي التي يبدو أنها التي ستطلق الطائرة الروسية التكتيكية التي جرى الإعلان عنها مؤخراً.
كما أن أبوظبي لم تُطبِّق على أرض الواقع تلميحاتها حول شراء طائرات سوخوي 35 وسوخوي 57 الروسية، ولا يمكن استبعاد أنها أوقفت هذه الخطط؛ خوفاً من عقوبات قانون كاتسا الأمريكي المسلط على أي صفقات سلاح روسية لحلفاء أمريكا، وأيضاً، لا يمكن استبعاد أن الحديث الإماراتي عن شراء أو التعاون في إنتاج طائرات روسية كان هدفه الضغط على أمريكا للتمهيد لصفقة شراء أبوظبي طائرات "إف-35" الشبحية، خاصةً أنها طائرة مجربة عكس النماذج الروسية، إضافة إلى اعتماد أسلحة الجو الخليجية منذ نشأتها على الطائرات الغربية.