كشفت الأحكام القضائية بحق المدانين في قضية "الفتنة" في الأردن عن عدة حقائق، أبرزها قطع الطريق على التدخلات الخارجية في شؤون المملكة، فهل تراجع النفوذ السعودي والأمريكي لدى عمان؟
كانت قضية "الفتنة" أو محاولة "الانقلاب" قد تفجرت بشكل مفاجئ في الأردن مطلع أبريل/ نيسان الماضي، وأشعلت وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة، وسط حديث عن وضع الأمير حمزة – الأخ غير الشقيق للملك عبد الله الثاني – قيد الإقامة الجبرية والقبض على نحو 20 شخصية بارزة، تم الإفراج عنهم لاحقاً باستثناء الشريف حسن بن زيد، ورئيس الديوان الملكي السابق باسم إبراهيم عوض الله.
وتزامنت تلك الأحداث الدرامية مع احتفالات الأردن بمئويتها الأولى، وتحدث مسؤولون أردنيون عن تصدي المملكة لمحاولات خارجية لزعزعة استقرارها، ونشرت تقارير إعلامية حول وجود دور "سعودي وإماراتي" سري في محاولة انقلاب فاشلة للإطاحة بالملك عبد الله الثاني.
لكن بياناً أصدره الديوان الملكي على لسان الأمير حمزة يعلن فيه دعمه لأخيه الملك عبد الله، كان مؤشراً على أن الأزمة داخل الأسرة الهاشمية قد تم احتواؤها، بينما استمرت محاكمة الشريف حسن بن زيد وباسم عوض الله بتهمة محاولة زعزعة استقرار المملكة.
ماذا يعني صدور الأحكام بحق الشريف حسن وعوض الله؟
قضت محكمة "أمن الدولة" الاثنين 12 يوليو/تموز بسجن باسم عوض الله والشريف عبد الرحمن حسن بن زيد، المتهمين الرئيسيين في القضية المذكورة، 15 عاماً مع الأشغال المؤقتة.
وأدانت المحكمة المتهمين بـ"التحريض على مناهضة نظام الحكم السياسي القائم بالمملكة" و"القيام بأعمال من شأنها تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وإحداث الفتنة"، بالإضافة إلى إدانة الشريف بن زيد بحيازة "مادة مخدرة" (بقصد التعاطي).
والمحكمة ذات ولاية قضائية خاصة على الجرائم التي تضر بالأمن الداخلي والخارجي للمملكة، وأُنشئت عام 1959، وتتشكل هيئاتها من مدنيين وعسكريين، وأحكامها قابلة للطعن لدى محكمة التمييز (أعلى هيئة قضائية بالمملكة).
وعلى الرغم من إمكانية الطعن على الأحكام أمام محكمة "التمييز"، إلا أن هذه الأحكام أغلقت الباب أمام أي تدخلات خارجية من شأنها محاولة التأثير على استقلالية الدولة الأردنية في مواجهة أي أحداث تمس أمنها وشأنها الداخلي، بحسب ما قاله مراقبون لوكالة الأناضول.
وقال فايز الفايز، الكاتب والمحلل السياسي الحاضر دائماً على طاولة الملك، للأناضول: "قطعاً لا يمكن الدفع بمسوغات نقل أي مواطن يحمل الجنسية الأردنية ليقضي مدة محكوميته لدى دولة أخرى، حتى وإن كان يحمل جنسية الأخيرة"، مضيفاً أن "القضية مرتبطة بأمن واستقرار الدولة التي يمثلها الملك، بغض النظر عن وجهة نظر القانونيين، فالقضية سياسية ستنعكس على فرض ثبوت أفعالها لاستجرار زعزعة استقرار النظام وإدخال البلد بصدام متضاد".
ويتحدث الفايز هنا عن تصريحات السلطات الأردنية عقب اعتقال المتهمين بشأن وجود علاقة لجهات "خارجية" و"أجنبية"، وهو ما يعني وجود محاولات للتأثير على حالة الاستقرار التي تعيشها المملكة وسط إقليم ملتهب.
ونظراً لحساسية القضية، ومحاولة الابتعاد عن دائرة الاتهام، سارعت معظم دول العالم إلى إعلان تأييدها للمملكة؛ لتؤكد أنها غير معنية بمخطط "الفتنة" الذي جرى إحباطه، وأنه لا مصلحة لها في عدم استقرار الأردن.
وتابع الفايز: "المتهم الرئيس باسم عوض الله، رغم أنه يحمل الجنسية الأمريكية عبر والده المتجنس في الولايات المتحدة، فهو متحصل مسبقاً على الجنسية الأردنية، وليس حاملاً لجواز سفر مؤقت، وولد في القدس وترعرع كمواطن أردني، وهذا قد يدعم إثبات عدم نقله إلى أي دولة أخرى"، واستطرد: "في حالة التصديق على قرار الحكم، فهو بمثابة قطع كامل لأي نقض فيما بعد، والقرار هنا هو قضائي تحتمي به إرادة الدولة سياسياً، فلا تطابق بين الأحكام القضائية والرغبات السياسية؛ لأن الأردن القوي لا يخضع لتفسيرات جانبية توحي بسلب إرادته بناء على تضارب المصالح الدولية".
هل تراجع النفوذ السعودي في الأردن؟
وفي هذا السياق، كانت تقارير صحفية أمريكية قد تحدثت عن محاولات السعودية الضغط على الأردن للإفراج عن عوض الله، المقرب من الرياض، وذلك عبر إرسال العديد من مسؤوليها إلى عمان، إلا أنها لم تفلح في ذلك. ويحمل عوض الله الجنسيات الأردنية والسعودية والأمريكية، وشغل مناصب مهمة عديدة، أبرزها وزيراً للتخطيط والتعاون الدولي (2001 – 2005)، ثم وزيراً للمالية.
كما عمل رئيساً للديوان الملكي (2007- 2008)، ثم مبعوث الملك عبد الله الثاني بن الحسين الخاص للسعودية، وبعدها عمل مستشاراً لولي العهد السعودي الحالي، الأمير محمد بن سلمان.
لكن بعد إدانة المتهمين بما نُسب إليهما، يرى مراقبون أن واشنطن والرياض ستبتعدان عن محاولة القيام بأي أدوار مستقبلية من شأنها التأثير على سير تنفيذ الحكم بحق المدانين، خاصة بعدما احتلت القضية حيزاً كبيراً في وسائل الإعلام العالمية.
ونشرت صحيفة The Independent البريطانية تقريراً بعنوان "كيف كشف انقلاب الأردن حدود القدرات السعودية؟"، أعده كيم سينغوبتا محررها الدبلوماسي، اعتبر أن صدور الحكم بحق عوض الله والشريف حسن بهذه السرعة جاء بمثابة المفاجأة للعديد من الدبلوماسيين، مشيراً إلى أن العلاقة السعودية هي "جزء أساسي من الادعاءات المحيطة بالانقلاب". وبحسب النيابة، "سأل الأمير حمزة عوض الله عما إذا كان سيحصل على دعم سعودي إذا مضى قُدماً في المؤامرة".
واعتبر أن الحكم بسجن كل من رئيس الديوان الملكي الأردني السابق باسم عوض الله وقريب الملك عبد الله، الشريف حسن بن زيد، لمدة 15 عاماً لكل منهما بتهمة التحريض على الفتنة "علامة بارزة ذات تأثير كبير في كل من البلاد وخارجها".
وقال التقرير إن العديد من الدبلوماسيين فوجئوا بتقديم عوض الله للمحاكمة؛ إذ يحمل وزير التخطيط السابق الجنسية السعودية أيضاً، وهو مستشار اقتصادي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتشمل شبكة علاقاته الدولية المؤثرة أيضاً ولي عهد الإمارات محمد بن زايد.
وتحدث تقرير الصحيفة البريطانية أيضاً عن مزاعم سعي الرياض لإسقاط الإجراءات القضائية ضد عوض الله، وزارت شخصيات سعودية بارزة، من بينها وزير الخارجية فيصل بن فرحان ورئيس جهاز المخابرات، عمان؛ لإقناع الأردنيين بالسماح بذلك وبعودة عوض الله معهم.
ورغم أن الأردنيين رفضوا طلب السعوديين، بحسب التقرير، فإن أحد السيناريوهات التي قدمها البعض في الأردن هو أن يفرج عن عوض الله بعد أن يمضي جزءاً من عقوبته، وهو ما نفته عمان.
ماذا عن علاقة الأردن مع الولايات المتحدة؟
قال الفايز للأناضول إن "الولايات المتحدة تدعم الأردن والملك عبد الله شخصياً، والبيت الأبيض أعطى أول مقابلة لزعيم عربي ليلتقي الرئيس جو بايدن للملك الذي يتواجد في واشنطن، ويشتبك مع العديد من صناع القرار في الكونغرس قبيل اللقاء المرتقب". ورأى أن "هذا يؤشر إلى مدى أهمية الحفاظ على العلاقة التاريخية مع الأردن كمركز استقرار سياسي في الشرق الأوسط لا يمكن العبث به".
ومن جانبها، اعتبرت سحر محمد الطراونة، أستاذة العلوم السياسية في جامعة الشرق الأوسط، في حديث مع الأناضول، أنه "بناء على ما تم في القضية، بدا واضحاً أن هناك تدخلات خارجية في محاولة زعزعة الاستقرار الداخلي، معززاً بضخ إعلامي يسعى لتشويش الرأي العام والتشكيك برواية الدولة الأردنية، في محاولة للتأثير على القرارات السياسية، وبالتالي على سيادة الدولة، خصوصاً في الملفات الإقليمية الحساسة".
ورأت الطراونة أن "صفقة القرن، والموقف الأردني منها، شكل جبهة خارجية غير راضية عن هذا الموقف، حيث سعت (الجبهة) إلى إضعافه تجاه القضية الفلسطينية، والوصاية الهاشمية على المقدسات وموضوع القدس واللاجئين"، واستدركت: "بالتالي زادت الضغوطات الاقتصادية والسياسية على المملكة".
ورأت أن "هذا الأمر يترتب عليه إعادة النظر في العلاقات الخارجية والتحالفات الدولية، لا سيما أن الأردن بموقعه الجغرافي الاستراتيجي، ولاعتبارات عديدة أخرى، لا يمكن وبأي شكل تهميش دوره في أي حلول متعلقة بالقضية الفلسطينية".
أما محمد كنوش الشرعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك، فقال للأناضول إن "الإسراع في عملية المحاكمة، وهي تعتبر نوعية بالنسبة للقضايا الموجودة في المحاكم الأردنية، يدل على إصرار الأردن على عدم السماح بالتدخل في شؤونه الداخلية، واعتبار السيادة الوطنية الأردنية هي أولوية، ولا تهاون في أي قضية تؤثر على الأمن الوطني".
وزاد بأن "الأردن بعث بالحكم على المتهمين رسالة سياسية، مفادها أنه لن يسمح لأية جهة كانت بالتدخل في قراراته"، وتابع: "على الرغم من حمل عوض الله للجنسية الأمريكية، إلا أن الولايات المتحدة لن تحاول التأثير على قرار الأردن، خاصة أن واشنطن تدرك أهمية استقرار المملكة كحليف استراتيجي في المنطقة".
ورأى أن "بعض الدول (لم يسمِّها) لا يعجبها مواقف الأردن في العديد من القضايا الإقليمية، خاصة الملف الفلسطيني؛ لذا فهي تحاول التأثير على أمنه واستقراره والضغط عليه بشتى الوسائل والطرق".