كانت جلسة مجلس الأمن بشأن سد النهضة، مصدر إحباط لمصر والسودان، وبدا من الواضح أن البلدين بحاجة إلى أكثر من الحجة والمنطق لإقناع الدول الكبرى للتدخل في أزمة سد النهضة، فكيف سترد القاهرة على مواقف الدول الكبرى التى تراها لا مبالية.
ولم تبد أي دولة كبرى خلال جلسة مجلس الأمن بشأن سد النهضة تأييداً لطلب مصر والسودان بالتدخل عبر فرض إطار زمني للمفاوضات وتوسيع الوساطة لتضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إضافة للاتحاد الإفريقي الذي يقود الوساطة حالياً.
فقد مرَّت عشر سنوات منذ أن بدأت أديس أبابا تبني مشروع سد النهضة الكبير. بدأت المفاوضات بين الدول الثلاث، إثيوبيا والسودان ومصر، بعد فترةٍ وجيزة من انطلاق المشروع. والآن، تقف المحادثات اللانهائية عند طريقٍ مسدود، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.
منذ ذلك الحين، أصبح أكبر مشروعٍ للطاقة الكهرومائية في إفريقيا مصدراً للنزاع. تقول إثيوبيا إن السدَّ ضروريٌّ لتوليد الكهرباء وتحسين حياة 115 مليون نسمة يعيش الكثيرون منهم في الظلام. وتخشى مصر من تأثير السدِّ على حصتها البالغة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق، بينما تساور السودان مخاوف بشأن تنظيم تدفُّق المياه إلى سدود البلاد.
يمتدُّ السد الكبير، الذي تبلغ تكلفته 4.8 مليار دولار على مجرى النهر، على بُعدِ أميالٍ قليلة قبل حدود السودان. وبمجرد انتهاء الخزان، سوف تُنشَأ بحيرةٌ اصطناعية من 74 مليار متر مكعب من المياه- أكبر من لندن الكبرى. ويهدف ضغط المياه إلى تشغيل 16 توربيناً، وتخطِّط إثيوبيا لتوليد 6 آلاف ميغاوات من الكهرباء من خلال هذه التوربينات.
مواقف حيادية للدول الكبرى في جلسة مجلس الأمن بشأن سد النهضة
بناءً على طلب مصر والسودان، تم عقد جلسة مجلس الأمن بشأن سد النهضة يوم 8 يوليو/تموز حيث ناقش المجلس التهديدات المحتملة لسد النهضة على المصالح المصرية في مياه النيل.
وردَّد الاجتماع مواقف دولية متباينة وحيادية من عددٍ من الأطراف الدولية الرئيسية. وأدَّى ذلك إلى إضعاف احتمالات تصويت مجلس الأمن على حلٍّ تفاوضي بشأن النزاع حول السد.
علَّقَت مصر آمالها على قرارٍ لمجلس الأمن من شأنه أن يدفع الأطراف المُتنازِعة- إثيوبيا والسودان ومصر- للاتفاق على إطارٍ شاملٍ للمشاركة لحلِّ قضاياهم الخلافية بشأن سدِّ النهضة. وتشمل تلك الاتفاقيات اتفاقية ملء السد وتشغيله، مع منع إثيوبيا من اتِّخاذ قراراتٍ أحادية الجانب.
وخلال جلسة مجلس الأمن بشأن سد النهضة، ألقى الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن كلماتٍ، أكَّدوا فيها أن النزاع لا يمكن تسويته إلا بالوسائل السلمية من خلال التفاوض بنيةٍ حسنة عن طريق وساطة الاتِّحاد الإفريقي.
وبعضها انتقد مصر ضمناً
وحذَّرَ السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، من ضرورة تجنُّب التصريحات الخاصة باحتمالية استخدام القوة لحماية الحقوق من التهديدات المحتملة من سدِّ النهضة. وقال: "نحن قلقون من تصعيد لهجة المواجهة"، وفهم أن ذلك بأنه إشارة ضمنية لمصر، التي سبق أن هدد رئيسها عبدالفتاح السيسي برد فعل يهز استقرار المنطقة إذا تم المساس بحقوق مصر المائية.
وشجَّع ممثِّل الصين، السفير تشانغ جون، جلسة مجلس الأمن بشأن سد النهضة، الأطراف الثلاثة المتنازعة على حلِّ خلافاتهم من خلال التعاون والتحلي بـ"روح التعاون الودي".
وعلى الرغم من إدانة الولايات المتحدة لانتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان في إقليم تيغراي الإثيوبي، كرَّرَت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، الدعوات إلى حلٍّ تفاوضي بشأن سد النهضة عن طريق وساطة الاتحاد الإفريقي، مع إبداء الاستعداد لتقديم الدعم والتسهيلات الأمريكية المستمرة.
وبينما أعربت السفيرة عن قلقها بشأن خطورة الوضع في القرن الإفريقي، حذَّرَت من أن "القرارات في الأسابيع والأشهر المقبلة ستكون لها تداعيات كبيرة وطويلة الأجل على شعوب المنطقة".
وكرَّرَت توماس غرينفيلد التزام الولايات المتحدة بـ"معالجة الأزمات الإقليمية المترابطة ودعم القرن الإفريقي المزدهر والمستقر".
مصر تلوح بحماية حقوقها إذا تعرَّضَ بقاؤها نفسه للخطر
في المقابل، أكَّد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في خطابه أمام جلسة مجلس الأمن بشأن سد النهضة على مساعي مصر في التحلي بضبط النفس في مواجهة الممارسات الإثيوبية ومحاولات السيطرة والاستيلاء على نهر النيل.
وقال إن مصر ملتزمةٌ بـ"السير على طريق السلام من خلال السعي لتسوية هذه الأزمة من خلال اتفاقٍ عادلٍ يحفظ مصالح الأطراف الثلاثة". وقدَّم شكري شرحاً موجزاً للمفاوضات الفاشلة سواء تحت مظلة الاتحاد الإفريقي أو بمشاركة أطراف دولية مثل الولايات المتحدة والبنك الدولي.
وفي إشارةٍ إلى أن جهود مصر لبناء جسور الثقة باءت بالفشل، انتقد شكري سياسات إثيوبيا وقرارها الأحادي ببدء الملء الثاني لخزَّان السد، متجاهلةً القوانين والأعراف الدولية. وقال: "هذا التصرُّف الصريح من جانبٍ واحد ليس فقط مظهراً من مظاهر عدم مسؤولية إثيوبيا ولامبالتها القاسية إزاء الأضرار التي يمكن أن يلحقها ملء هذا السد بمصر والسودان.. ولكنه يوضِّح أيضاً سوء نية إثيوبيا ومحاولتها فرض أمر واقع في تحدي الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي".
ولخَّصَ شكري الخطوات المحتملة المقبلة إذا لم يحسم مجلس الأمن الخلاف على السد. وقال: "لن يبقى لمصر بديلٌ سوى دعم وحماية حقها الأصيل في الحياة الذي تضمنه قوانين وأعراف الدول وضرورات الطبيعة"، إذا تعرَّضَت حقوقها على ضفاف النيل للخطر أو تعرَّضَ بقاؤها نفسه للخطر.
السودان بدأ يعاني بالفعل
وبالإضافة إلى الدعوة إلى اتفاقٍ قانوني مُلزِم يحمي مصالح دول المصب، ركَّزَت وزيرة الخارجية السودانية مريم المهدي في كلمتها أمام جلسة مجلس الأمن بشأن سد النهضة على المعاناة الإنسانية والاجتماعية للشعب السوداني نتيجة الإجراءات الإثيوبية أحادية الجانب. وأشارت إلى أن إثيوبيا أخطرت السودان في يونيو/حزيران الماضي بفتح بوابات السد، مِمَّا سمح بتدفُّق 2.5 مليار متر مكعب من المياه في 72 ساعة فقط، الأمر الذي أثار الذعر في مجتمعات المصب السودانية.
وفي محاولةٍ لحشد المجتمع الدولي لدعم موقفها، عقدت مصر والسودان جولاتٍ واجتماعاتٍ دبلوماسية مُكثَّفة قبل اجتماع مجلس الأمن. وكان سامح شكري في نيويورك قبل ثلاثة أيام من الاجتماع، وأجرى عدة محادثات مع مسؤولين بارزين، على رأسهم سفراء الأمم المتحدة لكلٍّ من الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والهند وإستونيا، علاوة على الأمين العام للأمم المتحدة. وأوضح شكري الموقف المصري وخطورة الأزمة على السلم والأمن الإقليميَّين، وشدَّد على ضرورة أن يتحمَّل المجتمع الدولي مسؤولياته للضغط من أجل اتفاقٍ عادلٍ ومُلزِمٍ قانونياً.
وإثيوبيا لا تكترث
وردَّت إثيوبيا بمزيدٍ من عدم الاكتراث. ولم يشارك وزير الخارجية الإثيوبي في الوفد الرسمي إلى اجتماع مجلس الأمن. وفي المقابل، عبَّرَ وزير المياه والطاقة الإثيوبي، سيليشي بيكيلي، عن آراء بلاده بأن المناقشات حول سد النهضة "لا تتناسب مع وقت المجلس". وأشار إلى أنه لا جدوى من طرح موضوع فني أمام مجلس الأمن الذي قال إنه هيئةٌ سياسية معنية بالأمن.
علاوة على ذلك، كانت إثيوبيا قد استقبلت اجتماع مجلس الأمن برسالةٍ أرسلها بيكيلي إلى نظيريه في مصر والسودان في 5 يوليو/تموز، لإبلاغهما ببدء المرحلة الثانية من ملء بحيرة سد النهضة.
وردَّ وزير المياه والري المصري، محمد عبدالعاطي، برسالةٍ رسمية في اليوم نفسه، مؤكِّداً رفض مصر القاطع لهذا الإجراء الأحادي الجانب الذي يخالف إعلان المبادئ والقوانين الدولية المنظِّمة للمنشآت على الأحواض المشتركة للأنهار الدولية.
وأفاد السودان بالرفض نفسه، إذ تجاهلت وزارة الخارجية السودانية إخطار إثيوبيا في بيانٍ صحفي في 6 يوليو/تموز، ورفضته واصفةً إياه بأنه عديم الجدوى ما لم يجرِ التفاوض على اتفاقٍ نهائي وملزم.
لا يوجد أي طرف ضغط على إثيوبيا أو استنكر ملء السد
وقال مصدرٌ دبلوماسي مصري مقرَّب من فريق التفاوض بشأن سد النهضة، طلب عدم كشف هويته، لموقع Al-Monitor الأمريكي: "لم نرَ أيَّ ضغطٍ حقيقي على الجانب الإثيوبي لحثِّه على العودة إلى المفاوضات وفق مبدأ حسن النية. ولم يستنكر أيُّ طرفٍ دولي عمليتي الملء الأولى والثانية من جانب إثيوبيا للسد، بغض النظر عن رفض دول المصب".
وأوضح المصدر أن "استئناف المفاوضات يجب أن يرتبط بضماناتٍ دولية أكثر جدية، والتزامٍ بالتوصُّل إلى حلولٍ فعَّالة وملزمة خلال فترةٍ زمنية مُحدَّدة. وهذا هو هدف مصر. وبدون هذه الضمانات، لا أتوقَّع أن تقبل القاهرة العودة إلى المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، الذي فشلت مبادراته وجولاته خلال العامين الماضيين".
هل تلوح مصر بمقايضة الاستقرار اللازم للاستثمارات الدولية بمياه النيل؟
وقال أيمن عبدالوهاب، الباحث المصري في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: "لن يختلف الموقف الدولي من سد النهضة كثيراً عن وجهات النظر التي تردَّدت في اجتماع مجلس الأمن. كان الهدف الرئيسي لمصر هو حثَّ المؤسسات الدولية على تحمُّل مسؤولياتها". وأضاف: "لم يكن من المُتوقَّع اتِّخاذ مواقف حاسمة من المجتمع الدولي، باستثناء الالتزام بالحياد".
وقال عبدالوهاب: "على مصر أن تحشد كلَّ القوى الدولية لإعادة النظر في مواقفها. يمكن وضع عدة سيناريوهات تعزِّز فكرة مقايضة الأمن والاستقرار بالمصالح والاستثمارات الدولية في المنطقة. إذا لم تشعر القوى الدولية بخطورة الوضع، فلن يكون هناك تحرُّكٌ فعَّال. وحتى المواقف التي تبدو إيجابية، مثل الموقف الأمريكي، غير فعَّالة. لن تغيِّر الصين أو روسيا أو الولايات المتحدة مواقفها ما لم تتخذ مصر إجراءً يجبرها على إعادة النظر. لم يكن الحوار والسلام مع إسرائيل ممكنين إلا بعد انتصار مصر في حرب 1973″، حسب تعبيره.
وشدَّد عبدالوهاب على أهمية الضغط على الدول لحماية استثماراتها من أيِّ تهديدٍ محتمل للسلم والأمن في المنطقة، وقال إن مواقف الدول مرتبطة بشكلٍ أساسي بمواقف الشركات العالمية في هذه المنطقة، حسبما نقل عنه موقع Al-Monitor.
وتبقى تحرُّكات مصر المقبلة مشروطة بقرارٍ دولي حاسم، باستئناف المفاوضات بشأن المراحل التالية من ملء السد وتشغيله. كانت إثيوبيا تخطِّط لجمع 13.5 مليار متر مكعب. لكن مشكلاتٍ فنية تسبَّبَت في تأخير وخفض كميات المياه المُتوقَّع ملؤها خلال موسم الأمطار الحالي إلى أقل من 5 مليارات متر مكعب من المياه. وقد يكون هذا التأخير فرصةً للتوصُّل إلى اتفاقٍ قبل أن تُفرَض أيُّ مخاطر جسيمة على مصالح مصر والسودان كأمرٍ واقع.