كارثة جديدة حصدت أرواح العشرات من مصابي كورونا في العراق، بسبب حريق بمستشفى الحسين في ذي قار، بعد أقل من ثلاثة أشهر من حريق بمستشفى ابن الخطيب ببغداد، فما قصة تلك المحارق ولماذا تتكرر؟
الحريق الذي اندلع مساء الإثنين 12 يوليو/تموز، في جناح مخصص لعزل ومعالجة مصابي فيروس كورونا داخل مستشفى الحسين في محافظة ذي قار جنوب العراق أودى بحياة 70 شخصاً وأصاب أكثر من 100، وحصيلة الضحايا مرشحة للارتفاع، وسط تضارب في المعلومات الخاصة بالحادث.
وتسبب الحادث، الذي تكرر للمرة الثانية، وتقريباً بنفس الطريقة للمرة الثانية خلال أقل من ثلاثة أشهر، في اشتعال مواقع التوصل الاجتماعي في العراق، وتجمع حشود من المواطنين في ذي قار يصبون جام غضبهم على "الفساد والفاسدين"، ومطالبين بمحاسبة المسؤولين.
ما أسباب اندلاع الحريق؟
بحسب مسؤولين بقطاع الصحة والشرطة في العراق، يرجع سبب الحريق في مستشفى الإمام الحسين في مدينة الناصرية بذي قار "على الأرجح إلى انفجار خزان أوكسجين بالمستشفى، في الجناح المخصص لمرضى كورونا"، بحسب رويترز.
وقال مراسل لرويترز في موقع الحريق "الفرق الطبية أخرجت جثثاً متفحمة من المستشفى المحترق، بينما دخل مرضى كثيرون في نوبة سعال بسبب الدخان المتصاعد".
وقال مسؤولون بوزارة الصحة، إن عمليات البحث مستمرة في مستشفى الحسين بعد السيطرة على الحريق، لكن الدخان الكثيف يجعل من الصعب دخول بعض الأقسام المحترقة.
وقال أحد العاملين في مجال الصحة لرويترز، قبل أن يدخل المبنى "النيران المستعرة حاصرت مرضى كثيرين داخل قسم كورونا، وفرق الإنقاذ تكافح للوصول إليهم".
وقال شرطي في الموقع، إن تقارير الشرطة الأولية ترجح أن الحريق نجم عن انفجار خزان أوكسجين داخل قسم مرضى كوفيد-19.
وقال علي محسن، وهو حارس بالمستشفى كان يساعد في حمل المرضى المصابين بعيداً عن الحريق، "سمعت انفجاراً مدوياً داخل قسم فيروس كورونا، ثم نشب حريق بسرعة هائلة".
كيف جاء رد فعل الحكومة على الحريق؟
عقد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي اجتماعاً طارئاً ضم عدداً من الوزراء والمسؤولين والقيادات الأمنية "للوقوف على أسباب الحادث"، وخرج الاجتماع بقرارات منها وقف "وحجز مدير صحة ذي قار ومدير المستشفى ومدير الدفاع المدني في المحافظة، وإخضاعهم للتحقيق أعلاه". كما أعلن الكاظمي الحداد الرسمي على أرواح الضحايا، دون الإشارة إلى أيام محددة.
وكان محافظ ذي قار أحمد غني الخفاجي، قرر وفق بيان صادر عنه مساء الإثنين تشكيل لجنة عليا للتحقيق في ملابسات الحريق، على أن تُقدم تقريرها النهائي خلال 48 ساعة فقط لإعلانه للرأي العام. كما قرر المحافظ إعلان الحداد في ذي قار على ضحايا الحريق، وتعطيل الدوام الرسمي بها لمدة 3 أيام بدءاً من الثلاثاء.
من جانبه، قال رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، في تغريده عبر "تويتر"، إن فاجعة مستشفى الحسين "دليل واضح على الفشل في حماية أرواح العراقيين"، واعتبر أنه "آن الأوان لوضع حد لهذا الفشل الكارثي، والبرلمان سيحول جلسة الثلاثاء لتدارس الخيارات بخصوص ما جرى".
أما الرئيس العراقي برهم صالح، فقد كان الوحيد بين كبار المسؤولين في البلاد الذي أشار بأصابع الاتهام إلى "الفساد"، إذ قال عبر تويتر: "فاجعة مستشفى الحسين في ذي قار وقبلها مستشفى ابن الخطيب في بغداد، نتاج الفساد المستحكم وسوء الإدارة الذي يستهين بأرواح العراقيين ويمنع إصلاح أداء المؤسسات، التحقيق والمحاسبة العسيرة للمقصرين هو عزاء أبنائنا الشهداء وذويهم، لا بد من مراجعة صارمة لأداء المؤسسات وحماية المواطنين".
هل اختلفت ردود الفعل عن الحريق السابق؟
يمكن القول إن الطريقة التي اندلع بها الحريق في مستشفى الحسين بذي قار تكاد تكون متطابقة مع الحريق الذي اندلع في مستشفى ابن الخطيب ببغداد، في أبريل/نيسان الماضي، وتسبب في إزهاق أرواح 82 عراقياً وإصابة 110 آخرين.
فانفجار ابن الخطيب نجم أيضاً عن انفجار خزان أوكسجين في المستشفى المخصص لعزل وعلاج مرضى كورونا، وهو السبب المرجح أيضاً لما حدث في مستشفى الحسين بذي قار، رغم عدم صدور نتيجة التحقيق الرسمي حتى الآن.
وأثار حريق مستشفى ابن الخطيب، الذي اندلع يوم 24 أبريل/نيسان بالتحديد، أي قبل أقل من ثلاثة أشهر من الآن، ثورة عارمة على منصات التواصل الاجتماعي، ووقتها أيضاً، قرر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إيقاف وزير الصحة حسن التميمي، ومحافظ العاصمة بغداد محمد جبر، ومسؤولين آخرين، عن العمل، ولاحقاً قدم وزير الصحة استقالته من منصبه.
وبالتالي فإن تكرار حادث مأساوي لهذه الدرجة ولنفس السبب خلال هذه الفترة الزمنية القليلة، لا بد أن يطرح تساؤلات جادة بشأن الأسباب الكامنة وراء وقوع حريق في مستشفى يستمر ساعات طويلة ويلتهم عشرات وربما مئات الأرواح، فهل السبب هو نقص إمكانات السيطرة على الحرائق بعد اندلاعها؟ أم نقص إجراءات الحماية ضد الحرائق؟ أم أن السبب مزيج مأساوي من الاثنين؟
فأبسط قواعد المنطق تشير إلى أنه في أعقاب حريق مستشفى ابن الخطيب ببغداد كان لا بد أن تصبح مسألة تأمين المستشفيات عموماً، والمستشفيات التي يتم فيها عزل وعلاج مرضى كورونا خصوصاً، الشغل الشاغل لوزارة الصحة العراقية ووزارة الدفاع المدني وإداراتهما حول البلاد وفي جميع المحافظات.
والطبيعي أيضاً أن يكون تأمين خزانات الأوكسجين وأماكن تخزينها على رأس أولوية التأمين ضد الحرائق، فالأوكسجين أمر حتمي لمرضى كورونا الذي يصيب الجهاز التنفسي، كما أنه في الوقت نفسه سريع الاشتعال ويحتاج إجراءات خاصة لحمايته، لكن مقاطع الفيديو التي أظهرت بداية الحريق -أو بالأحرى- المحرقة التي اشتعلت في مستشفى الحسين بذي قار، تظهر دخاناً كثيفاً من داخل الجناح الخاص بعزل وعلاج مصابي كورونا، وسط حالة من الارتباك وعدم التنظيم وغياب كامل لمسؤولي الدفاع المدني أو فنيي إطفاء الحرائق، في مؤشر واضح على غياب أبسط إجراءات الحماية المدنية في المستشفى.
قصة "الفساد" الذي لا تبدو له نهاية
الواضح أن هناك إجماعاً في العراق على أن "الفساد المستشري" في البلاد هو السبب الرئيسي وراء تلك الكوارث التي تحصد أرواح العراقيين، وبالتالي فإن تكرار الحرائق أمر وارد ما دام سببها قائماً.
وعبر كثير من العراقيين عبر حساباتهم على منصات التواصل عن تلك الحقيقة المؤلمة، فقال أحدهم عبر تويتر: "كل سارق للمال العام مسؤول عن حريق الناصرية اليوم"، وهي رسالة تكررت تقريباً في أغلب التعليقات على قرارات مجلس الوزراء بشأن حريق مستشفى الحسين.
وفي تغريدة أخرى، تساءل عراقي عن "هوية الفساد"، إذا كان رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان ورؤساء الأحزاب والفصائل يوجهون "له" أصابع الاتهام، فمن هو إذن؟
وكان العراقيون قد لجأوا للاحتجاجات العارمة في شوارع البلاد، منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2019، اعتراضاً على "الفساد المستشري" والذي تسبب في انهيار الخدمات الأساسية من الصحة للتعليم إلى الكهرباء ومياه الشرب، وهي الاحتجاجات أو "الثورة" كما يسميها نشطاء الحراك الشعبي، التي أدت لاستقالة حكومة عادل عبدالمهدي، العام الماضي، ومن ثم تولي الكاظمي رئاسة الحكومة، استعداداً لإجراء انتخابات عامة مقرر لها أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وكان العراق معروفاً حتّى ثمانينيات القرن الماضي بنظامه الصحي المتميز بين الدول العربية، وبجودة خدمات مستشفياته التي كانت تقدم خدماتها مجاناً، لكنّه أصبح يعاني تدهوراً على هذا الصعيد، وسط ضعف تدريب كوادره الصحيّين، وقلّة موارد وزارة الصحّة التي لا تتجاوز 2% من مجمل موازنة الدولة.
وأصبحت البنية التحتيّة الصحية في العراق متهالكة، شأنها شأن البنية التحتية لباقي القطاعات الخدمية وغير الخدمية، والاستثمار في الخدمات العامّة محدود والسبب الرئيسي هو "الفساد المستشري"، الذي يشكو منه الجميع حكاماً ومحكومين.
الخلاصة هنا أن العراقيين في الناصرية بذي قار يعيشون مأساة مزدوجة، بسبب الوباء وبسبب الحريق الذي أودى بحياة المصابين به، وترك البعض من أحبائهم يسعى للحصول على جسد المتوفَّى ليدفنه، دون حتى أن يتمكن من ذلك. وهي المأساة التي عاشها عراقيون أيضاً في بغداد قبل أقل من ثلاثة أشهر وبنفس التفاصيل تقريباً، ولا يبدو أنها ستكون المحرقة أو المأساة الأخيرة، فالجاني لا يزال حراً طليقاً دون محاسبة، ويبقى السؤال: متى وأين تتكرر المأساة؟