يواجه الاقتصاد الأمريكي مخاطر محتملة خلال الأشهر القادمة جراء السياسات المالية التي تم اتباعها لمجابهة الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا.
فالظروف الاقتصادية الحالية في الولايات المتحدة غير مسبوقة من نواح كثيرة؛ حيث تم إغلاق العديد من أجزاء الاقتصاد لمدة عام تقريباً، وارتفع الطلب لبعض الأشياء، بينما انهار لأخرى.
في غضون ذلك، تدفقت مبالغ غير مسبوقة من دولارات التحفيز على جيوب الأمريكيين المقدمة من الحكومة الفيدرالية، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
قد تسبب هذا في حدوث "تشوهات" في الاقتصاد، وفقاً لتصريحات مؤسس مؤسسة DoubleLine Capital المالية جيفري جوندلاخ.
تراجع الدولار أحد المخاطر التي تواجه الاقتصاد الأمريكي
ويتوقع هذا الاقتصادي الأمريكي استمرار انخفاض الدولار، قائلاً: "الدولار ينخفض. أعتقد أن هذا هو العمود الفقري لكل شيء. ولذا، هذا هو الشيء الأكثر أهمية".
وحذر جوندلاخ أيضاً من ارتفاع التضخم المحتمل، على الرغم من اتفاقه مع الاقتصاديين الذين يقولون إنه قد يكون مؤقتاً للغاية.
وقال جوندلاخ أيضاً: "التضخم ينفجر حقاً في الاتجاه الصعودي في أجزاء معينة من الاقتصاد الأمريكي؛ على سبيل المثال السيارات المستعملة، حيث تضاعفت الأسعار تقريباً خلال العام الماضي، وذلك لأنه أثناء الوباء عندما لم يكن أحد يسافر، باعت شركات تأجير السيارات الكبرى أجزاء كبيرة من مخزونها، مما أدى إلى نقص في أسطول شركات تأجير السيارات هذا الربيع".
وأشار جوندلاخ أيضاً إلى التشوهات في سوق الإسكان، التي شهدت ارتفاعاً كبيراً في الأسعار مؤخراً، مع وصول المطروح إلى أدنى مستوياته منذ سنوات، حتى إنه كان هناك نقص في الأخشاب.
أما بالنسبة للعقارات التجارية فلا تزال معدلات الإشغال منخفضة بشكل غير عادي.
على الرغم من كل هذا الانتعاش في أجزاء من الاقتصاد الأمريكي وبعض هذه الظواهر التضخمية التي تحدث، لفت جوندلاخ إلى عدم حدوث إعادة لأعداد كبيرة من الشركات لعمالها إلى المكاتب.
أسباب التضخم أكبر من كورونا
ويعكس ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة مجموعة من العوامل المؤقتة والهيكلية. على سبيل المثال، ففي حين تسببت عمليات الإغلاق الجزئي المرتبطة بالوباء في انخفاض الإنتاج، فلقد أدت برامج التحفيز الحكومية الكبيرة إلى استمرار الطلب من قبل الأسر، والذي يتجاوز العرض في العديد من القطاعات.
من المفترض أن تختفي هذه المشكلة بمجرد عودة الإنتاج إلى إمكاناته الكاملة، حسب منصة Project Syndicate غير الربحية.
وصرح جوندلاخ أيضاً بأن جهود التحفيز الأخيرة لم تكن جيدة بالنسبة للعجز التجاري؛ حيث إن العديد من الناس، كما قال، أنفقوا تلك الأموال على المنتجات المصنوعة في آسيا.
ولكن على الرغم من أن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي يعتبرون الزيادة الحالية في التضخم مؤقتة إلى حد كبير، إلا أن لها أيضاً أسباباً هيكلية في الاقتصاد الأمريكي لا ترتبط تماماً بالوباء.
فلقد أدت الزيادات الصارمة للتعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب على الواردات من الصين- من متوسط حوالي 3% في عام 2018 إلى أكثر من 20% في غضون ثلاث سنوات- إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، خاصة بالنسبة للأسر الأمريكية ذات الدخل المنخفض.
وأدت الزيادات التعريفية التي أثرت على الأجزاء والمكونات المستوردة من الصين إلى زيادة أسعار المنتجات النهائية.
كما أدت سياسات ترامب إلى زيادة الأسعار المحلية للسلع المستوردة من دول مثل فيتنام والمكسيك، وكذلك أسعار المنتجات الأمريكية الصنع التي تعتبر بدائل للواردات الصينية.
وحتى قبل ذلك، كانت السياسة النقدية الأمريكية تعتمد على المنشطات التوسعية منذ عام 2008. وبينما أدت استجابة بنك الاحتياطي الفيدرالي للركود الناجم عن الوباء إلى زيادة المعروض النقدي بشكل أكبر، فإن السياسة النقدية كانت فضفاضة للغاية قبل أزمة COVID-19، حتى عندما كانت البطالة الأمريكية منخفضة.
وما زال عجز الميزانية يلقي بثقله على الاقتصاد الأمريكي حيث يتجاوز 20% من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم التوقعات بأن زيادة النمو في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي ستكون قوية، في المقابل فإذا لم يكن هناك عجز في الإنفاق، فلن يكون هناك نمو اقتصادي في الولايات المتحدة.
وقال جوندلاش، لموقع بيزنس إنسايدر الأمريكي: "إذا أخذنا العجز فجأة إلى الصفر، فسنحصل في الواقع على نمو سلبي في الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 10% على الفور تقريباً؛ لذلك فنحن نعيش بالتأكيد في اقتصاد يغذيه بشكل غير عادي الميزانية العمومية لبنك الاحتياطي الفيدرالي".
تصرفات الفيدرالي الأمريكي سيدفع ثمنها بقية العالم
ومع استمرار التضخم في الولايات المتحدة في التسارع، مع ارتفاع أسعار المستهلكين بنسبة 5% على أساس سنوي في مايو/أيار، ليس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وحده هو الذي يحتاج إلى أن يظل يقظاً ولكن يجب على صانعي السياسات في جميع أنحاء العالم- وفي الاقتصادات الضعيفة على وجه الخصوص- الاستعداد لاحتمال ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية بشكل أسرع وأسرع مما تتوقعه معظم التوقعات حالياً.
إذا فشل بنك الاحتياطي الفيدرالي في إبقاء التضخم بالقرب من هدفه المنشود وهو 2%. في حالة حدوث ذلك، ستبدأ طلبات أجور الموظفين وتحديد أسعار الشركات في عكس احتمالية ارتفاع التضخم إلى 5% أو أكثر ما لم يكبح بنك الاحتياطي ذلك عن طريق رفع أسعار الفائدة بشكل كبير.
وإذا ارتفعت أسعار الفائدة الأمريكية بشكل حاد، يخبرنا التاريخ أن نوعين من البلدان قد يواجهان صعوبات مالية واقتصادية خطيرة. تتألف المجموعة الأولى من الاقتصادات التي تمول جزءاً كبيراً من استثماراتها أو استهلاكها عبر ديون بالعملات الأجنبية، عن طريق الاقتراض إما من البنوك الأجنبية أو من أسواق السندات الدولية.
وكذلك البلدان التي لديها ديون كبيرة قصيرة الأجل بالعملات الأجنبية (أقل من سنة واحدة حتى تاريخ الاستحقاق) واحتياطيات منخفضة نسبياً من العملات الأجنبية معرضة بشكل خاص لأزمة ديون أو أزمة مصرفية حادة.
وتتألف المجموعة الثانية من بلدان ذات سعر صرف ثابت مبالغ فيه، مما يجعلها عرضة لتدفق المضاربة على عملاتها مع احتمالات أزمات في أسعار الصرف لديها؛ لذلك، إذا قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بتشديد السياسة بشكل كبير، فيمكننا توقع رؤية عدد من أزمات الديون والعملات في أمريكا الوسطى والجنوبية وإفريقيا وآسيا في الفترة من العامين إلى الخمسة أعوام المقبلة، حسب منصة Project Syndicate.
هذا هو سبب أهمية سياسة التضخم وأسعار الفائدة الأمريكية للكثيرين. فعندما تعطس الولايات المتحدة، قد يصاب بقية العالم بنزلة برد، لكن لا ينبغي على الدول الأخرى أن تتوقع من أمريكا أن تدير سياستها النقدية بشكل مختلف أو تراعي بقية العالم في سياستها النقدية نتيجة لذلك.
حتى الصين سوف تعاني
حتى البلدان التي ليست في أي من فئتي المخاطر السابقتين، ستحتاج إلى مواجهة التحدي المتمثل في التضخم المستورد. الصين، على سبيل المثال، تشعر بقلق عميق حيال هذا الأمر، على الرغم من أن لديها حالياً ديون متواضعة نسبياً بالعملات الأجنبية وتحتفظ بمستوى عالٍ من احتياطيات النقد الأجنبي.
لمنع التضخم المستورد من تأجيج التضخم المحلي، سيحتاج بنك الصين الشعبي "البنك المركزي" إلى تشديد إمداداته الخاصة من السيولة للاقتصاد. ولكي تكون مثل هذه السياسة فعالة، يجب على الصين إما إدخال المزيد من المرونة في أسعار الصرف أو تشديد ضوابطها على رأس المال، علماً بأن النهج الأول على الأرجح أفضل بكثير للاقتصاد على المدى الطويل.
قد يكون أمام الاقتصادات المعرضة للخطر ستة أشهر أو نحو ذلك لتنفيذ تدابير ذاتية قبل حدوث أي تشديد مفاجئ في السياسة النقدية الأمريكية.
وتنصح منصة Project Syndicate الدول بالعمل على جعل أسعار الصرف الخاصة بها أكثر مرونة، وتقليل اعتمادها على ديون العملات الأجنبية، وزيادة احتياطياتها من العملات الأجنبية.