بات الحديث عن مطار كابول وحتمية الحرص على تأمينه متكرراً بصورة لافتة مع قرب اكتمال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، فما سر الإصرار الدولي على تأمين المطار؟ ولماذا تركيا بالتحديد؟
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أيام إن عملية الانسحاب من أفغانستان ستكتمل مع نهاية أغسطس/آب المقبل، معترفاً بأن الولايات المتحدة "لم تحقق انتصاراً" في تلك الحرب التي استمرت عقدين كاملين. وكانت أمريكا قد غزت أفغانستان بعد هجمات سبتمبر/أيلول 2001 التي نفذها تنظيم القاعدة على الأراضي الأمريكية، وأدى رفض حركة طالبان التي كانت تحكم البلاد وقتها تسليم زعماء القاعدة إلى إقدام الولايات المتحدة على غزو البلاد في إطار ما وصفته "بالحرب على الإرهاب".
وعلى الرغم من الأوضاع غير المستقرة تماماً في أفغانستان، في ظل اقتراب حركة طالبان من السيطرة على البلاد مرة أخرى، تريد إدارة بايدن وحلفاؤها في حلف الناتو الإبقاء على بعثاتها الدبلوماسية في البلاد، ومن هنا تأتي أهمية تأمين مطار حامد كرزاي أو مطار كابول الدولي، وهو ما يفسر تلك المحادثات الممتدة بشأن كيفية ضمان تأمين المطار.
بايدن وأردوغان بحثا تأمين مطار كابول
وترجع قصة تأمين مطار كابول إلى الشهر الماضي عندما كان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان قال إن بايدن ونظيره التركي رجب طيب أردوغان اتفقا خلال اجتماعهما على هامش قمة زعماء الناتو، على أن تقوم تركيا بدور رئيسي في تأمين مطار كابول، بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، مشيراً إلى أن العمل جارٍ لوضع خطة.
وقبل أيام قليلة قالت وزارة الدفاع التركية إن وزيري الدفاع التركي خلوصي أكار والأمريكي لويد أوستن عقدا، الأربعاء 7 يوليو/تموز "اجتماعاً بنَّاء وإيجابياً" لبحث خطة لتركيا لإدارة وحراسة مطار كابول.
وتجري الآن محادثات مع حلف الناتو، وبالتحديد الولايات المتحدة، بشأن الدعم المالي والسياسي واللوجيستي المطلوب لإنجاز المهمة، خصوصاً أن تأمين المطار أمر ضروري لعمل البعثات الدبلوماسية في أفغانستان بعد الانسحاب.
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في بيان إن أوستن وأكار ناقشا انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان و"جددا التأكيد على أهمية توفير الأمن الملائم" بالمطار، وأضافت أنهما اتفقا على التحدث مرة أخرى في المستقبل القريب.
ما أهمية مطار كابول بعد الانسحاب الأمريكي؟
وتناول تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية ما يمثله مطار كابول من أهمية خاصة للولايات المتحدة وحلفائها في أعقاب اكتمال الانسحاب من أفغانستان، جاء عنوانه لافتاً "بينما تنسحب أمريكا من أفغانستان، مطار كابول هو الوقفة الأخيرة"، رصد أسباب هذا الاهتمام الأمريكي والغربي بتأمين المطار.
وبحسب التقرير فإنه في حال تمكنت أمريكا وحلفاؤها من التوصل لاتفاق مُرضٍ لتركيا كي تبقي على قوات لها لتأمين مطار كابول، فإن ذلك سيسمح للرئيس بايدن بالمضي قُدماً في خطته الإبقاء على السفارة الأمريكية وكذلك البعثات الدبلوماسية للحلفاء حتى بعد أن يغادر آخر جندي أمريكي أفغانستان.
أما إذا لم يحدث ذلك، أي لم تتولّ تركيا مهمة تأمين مطار كابول، فإن خطط بايدن الحفاظ على وجود دبلوماسي غربي كجزء من الجهود الدولية الساعية لمنع سيطرة طالبان الكاملة على البلاد، كما كانت الأوضاع قبل الغزو الأمريكي، على الأرجح سيتم التخلي عنها، وهو ما يعني انتهاء عمل ليس فقط البعثات الدبلوماسية ولكن أيضاً منظمات الإغاثة والمساعدات الدولية.
وقال جون كيربي المتحدث باسم البنتاغون لنيويورك تايمز: "تأمين المطار (مطار كابول الدولي) بأي صيغة أو شكل يتم التوافق عليه ستكون له أهمية قصوى، ليس فقط للولايات المتحدة ولكن أيضاً لأي دولة أخرى تخطط للحفاظ على وجود دبلوماسي لها في كابول".
أما جيمس ستافريديس الأدميرال المتقاعد الذي كان قائداً لقوات الناتو في أوروبا، فكان أكثر صراحة في تفسير أهمية المطار، إذ قال لنيويورك تايمز: "بدون مطار آمن، تتلاشى تماماً القدرة على إدارة أي سفارة لأعمالها اليومية في بلد كبير المساحة مثل أفغانستان. فبالإضافة لتوفير الحماية للأفراد والقدرة على الإخلاء في حالات الطوارئ، لابد من وجود طائرات لنقل الدبلوماسيين الأمريكيين وعمال الإغاثة وضباط المخابرات حول البلاد. وبدون هذه القدرة الأساسية، تصبح مهمة السفارة محكوماً عليها بالفشل".
لماذا تركيا؟ وما هي شروطها؟
تناول تقرير لمجلة National Interest الأمريكية الأسباب التي تجعل تركيا في موضع جيد لتولي تلك المهمة بنجاح، في ظل تزايُد الأحاديث عن تعزيز دور تركيا في أفغانستان. فتركيا هي الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة التي لديها قواتٌ التحالف الدولي في أفغانستان، وكان هناك تفهُّمٌ على مدار فترةٍ طويلة لفوائد انتشار القوات التركية لفترةٍ أطول، وبالتالي فإن تسليم عمليات مطار كابول إلى الأتراك يبدو الخيار الأمثل.
كما أن تركيا لديها الخبرة والقدرة العسكرية لتوفير الأمن في مطار كابول، وتمتلك أنقرة أيضاً مجموعة أدوات دبلوماسية فريدة من نوعها، تجعلها تضع نفسها كوسيطٍ بين الأطراف الأفغانية المتصارعة.
وتتمتَّع تركيا بعلاقاتٍ إيجابية مع باكستان، وتروِّج لنفسها باعتبارها زعيمة أمم آسيا الوسطى، واثنتان من هذه الأمم متاخمتان لأفغانستان. وقبل عامين كان هناك حديثٌ بين مصادر قريبة من محادثات السلام في الدوحة، يدور حول أن طالبان قد تعتبر استمرار الوجود التركي في أفغانستان خارج مهمة الناتو.
لذلك لم يكن الأمر مفاجئاً عندما قدَّمَت تركيا عرضاً لحراسة وتشغيل المطار في اجتماعات وزارات الخارجية والدفاع لحلف الناتو، في مايو/أيار 2021، بعد مغادرة القوات الدولية. ومن ناحيةٍ أخرى، من المُرجَّح أن يفيد العرض أيضاً موقع تركيا داخل حلف الناتو.
وبالتالي فإن تولِّي تركيا مهمة تأمين مطار كابول يبدو مخرجاً إيجابياً لجميع الأطراف، خصوصاً إذا تم توفير التمويل اللازم لهذه المهمة، ولمَّح أردوغان، خلال مؤتمرٍ صحفي بعد اجتماعه مع بايدن في بروكسيل الشهر الماضي، إلى أن باكستان والمجر قد يكون لهما دورٌ في تأمين المطار ذي الأهمية الاستراتيجية.
ولدى تركيا أكثر من 500 جندي يتمركزون في أفغانستان كجزءٍ من مهمة الناتو لتدريب قوات الأمن الأفغانية، ومن المُحتَمَل أن تكون هناك حاجةٌ إلى قواتٍ إضافية لمهمة المطار. وقال وزير الدفاع التركي خلوصي آكار إن عرض أنقرة مرهونٌ بدعم الحلفاء.
وأضاف: "نعتزم البقاء في أفغانستان بحسب الظروف. ما هي شروطنا؟ الدعم السياسي والمالي واللوجستي". وقال: "إذا لُبِّيَت هذه الأمور يمكننا البقاء في مطار حامد كرزاي الدولي".
وأعلن الرئيس التركي، الجمعة 9 يوليو/تموز، أن أنقرة وواشنطن اتفقتا بالفعل على "مدى كيفية تأمين مطار كابول تحت سيطرة القوات التركية" بعد اكتمال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بحسب تقرير لصحيفة Dawn.
وأوضح أردوغان أن المناقشين بين المسؤولين العسكريين في بلاده ناقشوا مع نظرائهم الأمريكيين وفي حلف الناتو مهمة تأمين المطار، مضيفاً أنه "أثناء تلك المناقشات، قررنا مدى تلك المهمة وما سيكون مقبولاً لنا وما سيكون غير مقبول"، دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
ومن جانبهم رحب المسؤولون الأمريكيون "بالالتزام التركي الواضح" بلعب دور قيادي في تأمين مطار كابول الدولي في أعقاب انسحاب قوات الناتو من البلاد.
والخلاصة هنا هي أن مهمة تأمين مطار كابول الدولي التي بات واضحاً أنها أصبحت تقع على عاتق تركيا تمثل فرصة جيدة لأنقرة ومخرجاً لواشنطن وحلفائها يمكنهم من الحفاظ على وجودهم الدبلوماسي في البلاد، لكنها أيضاً مهمة لا تخلو من التحديات في ظل الأوضاع غير المستقرة في أفغانستان حالياً، والسرعة التي تستولي بها طالبان على أقاليم ومناطق سكنية.