هل يقود آبي أحمد إثيوبيا إلى التفكك على غرار الاتحاد السوفييتي؟ فورين بوليسي تقدم الإجابة

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/11 الساعة 09:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/25 الساعة 09:28 بتوقيت غرينتش
رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد /رويترز

أثار إعلان فوز حزب رئيس الوزراء آبي أحمد بأغلبية ساحقة في انتخابات إثيوبيا وبقاء الرجل في منصبه فترة ثانية، تزامناً مع هزيمته في تيغراي، تساؤلات حول مصير البلاد التي تمزقها الصراعات العرقية، على غرار ما حدث للاتحاد السوفييتي.

ونشرت مجلة Foreign Policy الأمريكية تقريراً بعنوان "مشكلات إثيوبيا ليست مشكلات ما بعد استعمارية"، رصد الصراع العرقي الذي تفاقم في الدولة مع وصول آبي أحمد لمنصب رئيس الوزراء، وانعكاسات فوزه في الانتخابات الأخيرة على مستقبل البلاد السياسي والاجتماعي.

إذ لم تنه الهزيمة الأخيرة التي مُنِيَت بها الحكومة الإثيوبية في حرب إقليم تيغراي، شماليّ البلاد، الصراع الذي هدَّد بتمزيق إثيوبيا. وفي المقابل فتحت صندوق باندورا الحقيقية من احتمالاتٍ تتعلَّق بما قد ينتهي به الأمر بالنسبة لإثيوبيا بعد ذلك. وستعتمد الكثير من الأمور على ما إذا كان يمكن التفاوض على وقف إطلاق النار، وما إذا كان ممكناً توصيل الغذاء إلى مئات الآلاف من الضحايا المُحتَمَلين للمجاعة التي يعاني منها إقليم تيغراي.

فوز آبي أحمد في انتخابات لم تُعقد في خُمس البلاد

كان الحزب الحاكم في إثيوبيا قد فاز السبت 10 يوليو/تموز بـ421 مقعداً من أصل 436 في الانتخابات التشريعية التي أُجريت قبل أسابيع، وفق ما أعلنت اللجنة الانتخابية، وهو ما يعتبر بمثابة تمهيد لولاية جديدة لرئيس الوزراء آبي أحمد، الذي وصف النتائج "بالتاريخية"، بحسب تقرير لفرانس24.

وقال آبي في بيان عبر تويتر "هذه الانتخابات ستعتبر تاريخية"، مضيفاً أن حزبه "سعيد بأن إرادة الشعب اختارته لإدارة البلاد". وكان آبي أحمد قد ترشح للمرة الأولى في 21 يونيو/حزيران الماضي، وذلك منذ تعيينه في 2018 إثر موجة مظاهرات مناهضة للحكومة شهدها البلد الإفريقي، بعد أن كانت الانتخابات مقررة في صيف العام الماضي، لكنه اتخذ قراراً بتأجيلها بسبب وباء كورونا.

وكان رفض الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، الحاكمة في الإقليم، لتأجيل تلك الانتخابات وإصرار الجبهة على إقامة الانتخابات المحلية في الإقليم، قد أدى إلى شن آبي أحمد هجوماً عسكرياً، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأعلن الانتصار قبل نهاية الشهر.

تيغراي إثيوبيا
نساء إثيوبيات نازحات من إقليم تيغراي/ رويترز

لكن قوات آبي أحمد تعرضت للهزيمة الشهر الماضي، وانسحبت مع فرار الإدارة المؤقتة التي كان قد عيّنها رئيس الوزراء للإقليم، ولا تزال الأوضاع في تيغراي غير مستقرة، ولم تعقد الانتخابات هناك من الأساس.

ورغم الفوز الساحق الذي حققه حزب آبي أحمد، فإن وثائق نشرتها اللجنة الوطنية للانتخابات لاحقاً أوضحت أنه ينبغي إعادة عملية التصويت في 10 دوائر، وإعادة فرز الأصوات في ثلاث منها.

وأُرجئت الانتخابات مرتين بسبب تفشي فيروس كورونا، ثم لمنح اللجنة الانتخابية مزيداً من الوقت بعدما واجهت صعوبات لوجستية، ورغم هذا الإرجاء لم تحصل عمليات التصويت في نحو خُمس الدوائر الـ547 في البلاد، بسبب مشاكل لوجستية أو أعمال عنف إثنية الطابع، ازدادت وتيرتها في عهد آبي أحمد.

مصير إثيوبيا في تيغراي

رغم احتفاء آبي أحمد بنتيجة الانتخابات فإن كثيراً من الأمور ستعتمد أيضاً على كيفية تأثير نتيجة الحرب في تيغراي على السياسة الأوسع للبلاد، ذلك لأن إقليم تيغراي المُحاصَر يكمن في يده مصير إثيوبيا. لفهم السبب من الضروري استكشاف إثيوبيا كمفهومٍ جغرافي وثقافي وسياسي، بكلِّ ما تتميَّز به من تفرُّدٍ كبير، بحسب تقرير فورين بوليسي.

إثيوبيا عصيةٌ على التحديد بصورةٍ تثير العجب. إنها بؤرة لحضارةٍ سامية وشرق أوسطية، وكأنها ارتحلت من قارة إفريقيا وانخرطت تاريخياً في شؤون اليمن والمملكة العربية السعودية وجيرانها الأفارقة بالمثل، ولغاتها في المرتفعات الشمالية ارتبطت بالعبرية والعربية. ومسيحيتها المونوفيزية تنبعث من طوائف السكَّان الأصليين والأرثوذكسية اليونانية. تمثِّل الأرثوذكسية الإثيوبية ثاني أقدم كنيسة مسيحية رسمية في العالم بعد الكنيسة الأرمنية، رغم ارتباطها باليهودية.

تيغراي
الصراع في تيغراي قائم / رويترز

تمثِّل إثيوبيا أكثر من كونها دولة، حيث اعتمدت هويتها لفترةٍ طويلةٍ للغاية على الاندماج في الإمبراطوريَّتين الإيطالية والعثمانية، ولم يكن هناك أيُّ شيءٍ مصطنع بشأن إثيوبيا. في الواقع لطالما كانت إمبراطوريةً في حدِّ ذاتها بشكلٍ رسمي حتى إطاحة الإمبراطور هيلا سيلاسي في عام 1974، وبشكلٍ غير رسمي منذ ذلك الحين، مع حوالي 80 فئة عرقية داخل نطاقها.

ونظراً لأطرافها المترامية وغير المُوحَّدة من الجنسيات، يمكن مقارنة السياسة والتاريخ الإثيوبيَّين بسياسة وتاريخ يوغوسلافيا وروسيا. لم تُقارَن إثيوبيا بأيٍّ من بلدان إفريقيا من قبل قط. وباستثناء احتلال إيطاليا في عهد موسوليني لبضع سنوات، لم يستعمر الأوروبيون إثيوبيا رسمياً. وأزماتها الراهنة بالتأكيد ليست أزمات ما بعد الاستعمار.

الاستعمار "بريء" من مشكلات إثيوبيا

إذا كانت إثيوبيا هي يوغوسلافيا، فإن جوزيب بروس هو ميليس زيناوي، الذي حكم إثيوبيا من 1991 وحتى وفاته عام 2012، ويمكن القول إنه الزعيم الإثيوبي الأبرع في التاريخ الحديث، إذ نضج من زعيم حرب عصابات إلى رجل دولة، وظهر سياسياً لأول مرة في الثمانينيات، حين كان زعيماً لجبهة تحرير تيغراي. وأدارت النخبة في تيغراي إثيوبيا بشكلٍ أساسي لعقودٍ من الزمن، تحت حكم ميليس وخليفته هايلي مريام ديسالين، قبل ظهور آبي أحمد عام 2018.

الرئيس الإريتري أسياس أفيورقي ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد/رويترز

وقال خبيرٌ في الشأن الإثيوبي يحتلُّ منصباً دبلوماسياً رفيعاً، لفورين بوليسي، واصفاً الوضع الحالي: "كان ميليس يمثِّل أقلية تيغراي تماماً كما كان تيتو يمثِّل أقلية كرواتية وسلوفينية. غالبية الصرب في حالة إثيوبيا، الأمهرة، الذين أرادوا استغلال رئيس الوزراء آبي أحمد، من عرق الأورومو، لاستعادة إثيوبيا". وأضاف: "شعر كلٌّ من الصرب الأرثوذكس والأمهر الأرثوذكس أنهما طرفان متضرِّران، ويحقُّ لهما المزيد من السلطة. انقسمت يوغوسلافيا إلى قطعٍ كثيرة، وقد تكون إثيوبيا في حالةٍ من الفوضى أكبر بكثير".

هناك الكثير من الأحاديث والمقارنات بين إثيوبيا في الوضع الحالي وروسيا من أواخر الحقبة القيصرية وحتى الثورة البلشفية، في هذا النموذج كان غزو الملك منليك الثاني، إمبراطور مملكة الشيوا لإثيوبيا في أواخر القرن التاسع عشر، والتوسُّع اللاحق للأراضي الملكية في أنحاء كبيرة من القرن الإفريقي، يحمل أوجه تشابه مع الفتوحات القيصرية في جميع أنحاء المناطق النائية من القوقاز المُتنوِّع عرقياً إلى آسيا الوسطى.

وكانت إطاحة وقتل آخر إمبراطور إثيوبي، هيلا سيلاسي، على يد القائد العسكري الماركسي منغستو هيلا مريام، تشبه إطاحة العائلة الملكية الروسية وقتلها على يد البلاشفة. وكانت المجاعة التي وقعت في منتصف الثمانينيات، والتي كانت سمةً لسياسة منغستو أكثر منها سمةً للجفاف، تحمل أيضاً أوجه تشابه مع المجاعة التي تسبَّب فيها ستالين في أوكرانيا.

هل يقود آبي أحمد إثيوبيا للتفكك؟

باتِّباع القواعد القوية لمنغستو وميليس، أثبتت فترة حكم هايلي مريام كزعيمٍ لإثيوبيا من 2012 إلى 2018 أنها قصيرة العمر وضعيفة وفوضوية في القالب الخاص ببوريس يلتسن في روسيا، بينما جلب آبي أحمد الحكم القوي من جديد، مع وضع يديه على دولةٍ شبيهة بالإمبراطورية، مستخدماً المعلومات والمعلومات المُضلِّلة إلى جانب استخدام الأجهزة الأمنية كوسيلةٍ للسيطرة ما بعد الحداثة.

ربما من المبالغة بعض الشيء مقارنته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حتى مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتبطة بالحرب في تيغراي، لكن مع ذلك كانت هناك عناصر من الجلاسنوست والبيروسترويكا، اللتين دشَّنهما الزعيم الروسي ميخائيل جورباتشوف، في السنوات الأولى من حكم آبي أحمد.

ثم كان هناك نموٌ اقتصاديٌّ هائلٌ في إثيوبيا على مدار العقد الماضي. وكان السكِّان جميعاً في حالةٍ من الغليان، حيث بدأت ثورةٌ هادئةٌ من التوقُّعات المتزايدة. كانت هذه بمثابة خلفيةٍ للصراع الحالي، إذا أدَّى النمو الاقتصادي ببساطة إلى السلام والاستقرار فإن الحرب العالمية الأولى التي حدثت في ذروة العصر الصناعي في أوروبا لم تكن لتحدث قط.

سد النهضة السودان إثيوبيا مجلس الأمن
أزمة سد النهضة متواصلة بين مصر وإثيوبيا والسودان/رويترز

أما بالنسبة لأهمية الحرب في تيغراي، فهي ليست مجرد صراع عسكري في مقاطعة شمالية، بل حرب للسيطرة على المركز السياسي في أديس أبابا نفسها. والسؤال هو من سيحكم إثيوبيا؟ تيغراي في الشمال أم الأمهرة المهيمنون تاريخياً، أم الأورومو الأقوياء ديموغرافياً، وكثير منهم مسلمون في هذا البلد المسيحي الأرثوذكسي؟ إن القضية الأساسية التي يتعيَّن حلها في إثيوبيا تتعلَّق بالعلاقات بين الأعراق، والتي يعتبر إجراء الانتخابات فيها مجرد تفصيل ثانوي. ومع هذه القضية يأتي جوهر الموضوع: هوية إثيوبيا ذاتها، هل هي إمبراطورية؟ اتحاد فضفاض متعدِّد الجنسيات؟ أم دولة ذات سيطرة مركزية؟

هذا السؤال بالذات لا ينفصل عن الطبيعة المعقدة لرئيس الوزراء المترنِّح الآن، آبي أحمد، وهو من عرق الأورومو. وصف البعض في أديس أبابا آبي أحمد، في الأصل، بأنه مسيحي، يعتقد أن الله أوكل له مهمة إنقاذ إثيوبيا.

مثل الأمميين الليبراليين في الغرب، يؤمن بالفاعلية الإنسانية. ونتيجة لذلك استخفَّ بالجغرافيا والثقافة والجغرافيا السياسية وجميع القوى الحتمية الأخرى للقدر، وبهذا المعنى فإن آبي هو مرآة للعديد من النخب العالمية نفسها، فهو مثلهم من المحتمل ألا يدرك تماماً الطبيعة المستعصية للعديد من الحروب والصراعات، وهذا هو سبب فشله في تيغراي.

الخلاصة، بحسب تحليل فورين بوليسي، هي أن آبي هو نتاج عصره، تماماً كما كان منغستو. طرح بعض الإثيوبيين أنه مثلما ساعدت عقلية دافوس الدولية في إنتاج آبي، ساعدت الحرب الباردة منغستو، الطاغية الذي كان مدعوماً من الكتلة الشرقية. ويرى بعض الإثيوبيين أنفسهم أن أسلوب إدارة آبي أحمد لقضية سد النهضة مع مصر والسودان هو انعكاس لرغبته في تحويل السد إلى قضية وطنية للإثيوبيين على أمل توحيدهم، قفزاً على الصراعات العرقية، رغم أن تلك السياسة تبدو غير ناجعة، وتيغراي خير دليل.

تحميل المزيد