في سابقة تعد الأولى من نوعها، وجَّه الجيش الجزائري تحذيراً شديد اللهجة لقائد قوات الشرق الليبي خليفة حفتر، دون أن يذكره بالاسم، وهدده بردٍّ "قاسٍ وحاسم".
وجاء هذا التهديد على لسان قائد أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة، أمام قادة وضباط الناحية العسكرية الرابعة، الحدودية مع ليبيا، في 29 يونيو/حزيران الماضي، بمدينة ورقلة (جنوب شرق)، بحسب بيان للجيش نقله موقع الإذاعة الجزائرية الرسمية.
ووجه رئيس أركان الجيش الجزائري "أشد التحذير" إلى "كل من تسول له نفسه المريضة والمتعطشة للسلطة، من مغبَّة المساس بسمعة وأمن الجزائر وسلامتها الترابية".
وعندما يتحدث شنقريحة بالقرب من الحدود الليبية عن شخص "مريض ومتعطش للسلطة"، فهذه الصفة لا يمكن أن تنطبق إلا على حفتر، الذي شارك في انقلاب عسكري على الملك إدريس السنوسي (من أصل جزائري) في 1969.
ثم حاول بمساعدة المخابرات الأمريكية الانقلاب على رفيقه معمر القذافي، نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، قبل أن يحاول الانقلاب على حكومة علي زيدان في فبراير/شباط 2014، وحكومة الوفاق الوطني (2016-2020)، والدور اليوم جاء على حكومة الوحدة الوطنية، التي تدعمها الجزائر والمجتمع الدولي.
فتاريخ حفتر، طيلة نصف قرن، مقرون برغبة جامحة في الوصول إلى السلطة بأي ثمن، ولو بالخروج عن الشرعية والتسبب في مقتل آلاف الليبيين، وتدمير مقدرات البلد.
هذا ما دفع قائد أركان الجيش الجزائري إلى أن يتوعد حفتر بأن "الرد سيكون قاسياً وحاسماً، وأن الجزائر القوية بجيشها الباسل، وشعبها الثائر المكافح عبر العصور، والراسخة بتاريخها المجيد، أشرف من أن ينال منها بعض المعتوهين والمتهورين".
غلق حفتر الحدود استفز الجزائر
بعد يوم واحد من خطابه الناري في ورقلة، تنقل قائد الجيش الجزائري للإشراف على مناورة عسكرية بالذخيرة الحية "نصر 2021″، في منطقة جانت، التي لا يفصلها عن مدينة غات الليبية سوى معبر تين الكوم/إيسين الحدودي بين البلدين.
وكان واضحاً أن هذه المناورات رد على رسالة حفتر، عندما سيطرت مجموعاته المسلحة على معبر تين الكوم/إيسين، في 19 يونيو/حزيران، وأعلن الحدود مع الجزائر منطقة عسكرية، بزعم محاربة الجماعة الإرهابية.
وهذا المبرر غير منطقي، لأن الموقعين اللذين تعرضت فيهما عناصر حفتر لتفجيرين انتحاريين، يقعان في كل من مدينة سبها، البعيدة عن الحدود الجزائرية بمئات الكيلومترات، وأيضاً في جبال الهروج، في وسط ليبيا.
بل إن العكس حدث في 2013، لما هاجم تنظيم "الموقعون بالدماء" (كتيبة المرابطين التابعة للقاعدة) بقيادة مختار بلمختار، الذي وضعته واشنطن على قائمة الإرهاب في العام نفسه، المحطة الغازية تيغنتورين بالجزائر انطلاقاً من ليبيا.
لذلك حذَّر قائد أركان الجيش الجزائري، حفتر "من مغبة المساس بسمعة وأمن الجزائر وسلامتها الترابية".
والرد الجزائري لم يكن فقط عبر تحذير وتهديد عسكري ومناورات على الحدود، بل أيضاً من خلال الإسراع في تحضيرات فتح معبر الدبداب/غدامس مع ليبيا، لإظهار للعالم زيف ادعاءات حفتر بالسيطرة على الحدود والمعابر مع الجزائر.
فمعبر الدبداب/غدامس الحدودي يمثل أكبر وأهم معبر من حيث حركة المسافرين والبضائع بين ليبيا والجزائر، قبل أن تغلقه الأخيرة في 2011، بعد تدهور الأوضاع الأمنية إثر اندلاع ثورة على نظام معمر القذافي (1969 – 2011).
إفساد الوساطة الجزائرية
معرفة الجزائر العميقة بالتركيبة القبلية في ليبيا، وعدم دعمها لأي طرف بالسلاح، فضلاً عن نجاح المصالحة الوطنية في إنهاء الحرب الأهلية بالجزائر (1992-2000)، دفع رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبدالحميد الدبيبة، إلى الطلب من الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، مساعدة بلاده في تحقيق المصالحة.
فعقب لقائه مع الرئيس الجزائري، في 30 مايو/أيار، قال الدبيبة: "طلبنا من الرئيس تبون المشاركة في المصالحة الليبية – الليبية، ودولة الجزائر مؤهلة لقيادة ودعم المصالحة الوطنية، بحيث إنها لم تتدخل في المشكل الليبي طيلة السنوات العشر الماضية".
وتابع: "نتمنى من إخوتنا في الجزائر أن يسع صدرهم باستقبالنا وبالتعاون معنا، ونحن ننظر إلى الجزائر كأخ أكبر، نحن شعب واحد في بلدين".
والرئيس الجزائري وافق على هذا الطلب، إلى جانب الاتفاق على فتح معبر الدبداب/غدامس، وتصدير الكهرباء إلى ليبيا، وتعزيز التبادل التجاري بين البلدين.
وبعد أقل من أسبوعين زار نائبا رئيس المجلس الرئاسي الليبي عبدالله اللافي وموسى الكوني، الجزائر، وكان ملف المصالحة أهم ما تمت مناقشته مع المسؤولين الجزائريين.
واعتبر اللافي، أن "التجربة الجزائرية في هذا المجال أقرب إلى ليبيا لنجاح ملف المصالحة الوطنية".
ويبدو أن هذه التفاهمات لم تعجب حفتر، لأن وقوف دولة إقليمية بحجم الجزائر إلى جانب المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة، يهدد خططه لحكم البلاد، ويُخل بالتوازن السياسي والعسكري مع المنطقة الغربية المناوئة له.
فالمصالحة الوطنية بين الليبيين من شأنها إخراج حفتر من المشهد السياسي والأمني بالكامل، ومن مصلحته إفشالها، عبر مزاعم جعل الحدود الليبية مع الجزائر منطقة عسكرية، والسيطرة على معبر حدودي صغير وهامشي ومغلق منذ سنوات.
لماذا يعادي حفتر الجزائر؟
مشاكل حفتر مع الجزائر كثيرة، ويتعامل معها بمنطق "من ليس معي فهو ضدي"، خاصة بعد أن أجهضت، في يناير/كانون الثاني 2015، قراراً كان سيصدر من الجامعة العربية يسمح بتوريد أسلحة إلى حفتر في مواجهة حكومة الإنقاذ بطرابلس.
كما يأخذ حفتر على الجزائر استقبالها في 2014، عدة شخصيات من التيار الإسلامي، على غرار محمد صوان، الرئيس السابق لحزب العدالة والبناء (محسوب على الإخوان)، وأيضاً عبدالحكيم بلحاج، رئيس حزب الوطن (تزعَّم الجماعة الليبية المقاتلة في عهد القذافي).
وإلى اليوم يُصر حفتر على استئصال التيار الإسلامي في ليبيا، ويرفض أي مصالحة معه، وهذا الخيار جُرب في الجزائر (الاستئصال)، ما بين (1992 و2000)، وكانت نتائجه مأساوية وكارثية على عدة أصعدة، خاصةً الأمنية والاجتماعية.
وفي 2016، عندما زار حفتر الجزائر، رفضت الأخيرة استقباله بلباس عسكري، ولم تعترف به كقائد عام للجيش الليبي، بحسب البيانات الرسمية.
واستطاع الوزير الجزائري للشؤون المغاربية والإفريقية والعربية عبدالقادر مساهل، في 2017، أن يزور الأقاليم الليبية الثلاثة (طرابلس برقة وفزان)، وكان حينها المسؤولَ الأجنبي الوحيد الذي تجول بربوع ليبيا في جولة واحدة رغم الانقسام الداخلي.
إلا أن أتباع حفتر في الشرق الليبي اعتبروا زيارة المسؤول الجزائري لمدينة غات الحدودية وما لاقاه من ترحيب لافت من السكان المحليين "انتهاكاً للسيادة"؛ ما دفعه إلى إلغاء زيارته لمدينة أوباري المجاورة.
إذ إن مدينة غات بالتحديد، تعتبر بمثابة الحديقة الخلفية للجزائر، نظراً إلى أنها امتداد قبلي وجغرافي لها، وهذا ما يثير قلق حفتر.
ثم جاء تهديد حفتر في 2018، بنقل الحرب إلى الجزائر، لتفيض الكأس الممتلئة بين الطرفين، وحاولت الأخيرة تجاهل تصريحاته واكتفت بمناورات عسكرية حملت رسائل تحذيرية من مغبة القيام بأي مغامرة متهورة.
وربط حفتر حينها تهديداته، برصد تحركات عسكرية جزائرية داخل الأراضي الليبية، لكن لم يصدر من الجزائر تأكيد أو نفي لصحة هذه المزاعم.
وهذا ما يفسر عدم رغبة حفتر وبعض حلفائه، في أن تحتضن الجزائر جلسات الحوار الليبي.
"الإرهاب".. سلاح حفتر السري ضد الجزائر
تثير تحركات حفتر نحو الحدود الجنوبية الغربية قلق الجزائر ليس لقوتها، التي لا تتعدى 300 سيارة مسلحة، وبضع مئات من الجنود، إنما يتعلق بنواياها العدائية تجاه الجزائر، واحتمال أن تكون بإيعاز من قوى إقليمية ودولية لمحاصرة الجزائر شرقاً وغرباً، أو ببساطة لتهديد أمنها على الحدود، وإثارة الخلافات الحدودية القديمة منذ زمن معمر القذافي (1969-2011).
فالجزائر لطالما طلبت من السلطات والقوى الليبية المختلفة ضبط الحدود المشتركة؛ نظراً إلى تدفق كميات من الأسلحة من ليبيا إلى الجزائر منذ سقوط نظام القذافي في 2011، ما تطلب من الجزائر إرسال عشرات الآلاف من قواتها إلى الحدود الليبية.
فضلاً عن الاعتداء على محطة تيغنتورين الغازية في 2013، والذي يوصف بـ"هجمات 11 سبتمبر/أيلول الجزائرية"، جاء من الأراضي الليبية رغم أن المهاجمين انطلقوا من شمال مالي.
لذلك فالحدود الليبية تشكل تهديداً حقيقياً على الأمن القومي الجزائري، في ظل فراغ أمني تستغله الجماعات المسلحة للتحرك بأريحية في منطقة الساحل الإفريقي.
وأحد الخيارات المتاحة أمام حفتر إطلاق سراح مسلحين معتقلين لديه على الحدود الجزائرية؛ للقيام بعمليات ضدها مثلما فعل مع تونس.
حيث صرح حفتر، في حوار له مع قناة "فرانس24″، في 26 يوليو/تموز 2017، بأن تونس تصدّر أعداداً كبيرة من "الإرهابيين" إلى بلاده، وأن أغلبهم انتحاريون، واعتقلت ميليشياته العديد منهم، وأطلقت سراحهم على الحدود التونسية دون تسليمهم إلى الجهات الأمنية لهذا البلد.
وكان أكبر هجوم إرهابي تعرضت له تونس، في مارس/آذار 2016، عندما حاول إرهابيون فارون من ليبيا تأسيس إمارة لهم في مدينة بنقردان التونسية الحدودية، وتصدى لهم الجيش التونسي وكانت الحصيلة ثقيلة؛ مقتل 36 مسلحاً، واعتقال 7، بينما قتل 12 عنصراً من الجيش والقوات الأمنية، إضافة إلى 7 مدنيين.
وجاء هذا الهجوم بعد أيام من تدمير قوات غرب ليبيا، بتنسيق نادر مع ميليشيات حفتر، لقاعدة خلفية لـ"داعش" في مدينة مصراتة (70 كم غرب طرابلس)، اعتقل خلالها عشرات من عناصر داعش القادمين من تونس، سبقته غارة جوية أمريكية، على معقلهم، في 19 فبراير/شباط، قتلت 50 عنصراً من التنظيم.
وليست هذه المرة الأولى التي يستعمل فيها حفتر "الإرهابيين" لضرب خصومه وأعدائه، ففي 2015، سمحت ميليشياته لعشرات من السيارات المسلحة التابعة لتنظيم داعش بالتحرك من محافظة درنة (1340 كم شرق طرابلس) التي انهزمت فيها أمام "مجلس شورى مجاهدي درنة" (تحالف مجموعات مسلحة مقربة من تنظيم القاعدة) إلى غاية مدينة سرت (450 كم شرق طرابلس) والتي أسس فيها التنظيم في السنة نفسها أول إمارة له بليبيا.
وقطعت قافلة داعش مسافة تتجاوز 700 كلم وسط مناطق سيطرة ميليشيات حفتر دون أن يتم صدها، لأن الهدف كان التخلص من عناصر داعش في الشرق حتى يستنزفوا أعداءهم (كتائب مصراتة) في الغرب.
وهذا ما حدث فعلاً، إذ في مايو/أيار 2016، زحف "داعش" من سرت باتجاه مصراتة واستولى على مساحات واسعة في طريقه، قبل أن تتمكن كتائب مصراتة بدعم من الجيش الليبي في طرابلس، والطيران الحربي الأمريكي وقوات خاصة بريطانية ومستشفى ميداني إيطالي من هزيمة داعش والقضاء على إمارته في ديسمبر/كانون الأول 2016، لكن بعد مقتل أكثر من 700 عنصر من القوات الحكومية، وإصابة أكثر من 3200 آخرين، بحسب مستشفى مصراتة المركزي.
وهذا ما يثير قلق الجزائر، أن يلجأ حفتر إلى استخدام المسلحين لتهديد أمنها على الحدود المشتركة.
ويتضح ذلك من خلال إرسال حفتر كتيبة الكانيات (اللواء التاسع) الموضوعة على قائمة العقوبات الأمريكية والبريطانية لوقوفها وراء المقابر الجماعية في مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)، إلى الحدود الجزائرية.
فالكانيات تمثل عبئاً ثقيلاً على حفتر، بسبب سمعتها السيئة داخلياً وعالمياً، والتي قد تقوده إلى محكمة الجنايات الدولية، لأنها تابعة له، ويتحمل مسؤولية المجازر والمقابر الجماعية التي ارتكبتها والموثق بعضها في تقارير الأمم المتحدة.
وقد يدفع حفتر بهذه الكتيبة إلى مواجهة مع الجيش الجزائري، من أجل ضرب عصفورين بحجر واحد، إزعاج الجزائر وتهديدها، والتخلص من الكانيات إذا قرر الجيش الجزائري الرد بشكل حاسم كما هدد قائد أركانه سعيد شنقريحة.
هل الهدف محاصرة الجزائر؟
لا يمكن فصل تحرك حفتر تجاه الحدود الجزائرية عن المشهد العالمي، وعن التحالفات الإقليمية في المنطقة.
فبعد يوم واحد من انتهاء مناورات "الأسد الإفريقي"، التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية بالمغرب، قرب الحدود مع الجزائر، أعلنت ميليشيات حفتر غلق الحدود مع الجزائر، وجعلها منطقة عسكرية، وإحكام قبضتها على معبر إيسين/تين الكوم الحدودي.
وهذا المشهد جعل الجزائر وكأنها في كماشة، فمن جهة مناورات "الأسد الإفريقي" على حدودها الجنوبية الغربية، ومن جهة أخرى ميليشيات حفتر على حدودها الجنوبية الشرقية.
فالتهديدات التي تواجهها الجزائر من الولايات المتحدة الأمريكية بسبب صواريخ "آس 400" للدفاع الجوي، تعود ليس فقط لقدرتها على إسقاط الطائرات الأكثر تطوراً، بل أيضاً قدرتها على رصد تحركات الطائرات على مدى يصل إلى مئات الكيلومترات، وهذا ما يجعل حركة الطائرات الأمريكية في غرب المتوسط ومنطقة الساحل مكشوفة للجزائر، ما يوحي بدور أمريكي في تحركات حفتر.
وفي أقصى الجنوب، يزداد تهديد المسلحين شراسة في كل من مالي والنيجر، وإعلان فرنسا إنهاء عملية برخان العسكرية واستبدالها بعملية دولية، من شأنه إفساح المجال لتمدد الجماعات الإرهابية أكثر في المنطقة.
كما أن حفتر له حلفاء أقوياء على رأسهم روسيا، التي ترتبط بتحالف قوي مع الجزائر، واستهداف الأخيرة لميليشيات حفتر قد يوتر العلاقات مع موسكو.
وقائد الأركان الجزائري لم يطلق تهديداته ضد حفتر، إلا بعد عودته من موسكو، ولم ترشح تفاصيل بشأن المحادثات الجزائرية الروسية بشأن حفتر، لكن كلمة شنقريحة تضمنت بعض الإشارات الضمنية.
حيث قال "الجزائر، لا ولن تقبل أي تهديد أو وعيد من أي طرف كان، كما أنها لن ترضخ لأية جهة مهما كانت قوتها، ومن هنا فإننا نحذر أشد التحذير، هذه الأطراف وكل من تُسول له نفسه المريضة، والمتعطشة للسلطة، من مغبة المساس بسمعة وأمن الجزائر وسلامتها الترابية".
فالتهديد موجه إلى حفتر، لكن أيضاً إلى قوة عالمية تريد "إرضاخ الجزائر"، وعلى الأغلب الإشارة هنا موجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى، وفرنسا بالدرجة الثانية، وربما حتى إلى روسيا التي يتواجد مرتزقة فاغنر، في حقول النفط بالجنوب الغربي الليبي، غير بعيد عن الحدود الجزائرية.
كما أن حفتر لديه علاقات قوية مع النظامين المصري والإماراتي، وقد يكون تحركه بإيعاز أو تشجيع أو تأييد منهما، خاصة مع التقارب الجزائري التركي في الفترة الأخيرة.
حيث قال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في حوار مع صحيفة لوبوان الفرنسية، إن التواجد التركي في المغرب العربي "لا يزعجنا".
وتتزامن هذه الأوضاع المتوترة مع افتتاح الجيش المصري قاعدة "3 يوليو" الجو بحرية قرب الحدود مع ليبيا، وقلق القاهرة من التقارب الجزائري الإثيوبي، في الوقت الذي تتصاعد فيه أزمة سد النهضة.
ناهيك عن الدور الإماراتي في ليبيا، والذي يزعج الجزائر، خاصة عندما قامت طائرات إماراتية بقصف العاصمة طرابلس أكثر من مرة منذ 2014 وحتى 2020، بحسب عدة تقارير إعلامية وحقوقية.
وهذا ما يفسر أن المناورات العسكرية التي أجرتها الجزائر، في 30 يونيو/حزيران، قرب الحدود الليبية، وبالذخيرة الحية، شاركت فيها القوات الجوية والبرية والقوات الخاصة، وتم خلالها استخدام الصواريخ أرض-أرض وأرض-جو بكثافة.
للتأكيد على جاهزية الجيش الجزائري للرد على أي تهديد أو عدوان على أراضيه، سواء من ميليشيات حفتر أو من القوى الإقليمية والدولية التي تحركه.
وحاولت واشنطن تخفيف التصعيد في المنطقة بنفي ضمني لأي دور لها في تحريض حفتر على الاقتراب من الحدود الجزائرية، حيث أوضح مساعد وزير الخارجية الأمريكي بالإنابة لشؤون الشرق الأدنى، جوي هود، أن غلق ميليشيات حفتر لمعبر حدودي مع الجزائر "لا يحظى بدعم المجتمع الدولي".
وحتى وإن بررت ميليشيات حفتر جعل الحدود الجزائرية منطقة عسكرية (رغم أنها لا تسيطر سوى على جزء صغير منها) بمكافحة الإرهاب، إلا أن الإعلامي محمود المصراتي، المقرب من حفتر، ذكر في حوار مع قناة العربية، أن حفتر قال له إنه سيرد على تصريحات الرئيس الجزائري "ولكن سنرد على الأرض".
وكان الرئيس تبون صرح لقناة الجزيرة، "الجزائر كانت على استعداد للتدخل بصفة أو بأخرى لمنع سقوط طرابلس، وأنها حين أعلنت أن طرابلس خط أحمر كانت تقصد ذلك جيداً، الرسالة وصلت لمن يهمه الأمر".
وتصريحات المصراتي تؤكد أن تحريك ميليشيات حفتر لم يكن لمكافحة داعش، المتمركز في جبال الهروج في قلب الصحراء الليبية، وإنما بهدف الرد على تصريحات الرئيس تبون، ودفع الجزائر لالتزام الحياد في أي هجوم يقوده نحو طرابلس للاستيلاء على السلطة بالقوة.
لكن ما لم يكن يتوقعه حفتر أن يتم الرد عليه من قائد الجيش الجيش الجزائري بعد عودته من موسكو، بصوت مرتفع، وأيضاً بمناورات عسكرية كبيرة، على حد وصف الإعلام المحلي، استخدمت فيها أسلحة ومعدات ثقيلة تفوق أضعاف المرات قدرة العربات المسلحة التي يمتلكها حفتر على الحدود.
وهذا يعني أن حبل الوصال بين حفتر والجزائر قُطع، وقد تعمل الأخيرة على التحرك ضده وضد مشروعه في العلن والخفاء، سواء دبلوماسياً أو حتى عسكرياً، خاصة أن عدة قبائل ليبية من أصول جزائرية لها ارتباطات متينة وتاريخية مع الجزائر، التي قد تستخدم أوراقها في ليبيا ضد حفتر، ناهيك أن مصالح روسيا مع الجزائر أوثق منها مع حفتر.
ومن المتوقع أن تدفع تحركات حفتر المعزولة، الجزائر إلى تعزيز تعاونها مع حكومة الوحدة ومع الجيش الليبي في المنطقة الغربية، وأيضاً مع كل من تركيا وقطر، لعزل حفتر وأنصاره، وتطويقهم دبلوماسياً وعسكرياً.