تلقى نحو 60% من البالغين في بريطانيا جرعتين من لقاحات كورونا، وحصل أكثر من 86% على جرعة واحدة، ورغم ذلك حذر خبراء الصحة بوريس جونسون من أن الوباء "يتربص" بالبلاد وقرار رفع القيود يعد "غير أخلاقي".
وكان رئيس الوزراء بوريس جونسون قد أعلن عن فتح البلاد ورفع القيود المفروضة بسبب وباء كورونا بشكل كامل يوم 19 يوليو/تموز الجاري، وهو اليوم الذي يسميه جونسون "يوم الحرية"، لكن يبدو أن خبراء الصحة العامة والأوبئة يرون القرار "مقامرة" ويهدد بكارثة.
وكان جونسون قد أرجأ "يوم الحرية" أربعة أسابيع، حيث كان مقرراً خلال يونيو/حزيران الماضي، بناء على نصائح علماء الأوبئة حتى يتيح مزيداً من الوقت لتطعيم عدد أكبر من الناس، وذلك وسط تحذيرات من أن البلاد قد تشهد آلافاً أخرى من الوفيات بفعل سرعة انتشار سلالة دلتا سريعة العدوى.
ما وجهة نظر حكومة جونسون؟
الآن وقد تجاوزت نسبة من حصلوا على الجرعة الأولى من اللقاحات من البالغين 86% وتطعيم ما يقرب من ثلثي البالغين بالجرعتين، حدد جونسون 19 يوليو/تموز موعداً لإنهاء العمل بالقيود.
وتبرر حكومة جونسون قرارها رفع القيود وفتح اقتصاد البلاد في ذلك اليوم على أساس أن عليها أن تنظر إلى ما هو أبعد من مجرد المنظور الوبائي. وأشار وزير الصحة الجديد ساجد جاويد إلى مشاكل أخرى صحية وتعليمية واقتصادية تراكمت خلال الجائحة باعتبارها الحافز وراء ضرورة العودة للحياة العادية حتى إذا "بلغت الإصابات 100 ألف حالة يومياً".
وقالت مصادر حكومية لصحيفة الغارديان إنه لا يوجد "أي تفكير في تأجيل يوم الحرية أو تعديله"، ونقلت عن مصدر لم تذكر هويته قوله: "أعتقد أننا قد ندرس التأجيل في حالة حدوث ظرف طارئ قهري كظهور متحور جديد أكثر شراسة"، بينما قال مصدر آخر للصحيفة إنه "من المستبعد حدوث تأجيل أو تخلٍّ عن خطة الفتح مهما ارتفعت أرقام الإصابات".
ومن جانبه، برَّر جونسون قرار فتح الاقتصاد أمام لجنة من كبار المشرعين في البرلمان البريطاني بقوله إن "القرار يعتمد على توقعات اللجنة العلمية الاستشارية للحكومة بشأن منحنى الإصابات"، مضيفاً أن حكومته لديها البيانات الكافية التي تؤكد صحة توقيت رفع القيود: "اعتماداً على التوقعات الخاصة بمنحنى الموجة الثالثة سنفتح، والبلاد في منطقة متوسطة إلى منخفضة في سلم توقعات الإصابة".
وكان جونسون قد تساءل بسخرية، عندما أعلن أن 19 يوليو/تموز سيكون "يوم الحرية" في بريطانيا، قائلاً: "إذا لم نتمكن من فتح البلاد في الأسابيع القليلة المقبلة، فمتى يمكننا أن نفعل ذلك إذن؟".
ماذا قال العلماء بشأن "يوم الحرية"؟
لكن قرار جونسون وحكومته أثار قلق كثير من العلماء، بعضهم من الذين كان جونسون يتّبع نصائحهم بشأن كيفية التعامل مع الوباء حتى الآن. فقد كتب أكثر من 100 عالم، ليسوا جميعاً من بريطانيا بل ينتمون لـ12 دولة، رسالة إلى دورية لانسيت الطبية وصفوا فيها خطط جونسون لرفع القيود كلها بأنها "خطيرة وسابقة لأوانها" وقالوا إن الاستراتيجية القائمة على التعايش مع مستويات عالية من العدوى "غير أخلاقية ومنافية للعقل".
وقالت آن كوري خبيرة علم الأوبئة في إمبريال كوليدج والتي كانت وراء أحد النماذج التي استفاد منها جونسون في قراره الأولي إرجاء (يوم الحرية) إن من السابق لأوانه إعلان أن بمقدور البلاد التعايش مع تزايد الحالات. وقالت لرويترز إن تأجيل رفع القيود مرة أخرى سيكون له فائدته.
وأضافت: "أعتقد أن التأجيل كسب للوقت، ولدينا خطوات على الطريق قد تفيد في تقليل انتشار العدوى"ـ مشيرة إلى الجرعات التنشيطية واحتمال تطعيم الأطفال.
كما انطلق نقاش حاد بين من يعتقدون أن العطلة الدراسية الصيفية تمثل أفضل أمل لرفع القيود هذا العام من جهة، ومن يرون أن جونسون يرتكب خطأ آخر من جهة أخرى، بعدما اتهموه بالتسبب في واحد من أعلى معدلات الوفيات في العالم بانتظاره فترة طويلة قبل إصدار أوامر الإغلاق السابقة.
"لابد أن تعيد حكومة المملكة المتحدة النظر في استراتيجيتها الحالية، وأن تتخذ خطوات عاجلة لحماية الشعب، بمن فيهم الأطفال. إننا نعتقد أن الحكومة بصدد الإقدام على تجربة خطيرة وغير أخلاقية ونطالبها بتعليق خطط التخلي عن القيود في 19 يوليو/تموز"، بحسب ما جاء في الخطاب كما نشرته شبكة CNN. وحتى الآن بلغت التوقيعات التي انضمت للخطاب بعد أن نشرته لانسيت أون لاين أكثر من 4200 توقيع.
"بدلاً من ذلك، يجب على الحكومة تأجيل إعادة الفتح حتى يتم تطعيم الجميع، بمن فيهم المراهقون، وحتى يتم اتخاذ الإجراءات الاحترازية، وبخاصة التهوية الكافية والتباعد في الأماكن المغلقة مثل المدارس. وحتى يتم ذلك، لابد أن تتضمن إجراءات الصحة العامة في البلاد ما نصت عليه إرشادات منظمة الصحة العالمية (حتمية ارتداء الكمامة في الأماكن المغلقة، حتى لمن تلقوا جرعتي اللقاح".
وقالت الدكتورة ديبتي غورداساني، خبيرة الأوبئة في جامعة كوين ماري ومنسقة الخطاب الموجه إلى جونسون، لـ"سي إن إن": "اتخذت الحكومة خياراً متعمداً بتعريض الأطفال للعدوى الجماعية بدلاً من حمايتهم في المدارس أو تطعيمهم. وهذا أمر غير أخلاقي وغير مقبول، خصوصاً أن صغارنا عانوا الكثير طوال العام الماضي، والآن يحكم عليهم هذا القرار بمعاناة أكثر جراء تلك التجربة الخطيرة".
ماذا يعني هذا الجدل بالنسبة لحرب الوباء؟
من المهم هنا التوقف عند وجهتي النظر لتوضيح الصورة كاملة؛ الحكومة البريطانية ترى أن الوقت أصبح مناسباً لرفع القيود في ظل حملة التطعيم التي تعتبر من الأسرع عالمياً، خصوصاً أنه بحلول اليوم الموعود (19 يوليو/تموز) سيكون أكثر من ثلثي السكان البالغين قد تلقوا جرعتي اللقاح بالفعل، وهو ما يعني الاقتراب من "مناعة القطيع".
وقرار الحكومة بالطبع يأخذ جميع العوامل في الاعتبار، ومنها الاقتصاد بالأساس، ولا يتوقف فقط عند الحالة الوبائية، كما قال وزير الصحة. لكن وجهة النظر الأخرى لا تخلو أيضاً من وجاهة، خصوصاً أن هناك مؤشرات مقلقة بالفعل تتعلق بسلالة دلتا، ولا توجد تلك المؤشرات في بريطانيا فقط بل في إسرائيل (أكثر دول العالم تلقيحاً لمواطنيها) ودول أخرى أيضاً.
ففي حالة سلالة "دلتا" شديدة العدوى يبدو أن اللقاحات تفيد في منع الوفيات والإصابات الشديدة أكثر من إفادتها في وقف انتشار العدوى. ونتيجة لذلك شهدت بريطانيا زيادة حادة في الإصابات هذا الصيف لم تقابلها زيادة بالسرعة ذاتها في الوفيات.
وتشهد بريطانيا حالياً دخول حوالي 350 حالة مصابة بالوباء المستشفيات يومياً، ورغم أن هذا عدد قليل لا يقارن بالمعدل الذي شهدته في الموجات السابقة فهو يمثل زيادة بنسبة 45% تقريباً خلال الأيام السبعة الماضية.
وفي إسرائيل، التي تعد من أسرع دول العالم في استخدام اللقاحات وأول دولة تخفف القيود، ارتفعت الإصابات مؤخراً الأمر الذي دفع الحكومة للتفكير في إعادة فرض بعض القيود رغم انخفاض معدلات الإصابات الشديدة والوفيات.
وقال تيم سبكتور، خبير علم الأوبئة في كينجز كوليدج لندن الذي يدير المشروع البحثي (تطبيق زوي لدراسة أعراض كوفيد)، إنه يرحب بقرار الحكومة الاعتراف بأن على الناس أن تتعلم كيف تتعايش مع الفيروس.
لكنه شكك في خطوات مثل إنهاء فرض استخدام الكمامات الذي لا يكلف الاقتصاد شيئاً، لكنه يسهم في حماية الناس من آثار كوفيد بعيدة المدى. ومن المقرر أن تطرح الحكومة البريطانية نماذج محدثة من عدة جامعات يوم 12 يوليو/تموز الجاري، وهو الموعد المتوقع أن يعلن فيه جونسون قراره النهائي بشأن رفع العقوبات بعد ذلك بأسبوع.
وبالتالي قد يكون تراجع حكومة جونسون عن رفع إلزامية ارتداء الكمامة وإلزام الأماكن العامة المغلقة مثل المدارس والمطاعم وغيرها باتباع الإجراءات الاحترازية كالتهوية والتباعد الاجتماعي حلاً وسطاً يُسهم في فتح اقتصاد البلاد مع عدم منح الفرصة لموجة جديدة من الإصابات بسلالة دلتا قد تؤدي إلى تحور آخر أكثر شراسة وأكثر قدرة على مراوغة اللقاحات الموجودة حالياً، كما يحذر العلماء الرافضون لـ"يوم الحرية" الذي حدده جونسون.