على عكس ما قد يُعتقد حول قوة العلاقة والتحالف بين السعودية والإمارات، لم يكن الخلاف النفطي القائم هذه الأيام بين الجارتين الخليجيتين والحليفتين هو الأول في تاريخ العلاقة بينهما، فبالعودة إلى الوراء في الزمن ستجد أن فترات النزاع بينهما أطول بكثير من فترات الصداقة أو التحالف، وستجد أن صراع النفط والصحراء قديم جداً وأشد مما يعتقد، إلا أن الحاجة اللحظية سواء السياسية أو الاقتصادية وحّدتهما خلال السنوات الأخيرة ضد أعداء كثر في المنطقة، مثل إيران وتركيا وقطر أو جماعات الإسلام السياسي على غرار الإخوان المسلمين.
وفي هذا التقرير نسلط الضوء على محطات في تاريخ الخلافات الطويلة بين السعودية والإمارات، والتي قد تقود في النهاية إلى تفكك التحالف الحالي بينهما لأسباب عديدة.
1- "سبعة وخمسون معركة".. السعودية والإمارات وصراع النفوذ والتبعية القديم
يُعد تاريخ الصراع القَبَلي بين آل سعود وشيوخ الإمارات قديماً ومتجذّراً وحتى قبل قيام الدول نفسها، وهي صراعات نشأت على النفوذ والسيطرة والتبعية، وتطورت فيما بعد لأشكال أخرى من الخلافات على الأرض والحدود وحقول النفط، الذي سيظهر فيما بعد في الصحراء القاحلة ليحولها إلى مناجم من ذهب تتنازعها الدول والحكومات.
في وثيقة سرّبتها ويكيليكس، في نوفمبر/تشرين الثاني 2010، نُقل عن محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي قوله في 31 يوليو/تموز 2006، إن "الإمارات وقطر خاضتا حروباً ضد السعوديين، والإمارات وحدها خاضت 57 معركة ضد السعودية خلال الـ250 سنة الماضية، السعوديون ليسوا أصدقائي الأعزاء وإنما نحتاج لأن نتفاهم معهم فقط".
وينقل الممثل التجاري للولايات المتّحدة، روبرت زويليك، عن بن زايد، في الرسالة المسربة ذاتها، خلال حديثهما عن محاولات السعودية التاريخية لاحتلال الإمارات، وصف ولي عهد أبوظبي المملكة العربية السعودية بأنها "غير مستقرة"، قائلاً إن هذا الأمر "يجب أن يكون مصدر قلق بالنسبة للمنطقة والعالم"، ويشير في هذا السياق إلى أن "عدداً قليلاً من المراقبين أحب الطريقة التي كان يدير السعوديون بها بلادهم"، غير أنّه عاد ليصف القيادة السعودية حينها بأنها "أفضل ما نملك".
وفي رسالة سرية أخرى، مؤرّخة بتاريخ 25 سبتمبر/أيلول 2005، تقول السفيرة الأمريكية السابقة في الإمارات، ميشيل سيسون، على لسان بن زايد، إن الأخير "وجّه لطمة" للقيادة السعودية الهرمة، قائلاً إن المملكة بحاجة إلى "نظام تقاعد"، وإن الأمير بندر بن سلطان هو "المحاوِر السعودي الوحيد".
ويشرح بن زايد أن النظام التعليمي في السعودية كان مداراً بـ"أفكار وهابية"، مشيراً إلى أن النظام التعليمي في الإمارات كتبه مصريّون، معظمهم تأثروا بـ"الإخوان المسلمين"، وأن الإمارات العربيّة تخوض الآن عمليّة إصلاحه.
وفي وثيقة مرسلة من السفارة الأمريكية في الإمارات، بتاريخ 15 أكتوبر/تشرين الأول 2009، ومدوّنة تحت بند السريّة وعدم الصلاحية بالنشر، يتحدّث المرسل (غير معروف على وجه الدقّة) عن أنّ الخلفاء الإماراتيين الأصغر سناً يجدون أنفسهم على خلاف متزايد مع ما يعتبرونه "القيادة السعودية العجوز"، وهم يحاولون الخروج عن سطوة جارتهم العملاقة، وبناء هوية إماراتية فريدة، والسعي إلى إيجاد فرص قيادية أكبر، سواء في المنطقة أو في المجتمع الدولي.
ويضيف أن القيادة في أبوظبي لا تفوّت فرصة لإخبار كبار المسؤولين الأمريكيين الزائرين أنهم يعتبرون "المملكة محكومة من قبل عجائز مشاكسين، يحيط بهم مستشارون يؤمنون أن الأرض مسطحة".
وتؤكد أحاديث بن زايد المسربة على أن خلافات الماضي الطويلة لا تزال تلقي بظلالها على الحاضر بين الإمارات والسعودية، بل تأخذ طابعاً شخصياً لدى حكّام الإمارات، وهي تظل كالنار تحت الرماد، وإن كانت المصالح قد جمعت الطرفين ضد خصوم آخرين في المنطقة.
2- ضغائن حكّام الإمارات الشخصية مع ملوك السعودية وأمرائها
وتُبين وثائق ويكيليكس المسربة أيضاً عن دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة أن محمد بن زايد كان يستهزئ بالسعوديين ونظامهم السياسي سراً، وكان يسخر من تأتأة الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وينتقد جهله، كما أنه تحدث بسخرية عن المملكة، خاصة عندما وصف شعبها بالجهل والتخلف، مستدلاً بأن 52% من السعوديين لا يستطيعون قيادة السيارة، في إشارة إلى قوانين منع المرأة من قيادة السيارات في المملكة، والتي أوقفت مؤخراً.
ووفقاً لوثيقة يعود تاريخها إلى 21 من أبريل/نيسان 2008، فإن ولي عهد أبوظبي عقد اجتماعاً يوم 16 من أبريل/نيسان من العام ذاته مع قائد العمليات البحرية الأمريكية غاري روغيد، ودار بين الرجلين مباحثات في قضايا مختلفة، وقال بن زايد للمسؤول الأمريكي: "العالم تغير، والإمارات ستظل متفائلة على الرغم من وجودها في منطقة يغلب عليها التخلّف، وضرب مثلاً على التخلف بجارته السعودية التي لا يستطيع 52% من سكانها قيادة السيارة".
وتكشف وثيقة أخرى يعود تاريخها إلى 25 من يونيو/حزيران 2008، أن وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد كان يحاول تحريض الأمريكيين ضد نظام الحكم في السعودية، وأن موقفه من الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالغ السلبية، حيث قال لمسؤول أمريكي إنه لا يرى في الأمراء السعوديين الأصغر سناً أي وجوه واعدة، مردفاً: "النظام السعودي لا يسمح إلا للفاسدين وأولئك المتحالفين مع شيوخ الدين بالوصول إلى القمة".
وفي وثيقة تعود إلى 24 من يناير/كانون الثاني 2007، يتبين أن ولي عهد أبوظبي قال لمساعد وزير الخارجية الأمريكية نيكولاس بيرنز: "عندما زرتُ السعودية التقيتُ بقادة تتراوح أعمارهم بين 80 و85 سنة، وهؤلاء لم يسمعوا بالإنترنت إلا بعد أن جاوزوا السبعين عاماً، هناك فجوة كبيرة في السعودية".
وبحسب وثيقة أخرى تعود إلى 16 من يونيو/حزيران 2004، فإن محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي ورئيس وزراء الإمارات، قال للجنرال جون أبي زيد، قائد القوات الأمريكية في العراق خلال اجتماع على العشاء في أبوظبي: "نحن -أنا ومحمد بن زايد- عندما ننظر إلى أكثر من 100 كيلومتر أمامنا فإن القيادة السعودية لا تنظر لأكثر من كيلومترين فقط". وأضاف بن راشد: "القيادة السعودية لا تملك رؤية طويلة المدى، وهو ما سمح للمتطرفين أن يصبحوا أقوياء، ولذلك فإن المنطقة كلها تعاني الآن"، ليضيف بن زايد خلال الاجتماع ذاته: "القيادة السعودية هرمة".
وتتحدث وثيقة أخرى عن سخرية محمد بن زايد من ولي العهد السعودي الراحل الأمير نايف بن عبدالعزيز، حيث اعتاد أن يشبهه بـ"القرد" خلال لقاءاته مع المسؤولين الأمريكيين، وأورد ذلك أيضاً في كتاب "الدم والنفط" الذي صدر عام 2020، حيث يقول ولي عهد أبوظبي لمسؤول أمريكي أيضاً: "90% من الشعب السعودي ينتظر الأمريكيين بعد انتهائهم من العراق ليغيروا لهم آل سعود".
3- الخلافات الحدودية.. الملف الذي تأبى الإمارات تجاوزه
في عام 2006، أصدرت الإمارات في كتابها السنوي خرائط جديدة يظهر فيها منطقة متنازع عليها مع السعودية، تسمى خور العديد، تابعة للمياه الإقليمية الإماراتية، ما أثار خلافاً من السعودية.
وفي وقت لاحق، أوقفت السعودية عام 2009 دخول المواطنين الإماراتيين إلى أراضيها باستخدام بطاقات الهوية كما هو معمول به، وذلك احتجاجاً منها على تغيير الإمارات خريطتها الجغرافية الموجودة على بطاقات الهوية بين مواطنيها، وردّت وزارة الخارجية الإماراتية على القرار السعودي بمطالبتها الإماراتيين الراغبين في السفر إلى السعودية أو عبور أراضي المملكة براً إلى دول مجلس التعاون، استخدام جوازات سفرهم بدلاً من بطاقات الهوية.
وفي يونيو/حزيران من العام نفسه، أوقفت السعودية آلاف الشاحنات عند المعبر الحدودي بينها وبين دولة الإمارات، كنتيجة للتوترات والنزاع على الحدود، وأوضحت أن ذلك "جزء من تعزيز الرقابة على دخول السيارات من الإمارات إلى أراضيها".
وفي عام 2010، كادت العلاقات تنقطع بين البلدين، عندما أطلق زورقان تابعان للإمارات النار على زورق سعودي في "خور العديد"، واحتجز اثنان من أفراد حرس الحدود السعودي، ما ترك أثراً كبيراً على العلاقات بين البلدين، حيث إن الحدود البحرية بين البلدين غير متفق عليها حتى اللحظة.
وتعود أزمة النزاع السعودي الإماراتي الحدودي إلى وقت بعيد جداً، وهي تتمثل في أراضٍ متنازع عليها منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي، وهي حقل نفط الشيبة، الذي يبلغ إنتاجه 500 ألف برميل يومياً، ومنطقة خور العديد.
وخلال تأسيس دولة الإمارات، حاول الشيخ زايد آل نهيان ضم إمارتَيْ قطر والبحرين للاتحاد الإماراتي، لتكون تسع إمارات وليس سبعاً كما هو الحال الآن، لكن الدولتين الخليجيتين رفضتا ذلك. وعلى إثر ذلك أصبحت منطقة "خور العديد" محوراً للخلاف السعودي الإماراتي في المنطقة الساحلية الفاصلة بين الإمارات وقطر، وكانت هذه النقطة السبب في اعتراض السعودية على إنشاء جسر بحري بين الإمارات وقطر عام 2005.
وبعد العديد من المفاوضات والمناورات بين البلدين، وقعت السعودية والإمارات اتفاقية حدودية عام 1974، عُرفت بـ"اتفاقية جدّة"، التي نصت على امتلاك السعودية الساحل الذي يفصل بين قطر والإمارات، وضمنت عدم قيام تحالف بين البلدين قد يعتبر تحالفاً قوياً يبسط سيطرته معها على منطقة الخليج.
نصت "اتفاقية جدة" على ترسيم الحدود بين البلدين، حيث تنازلت السعودية عن جزء من واحة البريمي في مقابل الحصول على ساحل بطول نحو 50 كم يفصل بين قطر والإمارات، وكذلك امتلاك حقل "شيبة"، الذي يمتد جزء منه داخل أراضي الإمارات، كما حصلت السعودية على جزيرة الحويصات.
4- أزمة حقول النفط
في عام 1999 قاطعت الإمارات وبدعم من سلطنة عُمان، كنوع من الاحتجاج، مؤتمر وزراء الخارجية والنفط لدول مجلس التعاون الخليجي الذي عقد في السعودية، والذي تم بالتزامن مع تدشين السعودية حقلاً للنفط في منطقة "الشيبة"، حيث احتجت الإمارات على أن الدولة المضيفة لا تشركها في تقاسم عائدات النفط من هذا الحقل على الرغم من اتفاق 1974.
وتتمثل الخلافات الحدودية بين السعودية والإمارات في شقها الثاني في مشكلة ترسيم منابع النفط، حيث تسيطر السعودية على الجزء الأكبر من حقل الشيبة، في الوقت الذي تحاول فيه الإمارات التمسك بحقها في ملكية الحقل، مستندة إلى خرائط ومستندات رسمية، وبحسب نص الاتفاقية الموقعة بين الإمارات والسعودية بشأن حقل الشيبة، تدعي الإمارات أن الحقل العملاق يقع ما نسبته 80% ضمن أراضيها، وتملك الحق في تطوير هذا الحقل والاستفادة من إنتاجه النفطي بشكل كامل.
ظلّت الأمور بين البلدين عالقة حتى وفاة الشيخ زايد آل نهيان، ومع تولي ولي العهد خليفة بن زايد بعد وفاة أبيه أثار هذه القضية مجدداً بين البلدين، خلال أول زيارة للرياض، في ديسمبر/كانون الأول 2004، حيث تعتبر الإمارات أن الاتفاقية التي وقّعتها في منتصف السبعينيات ظالمة لها، وتقول إنها وقعتها في ظروف استثنائية، بينما تعتبر السعودية أن الاتفاقية جارية ومنصفة للطرفين.
5- خلاف الرؤى الدينية في "مؤتمر غروزني" وإقصاء الإمارات للسعودية
في أغسطس/آب 2016، عُقد مؤتمر في العاصمة الشيشانية غروزني بدعم من قبل ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، لإعادة تعريف "أهل السنة والجماعة".
وأثار المؤتمر موجة كبيرة من السخط والجدل، من جانب المملكة العربية السعودية وحلفائها على الجهات المنظمة والمشاركة في هذا المؤتمر، وعلى رأسها شيخ الأزهر أحمد الطيب وعلماء دين آخرون من دول إسلامية وعربية.
الهجوم السعودي على المؤتمر جاء بسبب بيانه الختامي، الذي اعتبر أن "أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، مستثنياً السلفية والوهابية، الأمر الذي اعتُبر مؤشراً على نوع جديد من محاولات الإقصاء للسعودية.
وفي دليل على محاولة الإمارات إقصاء السعودية من حضور المؤتمر، تم تجاهل علماء الفكر السلفي من الحضور، ولم يتم تقديم دعوات للمشاركة فيه إلا لأحد دعاة السعودية "المغمورين"، لإضفاء صبغة التعددية وتمثيل كل المذاهب والأطياف الفكرية الإسلامية، لكن ما حدث على أرض الواقع كشف غير ذلك.
حيث تضمّنت توصيات المؤتمر الذي حمل عنوان "من هم أهل السنة والجماعة"، أن "أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علماً وأخلاقاً وتزكيةً"، وفقاً لبيان المؤتمر، الذي استثنى في حضوره وختامه أي وجود للسلفية والوهابية، ما أثار حنق السعودية وغضبها.
المشاركون حينها، ومن غروزني الحليفة لروسيا، اعتبروا أن المؤتمر يمثل "نقطة تحول مهمة وضرورية لتصويب الانحراف الحاد والخطير الذي طال مفهوم أهل السنة والجماعة إثر محاولات اختطاف المتطرفين لهذا اللقب الشريف وقصره على أنفسهم، وإخراج أهله منه" وفقاً لتعبيرهم.
كما حدّد المشاركون المؤسسات الدينية السنية العريقة في العالم الإسلامي بأنها الأزهر الشريف والقرويون والزيتونة وحضرموت ومراكز العلم والبحث، فيما بينها ومع المؤسسات الدينية والعلمية في روسيا الاتحادية، والتي جلّها يدعمها النظام الإماراتي.
توتّرت حينها العلاقة بين الرياض وأبوظبي بشكل كبير، وعبرت السعودية عن غضبها منه، وهاجم كتّابها وشيوخها المؤتمر وداعميه، وردّت السعودية على المؤتمر بمؤتمر آخر سُمّي بـ"مؤتمر منى"، الذي عقد في مدينة مكة المكرمة، محذراً من أي تكتل "يفرق المسلمين".
وحذّر المؤتمر بأن "الإسلام رسالة سلام واعتدال من اختراق صفوف المسلمين، بما ينافي سِلم رسالتهم واعتدالها، مؤكداً أن تاريخ الإسلام لم يسجل أن المسلمين اجتمعوا لإقصاء أيٍّ منهم عن سنتهم وجماعتهم، واختصار سنة الإسلام وجماعة المسلمين في أوصاف لأشخاص أو انتماءات أو مدارس معينة، يختزل الإسلام الجامع في مفاهيم محدودة وأفكار ضيقة تفتح على الدين ثغرة، تتسلل منها المصالح والأهواء".
هذا الغضب السعودي، جعل مؤسسة الأزهر لاحقاً تتبرأ رسمياً من بعض مما جاء في مؤتمر غروزني، موضحة أنها لم تستثن ولن تستثني التيار السلفي أو الوهابية، كما أدى ذلك إلى اعتذار رئيس الشيشان رمضان قديروف للسعودية عن المؤتمر، معجّلاً بزيارة لها بعد المؤتمر بأسابيع قليلة، حيث أوضح أنه لم يكن يقصد من المؤتمر أي استثناء للسعودية ومنهاجها، معتبراً أنه "كان موجهاً ضد من يدعون كذباً أنهم سلفيون، ويستغلون شعارات أهل السنة، ومؤكداً في الوقت نفسه أن علاقة بلاده مع المملكة العربية السعودية علاقة طويلة الأمد، وترسخت منذ سنين طويلة، ولن يسمح بالضرر بها".
6- الصراع على النفوذ في اليمن والأزمة مع قطر
تضاربت مصالح السعودية والإمارات في اليمن بشكل جلي، بعد نحو 6 سنوات على الحرب المدمرة التي قادها الحليفان، فأصبح كل منهما يدعم طرفاً لصالحه، إذ تدعم الإمارات المجلس الانتقالي الانفصالي في جنوب اليمن، بينما تدعم السعودية حكومة عبد ربّه منصور هادي، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من عدم خروج الخلاف بين السعودية والإمارات في اليمن إلى العلن بصورة رسمية، فإن دعم أبوظبي لانفصال الجنوب من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي، وانسحابها من اليمن عام 2019، قد أضعف موقف السعودية في مواجهة الحوثيين، وجعل الوصول إلى مخرج من المستنقع اليمني أمراً شبه مستحيل، وهو ما لا يمكن التغطية عليه أو تجاهله، رغم اتفاق الرياض الذي تم بحضور ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، دون أن يتم تنفيذ بنود الاتفاق الأساسية حتى اليوم.
في السياق، كانت قمة العلا التي عُقدت 5 يناير/كانون الثاني 2021 مؤشراً آخر على الخلاف بين الرياض وأبوظبي، إذ غاب ولي عهد أبوظبي عن القمة التي استضافها ولي عهد السعودية جنباً إلى جنب مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد. حيث جاءت المصالحة مع قطر بعد 3 سنوات من القطيعة، من الرياض، على عكس رغبة أبوظبي التي لا تزال تشن حملات عدائية ضد الدوحة، بينما تحظى العلاقة بين الرياض والدوحة بقدر أخف من العدائية، وبقدر أعلى من الاستقرار مقارنة مع سنوات الحصار.
7- معركة التنافس على الاستثمارات الأجنبية
احتدت المنافسة خلال الفترة الماضية بين السعودية والإمارات في جذب استثمارات الشركات الأجنبية الكبيرة، وبخاصة التي تملك مقراً إقليميا في منطقة الشرق الأوسط. حيث تسعى السعودية، أكبر اقتصاد في المنطقة وأكبر مصدر للنفط في العالم، لإعادة تنشيط خطتها الاقتصادية لرؤية 2030، الهادفة لتنويع اقتصادها المعتمد على النفط.
في الوقت نفسه، تسعى الإمارات إلى تسريع وتيرة دفعها لبناء قطاع التكنولوجيا لديها والابتعاد عن الصناعات المتباطئة مثل العقارات والبناء. وتسيطر الإمارات على التجارة الإقليمية، إضافة إلى مكانة دبي كمعقل لجميع الشركات متعددة الجنسيات الكبيرة تقريباً، التي لها وجود في المنطقة.
وفي ظل حالة من التنافس المستعر بين الطرفين، أعلنت السعودية منتصف فبراير/شباط 2021، نيتها إيقاف التعاقد مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي في المنطقة خارج المملكة، بدءاً من مطلع العام 2024.
تهدف تلك السياسة إلى تشجيع الشركات الأجنبية على فتح مقر دائم في السعودية بدلاً من دبي، بما يساعد في خلق وظائف محلية، والحد من التسرب الاقتصادي وزيادة كفاءة الإنفاق.
القرار السعودي جاء بعد أسبوعين من إعلان وزارة الاستثمار السعودية عن توقيع 24 شركة دولية اتفاقات لإقامة مكاتب إقليمية في الرياض، من بينها "بيبسيكو" و"شلمبرجير" و"ديلويت" و"بي.دبليو.سي" و"تيم هورتونز" و"بيكتل" و"روبرت بوش" و"بوسطن ساينتيفك".
صاحَب تلك القرارات العديد من التسهيلات التي تقدمها المملكة، من بينها إعفاء ضريبي لمدة 50 عاماً، والتنازل عن الحصص المحددة لتوظيف السعوديين -التي أثبتت أنّها عبء على الشركات- وضمانات بالحماية من اللوائح المستقبلية.
وفي مطلع العام 2021، نشرت صحيفة فيننشال تايمز البريطانية تقريراً مفاده أن ولي عهد السعودية محمد بن سلمان يقود حملةً قوية لإقناع الشركات متعددة الجنسيات، من Google وحتى Siemens، بنقل مقارها الإقليمية من دبي إلى الرياض.
وكانت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية قد كشفت، في فبراير/شباط الماضي، عن وجود صراع اقتصادي يهدد التحالف والصداقة بين السعودية والإمارات، رغم مصالحهما المشتركة، متوقعةً ازدياد حدة المنافسة بينهما مع استنزافهما ثرواتهما من النفط والغاز.
ويقول الكاتب والصحفي الأمريكي بوبي غوش، المختص بالشؤون الخارجية، إن التنافس الاقتصادي بين الرياض وأبوظبي من شأنه تهديد تحالفهما، الذي وصفه بأنه "أهم تحالف في الشرق الأوسط"، مشيراً إلى أن البلدين يسعيان لتحقيق هدف مشترك، وهو تقليل اعتماد الاقتصاد على صادرات النفط والغاز، وهو ما يضعهما في مسار تصادمي.
ويقول غوش في بلومبيرغ إن "السعودية والإمارات تسعيان للتنويع الاقتصادي بالتوسع في القطاعات نفسها، مثل السياحة والخدمات المالية واللوجيستية والتكنولوجيا"، موضحاً أن البلدين يفتقران إلى مجموعات المواهب المطلوبة لخدمة الصناعات البعيدة عن النفط، وهو ما جعلهما يتنافسان للحصول على الخبرات الأجنبية وكذلك سبل وفرص الاستثمار.
وهذا "التوجه يهدد الصداقة الوثيقة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، رغم تحالفهما سابقاً في حصار قطر ومحاربة تركيا وإيران وجماعة الإخوان المسلمين"، يقول الكاتب.
كما يتوقع غوش ازدياد حدة المنافسة بين البلدين مع استنزافهما ثرواتهما من صادرات النفط والغاز، مشيراً إلى توقُّع البنك الدولي وصول الدولتين لتلك المرحلة بحلول عام 2034.
8- آخر محطات الخلاف.. حصص الإنتاج النفطي
اندلاع خلاف سعودي إماراتي، مطلع يوليو/تموز 2021، وذلك بعد أن أوقفت الإمارات مشروع اتفاق يدعمه أكبر منتجين (السعودية وروسيا) لزيادة إنتاج منظمة أوبك مليوني برميل يومياً بحلول نهاية 2021، وتمديد بقية القيود القائمة إلى نهاية 2022.
وصل الخلاف الأخير على إنتاج النفط ضمن تحالف أوبك بين السعودية والإمارات إلى حد فرض الأولى عقوبات غير رسمية على الثانية، فيما يبدو أن أبوظبي مصرة على التصعيد بشكل مثير، حيث تعترض أبوظبي على حصص الإنتاج التي تفاوضت عليها روسيا مع السعودية، وترغب في إنتاج 3.8 مليون برميل يومياً بدلاً من حصة الـ3.2 مليون برميل التي حددتها المنظمة النفطية.
ولا يبدو أنّ أياً من السعودية أو الإمارات مستعدة للتخلي عن موقفها، حيث يقول محللون بالمنطقة إن الخلاف العلني بين الطرفين يشير إلى تنافس اقتصادي آخذ في التزايُد بين أكبر اقتصادين عربيين، والذي يبدو أنه سيشتد خلال الفترة القادمة.
ويقول محللون إنّ التوترات بين السعودية والإمارات تتزايد منذ وقتٍ طويل، حيث يعيد البلدان تقييم موازين القوى في علاقتهما الثنائية، كما هو الحال على المشهد الإقليمي والدولي. ولا يُعرف حتى الآن إلى أي مدى ستمتد هذه الخلافات، وإن كانت ستؤدي إلى انهيار التحالف بينهما، الذي بدا لسنوات أنه الأقوى في الخليج والمنطقة العربية، في الوقت الذي كانت نيرانه تختفي تحت الرماد.