حرب منخفضة الكثافة تدور بين إيران وأمريكا وإسرائيل، تضمنت عدداً كبيراً من الهجمات المتبادلة.
وظهرت في وسائل الإعلام الإيرانية عناوين رئيسية لادعاءات تتعلق بهجمات ضد القوات الأمريكية في سوريا في 4 يوليو/تموز.
كان التاريخ ذا دلالة رمزية. إذ إنه يوافق عيد الاستقلال في التقويم الأمريكي. وليس هناك أفضل من هذا اليوم كي تدعي إيران أنها ضربت قاعدة أمريكية في سوريا. لكن ما اتضح أن شائعات الهجمات الصاروخية كانت زائفة على الأرجح، وأنكر التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وقوع أي حادث في سوريا.
ولا يهم ذلك وسائل الإعلام الإيرانية والمحطات الإعلامية ذات الصلة بالحرس الثوري الإيراني. فقد ادّعت التقارير أن هناك هجمات و"تفجيرات" في قاعدة أمريكية، لكن المصادر هناك أنكرت تلك التقارير.
والرسالة التي ربما تبعثها إيران حول هذا الموضوع قد تكون أكثر تعقيداً من مجرد شائعات حول وقوع هجمات. لعل طهران تشير إلى الجبهة التالية التي ستبدأ منها صراعها مع الولايات المتحدة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
وأظهر قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن، مؤخراً، شن غارات جوية ضد الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا كيف تخطط الإدارة الأمريكية للتعامل مع الهجمات على القوات والمنشآت الأمريكية في المنطقة، وقد أبلغت وزارة الخارجية الأمريكية إيران عبر "قنوات متعددة" بمخاطر دعمها الميليشيات المسلحة في العراق.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية عن الضربات الأمريكية الأخيرة: "كنا واضحين أن هذه العملية أجريت للتعطيل والردع، وليس للتصعيد".
حرب بين إيران وأمريكا وإسرائيل
لم يكن التصعيد الأخير إلا جزء من حرب ذات وتيرة منخفضة بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى.
منذ عام 2019، صعّدت إيران هجماتها ضد الولايات المتحدة في العراق. واستخدمت ميليشيات على شاكلة كتائب حزب الله لتنفيذ عدد من الهجمات. كذلك أسقطت طائرة أمريكية مسيّرة في يونيو/حزيران 2019 ولغَّمت سفناً في خليج عُمان في مايو/أيار ويونيو/حزيران. وفي ذلك الوقت، حذر وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، مايك بومبيو، من التهديدات الإيرانية. وزادت التهديدات بسرعة خلال خريف 2019.
وكانت هناك مخاوف آنذاك في عام 2019 أعرب عنها مسؤولون أمريكيون في خريف 2019، من أن التوترات الإيرانية الإسرائيلية يمكن أن تؤثر على الولايات المتحدة. حتى أن تقريراً للمفتش العام الأمريكي لعملية العزم الصلب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، سلّط الضوء على "التوترات مع إيران والغارات الجوية الإسرائيلية المشتبه بها"، ووصفها بأنها تعقّد مهمة عملية العزم الصلب ضد داعش في العراق.
وذكر التقرير إضافة إلى ذلك أن القيادة المركزية الأمريكية كانت قلقةً من أن "القوات المدعومة من إيران في سوريا قد تفكر في استهداف أفراد الجيش الأمريكي أو قواته الشريكة في سوريا، إذا ارتأوا أن الولايات المتحدة متواطئة في الهجمات الإسرائيلية على قوات [إيران]".
وأشار التقرير إلى حادث يعود إلى يوليو/تموز 2019، حيث وقعت فيه "أولى الغارات الجوية الإسرائيلية العديدة بالطائرات المسيرة في العراق"، وأنه استهدف مستودع ذخيرة يقع بالقرب من بغداد ويملكه "الحشد الشعبي". فما الذي يعنيه هذا؟ قال التقرير في هذا الوقت: "التوترات مع إيران والغارات الجوية الإسرائيلية المشتبه بها تعقّد عملية العزم الصلب خلال هذا الفصل ربع السنوي.
الأمر وصل إلى اغتيال سليماني
بحسب تقارير إعلامية، فإن الغارات الجوية الإسرائيلية المحتملة ضد القواعد العراقية التي تنتمي إلى الميليشيات المتحالفة مع إيران، التي وقعت هذا الفصل ربع السنوي، أدت إلى تفاقم التوترات المستمرة بين الولايات المتحدة وإيران وإلى تعقيد مهمة عملية العزم الصلب".
كان ذلك في خريف 2019. لكن الكثير تغير بعد مدة وجيزة، بعد أن قتلت ميليشيا مؤيدة لإيران مقاولاً أمريكياً في هجوم صاروخي في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
فلقد ردت الولايات المتحدة بهجمات جوية، وهاجمت الجماعات الإيرانية السفارة الأمريكية، وقتلت الولايات المتحدة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، وزعيم الميليشيا العراقي أبومهدي المهندس في يناير/كانون الثاني 2020.
ثم انتقلت إلى كردستان العراق وسوريا
عززت الولايات المتحدة منشآتها في العراق. وبحلول يناير/كانون الثاني 2021، غيرت الميليشيات المؤيدة لإيران من مسارها. إذ بدأت استهداف أربيل في منطقة كردستان، باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ لشن هجمات ضد القوات الأمريكية. رد الرئيس الأمريكي جو بايدن بهجمات جوية، استهدف أحدث هذه الهجمات وحدات مؤيدة لإيران في سوريا أواخر يونيو/حزيران. وردت الجماعات المؤيدة لإيران بقصف القوات الأمريكية في سوريا.
كان هذا هو السيناريو الذي أقلق الولايات المتحدة على مدى سنوات: أن تتدفق الهجمات المؤيدة لإيران إلى سوريا. إذ يُعرف على نطاق واسع أن إيران لديها موطئ قدم في سوريا، وأنه موطئ قدم راسخ. حاولت طهران أن تستخدم حزب الله لإطلاق طائرات مسيّرة ضد إسرائيل في خريف 2019. وأطلقت طائرة مسيرة ضد إسرائيل من قاعدة التياس الجوية العسكرية السورية في فبراير/شباط 2018 وأطلقت طائرة مسيرة أخرى في مايو/أيار 2021.
وحاولت كذلك إدخال منظومة الدفاع الجوي الإيرانية سوم خرداد إلى سوريا في أبريل/نيسان 2018. استُخدمت نفس المنظومة عن طريق إيران لإسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية غلوبال هوك في يونيو/حزيران 2019 قبالة السواحل الإيرانية.
وما هو معروف الآن أن إيران تبعث على ما يبدو برسائل بشأن هجمات جديدة ضد الولايات المتحدة في سوريا.
وقد تتضمن هجمات ضد القوات الأمريكية في حقل العمر النفطي أو في كونوكو، وهي منطقة تُعرف بتمركز القوات الأمريكية فيها. إذ إن صور الأقمار الصناعية التي نشرتها شبكة Aurora Intel من شركة Planet Labs، تُظهر أن إحدى المناطق بالمنشأة الأمريكية بحقل العمر النفطي، وتعرف باسم "القرية الخضراء"، تضررت حسبما يُزعم في قصف 28 يونيو/حزيران. وتضرر مستودع كذلك. وغالباً تملك الميليشيات الإيرانية معلومات استخباراتية مفيدة بالنسبة لها حول المنشآت الأمريكية. في أبريل/نيسان، استخدمت هذه الميليشيات طائرة مسيرة لاستهداف حظيرة طائرات تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في أربيل. إضافة إلى أن هجوم 26 يونيو/حزيران بالطائرات المسيرة في أربيل، استهدف منطقة بالقرب من القنصلية الأمريكية الجديدة.
حرب السفن
تعد حرب السفن بين إيران وإسرائيل أبرز مظاهر الصراع المنخفض الكثافة في المنطقة.
فلقد كشفت صحيفة wall street journal الأمريكية، 11 مارس/آذار 2021، أن إسرائيل استهدفت ما لا يقل عن 12 سفينة متجهة إلى سوريا، تنقل في الغالب نفطاً إيرانياً، خشية استخدام أرباح النفط لتمويل أذرعها في الشرق الأوسط، فيما وصفه التقرير بـ"فتح جبهة جديدة في الصراع الإسرائيلي الإيراني".
كما أشارت تقارير وسائل الإعلام الإيرانية إلى استهداف سفينة إسرائيلية متجهة نحو الهند عبر الخليج، ضمن رسائل إيرانية بشأن استهداف مزيد من السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل.
بدأت إيران في استهداف السفن في مايو/أيار 2019، لكنها صعّدت من وتيرة هذه الهجمات التي تستهدف السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل في فبراير/شباط 2021. اتهم المسؤولون الإسرائيليون إيران بمسؤوليتها عن حادث واحد على الأقل من هذه الحوادث.
وكان لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس كلمات قوية بحق إيران يوم الأحد 4 يوليو/تموز، إذ قال إن إسرائيل لن تقبل أنشطة إيران ورسوخها في المنطقة. وأوضح أن طهران تعرف أن إسرائيل مستعدة للتحرك. بحسب الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت اجتماعاً أمس الأحد 4 يوليو/تموز لمناقشة القضايا الأمريكية الإيرانية والحديث عن احتمالية عودة واشنطن إلى ما يعرف بالاتفاق الإيراني.
حرب السفن بين إيران وإسرائيل، والتوترات الإيرانية الأمريكية في العراق وسوريا والتوترات الإيرانية الإسرائيلية في سوريا مرشحة للتصاعد.
وتتضمن هذه التوترات والحوادث هجمات تنفذها الجماعات المؤيدة لإيران.
ويبدو أن الأمر سيتوقف على تطورات الملف النووي الإيراني.