في شكل جديد من الاستيطان السرطاني الذي يتمدد على ما تبقى من أراضي الفلسطينيين بالضفة الغربية، تحولت حقول بلدة سنجل، إلى الشمال من مدينة رام الله، إلى مراعٍ يجوب فيها مستوطنون إسرائيليون بقطيع أغنامهم، في محاولة منهم للسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية لصالح مشاريع استيطانية.
يقول أصحاب الأراضي إن "الاستيطان الرعوي" وجه جديد للاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، التي تعيش يومياً حالة مواجهة وتهديد استيطاني. وقال المزارعون الفلسطينيون لوكالة الأناضول إن قطعاناً من النعاج جابت حقولهم وحولتها لخراب ودمار.
"الاستيطان الرعوي" بقوة السلاح وبحماية الجيش الإسرائيلي
يرصد نشطاء في بلدة سنجل التي يقطنها نحو 6 آلاف مواطن مشاهد من تجول الرعاة اليهود بقطعانهم في حقول البلدة، مضيفين أنهم رأوا أحد المستوطنين الرعاة مسلحاً، ويستمد الحراسة من معسكر للجيش الإسرائيلي قرب الموقع، إضافة لحمايته من "حراس سلسلة المستوطنات".
وتحيط بالبلدة 5 مستوطنات كحزام من الغرب حتى الشرق، وهي: "معاليه ليفونة، وعيلية، وهارواة، وجفعات هاروئيه، وشيلو".
وفي الحقول المزروعة بأشجار الزيتون، والمشمش، تبدو لوهلة أنها أكثر المناطق هدوءاً، لكن قدوم "المستوطنين الرعاة" بقطيعهم يعكر الصفاء.
يقول المزارعون إن أحدهم حط في أراضيهم صيف العام الماضي، وشهدت الحقول مواجهات مع الجيش الإسرائيلي والمستوطن المسلح في حينه، ما دفعه للجوء وبناء بؤرته في موقع قرب معسكر للجيش والمستوطنات المقامة.
تهديد جديد للفلسطينيين وأراضيهم بالضفة الغربية
المزارع الفلسطيني حسام عايدة (67 عاماً) يواظب منذ سنوات على العمل في حقول الزيتون، يزرع أشجاراً، ويقلمها، ويستصلح أخرى، يقول إنه "يسعى لحماية ما تبقى من أراضي البلدة من السرقة والاستيلاء عليها من قبل المستوطنين".
يقول للأناضول، بينما يزيل بعض الأعشاب الضارة في حقله: "نواجه تهديداً جديداً من قِبل المستوطنين الرعاة، الذين يسعون للسيطرة على هذه الأراضي".
يشير عايدة إلى عدد من المستوطنات التي شيدت على قمم جبال تحيط ببلدته وحقولها الزراعية، قائلاً: "يسعون لخلق تجمع استيطاني كبير، هذا الراعي أظنه ضابط مخابرات، يخرب الأراضي بقطيعه، يستهدف الأراضي والمزارعين، ويمنع الرعاة من رعي أغنامهم هنا".
وقبل سنوات، سيطر مستوطنون على نحو 38 دونماً (الدونم يعادل ألف متر مربع)، من أراضي "عايدة"، لكنه لا يزال يأمل استعادتها عبر القضاء.
مرات عديدة حاول "المستوطن الراعي" طرد عايدة من حقله، وبحماية من الجيش الإسرائيلي، لكنه فشل. ويقيم "المستوطن الراعي" في خيام وبركسات في قطعة أرض قرب معسكر إسرائيلي على أراضي بلدة سنجل، وعادة ما يزوره سياح ووفود إسرائيلية، بحسب مزارعين فلسطينيين.
محاولات لصنع تهجير جديد للفلسطينيين من أراضيهم
إلى جوار "المستوطن الراعي"، هناك حقول فلسطينية استولى عليها مستوطنون وتحولت لكروم من العنب، يقول المزارع ربحي غفري (63 عاماً)، إن "الاستيطان الإسرائيلي استهدف أكثر الأراضي خصوبة، والمعروفة بـ(الرفيد)".
ويشير إلى أن "المستوطن الراعي" جزء من مخطط استيطاني إسرائيلي للسيطرة على أكبر قدر ممكن من أراضي البلدة، والبلدات المجاورة".
ويضيف للأناضول أن "المستوطن الراعي نفذ أعمال تخريب عديدة، أبرزها رش أشجار زيتون معمرة بمواد كيماوية أدت لإتلافها". ويتابع: "يتعدى وجوده كراعٍ، بل تنفيذ مشروع استيطاني لتهجير السكان من أراضيهم وتركها دون عناية بهدف السيطرة عليها بحجة أنها أراض متروكة".
ويملك "غفري" نحو 60 دونماً، يواصل العمل فيها، يقول إنه تعرض لأعمال تخريب وقلع أشجاره، لكنه يعيد الكرة ويزرعها من جديد. ويؤكد: "لن نترك الأرض للمستوطنين".
الهدف وضع حزام استيطاني يخنق الأراضي الزراعية الفلسطينية
ويحيط بـ"سنجل" وحدها خمس مستوطنات تمتد من الشرق إلى الغرب، إضافة إلى معسكر للجيش الإٍسرائيلي، بحسب رئيس بلديتها معتز طوافشة. ويقول طوافشة للأناضول إن "الراعي" مدعوم من مجلس المستوطنات الإسرائيلية، الذي يوفر له الدعم والحماية.
ويضيف أن "وظيفته الرسمية إقامة بؤرة استيطانية، اليوم خزان ماء وبيت من الشعر، ثم يتحول لبؤرة استيطانية ومن ثم مستوطنة". ويتابع: "كثيراً ما تأتي وفود للمستوطن ويساعدونه في تنظيف الأراضي لتغيير معالمها والسيطرة عليها بحجة أنها متروكة". ويكمل: "متروكة لأنه من غير المسموح لنا الوصول إليها وزراعتها بفعل الاستيطان الإسرائيلي".
ويملك سكان "سنجل" نحو 16 ألف دونم، بينها 3 آلاف بين مصادرة ومهددة بالمصادرة لصالح المستوطنات الإسرائيلية.
مشهد "المستوطن الراعي" يتكرر في عديد من المواقع في الضفة الغربية المحتلة، بحسب نشطاء. وعادة ما توفر إسرائيل الحماية الأمنية لهم، ويمدهم مجلس المستوطنات بالخراف والأبقار، وحتى بمولدات الكهرباء، والبيوت المتنقلة وكثير من الخدمات، الأمر الذي يهدد الزراعة الفلسطينية.
كما يهدد بالاستيلاء على الأراضي وتحويلها إلى أراضي دولة، أو إقامة مستوطنات عليها. ويعيش حوالي 650 ألف إسرائيلي حالياً في أكثر من 130 مستوطنة تم بناؤها منذ عام 1967، عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية والقدس الشرقية. ويعتبر القانون الدولي الضفة الغربية والقدس الشرقية أراضيَ محتلة، ويعتبر جميع أنشطة بناء المستوطنات هناك غير قانونية.