بعد حادثة وفاة مأساوية لشرطي مصاب بفيروس كورونا أثارت غضباً واسعاً في البلاد، تسود تونس مخاوف من اجتياح ما وصفه البعض بـ"تسونامي كورونا" وسط استمرار ارتفاع معدلات الإصابة بالفيروس وانتشار العدوى بنسق سريع.
وعبّر الآلاف من التونسيين، ورواد مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبهم إثر واقعة وفاة رجل أمن تونسي أمام مستشفى في محافظة القيروان، الإثنين 28 يونيو/حزيران 2021، جرّاء تعرضه لمضاعفات ناجمة عن إصابته بفيروس كورونا، دون أن يحظى بالرعاية الصحية التامة.
وأظهر مقطع فيديو، انتشر بشكل واسع على منصات التواصل، رجلاً يدعى جمعة عبود بزي مدني، وهو يحتضر أمام بوابة مستشفى ابن الجزار بالقيروان، دون أن يلتفت له أحد، بينما كان يستجدي أسطوانة أوكسجين، بسبب معاناته من مضاعفات الفيروس.
التونسيون يخشون من "تسونامي كورونا" بعد انتشار السلالات الجديدة
حادثة الشرطي في القيروان والحالة المأساوية التي تمر بها المشافي التونسية أضافت إلى مخاوف التونسيين، خصيصاً بعد اكتشاف سلالات متحورة على غرار البريطانية والهندية من الفيروس، مثل متحور دلتا. في المقابل لا يزال نسق التطعيم باللقاح المضاد للفيروس بطيئاً، إذ لم يتجاوز عدد من تلقوا جرعتين من اللقاح حتى الآن 500 ألف شخص.
وهذا "التسونامي" المحتمل لا يمكن إيقافه وفق متابعين إلا عبر حملات تلقيح كبيرة وتوعية للأشخاص بضرورة تطبيق الإجراءات الصحية وتدابير الوقاية من الفيروس في البلاد.
الإجراءات والتدابير، أقرتها السلطات التونسية مؤخراً، وتتمثل في غلق المناطق التي تتراوح فيها أعداد الإصابات بين 300 و400 حالة إصابة لكل 100 ألف نسمة، مع تطبيق حجر شامل في تلك المناطق لمحاصرة الفيروس مخافة انتقال العدوى.
مؤشر الوضع الوبائي في تونس "مرتفع جداً"
وكانت الناطقة باسم وزارة الصحة نصاف بن علية، أكدت الجمعة أن آخر مؤشر للوضع الوبائي يصنف بـ"المرتفع جداً".
فيما يقول رئيس لجنة الصحة بالبرلمان العياشي الزمال لوكالة الأناضول إنّ "كل المؤشرات اليوم تدل على أننا نواجه وضعاً خطيراً جداً، نظراً لارتفاع عدد الإصابات في المحافظات التي وصلت إلى 400 حالة لكل مئة ألف ساكن وبالتالي دخلت في منطقة الخطر".
وأضاف الزمال: "الأمر منذر بالخطر، خاصة أن طاقة استيعاب المستشفيات لم تعد تستجيب لطلبات المرضى وأعدادهم المرتفعة". وزاد أنه "رغم إقامة مستشفيات ميدانية في عدة مناطق وتدعيم البنية التحتية فإن الكوادر الطبية وشبه الطبية أجهدت منذ أكثر من سنة ونصف السنة في مواجهة هذا الوباء".
وسجلت تونس، السبت، 90 وفاة و4664 إصابة بكورونا، في أعلى معدل يومي للإصابات، كما سجلت الأحد 3534 إصابة و75 وفاة، وبذلك يبلغ إجمالي الإصابات 403 آلاف و493، منها 14654 وفاة.
المسؤولية الاجتماعية والاستراتيجية الحكومية الخاطئة في التعامل مع الوباء
في السياق ذاته، وصف الطبيب الصحبي بن فرج "الوضع الصحي في تونس بالكارثي"، موضحاً أن "الأرقام المسجلة تعد من أعلى الأرقام في العالم على مستوى انتشار العدوى والوفيات".
واعتبر بن فرج أن "المنظومة الصحية في تونس جيدة، وقاومت وحاولت إعطاء كل ما عندها، ولكنها ليست الأفضل في العالم". ولفت إلى أن "ما وصلنا إليه اليوم ناتج عن الاستهتار على المستوى الشعبي العام"، حسب تعبيره.
واستدرك بالقول: "لكن لا يمكن توجيه اللوم للشعب على حدة، وإنما اللوم الكبير يوجه للسلطات الحكومية"، لأنها برأيه "لم تنجح لا في توعية الشعب ولا في تقوية المنظومة العمومية، ولا في جلب كم هام من اللقاحات ووضع استراتيجية وطنية ناجعة، لحث المواطنين على التسجيل وتلقي المطعوم".
وأوضح بن فرج أنّ "الحكومتين السابقة والحالية لم تجيدا التعامل منذ البداية مع الوضع الصحي، وأن الإجراءات المتخذة لم تنقذ الاقتصاد ولا الأرواح".
وزاد أن "إقرار حجر صحي شامل في مارس/آذار 2020 لم يكن قراراً موفقاً، خاصة أن عدد الوفيات حينها كان ضئيلاً في عمومه، ولم يتجاوز 50 وفاة، إذ كانت تونس في تلك الفترة تمر بموجة كورونا خفيفة". مشيراً إلى أنه "لم يكن هناك حينها تناسق بين الوضع الوبائي والإجراءات المتخذة".
"كان من المفترض على السلطات أن تمضي في اقتناء اللقاحات منذ (يوليو) تموز الماضي، لتجنيب البلاد ما آلت إليه الأمور اليوم، وهو ما قامت به أغلب دول العالم".
واعتبر بن فرج أن "هناك من يطالب بالحجر الصحي الشّامل وهو الحد الأقصى الذيّ يمكن أن يوقف نزيف الإصابات والوفيات، ولكن هذا الإجراء يتطلب إجراءات مرافقة، ولكن السلطة في تونس تعرف جيداً أنها غير قادرة على غلق بلد بأكمله والتعويض المادي للناس في المقابل".
ويرى رئيس لجنة الصحة العياشي الزمال، أن "هناك مخاوف اليوم من أن تخرج الأمور عن السيطرة، وأن يتم تجاوز طاقة استيعاب المستشفيات، وحينها سنكون في وضع صعب للغاية". وقال: "كلنا مسؤولون اليوم أمام ما تعيشه البلاد من وضع صحي صعب، بدءاً من رئيس الجمهورية إلى الحكومة إلى البرلمان إلى المواطن، وكلنا شركاء في مجابهة هذا الوباء، ولكن الحكومة تتحمل المسؤولية الأكبر طبعاً".
واقع اقتصادي صعب والتلقيح بوتيرة أسرع هو الحل
وعن التأثيرات الاقتصادية للأزمة، لفت العياشي الزمال إلى أن "انتشار الوباء خلّف أموراً نفسية معقدة لدى التونسيين، كما أن الجميع أُنهك، فعلى المستوى الاقتصادي نعيش ركوداً واجتماعياً أيضاً اتسعت رقعة الفئات الهشة أكثر فأكثر".
مشيراً إلى أن "السياحة التي تعد قطاعاً حيوياً في تونس تعاني للموسم الثاني تعطيلاً، وهو ما سيخلق بطالة وفئات هشة أكبر، وكله ينعكس على الحملة الصحية ومجابهة الوباء، لأننا قادرون على اتخاذ قرارات أكثر نجاعة (في إشارة للحجر الشامل)، ولكن يصعب تطبيقها نظراً لكل تلك الظروف". مشدداً على أنه "يجب أن يكون هناك توازن بين ما هو اقتصادي واجتماعي وما هو صحي".
واعتبر الزمال أيضاً أنّ "الحل الأمثل للخروج من هذه الأزمة هو التلقيح.. تونس تأخرت في هذا المجال، ولكن النسق بدأ يتحسن في الفترة الأخيرة، وبدأنا القيام بحملات تلقيح متنقلة في الأرياف، وبدأت تؤتي أُكلها".
ولفت إلى أنّ "الوضع لا يزال تحت السّيطرة، ولكن إذا لم يتم اتخاذ إجراءات نمنع بها التظاهرات وحفلات الأعراس والحفلات عموماً وفرض الإجراءات الوقائية وارتداء الكمامة والتباعد الجسدي، قد نصل حينها إلى ما يُعرف بتسونامي كورونا".
وفي السياق ذاته، قال الطبيب بن فرج: "حالياً نحن دولة في حالة شبه إفلاس ولا يمكنها التعويض، ما جعل الحكومة تلتجئ لحلول نصفية أو جزئية". وشدد على أنّ "الحل الأنجع اليوم هو جلب اللقاحات والقيام بحملة كبرى لتطعيم أكبر عدد ممكن من الأفراد". وأشار إلى أنه "مهما كانت جنسية اللقاح فإن هناك دائماً حماية من الفيروس بنسبة تفاوت بين 60 أو 70 إلى 90%".
وبحسب بن فرج، فإنه يصح توصيف الوضع "بتسونامي"، خاصة مع ما وقع في القيروان مؤخراً، ومع وجود نسب تحاليل إيجابية مرتفعة فاقت 80%. وتابع: "يصعب على الدولة بناء مستشفيات في كل مكان، ولكن المطلوب منها العمل بأقصى الجهود لجلب أكثر ما يمكن من اللقاحات".
السلالات الجديدة في تونس
وحول السلالات الجديدة وخطورتها، اعتبر الزمال أن "ظهور السلالة الهندية دلتا يخيفنا، ولكن في حال تطبيق الإجراءات بالشكل المطلوب سنتجاوز مرحلة الخطر وسنبقى مسيطرين على الوضع الوبائي".
وتابع: "تأتى المخاوف من السلالة الهندية نظراً لسرعة انتشارها، لأن الشخص الواحد يمكن أن يعدي من 5 إلى 10 أشخاص، وأن الجميع معني بها أطفالاً كانوا أو رضعاً أو شباباً".
وبحسب الزمال، فإن "الحجر الصحي الشامل هو الحل الأمثل، ولكن الإشكال يكمن في إمكانية تطبيقه من عدمها". واعتبر أن البلاد تشكو اليوم من "نقص الوعي بخطورة المرحلة، وأنه يمكن مجابهة ذلك بحملات إعلامية صادمة تنبه المواطنين إلى خطورة الوضع، وأنه يجب توحيد الجهود وتوجيهها لمجابهة هذا الوباء".